خطبة عن قوله تعالى (وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ)
يونيو 22, 2019خطبة عن (من فوائد الإيمان بالقضاء والقدر)
يونيو 29, 2019الخطبة الأولى من دعاء النبي ( أَسْأَلُكَ خَشْيَتَكَ فِي الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَكَلِمَةَ الْحَقِّ فِي الْغَضَبِ وَالرِّضَا)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى الإمام أحمد والنسائي : (عَنْ أَبِى مِجْلَزٍ قَالَ : صَلَّى بِنَا عَمَّارٌ صَلاَةً فَأَوْجَزَ فِيهَا فَأَنْكَرُوا ذَلِكَ فَقَالَ : أَلَمْ أُتِمَّ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ قَالُوا بَلَى. قَالَ : أَمَا إِنِّي قَدْ دَعَوْتُ فِيهِمَا بِدُعَاءٍ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَدْعُو بِهِ :« اللَّهُمَّ بِعِلْمِكَ الْغَيْبَ وَقُدْرَتِكَ عَلَى الْخَلْقِ أَحْيِنِي مَا عَلِمْتَ الْحَيَاةَ خَيْراً لِي وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَتِ الْوَفَاةُ خَيْراً لِي أَسْأَلُكَ خَشْيَتَكَ فِي الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَكَلِمَةَ الْحَقِّ فِي الْغَضَبِ وَالرِّضَا وَالْقَصْدَ فِي الْفَقْرِ وَالْغِنَى وَلِذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ وَالشَّوْقَ إِلَى لِقَائِكَ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ وَمِنْ فِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ اللَّهُمَّ زَيِّنَّا بِزِينَةِ الإِيمَانِ وَاجْعَلْنَا هُدَاةً مَهْدِيِّينَ ». وفي لفظ النسائي بعض الزيادة : ( أَسْأَلُكَ نَعِيمًا لَا يَنْفَدُ ، وَأَسْأَلُكَ قُرَّةَ عَيْنٍ لَا تَنْقَطِعُ ، وَأَسْأَلُكَ الرِّضَاءَ بَعْدَ الْقَضَاءِ ، وَأَسْأَلُكَ بَرْدَ الْعَيْشِ بَعْدَ الْمَوْتِ ، وَأَسْأَلُكَ لَذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ ، وَالشَّوْقَ إِلَى لِقَائِكَ ، فِي غَيْرِ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ ، وَلَا فِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ ) وصححه الشيخ الألباني في ” صحيح النسائي ”
إخوة الإسلام
موعدنا اليوم إن شاء الله مع هذا الهدي النبوي الكريم ، مع دعاء من أدعية رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهذا الدعاء – وكغيره- من الأدعية النبوية؛ هي عظيم نفعها، وعميم خيرها، وبليغ لفظها، ورصين حرفها، وقوي مدلولها، ومستوعِب معناها، ومحكم مبناها ، ففي قوله صلى الله عليه وسلم في هذا الدعاء : (اللَّهُمَّ بِعِلْمِكَ الْغَيْبَ وَقُدْرَتِكَ عَلَى الْخَلْقِ ) ،يقول الشوكاني رحمه الله : فيه دليل على جواز التوسل إليه تعالى بصفات كماله وخصال جلاله ، وناسب التوسل بهاتين الصفتين لأن المرء لا يعلم أين يكون الخير؛ في حياته، أم في مماته. فلما كان الغيب لله ذُكر ذلك في هذا الدعاء. وذكرت القدرة لأن الفعل يكون بها، ولحمل النفس على إحسان الظن بالرب الذي من صفاته أنه على ما يشاء قدير. وقوله صلى الله عليه وسلم : (أَحْيِنِي مَا عَلِمْتَ الْحَيَاةَ خَيْراً لِي وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَتِ الْوَفَاةُ خَيْراً لِي ) ،فهو يدل على جواز الدعاء بهذا ، ولكن عند نزول الضرر ، كما وقع التقييد بذلك في حديث أنس المذكور المتفق عليه ، ولفظه : (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ – رضى الله عنه – قَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – :« لاَ يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمُ الْمَوْتَ مِنْ ضُرٍّ أَصَابَهُ ، فَإِنْ كَانَ لاَ بُدَّ فَاعِلاً فَلْيَقُلِ اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مَا كَانَتِ الْحَيَاةُ خَيْرًا لِي ، وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَتِ الْوَفَاةُ خَيْرًا لِي » ،وفي قوله صلى الله عليه وسلم : (أَسْأَلُكَ خَشْيَتَكَ فِي الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ ) ، أي : في مغيب الناس وحضورهم ؛ لأن الخشية بين الناس فقط ليست من الخشية لله ، بل من خشية الناس .