خطبة عن التذكير بالقرآن (فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ)
ديسمبر 14, 2019خطبة عن الحث على العمل والسعي في طلب الرزق وحديث (دُلُّونِي عَلَى السُّوقِ)
ديسمبر 14, 2019الخطبة الأولى ( ذليل ..فقير ..على باب الكريم )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ) (186) البقرة ، وقال الله تعالى : (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ ) النمل 62 ، وفي الصحيحين واللفظ للبخاري (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ :« يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ يَقُولُ مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ »
إخوة الإسلام
تعالوا بنا اليوم -إن شاء الله- نقف سائلين على باب الكريم ، فالكَريمُ : من صَفات الله تعالى وأَسمائه ، وهو الكثيرُ الخير، الجوادُ المُعطِي ،الذي لا ينفَذُ عطاؤه ، وفي الصحيحين : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « يَمِينُ الرَّحْمَنِ مَلأَى سَحَّاءُ لاَ يَغِيضُهَا اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ قَالَ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْفَقَ مُنْذُ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فَإِنَّهُ لَمْ يَغِضْ مَا فِي يَمِينِهِ..) ، فهو سبحانه وتعالى الكريم ، وله الكرم المطلق ، الجامع لأَنواع الخير ،والشرَف ،والفضائل ، وهو الجامع لكل ما يُحْمَد ، فهو عز وجل كريم حميد الفِعال، وهو ورب العرش الكريم العظيم ، وفي الصحيح الجامع ،وسنن البيهقي : (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : « إِنَّ اللَّهَ كَرِيمٌ يُحِبُّ الْكَرَمَ وَمَعَالِىَ الأَخْلاَقِ وَيَبْغَضُ سَفْسَافَهَا » ، وروى البخاري في صحيحه : (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ – رضى الله عنهما – قَالَ كَانَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – يَقُولُ عِنْدَ الْكَرْبِ « لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ الْعَلِيمُ الْحَلِيمُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَرَبُّ الأَرْضِ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ » . ، وفي سنن الترمذي : (عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ عَلِمْتُ أَيُّ لَيْلَةٍ لَيْلَةُ الْقَدْرِ مَا أَقُولُ فِيهَا قَالَ « قُولِي اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ كَرِيمٌ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّى ». ويقول الغزالي : « الكريم : هو الذي إذا قدر عفا ،وإذا وعد وفى ،وإذا أعطى زاد على منتهى الرجاء، ولا يبالي كم أعطى ،ولمن أعطى ،وإن رُفِعَت حاجةٌ إلى غيره لا يرضى ، وإذا جُفِيَ عاتب وما استقصى ،ولا يضيع من لاذ به والتجأ، ويغنيه عن الوسائل والشفعاء ، فمن اجتمع له جميع ذلك لا بالتكلُّف، فهو الكريم المطلق وذلك لله سبحانه وتعالى فقط » ، وقال ابن جرير: «الله كريم : ومن كرمه إفضاله على من يكفر نعمه، ويجعلها وصلة يتوصل بها إلى معاصيه»
أيها المسلمون
فما حاجتنا إلى الوقوف على أبواب السلاطين، وهم المقلون عطاءً ، إن كان عند خالقنا الكريم ، ملك الملوك، العطاء الوفير ، والخير الكثير ، والفضل الجزيل ، فهو سبحانه يعطي ويرزق ويجزل، فله الحمد والثناء الجميل، فيا إلهي .. أطمع كسائر خلقك في غفرانك وجنتك، وإن أكن أسرفتُ على نفسي، وتكاثرت أخطائي وعظمت ذنوبي، فمن ذا الذي يغفر الذنوب جميعاً، ومن ذا أقف على بابه، يوم لا باب إلا بابه، وقوف الوجل، راجي العفو.. متأملاً، كسير النفس، ينوء بحمله ثقيلا. ، فيا ترى إلى أين ستكون عاقبة هذا الغافل عن ربه ، ومن له إن لم يكن الله وليه، وإلى أين المفر إن لم يكن إلى الله ، وبمن يلوذ إن لم يلذ بحمى الله ، ومن يرجو ان لم يكن رجاؤه في الله ، وعلى باب من يقف ، إن اغلق الله دونه بابه . فيا من أرجوه، ولا أرجو غيره، ليس لنا رب سواك فنرجوه ،أو ندعوه, جئناك بذنوب عديدة , وهموم مديدة, وأمة ممزقة شريدة, وليس لأمرنا من دونك كاشف, وأنت صاحب الحول والطول, ومن أمره إذا أراد شيئًا أن يقول له كن فيكون . وقفنا يا كريم ببابك : نشكو إليك ضعف قوتنا, وقلة حيلتنا, وهواننا على الناس, لكننا لم ولن نقنط أبدًا من رحمتك, وقد تمثلنا قول زكريا عليه السلام: ( وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيّاً ) مريم 4، وقفنا ببابك ندعوك للأمة سلامية وشبابها, بالأمن والأمان, ونتمثل بين يديك قول القائل :
