خطبة عن (يوم عرفة) 1
يونيو 1, 2024خطبة عن (منزلة الحج ويوم عرفة) مختصرة
يونيو 1, 2024الخطبة الأولى ( أَحِبُّوا اللَّهَ لِمَا يَغْذُوكُمْ مِنْ نِعَمِهِ وَأَحِبُّونِي بِحُبِّ اللَّهِ وَأَحِبُّوا أَهْلَ بَيْتِي لِحُبِّي )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى الترمذي في سننه بسند حسن وصححه الحاكم ووافقه الذهبي وصححه السيوطي وأخرجه البخاري في التاريخ الكبير, وضعفه شيخ الاسلام ابن تيمية والألباني : (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « أَحِبُّوا اللَّهَ لِمَا يَغْذُوكُمْ مِنْ نِعَمِهِ وَأَحِبُّونِي بِحُبِّ اللَّهِ وَأَحِبُّوا أَهْلَ بَيْتِي لِحُبِّي ».
إخوة الإسلام
موعدنا اليوم إن شاء الله مع هذا الهدي النبوي ، والذي يرشد فيه أمته وأتباعه إلى حب الله تعالى ، وحب رسوله صلى الله عليه وسلم ، وحب آل بيته عليهم رضوان الله تعالى ، ففي قوله صلى الله عليه وسلم : (أَحِبُّوا اللَّهَ لِمَا يَغْذُوكُمْ مِنْ نِعَمِهِ ) ، فالقلبَ مفطور على أن يحبَّ وينشغل بمحبوبه، وكمال فطرته أن يكون المحبوب هو الله جلّ جلاله، قال ابن تيمية: “ليس للخلق محبة أعظم ولا أكمل ولا أتم من محبة المؤمنين لربهم، وليس في الوجود ما يستحق أن يحَبَّ لذاته من كل وجه إلا الله تعالى، وكل ما يُحَبُّ سواه فمحبته تبع لحبه، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم إنما يحَبُّ لأجل الله ويُطاع لأجل الله ويُتَّبع لأجل الله”، (أَحِبُّوا اللَّهَ لِمَا يَغْذُوكُمْ مِنْ نِعَمِهِ ) ، فالله تعالى أسبغ على الإنسان وافر النعم، نعم ظاهرة وأخرى باطنة، نعم لا تعد ولا تحصى، قال الله تعالى : (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) (18) النحل ، ولما عجز الإنسان عن إحصاء هذه النعم وتعدادها جمعها العلماء جزاهم الله خيرا في ثلاث نعم عظيمة، فأي نعمة يحس بها الإنسان أو يراها أو يسمع بها في هذا الوجود إلا ولها مكان داخل هذه النعم الثلاثة، وهي: نعمة الإيجاد، ونعمة الإمداد، ونعمة الهداية. ويجمعها قوله تعالى 🙁سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1) الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (2) وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى) (1) :(3) الاعلى ، فالخلق والتسوية دليل على نعمة الإيجاد، وتقدير الأرزاق وتمهيد الأرض للحياة دليل على نعمة الإمداد، واهتداء الخلق إلى ما ينفعهم ويصلحهم في دنياهم وأخراهم دليل على نعمة الهداية ، فنعمة الايجاد ، فالإنسان هو ذلك الكائن الذي خلقه الله تعالى في أحسن تقويم، خلقه فسواه فعدله في أي صورة ما شاء ركبه؛ خلقه الله بيديه، ونفخ فيه من روحه، وعلمه من علمه، وأسجد له ملائكته، وسخر له ما في السموات؛ وما في الأرض، وكرمه الله تعالى وفضله على كثير ممن خلق تفضيلا. وأما نعمة الإمداد : فبعد أن خلق الله تعالى الإنسان أمده بكل ما يقيم لحياته استقرارا، ويعطي لنسله دواما واستمرارا، إذ سخر له هذا الكون كله، بسمائه وأرضه، بشمسه وقمره، ببحره وبره، بنباته ودوابه وشجره، بكل ما فيه لخدمته، يقول الله جز وجل يعدد على الإنسان نعمه: (أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ) لقمان 20 . وأما نعمة الهداية : فمن إتمام الله نعمته على الإنسان أن هداه، وذلك أن الله تعالى أرسل له أنبياء ورسلا مبشرين ومنذرين، وأنزل عليه كتبا فيها الحق والهدى والنور المبين. فالله تعالى لما خلق الإنسان وسواه ثم أمده بنعمه، هداه إلى سبيل الخير والشر، وبصره بطريق السعادة والشقاوة، وترك له بإرادته حرية الاختيار، إما شاكرا وإما كفورا،
