خطبة عن (الرحمة من أخلاق المؤمنين)
مايو 16, 2024خطبة عن (الحج رحلة إيمانية)
مايو 19, 2024الخطبة الأولى ( إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (19) فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ) (19) ،(20) آل عمران
إخوة الإسلام
القرآن الكريم : هو حبل الله المتين ، وهو الذكر الحكيم ،والصراط المستقيم ،من عمل به أجر، ومن حكم به عدل ،ومن دعا إليه هدى إلى صراط مستقيم . القرآن الكريم: أساس رسالة التوحيد، والمصدر القويم للتشريع، ومنهل الحكمة والهداية، والرحمة المسداة للناس، والنور المبين للأمة، والمحجة البيضاء التي لا يزغ عنها إلا هالك وموعدنا اليوم إن شاء الله مع آية من كتاب الله ، نتلوها ، ونتفهم معانيها ، ونسبح في بحار مراميها ، ونعمل إن شاء الله بما جاء فيها ، مع قوله تعالى : (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ) آل عمران (19)، وقد جاء في تفسير ابن كثير : قوله : (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ) إخبار من الله تعالى بأنه لا دين عنده يقبله من أحد سوى الإسلام ، وهو اتباع الرسل فيما بعثهم الله به في كل حين ، حتى ختموا بمحمد صلى الله عليه وسلم ، الذي سد جميع الطرق إليه إلا من جهة محمد صلى الله عليه وسلم ، فمن لقي الله بعد بعثته محمدا صلى الله عليه وسلم بدين على غير شريعته ، فليس بمتقبل . كما قال تعالى : (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (85) آل عمران ، وقال في هذه الآية مخبرا بانحصار الدين المتقبل عنده في الإسلام : (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ) آل عمران (19) ، ثم بين الله سبحانه- أن اختلاف أهل الكتاب في شأن الدين الحق لم يكن عن جهل منهم بالحقائق وإنما كان سببه البغي والحسد وطلب الدنيا فقال- تعالى- (وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ ) آل عمران (19) .أي: وما كان خلاف الذين أوتوا الكتاب من اليهود والنصارى فيما جاءهم به الرسول صلّى الله عليه وسلّم إلا من بعد أن علموا بأن ما جاءهم به هو الحق الذي لا باطل معه، فخلافهم لم يكن عن جهل منهم بأن ما جاءهم به هو الحق وإنما كان سببه البغي والحسد والظلم فيما بينهم. وفي التفسير الميسر : إن الدين الذي ارتضاه الله لخلقه وأرسل به رسله، ولا يَقْبَل غيره هو الإسلام، وهو الانقياد لله وحده بالطاعة والاستسلام له بالعبودية، واتباع الرسل فيما بعثهم الله به في كل حين حتى خُتموا بمحمد صلى الله عليه وسلم، الذي لا يقبل الله مِن أحد بعد بعثته دينًا سوى الإسلام الذي أُرسل به. وجاء في تفسير السعدى : ولما قرر أنه الإله الحق المعبود، بين العبادة والدين الذي يتعين أن يعبد به ويدان له، وهو الإسلام الذي هو الاستسلام لله بتوحيده وطاعته التي دعت إليها رسله، وحثت عليها كتبه، وهو الذي لا يقبل من أحد دين سواه، وهو متضمن للإخلاص له في الحب والخوف والرجاء والإنابة والدعاء ومتابعة رسوله في ذلك، وهذا هو دين الرسل كلهم، وكل من تابعهم فهو على طريقهم .. )،
أيها المسلمون
إن هذا الكون الفسيح كله يدين بدين الإسلام، قال الله تعالى: “أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ” (آل عمران،83)، فطاعة الله عز وجل والاستسلام والإسلام لأمره، هي الحقيقة التي يدين بها الكون كله، ومن هنا يأتي نظامه وتكامله وتعاونه مع بعضه بعضا. وتديّن الكون لله عز وجل يشمل أمرين : الأول : الخضوع القهري والتقيد بما وضع الله عز وجل في الكون من سنن ربانية يسير عليها الكون، اكتشف الإنسان بعضها، وكثير منها لم يكتشف بعد. والأمر الثاني : طاعة الله