خطبة عن (قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ)
يوليو 4, 2020خطبة عن دلائل القدرة (إِنَّ فِي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ)
أغسطس 1, 2020الخطبة الأولى ( الاِسْتِئْذَانُ ثَلاَثٌ فَإِنْ أُذِنَ لَكَ وَإِلاَّ فَارْجِعْ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى مسلم في صحيحه : ( عَنْ أَبِى مُوسَى الأَشْعَرِيِّ قَالَ : جَاءَ أَبُو مُوسَى إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَ السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ هَذَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ قَيْسٍ. فَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ فَقَالَ السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ هَذَا أَبُو مُوسَى السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ هَذَا الأَشْعَرِيُّ. ثُمَّ انْصَرَفَ ،فَقَالَ : رُدُّوا عَلَىَّ رُدُّوا عَلَىَّ. فَجَاءَ فَقَالَ : يَا أَبَا مُوسَى مَا رَدَّكَ كُنَّا فِي شُغْلٍ. قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « الاِسْتِئْذَانُ ثَلاَثٌ فَإِنْ أُذِنَ لَكَ وَإِلاَّ فَارْجِعْ ». قَالَ لَتَأْتِيَنِّي عَلَى هَذَا بِبَيِّنَةٍ وَإِلاَّ فَعَلْتُ وَفَعَلْتُ. فَذَهَبَ أَبُو مُوسَى قَالَ عُمَرُ إِنْ وَجَدَ بَيِّنَةً تَجِدُوهُ عِنْدَ الْمِنْبَرِ عَشِيَّةً وَإِنْ لَمْ يَجِدْ بَيِّنَةً فَلَمْ تَجِدُوهُ. فَلَمَّا أَنْ جَاءَ بِالْعَشِىِّ وَجَدُوهُ قَالَ يَا أَبَا مُوسَى مَا تَقُولُ أَقَدْ وَجَدْتَ قَالَ نَعَمْ أُبَىَّ بْنَ كَعْبٍ. قَالَ عَدْلٌ. قَالَ يَا أَبَا الطُّفَيْلِ مَا يَقُولُ هَذَا ؟ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ ذَلِكَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ فَلاَ تَكُونَنَّ عَذَابًا عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-. قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ إِنَّمَا سَمِعْتُ شَيْئًا فَأَحْبَبْتُ أَنْ أَتَثَبَّتَ.
إخوة الإسلام
قال الله تعالى في محكم آياته : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [النور: 27] ، فالاستئذان من الآداب التي حث عليها الإسلام؛ لما فيه من حفظ عورات الناس، وأمورهم الخاصة، وهو مشروع لدخول البيوت والمنازل والأماكن الخاصة، وقد أمرنا الله به في كتابه العزيز وحثت عليه الأحاديث النبوية، وقد أجمع العلماء أن الاستئذان مشروع، وتظاهرت به دلائل القرآن والسنة وإجماع الأمة، والحكمة من الاستئذان، والغرض من تشريعه ، أن المرء قد يكون على حالة لا يحب أن يراه أحد عليها، من عمل خاص، أو محادثة سرية، أو معاشرة زوجية، أو معالجة طبية، فيدخل عليه ولد، أو صديق، أو خادم، وهو عار، أو مستغرق في حديثه، أو مستمر في تفكيره، فيخجله ويزعجه، فيصرف عنه وجهه ساخطاً، أو مستحياً، وقد روى البخاري في صحيحه : (عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ اطَّلَعَ رَجُلٌ مِنْ جُحْرٍ فِي حُجَرِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – وَمَعَ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – مِدْرًى يَحُكُّ بِهِ رَأْسَهُ فَقَالَ :« لَوْ أَعْلَمُ أَنَّكَ تَنْظُرُ لَطَعَنْتُ بِهِ فِي عَيْنِكَ ، إِنَّمَا جُعِلَ الاِسْتِئْذَانُ مِنْ أَجْلِ الْبَصَرِ » ، قال ابن حجر في فتح الباري : “ويؤخذ منه أنه يشرع الاستئذان على كل أحد حتى المحارم؛ لئلا تكون منكشفة العورة، ففي موطإ مالك : (عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- سَأَلَهُ رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَسْتَأْذِنُ عَلَى أُمِّي فَقَالَ « نَعَمْ ». قَالَ الرَّجُلُ إِنِّي مَعَهَا فِي الْبَيْتِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « اسْتَأْذِنْ عَلَيْهَا ». فَقَالَ الرَّجُلُ إِنِّي خَادِمُهَا. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : « اسْتَأْذِنْ عَلَيْهَا أَتُحِبُّ أَنْ تَرَاهَا عُرْيَانَةً ». قَالَ لاَ. قَالَ « فَاسْتَأْذِنْ عَلَيْهَا ».
