خطبة عن حرمة النظر للمرأة الأجنبية وحديث (لاَ تُتْبِعِ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ)
أغسطس 8, 2020خطبة حول معنى قوله تعالى ( وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ )
أغسطس 8, 2020الخطبة الأولى ( مَا تَرَكْتُ بَعْدِى فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
في الصحيحين البخاري ومسلم : (عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ – رضى الله عنهما – : عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ : « مَا تَرَكْتُ بَعْدِى فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ »، وروى مسلم في صحيحه : (عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ : « إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ وَإِنَّ اللَّهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا فَيَنْظُرُ كَيْفَ تَعْمَلُونَ فَاتَّقُوا الدُّنْيَا وَاتَّقُوا النِّسَاءَ فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِى إِسْرَائِيلَ كَانَتْ فِي النِّسَاءِ »
إخوة الإسلام
لقد شاء الله تعالى – ولا رادَّ لحكمه ومشيئته – أن تكون المرأة فتنةً للرجُلِ بحُكم خلقتِها وتكوينها وطبيعتها وما خصَّها الله تعالى به من خصائص؛ كالإغراء ،والأنوثة ،والجمال، وما بثَّه الله تعالى في قلوب الرجال من الميل الفِطري إليها ،والرغبةِ فيها، وجعلها سكنًا ورحمة له، وموطن قضاء شهوته ،وإرواء غريزته الفطرية، وإثبات رجولته ،وبقاء نسله، ممَّا تنجبه له من ذرية صالحة ، والمرأة قد تكون سلاحًا للهدم ونشر الإباحية والفجور، كما أنَّها قد تكون سلاحًا للبناء والسموِّ بالأخلاق والفضائل؛ والمرأة المسلمة المؤمنة بالله حقًّا ، هي التي تَعرف ما لها وما عليها ، وهي التي تَسعى لمرضاة الله بكلِّ السُّبل، مضحية بشهواتها الدنيوية وميلها للتزين والتجمل إلَّا لمن أحلَّه الله لها من الرجال، في سبيل الوصول للسموِّ الروحي ،الذي يَجعلها تَخرج بعبادتها لله إلى آفاق عالية ورحاب واسعة؛ من اليقين به والتوكُّل عليه، والرضا بقضائه وحكمه، إلى أن يقضي أمرًا كان مفعولًا. والله سبحانه وتعالى ركب في طبيعة الرجل الميل إلى المرأة ومحبتها، كما قال سبحانه: ” زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ .. ” [آل عمران: 14]، وفي هذا الحديث النبوي الشريف سالف الذكر ،يحذر فيه الرسول صلى الله عليه وسلم أمته من فتنة النساء ، ولا يفهم من ظاهر الحديث الاستهانة بحق المرأة، وحاشا أن يكون كلام النبي صلى الله عليه وسلم شاملا على مثل هذا، فالإسلام رفع شأن المرأة ،وأعلى مكانها، فهي الأم والبنت والأخت والزوجة، وفي مسند أحمد وغيره قال صلى الله عليه وسلم : « إِنَّمَا النِّسَاءُ شَقَائِقُ الرِّجَالِ » ، ولكن الحديث حذَّر الرجال ، من أن يحملهم ما يجدونه في قلوبهم من المحبة والميل إلى المرأة ، في الوقوع فيما حرم الله، وهو أيضا متضمن تحذير المرأة من إظهار زينتها للرجال الأجانب، فتكون بذلك سبباً في فتنتهم ،فالمرأة حينما تخالف ما شرع الله سبحانه وتعالى، وتنحرف عن الصراط المستقيم تكون فتنة للرجال ، والواقع يصدق ذلك ويؤكده ، فقد وقع ما حذر الرسول صلى الله عليه وسلم منه من فتنة الرجال بالنساء، وهي من أعظم الفتن التي تفاقم خطرها، وعظم خطبها ، فشهوة الرجال للنساء أمرها خطير وشرها جسيم ، فكم من عابد لله حولته الشهوة إلى فاسق ، وكم من عالم حولته إلى جاهل ، وكم أخرجت أناسا من الدين كانوا في نظر من يعرفهم أبعد الناس عن الضلال والانحراف ،
