خطبة حول معنى حديث ( يَدُ اللَّهِ مَعَ الْجَمَاعَةِ )
سبتمبر 12, 2020خطبة عن قوله تعالى ( مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ )
سبتمبر 12, 2020الخطبة الأولى ( إِنَّ اللَّهَ زَوَى لِيَ الأَرْضَ .. وَإِنَّ أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مُلْكُهَا مَا زُوِىَ لِي مِنْهَا )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى مسلم في صحيحه : (عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : « إِنَّ اللَّهَ زَوَى لِيَ الأَرْضَ فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا وَإِنَّ أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مُلْكُهَا مَا زُوِىَ لِي مِنْهَا وَأُعْطِيتُ الْكَنْزَيْنِ الأَحْمَرَ وَالأَبْيَضَ وَإِنِّي سَأَلْتُ رَبِّي لأُمَّتِي أَنْ لاَ يُهْلِكَهَا بِسَنَةٍ بِعَامَّةٍ وَأَنْ لاَ يُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ سِوَى أَنْفُسِهِمْ فَيَسْتَبِيحَ بَيْضَتَهُمْ وَإِنَّ رَبِّى قَالَ يَا مُحَمَّدُ إِنِّي إِذَا قَضَيْتُ قَضَاءً فَإِنَّهُ لاَ يُرَدُّ وَإِنِّي أَعْطَيْتُكَ لأُمَّتِكَ أَنْ لاَ أُهْلِكَهُمْ بِسَنَةٍ بِعَامَّةٍ وَأَنْ لاَ أُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ سِوَى أَنْفُسِهِمْ يَسْتَبِيحُ بَيْضَتَهُمْ وَلَوِ اجْتَمَعَ عَلَيْهِمْ مَنْ بِأَقْطَارِهَا – أَوْ قَالَ مَنْ بَيْنَ أَقْطَارِهَا – حَتَّى يَكُونَ بَعْضُهُمْ يُهْلِكُ بَعْضًا وَيَسْبِى بَعْضُهُمْ بَعْضًا ».
إخوة الإسلام
هذا حديثٌ جليلٌ ، يشتمل على أمور مهمة ،وأخبار صادقة، يخبر فيها الصادق المصدوق -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن الله سبحانه جمع له الأرض ،حتى أبصر ما تملكه أمته ،من أقصى المشارق والمغارب، وهذا خبرٌ وُجد مخبره، فقد اتسع ملك أمته ،حتى بلغ من أقصى المغرب إلى أقصى المشرق، وأخبر أنه أُعطي الكنزين ،فوقع كما أخبر، فقد حازت أمته ملكي كسرى وقيصر ،بما فيهما من الذهب والفضة والجوهر، وأخبر أنه سأل ربه لأمته أن لا يهلكهم بجدبٍ عامٍّ ، ولا يسلط عليهم عدواً من الكفار ، يستولي على بلادهم ، ويستأصل جماعتهم، وأن الله أعطاه المسألة الأولى، وأعطاه المسألة الثانية ،ما دامت الأمة متجنبة للاختلاف والتفرق والتناحر فيما بينها، فإذا وُجد ذلك ،سلط عليهم عدوهم من الكفار، وقد وقع كما أخبر حينما تفرقت الأمة. وفي قوله صلى الله عليه وسلم : “إن الله زَوَى ليَ الأرض” يعني: جمعها، وحواها وطواها له صلى الله عليه وسلم حتى صارت حجماً صغيراً، يرى النبي صلى الله عليه وسلم أطرافه ما بعُد منها وما قرُب، والله قادر على كل شيء. أو أن المراد- والله أعلم- أنه قوّى بصر رسوله صلى الله عليه وسلم فصار يري كل الأرض مشارقها ومغاربها، كما حصل له صلى الله عليه وسلم لما سأله المشركون عن بيت المقدس ، فقوّى بصر رسوله فصار ينظر إلى بيت المقدس وهو في مكّة يخطب في المشركين، ويصف لهم المسجد عن معاينة ومشاهدة، حتى ذكر لهم علاماته والأشياء التي يعرفونها فيه، وحتى إنه أخبرهم عن عيرهم التي في الطريق التي كانوا ينتظرونها، أخبرهم أين هي؟. وقوله صلى الله عليه وسلم : “فرأيت مشارقها ومغاربها” “وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زَوَى لي منها” أي رأى المشرق والمغرب وجمعها لكثرة الطالع والغارب من الكواكب “وإن أمتي سيبلغ ملكها” وهذا خبر عن المستقبل، وهو لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم. وقد وقع كما أخبر، فانتشرت الفتوحات في عهد الخلفاء الراشدين وخلفاء بني أمية وبني العباس حتى سقطت دولة الفُرْس بالمشرق، وسقطت دولة الروم بالمغرب، وامتدّ سلطان المسلمين في الشرق إلى أن وصل السّند، وفي المغرب إلى أن وصل إلى طَنْجَة في أقصى المغرب، بل امتدّ إلى أن وصل إلى جبال البَرَانِس وهي حدود فرنسا، حيث دخلت الأندلس في الخلافة الأمويّة في ملك المسلمين، وهذا مِصْداق لخبره صلى الله عليه وسلم: “وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوى لي منها”.
وقوله صلى الله عليه وسلم : “وأُعطيت الكنزين: الأحمر والأبيض” المراد بالكنزين: الأموال النّفيسة، “الأحمر”: الذهب، “والأبيض”: الفضة، وهذا عبارة عن أموال الفرس والروم. فأموال الفرس من الذهب، وأموال الروم من الفضة، أو العكس، قولان في المسألة. وقد وقع ما أخبر به صلى الله عليه وسلم، فقد جيء بأموال الفرس والروم في خلافة عمر بن الخطاب، ووزّعت بين المسلمين في المدينة، حتى إنه جيء بتاج كسرى الذي يلبسه على رأسه، وجيء بسواريه الذين يلبسهما في يديه، وهذا مصداق ما أخبر به صلى الله عليه وسلم. وقوله: “وإني سألت ربي لأمتي” فهذا من شفقته صلى الله عليه وسلم بأمته ” أن لا يهلكها بسنة بعامة” فالمراد بالسنة: الجُدْب، أي: لا يعمّ الجدب والقحط كل بلاد المسلمين، فتَهلك أموالهم وزروعهم وما يأكلون منه، وقوله: “وأن لا يسلط عليهم عدَوّاً من سوى أنفسهم” يعني: من الكفار، أي: لا يسلط الكفار على المسلمين. “فيستبيح بيضتهم” البيضة: الحوزة، يعني: لا يستبيح الكفار حوزة المسلمين وبلادهم، أو المراد بالبيضة اجتماع الكلمة. والمعنى عام ومعناه: لا يستبيح بلادهم وجماعتهم. “وإن ربي قال: يا محمَّد” هذه إجابة الله لدعوة رسوله صلى الله عليه وسلم. “إني إذا قضيت قضاءً فإنه لا يردّ” إذا قدّر الله قدراً فلا بد من نفاذه، فأقدار الله نافذة في المسلمين والكفّار وعموم الناس، لا أحد يستطيع رد القضاء والقدر، فهذا فيه إثبات القدر، وأن قدر الله نافذ، لا يستطيع أحد رده.“وإني أعطيتك لأمتك: أن لا أهلكهم بسنة بعامة” استجاب الله الدعوة الأولى مطلقاً، وأنه سبحانه لا ينزل قحطاً عامًّا للبلاد كلها، وإنما ينزل القحط في بعض البلاد دون بعض ، بخلاف الأمم السابقة، فإن الله ينزل القحط العام عليهم فيضرهم، “وأن لا أسلط عليهم عدوًّا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم، ولو اجتمع عليهم من بأقطارها، حتى يكون بعضهم يُهلك بعضاً، ويسبي بعضهم بعضاً” فقد استجاب الله له الدعوة الثانية استجابة معلّقة، يعني: ما دامت أمتك مجتمعة على الحق كلمتها واحدة، فإن الله لا يسلّط عليهم عدوًّا من الكفار، أما إذا حصل في الأمة افتراق كلمة، وحصل بينهم قتال فيما بينهم، وسبى بعضهم بعضاً، فحينئذ يعاقبهم الله عزّ وجلّ ويسلط عليهم الكفّار. وقد حصل مصداق هذا، فإنه لما كانت الأمة مجتمعة في عهد أبي بكر الصدّيق وعمر بن الخطاب، وأول خلافة أمير المؤمنين عثمان، وسلطان المسلمين ظاهر في الأرض، قد خافتهم الأمم، فصار الكفار يخافون من المسلمين. ولما وقعت الفتنة بين المسلمين في خلافة عثمان- رضي الله تعالى عنه- بسبب اليهوديّ الذي ادّعى الإسلام وهو: عبد الله بن سبأ اليماني، وصار يحرّض المسلمين على الخليفة عثمان ذي النورين رضي الله عنه، واجتمع حوله من الأوباش وضعاف الإيمان من الشباب الطائش، اجتمعوا على هذه الطاغية، وفي النّهاية حاصروا عثمان رضي الله عنه وقتلوه، ولما قتلوا عثمان عاقب الله المسلمين فجعل بأسهم بينهم، وسلّط عليهم عدّوهم.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( إِنَّ اللَّهَ زَوَى لِيَ الأَرْضَ .. وَإِنَّ أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مُلْكُهَا مَا زُوِىَ لِي مِنْهَا )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وهذا الحديث يطرح علينا تساؤلات عديدة من وحي الأحداث الراهنة التي تمر بها أمتنا الإسلامية، وهي : أولا : هل ستصمد أمة الإسلام أمام تلك الهجمة الشرسة التي يقودها التحالف الغربي الصهيوني عليها حاليا؟ والإجابة بكل تأكيد هي نعم، فلن يتمكن هذا التحالف – وإن بدا للناظر غير ذلك – من تفكيك الأمة الإسلامية أو تضييع الإسلام، قد يستطيع هذا التحالف تحقيق انتصارات مؤقتة وفي أماكن متفرقة من الأمة الإسلامية، لكنه لن يستطيع ضرب الأمة كلها في مقتل، بل سوف تقوم الأمة الإسلامية – حين يأذن الله – بضرب هذا التحالف ودحره والانتصار عليه. ولا يتحقق ذلك إلا بالاعتصام بشرع ربها وسنة نبيها صلى الله عليه وسلم، فلن ينجي هذه الأمة من المحنة التي تمر بها حاليا سوى الرجوع إلى الله تعالى، وأن تجعل الله تعالى في صفها على عدوها،أما أن تعادي الأمة ربها، ثم تطلب منه النصر على عدوها، فهذا من المحال الذي لا يمكن أن يتحقق. ثانيا : ما هو الدور الذي يمكن أن نقوم به الآن؟ التبصرة بعدونا ، والمرحلة التي تمر بها أمتنا، ومحاولة تزييفهم لتاريخ الأمة الإسلامية ووعيها، وتبصرة جميع الناس بذلك، حتى تنجلي الغشاوة عن أعين أفراد الأمة، ويعرفون الحقيقة ناصعة، ويقفون على حقيقة الأمر ، والدور المنوط بكل فرد من أفرادها ، وينبغي علينا في ضوء هذه البشارة العظيمة التي جاءت في هذا الحديث أن نجتهد وأن نشمر سواعدنا لخدمة الدين، وألا ننخذل أو نضعف بسبب أن أعداءنا قد سبقونا وتخطونا، فالعمل العمل يا أبناء الإسلام! (وَلا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلاَدِ ) آل عمران: 196 ،كما أنه من الواجب علينا أن ندرس طبيعة عدونا: أفكاره ودعايته واستراتيجيته التي يحاربنا بها.
أيها المسلمون
ومن أهم الدروس والعبر التي يمكن أن نستخلصها من هذا الحديث النبوي : أولا : في هذا الحديث دلائل من دلائل النبوة، وهي : في قوله صلى الله عليه وسلم: “إن الله زَوَى ليَ الأرض حتى رأيت مشارقها ومغاربها”. – وفي قوله صلى الله عليه وسلم: “سيبلغ ملك أمتي ما زُوِيَ لي منها،. – وفي إخباره صلى الله عليه وسلم بأن هذه الأمة إذا افترقت وتقاتلت يتسلّط عليها العدّو. وقد وقع ما أخبر به صلى الله عليه وسلم. ثانيا : في هذا الحديث كمال شفقته صلى الله عليه وسلم بأمته، حيث دعا لهم صلى الله عليه وسلم بهذه الدعوات المباركات العظيمة، واستجاب الله له. ثالثا : في هذا الحديث أن تفرّق الأمة وتناحرها فيما بينها سبب لتسلُّط العدوّ عليها، وأن اجتماعها وتوحّدها على الحق سبب لمنع الكفّار من وقوع ذلك ،فالواجب على المسلمين أن يكونوا أمة واحدة ، قال الله تعالى : {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ}،الأنبياء (92) ،وقال الله تعالى : { وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ } الانفال 46،فالاختلاف عذاب، وسبب لتسلّط الكفار، والاجتماع رحمة وقوة وعزّة للمسلمين ولن يحصل الاجتماع إلاَّ تحت عقيدة التّوحيد. رابعا : فيه بيان بأن اجتماع المسلمين على كلمة الحق شرط لحفظ الأمة من غلبة الكفار عليهم ، والتحذير من الاختلاف ودعاة الضلال. خامسا : فيه دليل على أن الله تعالى ختم النبوة به صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
الدعاء