خطبة عن النهي عن خروج المرأة مستعطرة وحديث (وَالْمَرْأَةُ إِذَا اسْتَعْطَرَتْ فَمَرَّتْ بِالْمَجْلِسِ فَهِيَ زَانِيَةً)
أكتوبر 12, 2019خطبة عن الرسول (قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ)
أكتوبر 12, 2019الخطبة الأولى ( قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (20) العنكبوت
إخوة الإسلام
لقد دعا الله عز وجل عباده إلى تدبر القرآن ، فقال الله تعالى : {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص: 29]، وفي نفس الوقت ،فقد أنكر الله على من أعرض عن تدبر القرآن ، فقال الله تعالى :{أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آَبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ} [المؤمنون: 68]، واليوم إن شاء الله موعدنا مع آيات من كتاب الله ، نتدبرها ، ونسبح في بحار معانيها ، ونرتشف من رحيقها المختوم ، مع قوله تعالى : (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (20) العنكبوت ، جاء في تفسير الطبري : يقول تعالى ذكره لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم : قل يا محمد للمنكرين للبعث بعد الممات، الجاحدين الثواب والعقاب: ( سِيرُوا فِي الأرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ )، أي كيف أوجد الله الأشياء وكيف أنشأها وأحدثها؛ وكما أوجدها وأحدثها ابتداء، فلم يتعذّر عليه إحداثها مُبدئا، فكذلك لا يتعذّر عليه إنشاؤها معيدا( ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الآخِرَةَ ) يقول: ثم الله يبدئ تلك البدأة الآخرة بعد الفناء. ويقول القرطبي : وانظروا كيف بدأ الخلق على كثرتهم وتفاوت هيئاتهم واختلاف ألسنتهم وألوانهم وطبائعهم ، وانظروا إلى مساكن القرون الماضية وديارهم وآثارهم كيف أهلكهم ; لتعلموا بذلك كمال قدرة الله ،وفي الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي: ﴿ قل ﴾ لهم يا محمد: ﴿ سيروا في الأرض ﴾ سافروا في الأرض ﴿ ثم انظروا ﴾ فاعتبروا ﴿ كيف كان عاقبة ﴾ مُكذِّبي الرُّسل يعني: إذا سافروا رأوا آثار الأمم الخالية المهلكة يحذِّرهم مثلَ ما وقع بهم. وفي تفسير البغوي “معالم التنزيل”: ﴿ قُلْ ﴾، يَا مُحَمَّدُ لِهَؤُلَاءِ الْمُكَذِّبِينَ الْمُسْتَهْزِئِينَ ﴿ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ﴾، مُعْتَبِرِينَ، يُحْتَمَلُ هَذَا السَّيْرُ بِالْعُقُولِ وَالْفِكْرِ، وَيُحْتَمَلُ السَّيْرُ بِالْأَقْدَامِ، ﴿ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ﴾، أي: جزاء أَمْرِهِمْ وَكَيْفَ أُورِثُهُمُ الْكُفْرَ وَالتَّكْذِيبَ الهلاك، يحذّر كُفَّارَ مَكَّةَ عَذَابَ الْأُمَمِ الْخَالِيَةِ.
أيها المسلمون
ويقول محمد الطاهر ابن عاشور في تفسيره : ( التحرير والتنوير ) : أمر الله رسوله أن يدعوهم إلى السير في الأرض ،ليشاهدوا آثار خلق الله الأشياء من عدم ، فيوقنوا أن إعادتها بعد زوالها ليس بأعجب من ابتداء صنعها . وإنما أمر بالسير في الأرض ،لأن السير يدني إلى الرائي مشاهدات جمة ،من مختلف الأرضين ،بجبالها وأنهارها ومحتوياتها ، ويمر به على منازل الأمم حاضرها وبائدها ، فيرى كثيرا من أشياء وأحوال لم يعتد رؤية أمثالها ، فإذا شاهد ذلك ،جال نظر فكره في تكوينها بعد العدم جولانا لم يكن يخطر له ببال حينما كان يشاهد أمثال تلك المخلوقات في ديار قومه ؛ لأنه لما نشأ فيها من زمن الطفولة فما بعده قبل حدوث التفكير في عقله اعتاد أن يمر ببصره عليها دون استنتاج من دلائلها ، حتى إذا شاهد أمثالها مما كان غائبا عن بصره جالت في نفسه فكرة الاستدلال ، فالسير في الأرض وسيلة جامعة لمختلف الدلائل ؛ فلذلك كان الأمر به لهذا الغرض من جوامع الحكمة . وجيء في جانب بدء الخلق بالفعل الماضي (سِيرُوا ) ؛ لأن السائر ليس له من قرار في طريقه ، فندر أن يشهد حدوث بدء مخلوقات ، ولكنه يشهد مخلوقات مبدوءة من قبل ، فيفطن إلى أن الذي أوجدها إنما أوجدها بعد أن لم تكن ، وأنه قادر على إيجاد أمثالها ، فهو بالأحرى قادر على إعادتها بعد عدمها . والاستدلال بالأفعال التي مضت أمكن ؛ لأن للشيء المتقرر تحققا محسوسا . وجيء في هذا الاستدلال بفعل النظر ؛ لأن إدراك ما خلقه الله حاصل بطريق البصر ، وهو بفعل النظر أولى وأشهر لينتقل منه إلى إدراك أنه ينشئ النشأة الآخرة .