عز وجل وعبادته بالسجود والتسبيح والطواف، قال الله تعالى: “إِنَّ الَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ” (الأعراف 206)، وقال الله تعالى: “تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا” (الإسراء، 44). وبهذا يتبين لنا أن دين الإسلام ليس ديناً للمسلمين فقط، بل هو دين للكون كله “إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الإِسْلامُ ” (آل عمران، 19). والبشر، وهم من جملة المخلوقين في هذا الكون الفسيح، طلب منهم ربهم الخالق الرازق المدبر أن يدينوا بدين الإسلام رغبة واختياراً كما هم مسلمون له كرها واضطرارا بخضوعهم لسننه وقوانينه في أنفسهم والكون من حولهم، وأنهم منحوا حرية ممارسة العبودية الطوعية، ولذلك سخّر لهم ما في الكون، ولكن سيحاسبون في الآخرة على الكفر بالله عز وجل أو عصيانه وتجاوز دينه، وهو الإسلام، قال الله تعالى: “وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ” (آل عمران، 85). فدين الإسلام هو دين البشرية كلها من نشأتها إلى نهايتها، قال الله تعالى: “قُولُواْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ” (البقرة، 136). وجوهر دين الإسلام الذي حمله الأنبياء والرسل لأممهم عبر التاريخ، هو الاستسلام لله عز وجل والاعتراف له بالطاعة، قال الله تعالى: قال الله تعالى: “وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ” (الأنبياء: 25).
أيها المسلمون
وقد ظهرت في هذا العصر فرقة تتلخص عقيدتها : بأن الديانات الكبرى كاليهودية والنصرانية والهندوكية والبوذية وغيرها هي أديان صحيحة ومقبولة عند الله تعالى، وأن المخلصين من أتباعها يصلون إلى الحق وينجون من النار ويدخلون الجنة دون حاجة في كل هذا إلى الدخول إلى الإسلام. وعلى هذا القول المزعوم يقول الامام : بن باز : هذا الزعم المذكور باطل بالنصوص من الكتاب والسنة وإجماع العلماء. أما الكتاب: فقوله جل وعلا: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ ) [آل عمران:19]، وقوله سبحانه: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [آل عمران:85] ، وقوله تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِينًا ) [المائدة:3] ، وأما السنة: فمنها ما رواه مسلم في صحيحه : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ « وَالَّذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لاَ يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ يَهُودِيٌّ وَلاَ نَصْرَانِيٌّ ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ إِلاَّ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ ». وفي البخاري( قال جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ : « أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِي ، وذكر منها … وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً ، وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ عَامَّةً » ، وقد أجمع العلماء على أن رسالة محمد ﷺ عامة لجميع الثقلين، وأن من لم يؤمن به ويتبع ما جاء به فهو من أهل النار ومن الكفار، سواء كان يهوديا ،أو نصرانيا ،أو هندوكيا ،أو بوذيا أو شيوعيا ، أو غير ذلك. وجميع الديانات المخالفة للإسلام فيها من الشرك والكفر بالله ما يخالف دين الإسلام الذي بعث الله به الرسل ،وأنزل به الكتب ،وبعث به نبيه محمدا ﷺ خاتم الأنبياء وأفضلهم. وفيها عدم الإيمان برسول الله محمد ﷺ وعدم اتباعه، وذلك كاف في كفرهم ،واستحقاقهم غضب الله وعقابه ،وحرمانهم من دخول الجنة ،واستحقاقهم لدخول النار ،إلا من لم تبلغه دعوة الرسول ﷺ، فهذا أمره إلى الله تعالى،