على باب الكريم بكيت حالي وقلت الله يا رب الموالي
عظيم الشأن يا بحر العطايا ومن خلق الوجود بلا مثال
عبدك ابن عبدك جاء يدعو وما للشك عندي من مجال
بأنك لن ترد دعاء عبد أتى يدعوك في ثوب ابتهال
وقفت بزلتي أبدي هواني وارجو منك غفران انشغالي
عن الذكر الذي قصرت فيه وما ضيعت من فضل الليالي
قضيت العمر لهوا لست ادري بأني والجميع الى زوال
وحين افقت جئت اليك ابدى بدمع العين يا ربي امتثالي
على باب الكريم وقفت ادعو وأسأله ملحا في سؤالي
وأرجو الصفح من رب غفور واصلاحا لحلي وارتحالي
فيا ربي تقبلني بعطف وجد بالوصل يا اهل الوصال
وجد بالعفو واغفر لي ذنوبي وحقق منيتي يا ذا الجلال
واشهد انك المعبود حقا وليس لك شريك في الكمال
شهادة مؤمن قد جاء يدعو ويرجو توبة بعد الضلال
وان يرض الكريم ويعف عني فمن كل الحوادث لا ابالي
أيها المسلمون
فهيا أيها المذنب وكلنا ذلك المذنب ، وتعالى أخي الغافل ، تعالى إلى وقفة على باب الكريم ، فداو ذنبك بالاستغفار ،وغفلتك بالذكر ،وقسوتك بالخشوع والانكسار ،وبعدك بالوقوف على باب الكريم ، والارتماء على أعتابه ، وقل له: اسألك بعزك وذلي ، اسألك بقوتك وضعفي ، اسألك بغناك وفقري، فيا كل المذنبين ، وكلنا مذنب ، ويا كل الغافلين وكلنا غافل ، ويا كل القساة وكلنا قاس ، ويا كل البعيدين وكلنا بعيد ،ألسنا جميعا نعرف هذا في أنفسنا ، ألسنا جميعا نستشعر كل هذا في ذاتنا ، ما بالنا إذن ، ونحن نعلم أنه الله الرحمن الرحيم ، ففي صحيح مسلم : (عَنْ أَبِى مُوسَى عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ : « إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا ». وفي الصحيحين : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : « يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِى بِي وَأَنَا مَعَهُ حِينَ يَذْكُرُنِي إِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِى وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلإٍ هُمْ خَيْرٌ مِنْهُمْ وَإِنْ تَقَرَّبَ مِنِّى شِبْرًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَىَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ مِنْهُ بَاعًا وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِى أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً ».
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( ذليل ..فقير ..على باب الكريم )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
جاء في بعض الأخبار ، أنه في صحف ابراهيم ، يقول الله لابن آدم : (فوعزتي وجلالي لا بد لك من الورود إليّ ،والوقوف بين يدي ، اعدد لك أعمالك ، واحصي لك أفعالك ، حتى إذا أيقنت بالبوار ، وظننت أنك من أصحاب النار ،قلت لك لا تحزن يا عبدي ، فمن أجلك اسميت نفسي العزيز الغفار). فما بالنا إذن لا نتوب إليه متوسلين إليه ، ضارعين إليه ، واقفين على بابه لنقول له : (رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) (23) الأعراف ، ولن يكون جواب الكريم إذا وُقف على بابه إلا أن يقول : (يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) (53) الزمر ، نعم على باب الكريم وقفنا ، ولا نزال نقف وندعو ونهتف ، وقفنا نشكو إليّه ضعف قوتنا, وقلة حيلتنا, وهواننا على الناس, فيا رب وقفنا بباب الكريم ، التواب الرحيم ، فنظرة من رضاه تفتح مغلق كل الأبواب.. وقطرة من بحر جوده ، تملأ كل الرحاب ، فقطرة من بحر جودك ، تملأ الأكوان ريا ، ونظرة بعين رضاك ، تجعل الكافر وليا .
الدعاء