خطبة عن كتمان السر وحديث (إِذَا حَدَّثَ الرَّجُلُ الْحَدِيثَ ثُمَّ الْتَفَتَ فَهِيَ أَمَانَةٌ)
يونيو 20, 2020خطبة عن ( احذر سوء الظَنَّ بالله )
يونيو 27, 2020الخطبة الأولى ( مَنْ أَصَابَ حَدًّا فَعُجِّلَ عُقُوبَتُهُ فِي الدُّنْيَا )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى الترمذي في سننه بسند صحيح : ( عَنْ عَلِىٍّ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ : « مَنْ أَصَابَ حَدًّا فَعُجِّلَ عُقُوبَتُهُ فِي الدُّنْيَا فَاللَّهُ أَعْدَلُ مِنْ أَنْ يُثَنِّىَ عَلَى عَبْدِهِ الْعُقُوبَةَ فِي الآخِرَةِ وَمَنْ أَصَابَ حَدًّا فَسَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَفَا عَنْهُ فَاللَّهُ أَكْرَمُ مِنْ أَنْ يَعُودَ فِي شَيْءٍ قَدْ عَفَا عَنْهُ ».
إخوة الإسلام
مما لا شك فيه أن الله عز وجل غفور رحيم، وأنه سبحانه وتعالى يغفر الذنوب، ويمحو الخطايا والعيوب، فإذا أذنب العبد ذنبًا وتاب إلى ربه وأناب، فإن الله يقبل التوبة عن عباده، يقول الله سبحانه: {وَهُوَ الَّذِى يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} الشورى 25. وفي قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ أَصَابَ حَدًّا ) أَيْ ذَنْبًا يُوجِبُ الْحَدَّ ،وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِالْحَدِّ الْمُحَرَّمُ مِنْ قَوْلِهِ تعالى (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا) البقرة 229, أَيْ تِلْكَ مَحَارِمُهُ وأما قوله صلى الله عليه وسلم : ” فَعُجِّلَ عُقُوبَتُهُ فِي الدُّنْيَا “: فالعقوبة: هي مؤاخذة المجرم بذنبه، وسميت بذلك; لأنها تعقب الذنب، ولكنها لا تقال إلا في المؤاخذة على الشر. وفي قوله صلى الله عليه وسلم : ” فَعُجِّلَ عُقُوبَتُهُ فِي الدُّنْيَا “: كان ذلك خيرا من تأخيرها للآخرة; لأنه يزول وينتهي، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم للمتلاعنين كما في صحيح مسلم : (أَنَّ عَذَابَ الدُّنْيَا أَهْوَنُ مِنْ عَذَابِ الآخِرَةِ )
وهناك خير أولى من ذلك ، وهو العفو عن الذنب، وهذا أعلى ، لأن الله إذا لم يعاقبه في الدنيا ،ولا في الآخرة ،فهذا هو الخير كله، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم ،جعل تعجيل العقوبة خيرا ، باعتبار أن تأخر العقوبة إلى الآخرة أشد ،كما قال الله تعالى: {وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى}، [طـه: 127]. فإذا ارتكب الإنسان ذنبًا، وانتهك حدًا من حدود الله عز وجل، وأقيم عليه العقاب في الدنيا، وتاب إلى ربه وأناب، وأقلع عن ذنبه، وندم على فعله، ورد المظالم إلى أهلها، فالمرجو أن الله سبحانه وتعالى ،لا يكرر عليه العقاب في الآخرة، وهذا هو المعني من هذا الحديث السابق ذكره ، وفي صحيح البخاري : (أَنَّ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ – رضى الله عنه – وَكَانَ شَهِدَ بَدْرًا ، وَهُوَ أَحَدُ النُّقَبَاءِ لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ – أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ وَحَوْلَهُ عِصَابَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ « بَايِعُونِي عَلَى أَنْ لاَ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا ، وَلاَ تَسْرِقُوا ، وَلاَ تَزْنُوا ، وَلاَ تَقْتُلُوا أَوْلاَدَكُمْ ، وَلاَ تَأْتُوا بِبُهْتَانٍ تَفْتَرُونَهُ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ ، وَلاَ تَعْصُوا فِي مَعْرُوفٍ ، فَمَنْ وَفَى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَعُوقِبَ فِي الدُّنْيَا فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا ثُمَّ سَتَرَهُ اللَّهُ ، فَهُوَ إِلَى اللَّهِ إِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ ، وَإِنْ شَاءَ عَاقَبَهُ » . فَبَايَعْنَاهُ عَلَى ذَلِكَ ، كما رَوَى مُحَمَّدٌ فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَسْلَمَ أَتَى أَبَا بَكْرٍ فَقَالَ : إِنَّ الْآخَرَ قَدْ زَنَى , قَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ : هَلْ ذَكَرْت هَذَا لِأَحَدٍ غَيْرِي ؟ قَالَ لَا . قَالَ أَبُو بَكْرٍ : تُبْ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَاسْتَتِرْ بِسَتْرِ اللَّهِ : فَإِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ . قَالَ سَعِيدٌ : فَلَمْ تُقِرَّ بِهِ نَفْسُهُ حَتَّى أَتَى عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَقَالَ لَهُ كَمَا قَالَ لِأَبِي بَكْرٍ , فَقَالَ لَهُ كَمَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ ،فعلى من ارتكب ذنبا ، المداومة على الطاعات ، وأفعال الخير ، فقد قال الله تعالى : (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ}، هود (114) ، (وعَنْ أَبِى ذَرٍّ قَالَ ، قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :« اتَّقِ اللَّهَ حَيْثُمَا كُنْتَ وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ » رواه الترمذي ، فعليه أن يقلع عن الذنب، ويندم على فعله، وأن يرد المظالم إلى أهلها.
أيها المسلمون
فمن جنح إلى خطيئة، أو وقع في فاحشة ، ليس فيها حق إلا لله –عز وجل– فإنه إذا استغفر وتاب وأناب، فقد استعتب رباً رحيماً كريماً ،هو أرأف به من أمه التي ولدته، وأنه -جل وعزّ- أكرم من أن يرده وقد أقبل عليه، أو يخيبه وقد صدق في رجائه، وليس بينه وبين المغفرة إلا أن يخلص التوبة، وربك يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، وعليه أن يستتر بستر الله عليه ،ولا يفضح نفسه، وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: (وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ » رواه البخاري ومسلم ، فإذا كان المرء يؤجر بالستر على غيره ،فستره على نفسه كان أفضل، وفي الموطإ للإمام مالك : (عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّ رَجُلاً اعْتَرَفَ عَلَى نَفْسِهِ بِالزِّنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَدَعَا لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِسَوْطٍ فَأُتِىَ بِسَوْطٍ مَكْسُورٍ فَقَالَ « فَوْقَ هَذَا ». فَأُتِىَ بِسَوْطٍ جَدِيدٍ لَمْ تُقْطَعْ ثَمَرَتُهُ فَقَالَ « دُونَ هَذَا ». فَأُتِىَ بِسَوْطٍ قَدْ رُكِبَ بِهِ وَلاَنَ فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَجُلِدَ ثُمَّ قَالَ « أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ آنَ لَكُمْ أَنْ تَنْتَهُوا عَنْ حُدُودِ اللَّهِ مَنْ أَصَابَ مِنْ هَذِهِ الْقَاذُورَاتِ شَيْئًا فَلْيَسْتَتِرْ بِسِتْرِ اللَّهِ فَإِنَّهُ مَنْ يُبْدِى لَنَا صَفْحَتَهُ نُقِمْ عَلَيْهِ كِتَابَ اللَّهِ ». قال العلماء : فإذا تمحّض حق الله فهو أكرم الأكرمين، ورحمته سبقت غضبه، فلذلك إذا ستره في الدنيا لم يفضحه في الآخرة. وروى البخاري ( أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ ابْنَ عُمَرَ كَيْفَ سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – يَقُولُ فِي النَّجْوَى قَالَ « يَدْنُو أَحَدُكُمْ مِنْ رَبِّهِ حَتَّى يَضَعَ كَنَفَهُ عَلَيْهِ فَيَقُولُ عَمِلْتَ كَذَا وَكَذَا . فَيَقُولُ نَعَمْ . وَيَقُولُ عَمِلْتَ كَذَا وَكَذَا . فَيَقُولُ نَعَمْ . فَيُقَرِّرُهُ ثُمَّ يَقُولُ إِنِّي سَتَرْتُ عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا ، فَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ »
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( مَنْ أَصَابَ حَدًّا فَعُجِّلَ عُقُوبَتُهُ فِي الدُّنْيَا )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
فعلى من ابتلي بشيء من هذه الفواحش ،أن يصدق التوبة، ويعظم في الله الرجاء؛ فإنه أكرم الأكرمين، وهو سبحانه يفرح بتوبة عبده إذا تاب، فيغفر ذنبه، ويجبر كسره، ويمحو ذنوبه، ولو كانت مثل زبد البحر. ولكن لا بدّ مع ذلك ،من سلوك الطريق الصحيح ،التي تعين على الاستقامة وصلاح الحال بعد التوبة ، ومنها : أولا : الإقبال على الله –عز وجل– جملة ،وذلك بأداء الفرائض، وأعظمها الصلوات الخمس مع جماعة المسلمين. ثانيا : إشغال النفس بالعمل النافع المفيد ،الذي يستفرغ الطاقة، ويعمل العقل، ويبعد الأفكار الشهوانية ،التي يصنعها الفراغ، فالنفس لا تقعد فارغة، فإن لم تشغلها بما ينفعك ،شغلتك بما يضرك. ثالثا : تغيير نمط الحياة ،والبيئة التي كانت سبباً للوقوع في الفاحشة، ومن أهم ذلك البعد عن رفقاء السوء ،الذين يُغرون بالفاحشة ،ويُجرِّئون عليها، واستبدالهم بصحبة أخيار ، يدلون على الخير، ويعينون عليه، وقد أخبر النبي –صلى الله عليه وسلم- عن قول العالم للرجل الذي قتل مائة نفس ثم تاب: (انْطَلِقْ إِلَى أَرْضِ كَذَا وَكَذَا فَإِنَّ بِهَا أُنَاسًا يَعْبُدُونَ اللَّهَ فَاعْبُدِ اللَّهَ مَعَهُمْ وَلاَ تَرْجِعْ إِلَى أَرْضِكَ فَإِنَّهَا أَرْضُ سَوْءٍ). رواه مسلم ، فأرشده إلى تغيير البيئة بالهجرة من بلده، وتغيير البيئة لا يلزم منه هجر البلد دائماً، بل تغيير نمط الحياة ،وتغيير نوعية العلاقات ، فهذا هو المؤثر الأكبر في ذلك. رابعا : مجاهدة النفس ،بكبح جماحها وشهواتها ،وقد قال الله تعالى : (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) (69) العنكبوت ، فإنك واجد – بعون الله تعالى – من لذة النصر على شهوات النفس ،ما هو أعظم من نيل تلك الشهوات. ومن أعظم ما يعينك في هذه المجاهدة معرفة عاقبة السوء للمعاصي، خامسا : اعفاف النفس بالحلال الطيب ، كما أوصى بذلك رسول الله محمد – صلى الله عليه وسلم – سادسا : القراءة في كتب الأئمة الربانيين ،التي تزكي النفوس ،وتقوي الإيمان، فإنك واجد ثمة كلاماً نورانياً ،يرفع عن القلب حجب الشهوات، ويصل النفس بخالقها -جل جلاله-. سابعا : المحافظة على أذكار اليوم والليلة ،فإنها حصن المسلم، وقوته وزاده، ومنعة له من شياطين الجن والإنس،
الدعاء