أيها المسلمون
ونحن اليوم في هذه الفترة العصيبة من أوقات المسلمين أمام مرحلة جديدة مرحلة ما يمكن أن تسمى بمرحلة تسويق الإسلام الجديد، ففي ظل الضعف الشديد الذي تعانيه أمة المسلمين على مختلف الأصعدة، وفي ظل سطوة الكافرين وظلمهم وطغيانهم بعدما حازوا أسباب القوة وتفوقوا فيها على المسلمين واحتكروها، دب الضعف والخور في نفوس طائفة من المسلمين من الوجهاء ومن بعض من يتعاطون شيئا من العلوم الشرعية، فلم يروا مخرجا من ذلك إلا عن طريق التقارب مع ما أفرزته الحضارة الغربية المادية التي لا تتعامل إلا مع المحسوسات، والقبول بما جاءت به وعدم معارضتها، وفي ظل ذلك بدأت تغزو أسماعنا الآن كلمات مثل الإسلام المدني، والإسلام الديمقراطي ، والإسلام الليبرالي، ثم الحديث عن قيم الإسلام التنويري، والانفتاح على الآخر المختلف الثقافي والديني، والتعاون في سبيل المشترك الإنساني وعدم نفي الآخر أو تهميشه، والتواصل بين المؤمنين في العالم (اليهود، النصارى، المسلمون) في سبيل خير الإنسانية ، فالمعركة اليوم شديدة وقائمة على أشدها، وهي بكل أسف وأسى لا يديرها العدو الكافر المعلن بكفره وعداوته، وإنما يديرها مسلمون من جلدتنا ويتكلون بألسنتنا ويحتجون بما نحتج به من القرآن والسنة ( لكن على غير الوجه السليم والاستدلال المستقيم) ، وقد بين لنا هذه الحقيقة الساطعة حذيفة بن اليمان ، كما في الصحيحين : أن (حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ يَقُولُ كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – عَنِ الْخَيْرِ ، وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ ، مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا كُنَّا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَشَرٍّ فَجَاءَنَا اللَّهُ بِهَذَا الْخَيْرِ ، فَهَلْ بَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ قَالَ « نَعَمْ » . قُلْتُ وَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الشَّرِّ مِنْ خَيْرٍ قَالَ « نَعَمْ ، وَفِيهِ دَخَنٌ » . قُلْتُ وَمَا دَخَنُهُ قَالَ « قَوْمٌ يَهْدُونَ بِغَيْرِ هَدْىٍ ، تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَتُنْكِرُ » . قُلْتُ فَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ قَالَ « نَعَمْ ، دُعَاةٌ عَلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ ، مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا » . قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا . قَالَ « هُمْ مِنْ جِلْدَتِنَا ، وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا » . قُلْتُ فَمَا تَأْمُرُنِي إِنْ أَدْرَكَنِي ذَلِكَ قَالَ « تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ » . قُلْتُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلاَ إِمَامٌ قَالَ « فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا ، وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ بِأَصْلِ شَجَرَةٍ ، حَتَّى يُدْرِكَكَ الْمَوْتُ ، وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ »
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