أيها المسلمون
فإن أعظم حق توجبه علينا نعم الله تعالى على عباده محبته، فمحبة الإنسان ربه على ما أنعم به عليه من نعم لهي دعوى كل الناس، ينطق بها اللسان عن فطرة، وفي التعبير عن تلك المحبة الناس يتفاوتون بين ادعاء وحقيقة ، فادعاء حب الله دون إعطاء براهين الصدق العملية كذب وأمان وأحلام. فمحبة العبد ربه أساسها النية، وعمودها العمل، وسقفها التوجه والقصد. فكانت النية تحقيق العبودية، وكان العمل الإحسان في العبادة، وكان التوجه والقصد صدق طلب وجه الله تعالى. ومن معاني محبة العبد ربه أن يكون له عبدا وليس أجيرا، لأن العبد يخدم سيده عن محبة، والأجير يعمل عند صاحبه عن أجرة. فالعبد يرجو بخدمته من مولاه الرضى والقبول، والأجير ينتظر بعمله من صاحبه المقابل والمحصول، ومن معاني هذه المحبة أيضا الإحسان في العبادة وهو الزيادة على الفرض المطلوب، أن يزال العبد يتقرب إلى محبوبه بالتطوع والنوافل ، ففي الحديث القدسي : (وَمَا يَزَالُ عَبْدِى يَتَقَرَّبُ إِلَىَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ ) رواه البخاري ،ومن معاني المحبة كذلك صدق الطلب، وهو إرادة وجه الله تعالى، قال الله تعالى : (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ) الكهف 28،
أيها المسلمون
ألا فأَحِبوا الله لأنه المستحق للمحبة، وكلما تقربنا إليه تقرب إلينا أكثر، وكلما عدنا إليه قَبِلَ أَوْبتنا، وأَحِبوا الله واسعَوْا لأن يحبكم، ولا يردّ الله قلباً أحبه، ولا يرد الله قلباً امتلأ باليقين بأنه هو المحبوب المطلوب.وأَحِبوا الله ليحبكم من في السماء والأرض ، ففي الصحيحين : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ الْعَبْدَ نَادَى جِبْرِيلَ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلاَنًا فَأَحْبِبْهُ . فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ ، فَيُنَادِى جِبْرِيلُ فِي أَهْلِ السَّمَاءِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلاَنًا فَأَحِبُّوهُ . فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ ، ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي الأَرْضِ » . وأَحِبوا الله واعلموا أنه إذا أحبكم استعملكم فيما يُرضيه، يقول ابن عطاء الله السكندري: (إذا أردتَ أن تعرف مقامك فانظر فيما أقامك). وأَحِبوا الله، ولْتظهر علامات المحبة في أحوالكم.. فالمُحب دائم الذِّكر للحبيب، دائم الاستحضار والمراقبة له، يشتاق أن يخلو لمناجاته، ويسعى أن يتمثل بأوامره. والمحبّ يقدِّس قلبه عن أن تسكنه الأغيار؛ فلا يعلِّق قلبه بعوالق الدنيا ولا يأسف على ما يفوته منها، بل يأسف فقط إن فاته شيء من نعيم محبته ووصله والأنُس به تعالى.