خطبة عن(عيد الاضحى يذكرنا بنبي الله ابراهيم) 6
يونيو 8, 2024خطبة عن (عيد الأضحى: يوم النحر)
يونيو 8, 2024الخطبة الأولى ( يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته :(يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا) (28) النساء
إخوة الإسلام
القرآن الكريم : هو حبل الله المتين ، وهو الذكر الحكيم ،والصراط المستقيم ،من عمل به أجر، ومن حكم به عدل ،ومن دعا إليه هدى إلى صراط مستقيم . وموعدنا اليوم إن شاء الله مع آية من كتاب الله ، نتلوها ، ونتفهم معانيها ، ونسبح في بحار مراميها ، ونعمل إن شاء الله بما جاء فيها ، مع قوله تعالى : (يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا) (28) النساء ، يقول ابن كثير في تفسيره : أي : يخفف عنكم في شرائعه وأوامره ونواهيه وما يقدره لكم ، ولهذا أباح [ نكاح ] الإماء بشروطه ، كما قال مجاهد وغيره : (وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا) فناسبه التخفيف; لضعفه في نفسه وضعف عزمه وهمته . وفي تفسير البغوي : (يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ) يسهل عليكم في أحكام الشرع، وقد سهل كما قال جل ذكره: “ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ ” (الأعراف – 157) ، وفي مسند احمد قال النبي صلى الله عليه وسلم: “« إِنِّي لَمْ أُبْعَثْ بِالْيَهُودِيَّةِ وَلاَ بِالنَّصْرَانِيَّةِ وَلَكِنِّى بُعِثْتُ بِالْحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَةِ ” ، وفي تفسير السعدي : أباح لكم ما تقتضيه حاجتكم، كالميتة والدم ونحوهما للمضطر، وكتزوج الأمة للحر بتلك الشروط السابقة. وذلك لرحمته التامة وإحسانه الشامل، وعلمه وحكمته بضعف الإنسان من جميع الوجوه، ضعف البنية، وضعف الإرادة، وضعف العزيمة، وضعف الإيمان، وضعف الصبر، فناسب ذلك أن يخفف الله عنه، ما يضعف عنه وما لا يطيقه إيمانه وصبره وقوته. وجاء في الوسيط لطنطاوي : أي: يريد الله بما شرعه لكم من أحكام، وبما كلفكم به من تكاليف هي في قدرتكم واستطاعتكم أن يخفف عنكم في شرائعه وأوامره ونواهيه، لكي تزدادوا له في الطاعة والاستجابة والشكر.
وهذا اليسر والتخفيف في التكاليف من أبرز مميزات الشريعة الإسلامية، وقد بين القرآن الكريم ذلك في كثير من آياته، ومن ذلك قوله- تعالى-: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) البقرة 185. وقوله تعالى : ( وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) الحج 78، وقوله- تعالى- ( وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنا يُؤْمِنُونَ. الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ ) الاعراف 156 ، 157. ولقد كان من هدى النبي صلى الله عليه وسلم التخفيف والتيسير، ففي الحديث الشريف: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ هَذَا الدِّينَ يُسْرٌ وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلاَّ غَلَبَهُ فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا وَيَسِّرُوا وَاسْتَعِينُوا بِالْغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ وَشَيْءٍ مِنَ الدُّلْجَةِ » رواه النسائي . وكان من وصاياه صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل وأبى موسى الأشعري عند ما أرسلهما إلى اليمن ، كما في صحيح مسلم : (أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- بَعَثَهُ وَمُعَاذًا إِلَى الْيَمَنِ فَقَالَ « يَسِّرَا وَلاَ تُعَسِّرَا وَبَشِّرَا وَلاَ تُنَفِّرَا وَتَطَاوَعَا وَلاَ تَخْتَلِفَا ». وبذلك نرى أن هذه الآيات الكريمة قد بينت لنا ألوانا من مظاهر فضل الله على عباده ورحمته بهم، لكي يزدادوا له شكرا وطاعة وخضوعا.