فالإسلام الجديد الذي يروج له اليوم في الدوائر الإعلامية والرسمية يتكلم به ناس من جلدتنا ويتحدثون عنه بلغتنا ، وهو ليس الإسلام الي طلبه الله منا ورضيه لنا، فليس هو إسلام الجهاد في سبيل الله لنشر دعوة الله بين العالمين لأن ذلك وفق الفهم العصري للإسلام عدوان وهمجية تأباها الإنسانية المتمدنة، وإنما هو إسلام التعاون والتآخي بين المسلمين واليهود والنصارى على أساس أن المؤمنين أخوة، وليس هو إسلام الدفاع عن الحقوق والبلاد والعباد لأن ذلك إرهاب يهدد السلم العالمي ، وإنما هو إسلام المحبة والتصالح مع الأعداء من أجل أمن المجتمعات، والإقرار بحق الأعداء في العدوان على ديار المسلمين من أجل الحفاظ على أمنهم ومصالحهم، وحق احتلال الأراضي واقتطاع أجزاء منها تضمن لهم ذلك، وليس هو إسلام الولاء للمؤمنين والبراءة من الكافرين ، وإنما هو إسلام بذل المحبة للجميع للمسلم الصالح وللكافر المعاند لأن ذلك من قيم التحضر والتمدن التي غابت عن المسلمين قرونا طويلة بسبب التأزم النفسي من الصراع مع غير المسلمين، وليس هو الإسلام الذي يمنع الربا في المعاملات المالية والاقتصادية لأن ربا اليوم ليس كربا الأمس ربا الجاهلية القائم على الجشع، وإنما ربا اليوم إنما يعمل على رفاهية المجتمعات وتحقيق التنمية، وأن الاقتصاد لا يقوم إلا به وأن الدول لا تنهض إلا عليه، وليس هو إسلام التمسك والاعتصام بالكتاب والسنة وتقديم كلام الله وكلام رسوله على قول كل أحد، لأن هذا تنطع وتشدد وتزمت، يرفضه دين السماحة واليسر ،وليس هو إسلام التزام المرأة بما حد الله لها لأن هذا يعبر عن النظرة الدونية للمرأة، وإنما هو الإسلام الذي لا يمنع من تبرج المرأة وإظهارها لزينتها واختلاطها بالرجال ، وليس هو إسلام الثبات الذي يظل الحرام فيه حراما والحلال حلالا والواجب واجبا لأن هذا تحجر وجمود ولا يراعي خصوصيات الزمان والمكان والمستجدات العصرية ، وإنما هو إسلام التطور والمرونة ومجاراة العصر حتى لو أدى ذلك للخروج على أحكامه المعلومة ما دام أن ذلك الخروج يحقق المصلحة فالدين ما جاء إلا لتحقيق المصالح
أيها المسلمون
إن هذا الدين قد أكمله الله ،وأتم به النعمة علينا ، ورضيه لنا دينا ، قال الله تعالى : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) المائدة 3، فلا تضيعوا نعمة الله عليكم التي حباكم بها ،واقدروا هذه النعمة حق قدرها ،واعلموا أن ما لم يكن دينا على عهد الرسول ? أو على عهد خلفائه الراشدين فليس اليوم دينا، فما لم يعرفه أبو بكر ،ولا عمر ،ولا عثمان ،ولا علي ،ولا السابقون الأولون ،ولا أصحاب الشجرة فليس من الدين، فالأمر جد ، وليس بالهزل ، وقد قال الله تعالى : (فَلَا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ (8) وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ) (8)، (9) القلم ، وأمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بالوضوح التام في تلك القضايا المصيرية التي لا تحتمل إلا وجها واحدا فقال الله تعالى : (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ) (1) ،(2) الكافرون ، وقد حذرنا الرسول الكريم من هذا الصنف الذي يعمل على إفساد الدين في جمل قاطعة وواضحة ، فقد روى مسلم (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ :« سَيَكُونُ فِي آخِرِ أُمَّتِى أُنَاسٌ يُحَدِّثُونَكُمْ مَا لَمْ تَسْمَعُوا أَنْتُمْ وَلاَ آبَاؤُكُمْ فَإِيَّاكُمْ وَإِيَّاهُمْ » . ، وفي رواية له :« يَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ دَجَّالُونَ كَذَّابُونَ يَأْتُونَكُمْ مِنَ الأَحَادِيثِ بِمَا لَمْ تَسْمَعُوا أَنْتُمْ وَلاَ آبَاؤُكُمْ فَإِيَّاكُمْ وَإِيَّاهُمْ لاَ يُضِلُّونَكُمْ وَلاَ يَفْتِنُونَكُمْ ».ومهمة العلماء الراسخين في رد تلك الهجمة مهمة جليلة وعظيمة، وهذا هو دورهم، ولا يصلح أن تترك قيادة السفينة في بحر قد تلاطمت أمواجه إلا للربان الخبير ، فهل من مستجيب؟
الدعاء