أيها المسلمون
وللاستئذان آداب ،على المسلم أن يتعرف عليها ، وأن يعمل بها ، ويحرص عليها ، ومنها : أولا : تقديم السلام قبل الاستئذان : فعَنْ كَلَدَةَ بْنِ حَنْبَلٍ ، أَنَّ صَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ بَعَثَهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِلَبَنٍ وَجِدَايَةٍ وَضَغَابِيسَ _ نوع من الحشيش _ وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِأَعْلَى مَكَّةَ ، فَدَخَلْتُ وَلَمْ أُسَلِّمْ فَقَالَ : ” ارْجِعْ فَقُلِ السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ ” [ أخرجه الترمذي وصححه الألباني ] ، ثانيا : من آداب الاستئذان : أن يبتعد المستأذن عن قبالة الباب :فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَتَى بَابَ قَوْمٍ ، لَمْ يَسْتَقْبِلِ الْبَابَ مِنْ تِلْقَاءِ وَجْهِهِ ، وَلَكِنْ مِنْ رُكْنِهِ الأَيْمَنِ أَوِ الأَيْسَرِ ، وَيَقُولُ : ” السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ ، السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ ” ، وَذَلِكَ أَنَّ الدُّورَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا يَوْمَئِذٍ سُتُورٌ ” [ أخرجه أبو داود وأحمد وصححه الألباني ] . ثالثا : ومن آداب الاستئذان : الاستئذان ثلاثاً : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : ” إِذَا اسْتَأْذَنَ أَحَدُكُمْ ثَلاَثاً فَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ ، فَلْيَرْجِعْ ” [ متفق عليه ] . ولكن لا بأس بالزيادة إذا علم أن أهل البيت لم يسمعوا . رابعا : ومن آداب الاستئذان : أن يعرف المستأذن نفسه : فلا يقل : أنا ، لأن (أنا ) ليس فيها تعريف بالمستأذن ، ولكن عليه أن يقول : أنا فلان ،فعن جَابِر رضي الله عنه قال : أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي دَيْنٍ كَانَ عَلَى أَبِى ، فَدَقَقْتُ الْبَابَ فَقَالَ : ” مَنْ ذَا ” ، فَقُلْتُ : أَنَا ، فَقَالَ : ” أَنَا ، أَنَا ” ، كَأَنَّهُ كَرِهَهَا ” [ متفق عليه ] . وفي الصحيح أن أُمَّ هَانِئٍ بِنْتَ أَبِى طَالِبٍ ذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَامَ الْفَتْحِ ، فَوَجَدْتُهُ يَغْتَسِلُ ، وَفَاطِمَةُ ابنته تَسْتُرُهُ ، قالت : فسلمت عليه ، فَقَالَ : ” مَنْ هَذِهِ ؟ ” ، فَقُلْتُ : أَنَا أُمُّ هَانِئٍ ” [ متفق عليه ] . خامسا : ومن آداب الاستئذان : أن لا يطرق الباب بعنف : فمن الناس من هو جلف في تعامله ، فيضغط على الجرس ، أو يطرق الباب بقوة وعنف ، وكل هذا من سوء الأدب ، سادسا : ومن آداب الاستئذان : تحريم النظر في بيت غيره إلا بإذنه : فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ” مَنِ اطَّلَعَ فِي بَيْتِ قَوْمٍ بِغَيْرِ إِذْنِهِمْ ، فَقَدْ حَلَّ لَهُمْ أَنْ يَفْقَئُوا عَيْنَهُ ” [ رواه البخاري ومسلم ] . فيحرم على الإنسان أن يطلع على عورات المسلمين ، سواءً عن طريق الباب ، أو النوافذ ، أو الشقوق أو الفتحات الموجودة في الجدر ، أو من السطح ، فكل ذلك حرام لا يجوز ، سابعا : ومن آداب الاستئذان : إذا لم يُسمح للمستأذن فليرجع : فأنت لا تدري ما هي ظروفهم ، ربما كانوا نائمين ، وربما كانوا صائمين ، وربما كان لديهم مريض ،أو ضيف يريدون مجالسته ، وربما كان صاحب البيت مشغولاً وقد أتيت بغير سابق موعد ، فتحرجه وتحرج نفسك. وخلاصة ذلك : إذا قيل لك ارجع فارجع ، ونفسك مطمئنة وراضية ، قال الله سبحانه : { وَإِن قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ } [ النور28 ] . ثامنا : ومن آداب الاستئذان : عدم الدخول لبيت ليس فيه أحد : قال الله تعالى : { فَإِن لَّمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَداً فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ } [ النور28 ] . فإن لم تجدوا في بيوت الآخرين أحدًا فلا تدخلوها حتى يوجد مَن يأذن لكم، تاسعا : ومن آداب الاستئذان : أن يستأذن الزائر عند الخروج : فربما يقع النظر على أمر لا يحل له رؤيته ، أو غير مرغوب في النظر إليه ، فالاستئذان من أجل النظر ، وعن بن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” إذَا زَارَ أحَدُكُمْ أخَاهُ فَجَلَسَ عِنْدَهُ ، فَلا يَقُومَنَّ حَتَى يَسْتَأذِنَهُ ” السلسلة الصحيحة للألباني ، عاشرا: ومن آداب الاستئذان : الاستئذان على المحارم من النساء : مثل : الأم ، والأخت ، والبنت ومن كان على شاكلتهم ،فهؤلاء لا يُدخل عليهم في أماكن راحتهن وغرفهن حتى يستأذن عليهن ، بطرق الباب ، أو التنحنح ، أو أي وسلة استئذان . وكذلك على النساء أن لا يدخلن على محارمهن من الرجال دون استئذان ، فربما وقعت العين على ما يحرم أو يُستحيا من النظر إليه ، وعن مسلم بن نذير قال : سأل رجل حذيفة فقال : أستأذن على أمي ؟ فقال : ” إن لم تستأذن عليها رأيت ما تكره ” [ الأدب المفرد وحسنه الألباني ] .
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( الاِسْتِئْذَانُ ثَلاَثٌ فَإِنْ أُذِنَ لَكَ وَإِلاَّ فَارْجِعْ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وهناك من الناس من لا يحتاج إلى استئذان وهو من دعي أو أرسل له رسول ، فهذا لا يحتاج إلى استئذان لأن أهل البيت في انتظاره ، فله أن يدخل دون استئذان ، ودليل ذلك : حديث أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ” رَسُولُ الرَّجُلِ إِلَى الرَّجُلِ إِذْنُهُ ” [ أخرجه أبو داود وصححه الألباني] . وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ” إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إِلَى طَعَامٍ ، فَجَاءَ مَعَ الرَّسُولِ ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَهُ إِذْنٌ ” [ أخرجه أحمد وصححه الألباني ] . أما عن استئذان الأطفال : فيقول الله تعالى في هذا الشأن : { وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } [ النور59 ] .فالأطفال إذا لم يبلغوا الحلم فيصرح لهم بالدخول بدون استئذان في غير الأوقات التي نهى عنها الله تبارك وتعالى في كتابه العزيز ، وهي العورات الثلاث ،التي ذكرت في قوله تعالى :{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِن قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاء ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُم بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } [ النور58 ] .فهذه الأوقات لابد من الاستئذان فيها ، حتى الصغار لابد أن يستأذنوا ، وأيضا متى ما كان الطفل يتحدث في النساء ، وينظر إليهن نظر ريبة وشهوة ، فيجب عليهن أن يحتجبن عنه .
الدعاء