أيها المسلمون
وهكذا تقوم الشريعة الإسلامية على العديد من القواعد، وأهمّها مناسبتها للطبيعة البشرية المجبولة على الضعف والوهن، حيث ورد في القرآن الكريم العديد من النصوص التي تبيّن ما فطر الله -تعالى- عليه الإنسان من ضعفٍ، وأنّه مهما أُوتي من قوةٍ يبقى ضعيفاً وعاجزاً أمام أبسط الشهوات، والمغريات التي في الحياة الدنيا، حيث قال الله تعالى : (يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا) (28) النساء ، فالضعف في هذه الآية الكريمة ضعفٌ عامٌ وشاملٌ لجميع جوانب الضعف البشري؛ النفسيّ، والبدنيّ، والعقليّ، والتركيبيّ، والعاطفيّ، فالإنسان ضعيف النفس بطبعه وفطرته، وهو مجبولٌ على ذلك منذ أن خلقه الله تعالى، ويعود سبب ذلك إلى ما هو مزروعٌ في نفسه من نوازع الخير والشرّ، ولما في نفسه من الوساوس والأهواء التي يتعرّض لها، ويظهر من خلالها ضعفه جلياً، وهو كذلك ضعيف الجسم بسبب ما يتعرّض له من الأمراض والآلام والأوجاع والأسقام، ممّا يجعله يتألم ويركن للراحة والنوم أو المسكنات والأدوية، وهو كذلك ضعيف العقل بسبب قدراته المحدودة في منظور الكون، فمهما كان إدراكه عظيماً فلن يكون مُلماً بجميع جوانب المعرفة، وهو أيضاً ضعيفٌ في الجوانب العاطفية فيتأثّر سريعاً بما حوله، فأي شيء يجري له يؤثّر على عاطفته فيُبكيه أو يُفرحه، يُشجّعه أو يُخوّفه، ومع كلّ هذه الأوجه من ضعف الإنسان فإنّ الله -تعالى- شرع له ما يناسبه وما فيه تخفيفٌ وتيسييرٌ عليه. يقول العلامة الطاهر بن عاشور رحمه الله :قوله تعالى : (وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا) تذييل وتوجيه للتخفيف ، وإظهار لمزية هذا الدين ، وأنه أليق الأديان بالناس في كل زمان ومكان ، ولذلك فما مضى من الأديان كان مراعى فيه حال دون حال ، ومن هذا المعنى قوله تعالى : ( الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا ) الأنفال 66، وقد فسر بعضهم الضعف هنا بأنه الضعف من جهة النساء ، قال طاووس ليس يكون الإنسان في شيء أضعف منه في أمر النساء ، وليس مراده حصر معنى الآية فيه ، ولكنه مما روعي في الآية لا محالة ؛ لأن من الأحكام المتقدمة ما هو ترخيص في النكاح ” وهذا الذي اختاره العلامة الطاهر بن عاشور رحمه الله من حمل ” الضعف ” في الآية على جميع أنواع الضعف البشري هو الأقوى والأنسب في التفسير
أيها المسلمون
لقد جاءت الشريعة برفع الحرج والتخفيف والتيسير، وما أدركت البشرية ذلك، إذ رأتها تكبيلاً، وانفلتت من عقالها؛ فلم تحصد إلا مزيداً من الشقاء والعسر والنكد؛ فلم تفلح منظومات الرأسمالية الطاغية وتفشي الربا والغش والتدليس كرافعة للاقتصادات بل زادت العالم شقاء، مزيداً من الإفقار والاستغلال للفقراء، وشقاء للأغنياء، ولم يمنح الانفلات الأخلاقي السعادة للبشرية بل زادت به قلقاً واضطراباً وانهارت به مؤسسة الأسرة، وتفككت المجتمعات، “وذلك منتهى ما تطيقه الرذيلة من الجهد في إفساد البيوت بتنكيث قوى الرابطة الزوجية، وجعلها وسيلة لما هي في الفطرة والشريعة أشد الموانع دونه؛ لأنها هي الحصن للمرتبطين بها من فوضى الأبضاع، والحفاظ لما فيه هناء المعيشة من الاختصاص” (تفسير المنار)..