وقد توعد رسول الله صلى الله عليه وسلم من تدثر بعباءة التقى أمام الناس، وإذا خلا بالمحارم كان عليها جريئاً! فعن ثَوْبَانَ رضي الله عنه ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «لَأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا، فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورًا». قَالَ ثَوْبَانُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا، جَلِّهِمْ لَنَا أَنْ لَا نَكُونَ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ. قَالَ: «أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ، وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ، وَيَأْخُذُونَ مِنْ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ، وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا» وأما قوله صلى الله عليه وسلم : (وَكَلِمَةَ الْحَقِّ فِي الْغَضَبِ وَالرِّضَا ) فإنما جمع بين الحالتين ؛ لأن الغضب ربما حال بين الإنسان وبين الصدع بالحق ، وكذلك الرضا ربما قاد في بعض الحالات إلى المداهنة وكتم كلمة الحق .
أيها المسلمون
وقوله صلى الله عليه وسلم : (وَالْقَصْدَ فِي الْفَقْرِ وَالْغِنَى ) ، فالقصد هنا بمعنى : استقامة الطريق والاعتدال، وبمعنى عدم الإفراط ، ؛ لأن بطر الغنى ربما جر إلى الإفراط ، وعدم الصبر على الفقر ربما أوقع في التفريط ، فالقصد فيهما هو الطريقة القويمة . والقصد في الفقر والغنى هي حال أفضل مخلوق على هذه البسيطة ، هو رسول الله محمد بن عبد الله-صلى الله عليه وسلم- فقد دعا ربه أن يجعل رزقه قوتاً كفافاً؛ كما في صحيح مسلم : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « اللَّهُمَّ اجْعَلْ رِزْقَ آلِ مُحَمَّدٍ قُوتًا ». فكان صلى الله عليه وسلم مقتصدًا متوسطاً متأدباً بما أدبه ربه في القرآن ، كما في قوله تعالى : (وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا) (29) الإسراء ، وبقوله تعالى: (وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا) (67) الفرقان ،ومن كان مقتصداً في معيشته وفي مأكله وملبسه وفي كل شأن من شؤون حياته فقد أفلح؛ كما أخبر بذلك الصادق المصدوق كما في صحيح مسلم : (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « قَدْ أَفْلَحَ مَنْ أَسْلَمَ وَرُزِقَ كَفَافًا وَقَنَّعَهُ اللَّهُ بِمَا آتَاهُ ». وفي سنن الترمذي : (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :« مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ مُعَافًى فِي جَسَدِهِ عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا » ، ومن كان هذا حاله فهو الذي يغبط، قال مالك ابن دينار: “إني لأغبط الرجل يكون عيشه كفافاً فيقنع به ” فالإسلامُ لا يَذُمٌّ الغِنَى، ولكنَّه يذمُ السَّرَفَ والتَّرَفَ فيه، وهو ـ كذلك ـ لا يُثني على فقيرٍ, بفقره، ولكنَّه يُثني على حُسنِ ظنِّه وصبره. فليس يلحق الغِنى ذمُّ كما ،لا يلحق الفقرَ ثناء، وإنما العبرةُ بثباتِ الإنسان وتقواه ،وأخذِه في كلِّ حال بما يناسبها، فَلَغَنيُّ متعفِّفٌ شاكرٌ خيرٌ من فقير حسودٍ, ساخط يحسد الناس على ما آتاهم الله من فضله، ويتسخط قضاءَ الله وقدرَه، وَلَفَقيرٌ صَابرٌ خيرٌ مِن غنيٍ, جَاحدٍ,: لا يرى لله عليه فَضلاً، ولا يَرفعُ إليه شُكراً.
أيها المسلمون
وأما قوله صلى الله عليه وسلم : (وَلِذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ وَالشَّوْقَ إِلَى لِقَائِكَ) ، فإنما سأله صلى الله عليه وآله وسلم ذلك ،لأنه من موجبات محبة الله للقاء عبده ،ففي الصحيحين : (عَنْ أَبِى مُوسَى عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ ، وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ كَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ » ، وفي صحيح مسلم : (عَنْ صُهَيْبٍ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ – قَالَ – يَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى تُرِيدُونَ شَيْئًا أَزِيدُكُمْ فَيَقُولُونَ أَلَمْ تُبَيِّضْ وُجُوهَنَا أَلَمْ تُدْخِلْنَا الْجَنَّةَ وَتُنَجِّنَا مِنَ النَّارِ – قَالَ – فَيَكْشِفُ الْحِجَابَ فَمَا أُعْطُوا شَيْئًا أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنَ النَّظَرِ إِلَى رَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ ».
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية من دعاء النبي ( أَسْأَلُكَ خَشْيَتَكَ فِي الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَكَلِمَةَ الْحَقِّ فِي الْغَضَبِ وَالرِّضَا)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وأما قوله صلى الله عليه وسلم : ( وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ وَمِنْ فِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ ) ومعنى ضراء مضرة: الضر الذي لا يُقدر عليه. والفتنة المضلة: الموقعة في الحيرة والمفضية إلى الهلاك. ففي ذلك احتراز عن أن يكون الشوق إلى لقاء الله سببه ضرر أو فتنة لحقت بالعبد ، بل يسأل الله شوقا إليه ، سبَبُهُ حبه سبحانه وتعالى ، ورجاءُ ما عنده من الفضل . فالشوق إلى لقاء الله يستلزم محبة الموت ، والموت يقع تمنيه كثيرا من أهل الدنيا بوقوع الضراء المضرة في الدنيا ، وإن كان منهيا عنه في الشرع ، ويقع أيضا من أهل الدين تمنيه لخشية الوقوع في الفتن المضلة ، ففي هذا الدعاء سأل الله تمني الموت خاليا من هذين الحالين ، وأن يكون ناشئا عن محض محبة الله ، والشوق إلى لقائه ، وقد حصل هذا المقام لكثير من السلف ، قال أبو الدرداء : أحب الموت اشتياقا إلى ربي . وقال أبو عتبة الخولاني : كان إخوانكم للقاء الله أحب إليهم من الشهد . وقالت رابعة : طالت عليَّ الأيام والليالي بالشوق إلى لقاء الله ” وأما قوله صلى الله عليه وسلم : ( اللَّهُمَّ زَيِّنَّا بِزِينَةِ الإِيمَانِ ) فالإيمان قول وعمل واعتقاد. الاعتقاد بالقلب، والقول باللسان، والعمل بالجوارح والأعضاء. فهذا الدعاء يشمل ذلك كله ، يشمل أن يُزين قلبك بخصال الإيمان وشعبه، من التوكل، والإخلاص، والإنابة، والخشية، والتفكر … ويشمل أن يزين اللسان بذلك، من الذكر، والتسبيح، والتلاوة ..ويشمل تزيين الجوارح، وذلك بإقامة ذكر الله وطاعته بها. ( وَاجْعَلْنَا هُدَاةً مَهْدِيِّينَ ) ، وهذا يشمل ثلاثة أمور: أن تعلم الحق، وأن تتبعه، وأن تدعوا الناس إليه ، فلا سبيل إلى معرفة الحق إلا بالعلم، والهداية اتباع والحق، وهداية الناس بالدعوة إليه.
الدعاء