خطبة عن (يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا)
يونيو 21, 2024خطبة عن (اترك التَّكَلُّمُ فِيمَا لاَ يَعْنِيك)
يونيو 23, 2024الخطبة الأولى :الصدقة عن الميت (إِنَّ أُمِّي تُوُفِّيَتْ أَفَيَنْفَعُهَا إِنْ تَصَدَّقْتُ عَنْهَا قَالَ « نَعَمْ »)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى الترمذي في سننه بسند حسن : ( عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَجُلاً قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ : إِنَّ أُمِّي تُوُفِّيَتْ أَفَيَنْفَعُهَا إِنْ تَصَدَّقْتُ عَنْهَا قَالَ « نَعَمْ ». قَالَ فَإِنَّ لِي مَخْرَفًا فَأُشْهِدُكَ أَنِّى قَدْ تَصَدَّقْتُ بِهِ عَنْهَا ) .
إخوة الإسلام
في هذا الهدي النبوي الكريم ، يبين لنا فيه رسوله الله صلى الله عليه وسلم جواز واستحباب الصدقة على الميت ، فالصدقة عن الميت هي من الأمور المشروعة، وسواء أكانت هذه الصدقة مالًا أو دعاءً، فقد روى مسلم في الصحيح، (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ : « إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلاَّ مِنْ ثَلاَثَةٍ إِلاَّ مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ ». فهذا الحديث يدل بعمومه على أن ثواب الصدقة يصل إلى الميت ولم يفصل النبي – صلى الله عليه وسلم – بين ما إذا كانت بوصية منه أو بدون وصية، فالحديث عام في الحالتين· فضلاً عن أن وصول ثواب الصدقة والدعاء للميت أمور ثابتة بأدلة شرعية صحيحة، ومنها ما جاء في الصحيحين : (عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَجُلاً أَتَى النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أُمِّيَ افْتُلِتَتْ نَفْسَهَا وَلَمْ تُوصِ وَأَظُنُّهَا لَوْ تَكَلَّمَتْ تَصَدَّقَتْ أَفَلَهَا أَجْرٌ إِنْ تَصَدَّقْتُ عَنْهَا قَالَ « نَعَمْ ». كما يصل للمتصدق عن الميت ثواب ما يتصدق به بإذن الله تعالى، وهذا رأي الجمهور، وجاء في كتاب حاشية رد المحتار: ”الأفضل لمن يتصدق نفلاً أن ينوي لجميع المؤمنين والمؤمنات لأنها تصل إليهم ولا ينقص من أجره شيء” ، كما اتفق أهل العلم على أن الدعاء والاستغفار والصدقة والحج تصل للميت . أما الدعاء والاستغفار فلقول الله تعالى : (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) (10) الحشر ، وفي سنن أبي داود : (عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا فَرَغَ مِنْ دَفْنِ الْمَيِّتِ وَقَفَ عَلَيْهِ فَقَالَ « اسْتَغْفِرُوا لأَخِيكُمْ وَسَلُوا لَهُ التَّثْبِيتَ فَإِنَّهُ الآنَ يُسْأَلُ » ، وفي سنن ابن ماجة وغيره : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ : « إِذَا صَلَّيْتُمْ عَلَى الْمَيِّتِ فَأَخْلِصُوا لَهُ الدُّعَاءَ ». وفي مسند أحمد وغيره : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :« إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَيَرْفَعُ الدَّرَجَةَ لِلْعَبْدِ الصَّالِحِ فِي الْجَنَّةِ فَيَقُولُ يَارَبِّ أَنَّى لِي هَذِهِ فَيَقُولُ بِاسْتِغْفَارِ وَلَدِكَ لَكَ » ، وأما الصدقة فقد ثبت في الصحيحين (عَنْ عَائِشَةَ رضى الله عنها أَنَّ رَجُلاً قَالَ لِلنَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – إِنَّ أُمِّى افْتُلِتَتْ نَفْسَهَا ، وَأُرَاهَا لَوْ تَكَلَّمَتْ تَصَدَّقَتْ ، أَفَأَتَصَدَّقُ عَنْهَا ؟ : قَالَ « نَعَمْ ، تَصَدَّقْ عَنْهَا » ، وثبت في البخاري: (أن عِكْرِمَةَ يَقُولُ أَنْبَأَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ – رضى الله عنهما – أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ – رضى الله عنه – تُوُفِّيَتْ أُمُّهُ وَهْوَ غَائِبٌ عَنْهَا ، فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أُمِّي تُوُفِّيَتْ وَأَنَا غَائِبٌ عَنْهَا ، أَيَنْفَعُهَا شَيْءٌ إِنْ تَصَدَّقْتُ بِهِ عَنْهَا قَالَ « نَعَمْ » . قَالَ فَإِنِّي أُشْهِدُكَ أَنَّ حَائِطِي الْمِخْرَافَ صَدَقَةٌ عَلَيْهَا ) ، وأما عن الحج ، ففي سنن النسائي : (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَبِى مَاتَ وَلَمْ يَحُجَّ أَفَأَحُجُّ عَنْهُ ؟ قَالَ « أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ عَلَى أَبِيكَ دَيْنٌ أَكُنْتَ قَاضِيَهُ ». قَالَ نَعَمْ. قَالَ « فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ ». وكذلك قضاء الصوم عن الميت ، ففي الصحيحين البخاري مسلم : (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ – رضى الله عنهما – قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ ، وَعَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ ، أَفَأَقْضِيهِ عَنْهَا قَالَ « نَعَمْ – قَالَ – فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى »
أيها المسلمون
ولا يشترط لصحة الصدقة عن الميت ، أن تكون من أقارب الميت ، أو من أبنائه ، بل تصح الصدقة من البعيد ، كما تصح من القريب .قال ابن قدامة رحمه الله : ” وَأَيُّ قُرْبَةٍ فَعَلَهَا , وَجَعَلَ ثَوَابَهَا لِلْمَيِّتِ الْمُسْلِمِ , نَفَعَهُ ذَلِكَ , إنْ شَاءَ اللَّهُ ” ” المغني “ ، وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : ” يجوز للإنسان أن يتعبد لله عز وجل بطاعة بنية أنها لميت من أموات المسلمين ، سواء كان هذا الميت من أقاربه أم ممن ليس من أقاربه ” ” فتاوى نور على الدرب ” وعليه ، فيصح أن يتصدق الشخص عن صاحبه الميت ، أو يبني مسجداً بنية الثواب عنه ، فهذا كله مما يلحق الميت أجره إن شاء الله .فالدعاء للميت والصدقة عنه ، كلاهما دلت النصوص على جوازهما ، ولا تعارض في الجمع بينهما ، فقد يُتصدق عن الشخص الميت ويدعى له في نفس الوقت ، لكن من جهة الأفضلية ، فقد ذهب بعض أهل العلم إلى أن الدعاء للميت أفضل من الصدقة ، أو هو أفضل ما يهدى للميت مطلقا .
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية :الصدقة عن الميت (إِنَّ أُمِّي تُوُفِّيَتْ أَفَيَنْفَعُهَا إِنْ تَصَدَّقْتُ عَنْهَا قَالَ « نَعَمْ »)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومن أفضل الصدقات عن الميت: سقي الماء؛ كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم فقد روى الإمام أحمد عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ أَنَّ أُمَّهُ مَاتَتْ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ فَأَتَصَدَّقُ عَنْهَا قَالَ « نَعَمْ ». قَالَ فَأَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ قَالَ « سَقْىُ الْمَاءِ ». قَالَ فَتِلْكَ سِقَايَةُ آلِ سَعْدٍ بِالْمَدِينَةِ. ولذلك فإن من أفضل ما تتصدق به عن الميت هو توفير الماء بحفر بئر أو ما أشبه ذلك في الأماكن الفقيرة التي يحتاج أهلها إلى الماء كما أرشد النبي صلى الله عليه وسلم سعدا رضي الله عنه فقد كانت سقايته معروفة بالمدينة كما روى الإمام أحمد وغيره. ومن أنواع الصدقة الجارية والأعمال الفاضلة بناء المساجد لمن يحتاج إليها من المسلمين، فقد روى الإمام أحمد وابن ماجه وغيرهما (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ : « مَنْ بَنَى مَسْجِدًا لِلَّهِ كَمَفْحَصِ قَطَاةٍ أَوْ أَصْغَرَ بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ ». صححه الألباني ، وكلّما انتفع منها الناس أخذ الميت الأجر، كما يمكن التبرّع بأرضٍ لبناء المباني النافعة للأمة الإسلامية. وتبَّني طلبة العِلم من حيث تأمين ما يحتاجونه، كما أنَّ تخصيص بئرٍ لشرب عابري السبيل أو وضع مبرد ماء (كولدير) في مسجدٍ من المساجد يعتبر من الصدقات التي يصل الميت أجرها. وكذا طباعة القرآن الكريم في كتيباتٍ صغيرةٍ وتوزيعها على الناس
أيها المسلمون
ومن فوائد الصدقة عن الميّت أنّها تثقل ميزان حسناته وترفع من درجاته، وتقلل من سيئاته، وللمتصدّق نفس الأجر، ففي مسند أحمد وغيره : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : « إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَيَرْفَعُ الدَّرَجَةَ لِلْعَبْدِ الصَّالِحِ فِي الْجَنَّةِ فَيَقُولُ يَارَبِّ أَنَّى لِي هَذِهِ فَيَقُولُ : بِاسْتِغْفَارِ وَلَدِكَ لَكَ »
الدعاء