خطبة عن فعل المعروف وحديث (لاَ تَحْقِرَنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا)
نوفمبر 30, 2019خطبة عن قوله تعالى (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى)
نوفمبر 30, 2019الخطبة الأولى ( وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ) (9) الرحمن
إخوة الإسلام
القرآن الكريم : هو حبل الله المتين ، وهو الذكر الحكيم ،والصراط المستقيم ،من عمل به أجر، ومن حكم به عدل ،ومن دعا إليه هدى إلى صراط مستقيم . ولقد دعا الله عز وجل عباده إلى تدبر القرآن ، فقال الله تعالى : {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص: 29]، وفي نفس الوقت ،فقد أنكر الله على من أعرض عن تدبر القرآن ، فقال الله تعالى : {أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آَبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ} [المؤمنون: 68]، واليوم إن شاء الله موعدنا مع آيات من كتاب الله ، نتدبرها ، ونسبح في بحار معانيها ، ونرتشف من رحيقها المختوم ، مع قوله تعالى : (وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ) (9) الرحمن ، جاء في تفسير الوسيط لطنطاوي : أن المعنى : شرع الله العدل ، ونهاكم عن تجاوزه ، وأمركم أن تقيموا حياتكم عليه في أوزانكم التي تتعاملون بها فيما بينكم ، وفى كل أحوالكم ، فاحذروا أن تخالفوا أمره ، وكرر – سبحانه – لفظ ” الميزان ” للتنبيه على شدة عناية الله – تعالى – بإقامة العدل بين الناس في معاملاتهم ، وفى سائر شئونهم ، إذ بدونه لا يستقيم لهم حال ، ولا يصلح لهم بال ، ولا يستقر لهم قرار ، وقال القرطبي في تفسيره : قيل : أن المعنى ولا تخسروا ميزان حسناتكم يوم القيامة فيكون ذلك حسرة عليكم ، وقال ابن عيينة : الإقامة باليد والقسط بالقلب وكلمة الميزان في هذه الآيات ، وفي غيرها من الآيات تحمل معان عدة ، ومنها : المعنى الأولى : أن الميزان هو الشرع الذي يقاس به أعمال الخلائق ، فكيف نحكم على إنسان بفعله أن هذا الفعل حرام أو حلال ، حق أو باطل ، خير أو شر ، لا بد من مقياس ، لا بد من ميزان ، فالله سبحانه وتعالى حينما خلق الخلق ، خلق لهم ميزان يقيسون به أعمالهم ، وهذا الميزان هو الشرع ، فالشرع مقياس الاعمال، فلا ينبغي لك أن تفعل ما تشاء ، فلست حراً ، إنما أنت عبد لله عز وجل . المعنى الثاني : أن الميزان هو القرآن ، لأنه هو لذي أخذ منه الشرع . المعنى الثالث للميزان : أن الله سبحانه وتعالى حين خلق السماوات والأرض زود الإنسان بجهاز عظيم ، إذا أعمله عرف الحقيقة ، ألا وهو العقل ، فالميزان هو العقل . المعنى الرابع : الميزان هو العدل : لان الميزان أداة العدل ، وقد قال الله تعالى : “ولا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ” أي لا تنقصوه ولا تتلاعبوا فيه ، فالعدل في الكيل والميزان تكفُل حُسن التعامل بين الناس؛ فالكيل والميزان والمساحة والأطوال أمورٌ أساسية في التعامل اليومي بين الناس، بها تؤدَّى الحقوق، فإذا اختلَّت ضاعت الحقوق، وفشَت السرقة بين الناس، وعمَّت الفوضى؛ لذلك كان ضبطُ الكيل والميزان من الأمور المهمة التي حرَص عليها الإسلام، وأكد ذلك في آيات كثيرة، وبيَّن حال المطففين، وما لهم يوم القيامة، وما ينتظرهم من عقاب، ولأهمية الميزان أخبَر تعالى أنه أنزَله من عنده؛ وذلك للأخذ به، والعمل بمقتضاه؛ قال تعالى: ﴿ اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ ﴾ [الشورى: 17]، ويلجَأُ قوم من ضِعاف الإيمان إلى عدم إقامة الميزان، وإلى تطفيفه، من أجل طمَع دنيوي، فيحتالون على أموالِ الناس ،بأن ينقصوا الوزن ،أو الكيل إذا باعوا، ويزيدوا في الوزن ، أو الكيل إذا اشتَرَوْا؛ فتوعَّدهم الله بالعذاب الأليم فقال الله تعالى : (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (1) الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (3) أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ (4) لِيَوْمٍ عَظِيمٍ (5) يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ) المطففين (1) :(6) ، والويل عندما يُذكَر في القرآن يكون للوعيد، وهو وادٍ في جهنم مخيف. فحالُ هؤلاء الربحُ الظاهر في الدنيا عند ظنِّهم، ولكنهم سيدفعون الثمن في الدنيا والآخرة، في الدنيا تمحق بركةُ رزقِهم، ويسلَّط عليهم البلاء، وفي الآخرة يدفَعون ما سرقوه أضعافًا مضاعفة؛ ففي الحديث (وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِلاَّ أُخِذُوا بِالسِّنِينَ وَشِدَّةِ الْمَؤُنَةِ وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ) رواه ابن ماجه. وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ : ( مَا ظَهَرَ الْغُلُولُ فِي قَوْمٍ قَطُّ إِلاَّ أُلْقِىَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبُ وَلاَ فَشَا الزِّنَا فِي قَوْمٍ قَطُّ إِلاَّ كَثُرَ فِيهِمُ الْمَوْتُ وَلاَ نَقَصَ قَوْمٌ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِلاَّ قُطِعَ عَنْهُمُ الرِّزْقُ وَلاَ حَكَمَ قَوْمٌ بِغَيْرِ الْحَقِّ إِلاَّ فَشَا فِيهِمُ الدَّمُ وَلاَ خَتَرَ قَوْمٌ بِالْعَهْدِ إِلاَّ سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْعَدُوَّ) موطأ الامام مالك.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومازال حديثنا موصولا عن قوله تعالى : (وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ) (9) الرحمن ، فعندما نقيس هذه الآية الكريمة على حياتنا العامة ، وتعاملاتنا اليومية ، نجد أن الكثير منا (للأسف الشديد) خسروا الميزان ،وفقدوا العدل والمساواة ، والتكافؤ في تعاملهم مع أنفسهم في بداية الأمر ، ومع من يحيطون بهم ، فقد إدراك كل منا حقوقه وواجباته ،في البيت ،والعمل ،وفي المجتمع بشكل عام ،وفي نفس الوقت يقوم بالتقصير في تلك الواجبات ، وذلك لسبب أو لآخر، فلا يقيم العدل، وهو بذلك يخسر الميزان ، ويبدأ بعد ذلك الخلل في حياته بسبب هذا التقصير ، فالعدل هو إعطاء كل ذي حق حقه ، فلأنفسنا علينا حق، نظلمها إن لم نعطها إياه ، وللآخرين علينا حقوق ،نظلمهم إذا لم نؤدها إليهم ، ففي الصحيحين ، يقول صلى الله عليه وسلم : (فَإِنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَلِزَوْرِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَلِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا ». وقال صلى الله عليه وسلم : (إِنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا ، وَلِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا ، وَلأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا ، فَأَعْطِ كُلَّ ذِى حَقٍّ حَقَّهُ ) ، فقبل كل شيء ، فلله تعالى علينا حقوقٌ لا حدود لها ،ونكون من الظالمين إن لم نؤدها ، وعندما يبتعد الإنسان عن خط العدل في سلوكه ، فإنَّ حياته تختل وتضطرب ، فيشمل الاضطراب كل نواحي الحياة وأبعادها، مادية كانت أو معنوية ، فردية واجتماعية ، فالعدل دائماً نور وحياة والظلم ظلامٌ وموت وفناء . فلا استقرار ولا بقاء ، ولا نمو ولا كمال لهذا الإنسان ، إلا بإقامة حياته على أساس العدل، ولذا وجدنا أن الله تعالى ـ وهو أحكم الحاكمين وأعدل العادلين ـ قد جعل إقامة العدل في الحياة هدفاً لأنبيائه وإرسال رسالاته. والميزان يمكن أن يُفهم بفهمٍ أعم ،وهو التوازن الطبيعي الذي خلقه الله تعالى في الكون، فالجاذبية الكونية ما هي إلا وسيلة من الوسائل العديدة التي خلقها الله تعالى لحفظ هذا التوازن. ويجب على الإنسان أن يحافظ على هذا التوازن حتى لا يفسد الكون من حوله ، فسبحان الله الذي وضع الميزان لينتظم به الكون وتنتظم به حياة البشر سواء بسواء!
الدعاء