خطبة حول (أسباب تخلف المسلمين)
ديسمبر 11, 2019خطبة عن التذكير بالقرآن (فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ)
ديسمبر 14, 2019الخطبة الأولى ( لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَيُوَقِّرْ كَبِيرَنَا )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى الإمام الترمذي في سننه بسند حسنه : (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : « لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَيُوَقِّرْ كَبِيرَنَا وَيَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ ».
إخوة الإسلام
لقد خلق الله تعالى بني آدم ؛ ليتعاونوا ،ويتآزروا، ويتناصحوا ، ويتعارفوا ، لا ليتصارعوا ، ويتقاتلوا، ويتهاجروا ، ويتدابروا، فقال الله تعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾ [الحجرات: 13]. ونحن اليوم نحتاجُ إلى أن نتخَلقَ بخُلقِ الوَقارِ مع الناس أجمعين، فنحنُ في زَمنٍ لا يُوقر فيه الصغيرُ الكبيرَ، ولا يرحم الكبيرُ الصغيرَ، لقد أصبحنا في زمن لا تُوَقر فيه الأنفسُ ، وتستحل فيه الأعراض والأموال. فمن الظواهر الاجتماعية المؤرقة إهمال العناية بالمسنين ،وضياع الأدب معهم، وهم قد بلغوا مرحلة عمرية تحتاج إلى مزيد من العناية والتوقير والاحترام ، والرحمة والشفقة ، ورد الجميل ،والمجازاة بالإحسان ، ولذا كان موعدنا اليوم إن شاء الله تعالى مع هذا الأدب النبوي الكريم ، والذي يرغبنا فيه صلى الله عليه وسلم في الرحمة بالصغير ، وتوقير الكبير ، والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، ويحذرنا من مخالفة ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم : (لَيْسَ مِنَّا) ، وللعلماء فيها أقوال : ففي تحفة الأحوذي للمباركفوري : قوله (ليس منا) قيل أي ليس على طريقتنا وهو كناية عن التبرئة ، وفى فيض القدير للمناوي: (ليس منا) أي ليس مثلنا ، ومعلوم أن مقصود الحديث ومراد أهل العلم بقولهم (ليس على طريقتنا ،أو ليس مثلنا) أنه ليس مثلنا في هذه الخصلة وليس المقصود أنه كافر ، أو ليس من المسلمين، إذ أن مرتكب هذا الذنب هو عاص ، وليس كافرا. فالكبير والصغير يتعين أن يعامل كلا منهما بما يليق به ، فيعطي الصغير حقه، من الرفق به ،والرحمة والشفقة عليه ،ويعطي الكبير حقه ،من الشرف والتوقير ، ولقد أكَّدَ النبي صلى الله عليه وآله وسلم على هذا الأمر في أحاديثه التي أرشد بها المسلمين لأهمية قيمة احترام الكبير؛ وأرشدنا صلى الله عليه وآله وسلم إلى أنَّ عامل السِّنِّ له اعتباره في تحديد مكانة الأشخاص، وأنه يجب أن يُراعى، وجعل إكرام الكبير بمنزلة إجلال الله تعالى؛ فقال صلى الله عليه وسلم : «إِنَّ مِنْ إِجْلَالِ اللهِ إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ، وَحَامِلِ الْقُرْآنِ غَيْرِ الْغَالِي فِيهِ وَالْجَافِي عَنْهُ، وَإِكْرَامَ ذِي السُّلْطَانِ الْمُقْسِطِ» رواه أبو داود، ولذلك جعل النبيُّ لعامل السِّنِّ دوره في أولويَّة الإمامة، فإذا وُجدَ من يتساوى في الفقه وقراءة القرآن مع غيره، قُدِّمَ الأكبر سنًّا؛ فقال صلى الله عليه وآله وسلم لمالك بن الحويرث رضي الله عنه وصاحب له: «أَذِّنَا، وَأَقِيمَا، وَلْيَؤُمَّكُمَا أَكْبَرُكُمَا» رواه البخاري، وهذا من المنزلة التي وضعها الإسلام للكبير؛ فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم هو القائل: «أَنْزِلُوا النَّاسَ مَنَازِلَهُمْ» رواه أبو داود، ومن المواقف ذات الدلالة على هذا التكريم والتوقير للكبير، ما وقع من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين فتح مكة، فلمَّا دخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مكة، ودخل المسجد، أتاه أبو بكر بأبيه، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال: «هَلَّا تَرَكْتَ الشَّيْخَ فِي بَيْتِهِ حَتَّى أَكُونَ أَنَا آتِيهِ فِيهِ» رواه أحمد. وفي صحيح البخاري يقول صلى الله عليه وسلم : «إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ لِلنَّاسِ، فَلْيُخَفِّفْ، فَإِنَّ مِنْهُمُ الضَّعِيفَ وَالسَّقِيمَ وَالكَبِيرَ، وَإِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ لِنَفْسِهِ فَلْيُطَوِّلْ مَا شَاءَ»
أيها المسلمون