فلا يخفى على أولي العقول والألباب أنَّ المرأة هي أخطر الفِتن الدنيوية على الإطلاق؛ ولهذا جعلها الله تعالى أولَ الشهوات، فقال عز وجل: ﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ ﴾ [آل عمران: 14]. قال القرطبي رحمه الله في تفسيرها ما مختصره: قوله تعالى: ﴿ مِنَ النِّسَاءِ ﴾ بدأ بهنَّ لكثرة تشوُّف النفوس إليهنَّ؛ لأنهنَّ حبائل الشيطان وفتنة الرجال، فالمرأة تكون فتنة للرجل إذا أوقعته فيما حرم الله، ولهذا قال الله سبحانه: “وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ …” [النساء: 24]، وقد تكون أيضا الزوجة فتنة لزوجها إذا صرفته عن طاعة الله، أو أمرته بمعصية الله سبحانه وتعالى، مثل أن تحمله على قطيعة أرحامه، أو تحمله على التساهل في ترك أوامر الله مثل الصلاة أو الزكاة أو الجهاد ونحو ذلك، ولهذا قال سبحانه وتعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوّاً لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ …” [التغابن: 14]. فإخبار النبي صلى الله عليه وسلم بذلك يريد به الحذر من فِتنة النِّساء، وأن يكون الناس منها على حذَر؛ لأن الإنسان بشر، إذا عُرضت عليه الفتن فإنه يُخشى عليه منها. ويستفاد منه أيضا سدُّ كل طريق يوجب الفتنةَ بالمرأة؛ فكل طريق يوجب الفتنة بالمرأة ، فإنَّ الواجب على المسلمين سدُّه؛ ولذلك وجب على المرأة أن تحتجب عن الرجال الأجانب، فتغطي وجهها، وكذلك تغطي يديها ورجليها عند كثير من أهل العلم، ويجب عليها كذلك أن تبتعد عن الاختلاط بالرجال؛ لأنَّ الاختلاط بالرجال فتنة وسبب للشرِّ من الجانبين؛ من جانب الرجال، ومن جانب النساء. فالواجب توقِّي فتنة النِّساء بكلِّ ما يستطاع، ولا ينبغي أن يغرنا ما يدعو إليه أهلُ الشرِّ والفساد من المقلِّدين للكفار من الدعوة إلى اختلاط المرأة بالرجال؛ فإن ذلك من وَحي الشيطان والعياذ بالله، فهو الذي يزيِّن ذلك في قلوبهم، وإلا فلا شك أن الأمم التي كانت تقدِّم النساء وتجعلهن مع الرجال مختلطات، لا شك أنها اليوم في ويلات عظيمة من هذا الأمر، يتمنَّون الخلاص منه فلا يستطيعون .
أيها المسلمون
وفتنة النساء في هذا الزمن اتخذت صورا متعددة ، ومظاهرة متنوعة ، فمن مظاهر وصور فتنة النساء في زماننا الحاضر: أولا : سفور النساء وتبرجهن في كثير من المجتمعات الإسلامية، مما ترتب عليه إطلاق النظر إليهن ،وإثارة الغرائز ،وثوران الشهوة ،والوقوع فيما حرم الله والافتتان بهن. وكما قيل: نظرةٌ، فابتسامةٌ ، فسلامُ فكلامٌ ، فموعدٌ فلقاءُ ، ثانيا : لقد تفننت وسائل الإعلام بأنواعها من تلفاز وفضائيات وفيديو ومجلات وكتب ، وشبكة النت ، وغيرها ، في عرض صور النساء الخليعة ،وشبه العارية ،مما لم يوجد في عصر مضى، وأصبحت الفتنة بهن عظيمة، حيث تعلق كثير من الرجال بصورهن وافتتنوا بهن . ثالثا : كثر الاختلاط بين الجنسين في كثير من مجالات الأعمال، مما أدى إلى حصول الفتنة بالنساء التي حذَّر منها النبي صلى الله عليه وسلم. وهكذا أصبحت فتنة النساء أمرا واقعا وملموسا في زماننا هذا، الذي ضعُف فيه الإيمان والخوف من ربِّ الأرض والسموات، وتفشَّت فيه المنكرات، وسقط شبابٌ ورجال محصنون وغير محصنين في فتنة النساء، واختلفت معايير الناس للحلال والحرام بسبب هذه الفتنة، فصارت فتنة الرجل وخَلْوته بامرأة أجنبية حبًّا ورومانسية، والاختلاطُ الفاحش بها صداقةً وزمالة، وما خفي كان أعظم. ولا فلاح لرجال الأمَّة وشبابها وصدق طاعتهم لربهم جلَّ وعلا إلَّا في الوقاية من هذه الفتنة وتجنُّبها ابتغاء مرضاته، وفي هدي النبي صلى الله عليه وسلم وصايا جليلة، فيها النَّجاة من فتنة النساء إن أحسنَّا العملَ بها – الرجال والنساء معًا – بصدق وإخلاص،