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( أَحِبُّوا اللَّهَ لِمَا يَغْذُوكُمْ مِنْ نِعَمِهِ وَأَحِبُّونِي بِحُبِّ اللَّهِ وَأَحِبُّوا أَهْلَ بَيْتِي لِحُبِّي )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ثم نأتي إلى قوله صلى الله عليه وسلم : (وَأَحِبُّونِي بِحُبِّ اللَّهِ ) : فحق الرسول صلى الله عليه وسلم على أتباعه حق عظيم، وليس من شك فإنّ حبه صلى الله عليه وسلم هو من أولى هذه الحقوق، إذ هو المقدمة الضرورية لما يتبعه من اقتفاء أثره وتحرّي سُنّته وإحياء أمره وحسن اتباعه، فما لم يتحقق الحب الصادق فلا نستطيع أن ننتظر الاتباع والاهتداء والاقتداء ، وفي الصحيحين : (عَنْ أَنَسٍ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – : « لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ » ، وقال الله تعالى: { قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ } (31) آل عمران ، قال ابن تيمية: “جعل محبتهم لله موجبة لمتابعة رسوله، وجعل متابعة رسوله صلى الله عليه وسلم موجبة لمحبة الله لهم” ، وقال ابن تيمية:: “فاتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وشريعته باطنًا وظاهرًا هي موجب محبة الله، كما أن الجهاد في سبيله وموالاة أوليائه ومعاداة أعدائه هو حقيقتها. وكثير ممن يدعي المحبة هو أبعد الناس من غيره عن اتباع السنة، وعن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والجهاد في سبيل الله” وقال البيهقي: “ويدخل في جملة حب النبي صلى الله عليه وسلم حب أصحابه لأن الله عز وجل أثنى عليهم ومدحهم
أيها المسلمون
ثم نأتي إلى قوله صلى الله عليه وسلم : (وَأَحِبُّوا أَهْلَ بَيْتِي لِحُبِّي ) ، فحبه صلى الله عليه وآله وسلم يستلزم حب أولى الناس به وأقربهم منزلة لديه وأخصّهم بحمل أمانته وأداء رسالته، وبهذا تتكامل سلسلة الحب متلازمة الحلقات، وبدون ذلك فليس ثمة حب لله ولا لرسوله. وكان حب أهل بيت النبي صلى الله عليه السلام مقدمة لحسن اتباعهم والسير على نهجهم واقتفاء أثرهم، ففي سنن الترمذي بسند حسن : (عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالاَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :« إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ مَا إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا بَعْدِى أَحَدُهُمَا أَعْظَمُ مِنَ الآخَرِ كِتَابُ اللَّهِ حَبْلٌ مَمْدُودٌ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ وَعِتْرَتِي أَهْلُ بَيْتِي وَلَنْ يَتَفَرَّقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَىَّ الْحَوْضَ فَانْظُرُوا كَيْفَ تَخْلُفُونِي فِيهِمَا ». فمن كل هذا أصبح حب أهل بيت رسول صلى الله عليه وسلم، مبدأً رسالياً كبيراً ، وعلى هذا دلّنا الله تعالى ورسوله، وبه أمرنا، لا لقرب لحمتهم من النبي صلى الله عليه السلام وحسب، على ما في هذا من شرف رفيع، بل لاَنّهم عيبة علمه وحملةُ أمانته والمصطفين على الناس من بعده شرفاً وعلماً وحكمة وهدياً. ومما لا ريب فيه أنّه تعالى لم يفرض حبهم ومودتهم إلى جانب وجوب التمسك بهم إلاّ لاَنهم أهل للحب والولاء من حيث قربهم إليه سبحانه ومنزلتهم عنده وطهارتهم من الشرك والمعاصي ومن كل ما يبعد عن دار كرامته وساحة رضاه. لذا فإنّ حبّ أهل البيت عليهم السلام عقيدة مستمدة من كتاب الله تعالى وسُنّة نبيه المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، وليس هو مجرد هوىً عابر أو عاطفة مجرّدة،
الدعاء