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
لقد ارتضى الله للناس هذا الدين، يسوسون به دنياهم، يتسقون به مع فطرتهم، في صفاء شامل، صفاء في علاقتهم بربهم، وبالكون حولهم، وبسائر المخلوقات، ففي اتباع أوامره واجتناب نواهيه مفتاح السعادة، وبلوغ الأماني، وتحقيق المرتجى، وفي الطريق يتجلى تخفيف من نوع آخر، هو تخفيف الرخص وأحكام الحاجات والضرورات.. ثم مع بعد هناك تخفيف من نوع جديد يدركه العارفون الصالحون، الذين يقول بعضهم: “يريد الله أن يخفف عنكم أتعاب الخدمة بحلاوة الطاعات”. والله الحكيم الخبير يعلم من شأن عباده ضعفاً، أراد لهم معه تيسيراً وتسهيلاً، كما يقول السعدي: “لرحمته التامة وإحسانه الشامل، وعلمه وحكمته بضعف الإنسان من جميع الوجوه، ضعف البنية، وضعف الإرادة، وضعف العزيمة، وضعف الإيمان، وضعف الصبر، ناسب ذلك أن يخفف الله عنه، ما يضعف عنه وما لا يطيقه إيمانه وصبره وقوته”. فبالإنسان ضعف حقيقي، لا يدرك كنهه أصحاب النظريات الاجتماعية الوضعية، فيصوغون له “تخفيفاً” يثقله، ومفاهيم ترديه، و”مدنية” تشقيه، وأفكاراً تضله، وعقائد تجعل صدره حرجاً كأنما يصعد في السماء!
أيها المسلمون
ومن أفضل مواطن الضَّعف أن يَستكين العبد لربِّه ومولاه، ويَخضع له بجميع جوارحه، وألاَّ يَذِلَّ لمخلوق مَهْما كانتْ قوَّته وجَبروته، ويُعَلِّمنا النبي صلَّى الله عليه وسلَّم كيف يكون الضَّعف ولِمَن تكون الاستكانة، فيقول صلَّى الله عليه وسلَّم : «ويرْحَم الله لُوطًا، لقد كان يأْوِي إلى رُكْنٍ شديدٍ»، (متفق عليه)،أي: يأْوي إلى الله ربِّه ومولاه، ولا يظهر ضَعفه إلا له، وهذا ما حكاه ربُّنا في سورة هود، إذ يقول الله تعالى : {قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ} (هود: 80). إنه لا ينبغي للمؤمن أن يذلَّ لغير الله، ولا تَقتله الهموم وله ربٌّ على كلِّ شيء قدير، لا يُعجزه شيءٌ في السموات ولا في الأرض، ولا ييْئَس ولا يَعجز، قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم : «المؤمن القويُّ خيرٌ وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كلٍّ خير، احْرِص على ما ينفعك، واستعنْ بالله ولا تَعجز، وإنْ أصابَك شيء، فلا تقل: لو أني فعلتُ كان كذا وكذا، ولكن قُل: قدر الله وما شاء فعَل، فإنْ (لو) تفتَح عمل الشيطان» ( رواه مسلم ). هكذا يُرشدنا الرسول صلى الله عليه وسلم إلى عدم الجزَع والحَسْرة والاستسلام للمخاوف، والضَّعف المُقعِد عن العمل والعبادة، وضرورة أن يَنفض العبد ضَعْفه ويتوكَّل على ربِّه، وأن يَثِقَ في حُسن اختيار الله له، وقد نبَّه النبي صلَّى الله عليه وسلَّم إلى أهميَّة القوَّة وعدم الضَّعف في إبداء الرأي وإعلانه، فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم : «ألا لا يمنعنَّ أحدَكم رهبةُ الناس أن يقول بحقٍّ إذا رآه أو شَهِده، فإنه لا يُقرِّب من أجَلٍ، ولا يُباعد من رِزق أن يقول بحقٍّ أو يُذكر بعظيم» مسند أحمد
الدعاء