أيها المسلمون
وفي قوله تعالى : (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (20) العنكبوت ، فيها إعجاز علمي ، ودليل وشاهد على عظمة من أنزل القرآن ، ونبوة من أرسل إليه ، يقول الدكتور / عبد الدائم الكحيل : هذه الآية الكريمة تؤكد على ضرورة أن نسير في الأرض وننظر ونتأمل من حولنا وندرس ما حولنا من أجل اكتشاف ” كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ” ،ومثل هذه الآيات كانت سبباً في تحفيز علمائنا قديماً لاكتشاف الكثير من العلوم ،ووضع النظريات ،وهذا ما ساهم في دفع عجلة العلم ،ولذلك كان لعلماء المسلمين الفضل في كثير من العلوم، التي أخذها عنهم علماء أوربا ،واستفادوا منها ، وقاموا بتطويرها. ويقول : نحن اليوم بحاجة ماسَّة لتأمل هذه الاكتشافات ،لنزداد إيماناً بالله تعالى، ولندرك أن الله قادر على إعادة الخلق كما قال عز وجل : (ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآَخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [العنكبوت: 20]. فعندما يتعمق الإنسان في هذه الآيات الكونية من حوله، فإنه يزداد يقيناً بلقاء الخالق جل وعلا، وهذا اليقين سوف يبقينا على صلة بالله تعالى، لتستقيم أعمالنا وتصبح خالصة لوجهه الكريم، عسى أن نكون من الذين قال الله في حقهم: (وَفِي الْأَرْضِ آَيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ) [الذاريات: 20]. ثم يقول : والقاعدة التي نستنتجها : أن كل شيء محفوظ بكتاب ،ولكن حروف هذا الكتاب هي الذرات! وهذه الكشوف حدثت كلها في القرن العشرين.
وهنا نتساءل: هل يوجد في كتاب الله عز وجل حديث عن هذه الكتب المحفوظة؟ إنها الآية التي ردَّ الله بها دعوى المنكرين للبعث بعد الموت عندما قالوا: (أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ) [ق: 3]، فبماذا أجابهم الله عز وجل؟ يقول تعالى: (قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ) [ق: 4]. فإذا كنا نحن البشر نستطيع معرفة الكثير من الأشياء عن الماضي من خلال هذه المعلومات المدونة في الذرات من حولنا، فكيف بعلم الله عز وجل؟ ، لقد أودع الله تعالى في ذرات الصخور معلومات حول تاريخ تشكل هذه الصخور وكيف تشكلت. هذه المعلومات تروي بداية خلق وتشكل هذه الصخور. طبعاً المعلومات ليست مكتوبة باللغة التي نعرفها، بل مكتوبة بلغة خاصة اكتشفها العلماء حديثاً وحروفها الذرات والجزيئات، وقواعدها هي القوانين الفيزيائية التي خلقها الله وسخرها لنا لتكون دليلاً ومرشداً نستطيع من خلاله معرفة بداية وأسرار الخلق. ولقد أودع الله تعالى قوانين فيزيائية دقيقة في المواد التي خلقها، هذه القوانين عندما نبحث فيها يمكننا رؤية تفاصيل الماضي. ففي المستحاثات نجد أن العلماء تمكنوا من معرفة عمر هذه الكائنات وفي أي عصر عاشت وما هي الظروف السائدة في ذلك العصر إلى غير ذلك من المعلومات التي تم تخزينها في ذرات هذه المتحجرات.
وإن أبحاث الفضاء الحديثة أثبتت بشكل قاطع أن للكون بداية، ولذلك فقد تأكد العلماء مئة بالمئة أن الكون ليس أزلياً إنما هناك بداية للخلق، وهذا ما تحدث عنه القرآن في زمن كان الاعتقاد السائد بأزلية الكون، فمن الذي أخبر سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم بذلك؟ ، إنه الله سبحانه وتعالى القائل في محكم آياته : (قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ) [يونس: 34].
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
إن الدعوة التي أطلقها القرآن قبل أربعة عشر قرناً ،والتي تؤكد أن سر بداية الخلق موجود في الأرض، حيث أمر الله تعالى بأن نسير في الأرض ،وننظر ،ونتأمل ،ونبحث في نشوء الحياة ،وكيف بدأ الخلق، لنستيقن بأن الله هو الحق ،وأنه قادر على إعادة الخلق يوم القيامة، يقول تعالى: (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآَخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [العنكبوت: 20].
ولنزداد يقيناً بلقاء الله تعالى فهو القائل : (وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ (20) وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ) (20) ،(21) الذاريات ، فالله سبحانه وتعالى هيأ لكل عصر وسائله ،التي يستطيع الناس أن يتوصلوا بها لأدلة مادية محسوسة قاطعة الثبوت لا لبس فيها ولا شك ،تناسب عقول أهل ذلك الزمان ،ليستدلوا بها على عظيم قدرة الخالق في إحياء الموتى يوم القيامة ،وأن البعث حاصل لا محالة ، كما أنشأنا أول مرة،
وهكذا الأمر بالنسبة لمسألة بدء الخلق ، فإن الله يخبرنا فيما تقدم من الآيات ،أن هناك أدلة قاطعة ، تتناسب والزمان الذي يعيشه أهل كل عصر ،في إثبات ومشاهدة بداية الخلق ، وكأننا نعيش تلك الساعات التي بدأ فيها الخلق، فكل من آتاه الله حظا من العلم يعلم علم اليقين بأن لهذا الكون خالقا ومدبرا، قال تعالى: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ﴾ [فاطر:28] ، فالسير إذن في الأرض ،واكتشاف ما خفي عمن قبلنا ،إنما هو وسيلة من وسائل العلم الحديث ،وطريق من طرق تثبيت الإيمان وترسيخه، وصدق الله العظيم القائل في كتابه : ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾ [فصلت:53]
الدعاء