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( مَا تَرَكْتُ بَعْدِى فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وإذا كانت الفتنة بالنساء مرض يصيب الكثير ، فهذه هي بعض الطرق والوسائل التي تعين على تجنب هذه الفتنة ، ونسأل الله أن يصلح أحوال المسلمين ، ومنها : 1- الإيمان بالله عز وجل : فالإيمان بالله ، والخوف منه هو صمام الأمان ، والعاصم للعبد من مواقعة الحرام ، والانسياق وراء شهوة عارضة . 2- غض البصر عن المحرمات : فإن النظر يثمر في القلب خواطر سيئة رديئة ، ثم تتطور تلك الخواطر إلى فكرة ثم إلى شهوة ثم إلى إرادة فعزيمة ففعل للحرام ، 3- مدافعة الخواطر : إن الخاطرة السيئة في القلب خطر ،والواجب مدافعتها ومزاحمتها بالخواطر الطيبة . 4- النكاح :عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود قال : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ ) رواه البخاري ، 5- الصيام لمن لم يستطع الزواج ؛ للحديث السابق وفيه : ” وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ ” . رواه البخاري ، 6- البعد عن رفقاء السوء : يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ” المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل ” رواه أبو داوود وحسنه الألباني ، 7- البعد عن أماكن الفتن : فلا يخفى أننا نعيش اليوم في مجتمع قد ملئ بالفتن، وتظهر آثار ذلك في المحلات والمعاكسات في الأسواق والفضائيات والإنترنت … الخ ، فعليك بالفرار من الفتن والبعد عنها ليسلم لك دينك. 8- الحرص على استغلال الوقت في طاعة الله عز وجل :فالوقت نعمة عظيمة من نعم الله على العبد ، لكن المغبون فيها كثير فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ ) رواه البخاري ،9- تذكر نعيم الآخرة : ومن أخصها في هذا المقام تذكر الحور العين وأوصافهن التي أعدها الله لمن صبر عن معاصيه وهذا مما يعين المسلم على الزهد في المتاع الفاني المحرم الذي لا يورث إلا الندم والحسرات . 10- تجنُّب الخَلوة بالمرأة بغير مَحرَم: فالخلوة بالمرأة الأجنبية من غير مَحرم من أعظم الأسباب في الوقوع فيما حرَّم الله، وهياج الغريزة، وضياع الشرف والعفَّة، وكم من الجرائم تأتي من هذا الباب! وقد حذَّر النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك في كثير من الأحاديث، مثل قوله صلى الله عليه وسلم : « لاَ يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ ، وَلاَ تُسَافِرَنَّ امْرَأَةٌ إِلاَّ وَمَعَهَا مَحْرَمٌ » . فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، اكْتُتِبْتُ فِي غَزْوَةِ كَذَا وَكَذَا ، وَخَرَجَتِ امْرَأَتِي حَاجَّةً . قَالَ « اذْهَبْ فَحُجَّ مَعَ امْرَأَتِكَ » متفق عليه ، وقوله صلى الله عليه وسلم : « لاَ يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلاَّ كَانَ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ » رواه الترمذي ، ولا يخفى على العقلاء أنَّ الخلوة بكل أشكالها ووسائلها الحديثة؛ كالتحدُّث في الهاتف، وعلى شبكة النت، ومواقع التواصل، وغير ذلك ،ممَّا لا يطلع عليه أحد من المحارم – هو خلوة محرَّمة ، يَنطبق عليها ما ذكرنا من ترهيب.
الدعاء