خطبة عن قوله تعالى (لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ) مختصرة
أكتوبر 17, 2018خطبة عن قوله تعالى (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ)
أكتوبر 20, 2018الخطبة الأولى ( وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ) مختصرة
الحمد لله رب العالمين . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ) الحجر (21)
إخوة الاسلام
لقاؤنا اليوم إن شاء الله مع مائدة القرآن الكريم ، نقطف من ثمارها الدانية، ونرتشف من رحيقها المختوم ، ومائدة حديثنا اليوم إن شاء الله هي قوله تعالى : (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ) الحجر (21) فقد شبه الله سبحانه – اقتداره على إيجاد كل شيء ، بالخزائن المودعة فيها الأشياء ، والمعدة لإِخراج ما يشاء إخراجه منها ، بدون كلفة أو إبطاء .والمراد بالإِنزال في قوله : (وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ ). الإِيجاد والإِخراج إلى هذه الدنيا ، مع تمكين الناس من الحصول عليه . أي : وما نخرج هذا الشيء إلى حيز الوجود، بحيث يتمكن الناس من الانتفاع به ،إلا ملتبسًا بمقدار معين ، وفى وقت محدد ، تقتضيه حكمتنا ، وتستدعيه مشيئتنا ،ويتناسب مع حاجات العباد وأحوالهم ، كما قال الله تعالى : (وَلَوْ بَسَطَ الله الرزق لِعِبَادِهِ لَبَغَوْاْ فِي الأرض ولكن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَآءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ) الشورى 27. وقال ابن القيم – رحمه الله : قوله تعالى : (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ) الحجر (21) ،متضمن لكنز من الكنوز ، وهو أن كل شيء لا يطلب إلا ممن عنده خزائنه ،ومفاتيح تلك الخزائن بيده ، وأن طلبه من غيره ممن ليس عنده ولا يقدر عليه ، أمر غير محمود ولا معقول ،
أيها المسلمون
لقد شبَّه الله سبحانه وتعالى اقتداره على كل شيء بالخزائن المودعة فيها الأشياء، وكأنه سبحانه وتعالى يعلِّمنا أن لا نطلب أي شيء إلا ممن عنده خزائنه، وأن مفاتيح تلك الخزائن بيديه، وأن طلبنا من غيره طلبٌ ممن لا يملك ولا يقدر، كما قال القائل : لا تخضعن لمخلوق على طمع *** فإن ذاك مُضِرٌّ منك بالدين
واسترزق الله مما في خزائنه *** فإنما هي بين الكاف والنون
وهذه الخزائن إما خزائن مادية ، وإما خزائن قلبية إيمانية، والإيمان أهم وأغلى وأثمن، فقوة الصبر والثبات واليقين والتوكل والاستقامة كلها لا يملك مفاتيح خزائنها إلا الله، ولولا ذلك لهلك العبد في الدنيا وشقي في الآخرة، ولهذا كان من روائع وجوامع الدعاء النبوي: «اللهم إني أسألك من كل خير خزائنه بيدك، وأعوذ بك من كل شر خزائنه بيدك» رواه الحاكم في المستدرك ،وأما الخزائن المادية ، فقد حذر منها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ففي الصحيحين : (عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم قال : … وَإِنِّي أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ خَزَائِنِ الأَرْضِ – أَوْ مَفَاتِيحَ الأَرْضِ – وَإِنِّي وَاللَّهِ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ أَنْ تُشْرِكُوا بَعْدِى ، وَلَكِنْ أَخَافُ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنَافَسُوا فِيهَا » ، وفي الصحيحين : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ : « بُعِثْتُ بِجَوَامِعِ الْكَلِمِ ، وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ ، فَبَيْنَا أَنَا نَائِمٌ أُتِيتُ بِمَفَاتِيحِ خَزَائِنِ الأَرْضِ ، فَوُضِعَتْ فِي يَدِى » . قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَقَدْ ذَهَبَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – وَأَنْتُمْ تَنْتَثِلُونَهَا ) ، وقد بين الله سبحانه وتعالى أنه لا يملك هذه الخزائن ولا يتصرف فيها أحد غيره ،فقال الله تعالى : (وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ) المنافقون (7) ، وروى البخاري في صحيحه : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ :« يَدُ اللَّهِ مَلأَى لاَ يَغِيضُهَا نَفَقَةٌ ، سَحَّاءُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ – وَقَالَ – أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْفَقَ مُنْذُ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ ،فَإِنَّهُ لَمْ يَغِضْ مَا فِي يَدِهِ.. )، وقد رغب رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته أن يكونوا خزائن للخير ، وما فيه نفع للمؤمنين ، ففي سنن ابن ماجة (عَنْ أَبِى حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ :« إِنَّ هَذَا الْخَيْرَ خَزَائِنُ وَلِتِلْكَ الْخَزَائِنِ مَفَاتِيحُ فَطُوبَى لِعَبْدٍ جَعَلَهُ اللَّهُ مِفْتَاحًا لِلْخَيْرِ مِغْلاَقًا لِلشَّرِّ وَوَيْلٌ لِعَبْدٍ جَعَلَهُ اللَّهُ مِفْتَاحًا لِلشَّرِّ مِغْلاَقًا لِلْخَيْرِ ».
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ) مختصرة
الحمد لله رب العالمين . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وفي قوله تعالى : (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ) الحجر (21) ،اعجاز علمي مدهش ، فقد أثبت العلم الحديث أن كمية الأمطار الكافية لتلبية كل حاجات الكائنات الحية هي كمية موزونة ومحسوبة بدقة متناهية لا تزيد ولا تنقص قال الله تعالى :(وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ) الحجر (21) ،وانطلاقاً من هذه الحقيقة ،فقد سطع نجم الإعجاز الإلهي ،والنبوي الشريف ،وذلك بإخبارنا وقبل (1400سنة) أن ما يصل إلى الأرض من هطول الأمطار محسوب بدقة ، ولا يتغير وسطياً من عام إلى آخر، وهو ما يعبر عنه في العلوم الجغرافية والعلوم الطبيعية بالتوازن الرطوبي والتهاطلي، ولنقرأ أولاً ما جاء في القرآن الكريم ، قال الله تعالى : (وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَنشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتًا كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ) (الزخرف: 11). وقال الله تعالى : (وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الأَرْضِ وَإنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ) (المؤمنون: 18) ، وفي المستدرك على شرط الصحيحين للحاكم : (عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قال : « ما من عام أمطر من عام ، ولكن الله يصرفه حيث يشاء ، ثم قرأ : (وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا) الفرقان (50) ، وعند قراءة هذا الحديث الشريف نرى حقيقتين: الأولى : الكم المحدود من الهطول السنوي (ما من عام أمطر من عام). الثانية : قوله ـ عليه الصلاة والسلام ـ: يصرفه حيث يشاء : تعنى توزيع هطول المطر على سطح الأرض توزيعاً حدده رب العزة ،بشكل يحقق التوازن على سطح الأرض، لتحقيق مختلف أشكال التوازن المادي وعند الله كل شيء بمقدار ، قال الله تعالى : (وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ) (الرعد: 8).
الدعاء