ومن توقير الناس واحترامِهم: عدَمُ التكبّر والاستعلاءِ عليهم؛ فالمؤمن لا يتكبر على أحد ولا يستعلي على أحد، لأن الله تعالى لا يحب من كان مختالا فخورا، وقد وصف الله تبارك وتعالى عباده المؤمنين في تواضعهم، فقال سبحانه : ﴿ وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا ﴾ الفرقان 63، ومن توقير الناس واحترامِهم: عدَمُ أذيتهم بقول أو فعل؛ فصاحب الوقار لا يؤذي أحدا، لا بلسانه ولا بفعله ولا بنظره ولا بتخطيطه، فإن الله تعالى قد توعّدَ الذين يؤذون عباده المؤمنين ويظلمونهم بأشد الوعيد، فقال سبحانه : ﴿ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ﴾ [الأحزاب: 58]. ومن توقيرِ الناس واحترامِهم: توقيرُ الأنفس والأموال والأعراض؛ فلا يحق لأحد أن يعتدي على الناس في أنفسهم بإزهاقها، ولا في أموالهم بسلبها، ولا في أعراضهم بهتكها. فقد قال عليه الصلاة والسلام: (الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لاَ يَظْلِمُهُ وَلاَ يَخْذُلُهُ وَلاَ يَحْقِرُهُ. التَّقْوَى هَا هُنَا ». وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ « بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ » رواه مسلم
أيها المسلمون
ورغب الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث في خلق آخر بقوله : (وَيَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ) فمن أهم المهمات وأفضل القربات التناصح ،والتوجيه إلى الخير ،والتواصي بالحق والصبر عليه، والتحذير مما يخالفه ويغضب الله عز وجل، ويباعد من رحمته، فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في تحقيقه مصلحة الأمة ونجاتها، وفي إهماله الخطر العظيم والفساد الكبير، واختفاء الفضائل، وطهور الرذائل، وقد أوضح الله جل وعلا في كتابه العظيم منزلته في الإسلام، وبين سبحانه أن منزلته عظيمة، قال الله تعالى : { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ } آل عمران 110، وفي هذا العصر، فإن حاجة المسلمين وضرورتهم إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر شديدة؛ لظهور المعاصي، وانتشار الشرك والبدع في غالب المعمورة، وقد كان المسلمون في عهده صلى الله عليه وسلم ،وعهد أصحابه وفي عهد السلف الصالح ، يعظمون هذا الواجب، ويقومون به خير قيام، فالضرورة إليه بعد ذلك أشد وأعظم، لكثرة الجهل وقلة العلم وغفلة الكثير من الناس عن هذا الواجب العظيم.
ولما فرط بنوا إسرائيل في ذلك وأضاعوه، قال الله جل وعلا في حقهم: { لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ } المائدة 78، ثم فسر هذا العصيان فقال سبحانه: { كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ } المائدة 79، كما قد أثنى الله جل وعلا على أمة منهم في ذلك ، فقال سبحانه : { مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (113) يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ (114) وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ } آل عمران (113):(115) ، فهذه طائفة من أهل الكتاب لم يصبها ما أصاب الذين ضيعوه، فأثنى الله عليهم سبحانه وتعالى في ذلك،
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَيُوَقِّرْ كَبِيرَنَا )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض كفاية، وقد بين الله سبحانه وتعالى أن الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر والمقيمين للصلاة والمؤتين للزكاة والمطيعين لله ولرسوله هم أهل الرحمة، فقال سبحانه وتعالى: { وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ } التوبة 71، أما الذين يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر لأغراض أخرى: كرياء وسمعة، أو حظ عاجل أو أسباب أخرى، أو يتخلفون عن فعل المعروف، ويرتكبون المنكر، فهؤلاء من أخبث الناس، ومن أسوئهم عاقبة، وقد روي في صحيح مسلم : أن (رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « يُؤْتَى بِالرَّجُلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُلْقَى فِي النَّارِ فَتَنْدَلِقُ أَقْتَابُ بَطْنِهِ فَيَدُورُ بِهَا كَمَا يَدُورُ الْحِمَارُ بِالرَّحَى فَيَجْتَمِعُ إِلَيْهِ أَهْلُ النَّارِ فَيَقُولُونَ يَا فُلاَنُ مَا لَكَ أَلَمْ تَكُنْ تَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ فَيَقُولُ بَلَى قَدْ كُنْتُ آمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَلاَ آتِيهِ وَأَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ وَآتِيهِ ». فالواجب على أهل الإسلام أن يعظموا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ،وأن يبادروا إليه، وأن يلتزموا به ،طاعة لربهم عز وجل، وامتثالا لأمره، وحذرا من عقابه سبحانه وتعالى. وفي صحيح مسلم : أن (رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ ».
الدعاء