خطبة عن (تعالوا بنا نبايع الله ورسوله)
ديسمبر 21, 2019خطبة حول قوله تعالى (كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ)
ديسمبر 25, 2019الخطبة الأولى ( النظام ضرورة حتمية في الإسلام )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ) (4) الصف وروى البخاري في صحيحه : (النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – : « تَرَى الْمُؤْمِنِينَ فِي تَرَاحُمِهِمْ وَتَوَادِّهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ كَمَثَلِ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى عُضْوًا تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ جَسَدِهِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى »
إخوة الإسلام
«النّظام» في الاصطلاح (الأخلاقيّ) هو : أن يرتّب الفرد أو الجماعة الأمور ترتيبًا ، يجعلها متناسقة مؤتلفة ، لا تناقض فيها ولا تنافر (بحيث يتقدّم ما حقّه التّقديم ،ويتأخّر ما ينبغي فيه التّأخير) ، ولا يكون ذلك إلّا باتّباع منهج الشّرع الحنيف. والنظام علاج لكثير من الآفات مثل: الإهمال- التفريط والإفراط – التهاون- البذاءة- الطيش- العجلة. ومما يدل على أهمية النظام ،أنّ الله تعالى خلق هذا الكون وفق نظامٍ معيّن، فلا يمكن أن يخرج أي مكونٍ من مكوناته عما هو مرسومٌ له؛ لأنه بذلك سيسبب انهيار الكون، فمثلاً لا يمكن أن يسبق الليل النهار، ولا أن يسبق الصيف الشتاء، ومن المشاهد والمعلوم أن من فوائد النظام والانضباط حفظ حقوق الأفراد في المجتمع، وحماية الضعيف منهم من سلطة القوي وسلب حقوقه، وبالنظام تتحقق المساواة بين أبناء المجتمع؛ فعند تطبيق النظام والانضباط على جميع الأفراد ، لا يشعر أحد بأفضليةٍ للآخرين عليه، مما يحافظ على ترابط الجميع معاً، وبالنظام يمكن أداء الأعمال بالشكل الأفضل وعلى أحسن وجهٍ، فعند تطبيق النظام ، يستطيع الفرد الإبداع والابتكار في ظل الأمان وحفظ الحقوق، وعن طريق النظام يمكننا القدرة على السيطرة على المجتمع وأفراده، وتحديد صلاحيات كل فردٍ أو مجموعةٍ، وحماية المجتمع من الفوضى
أيها المسلمون
والإسلام هو دين النظام، فقد جاء ليحكم الحياة من جميع نواحيها، وهو كذلك دين التناسق الذي جاء ليهتم بجوانب الحياة باعتدال، لا يزيد في جانب على حساب آخر، وهو دين الشمول، حيث غطى الحياة كلها برحمته وتوازنه ونظامه ودقته، فلم يترك شاردة ولا واردة إلاّ وله فيها قول وأمرٌ ونهي. جاء الإسلام لينظم للإنسان دقائق حياته، بما يُصلح دنياه وآخرته، في كتاب لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فالإنسان لم يُخلق سُدى، ولم يُترك بلا هُدى، قال الله تعالى: (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ) المؤمنون 115. فالله تعالى خَلَقَ هَذَا الكَونَ ، وَرَتَّبَ كُلَّ مَا فِيهِ، فجَعَلَ العِبَادَاتِ مُرَتَّبَةً وَمُنَظَّمَةً، وَحَدَّهَا بِحُدُودٍ ، فالصَّلَوَاتِ في كُلِّ يَومٍ خَمسًا، وقَبلَهَا وُضُوءٌ وَطَهَارَةٌ، وَلِكُلٍّ مِنهَا عَدَدُ رَكَعَاتٍ وَهَيئَاتٌ وَصِفَاتٌ، وَأَوقَاتٌ لا يَجُوزُ تَعَدِّيهَا بَدأً وَلا انتِهَاءً، وَالزَّكَاةَ، لها أَحكَامٌ في أَنوَاعِهَا وَوَقتِهَا وَمَقَادِيرِهَا وَنِسَبِهَا، وَالصَّومُ لَهُ بِدَايَةٌ وَنِهَايَةٌ وَمُنطَلَقٌ وَغَايَةٌ، وَالحَجُّ أَشهُرٌ مَعلُومَاتٌ وَمَنَاسِكُ وَشَعَائِرُ، يَتَنَقَّلُ العِبَادُ مِن بَعضِهَا لِبَعضٍ ،في نِظَامٍ لا يَخرُجُونَ عَنهُ ، وَلا يَتَجَاوَزُونَهُ، في أَيَّامٍ مَعلُومَاتٍ ، وَأُخرَى مَعدُودَاتٍ، وِللهِ فِيمَا بَينَ ذَلِكَ عَلَى عِبَادِهِ حُقُوقٌ في اللَّيلِ لا تُقبَلُ في النَّهَارِ، وَأُخرَى نَهَارِيَّةٌ لا تُؤَخَّرُ لِلَّيلِ، وَثَمَّةَ كَفَّارَاتٌ وَنَفَقَاتٌ حُدِّدَت بِمَقَادِيرَ مَعلُومَةٍ ، وَأَوصَافٍ مَضبُوطَةٍ. فالإنسان يحتاج إلى أنظمة وقوانين تحدد علاقاته وتوضح واجباته، وعندما تختل النظم وتختفي القوانين من حياة الناس، تحدثُ الفوضى وعندها تفسد الحياة وتصبح جحيماً لا يطاق، فكل ما حول الإنسان يدفعه أن يكون منظماً في حياته، مرتباً في حركاته، متقناً لواجباته، محسناً في تعاملاته، صادقاً في بيعه وشرائه، وفياً في أخذه وعطائه..
أيها المسلمون
إِنَّ النِّظَامَ هُوَ العَدلُ، وَعَلَى العَدلِ قَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرضُ، وَلا يُمكِنُ أَن تَتَطَهَّرَ أُمَّةٌ مِن أَدرَانِهَا ، وَتَنَالَ مَا تَصبُو إِلَيهِ إِلاَّ بِالعَدلِ ، وَإِعطَاءِ كُلِّ ذَي حَقٍّ حَقَّهُ، قَالَ – عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ -: ” إِنَّهُ لا قُدِّسَت أُمَّةٌ لا يَأخُذُ الضَّعِيفُ فِيهَا حَقَّهُ غَيرَ مُتَعتَعٍ ” رَوَاهُ ابنُ مَاجَهْ وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ. وَاختِزَال النِّظَامِ في المَصَالِحِ الشَّخصِيَّةِ ، وَالرَّغَبَاتِ الفَردِيَّةِ ، هو َنَوعٌ مِن التَعَدِّي على الحُدُودِ، وَذَلِكَ هُوَ الظُّلمُ بِعَينِهِ، وَالظُّلمُ سَبَبٌ لِخَرَابِ البِلادِ ، وَهَلاكِ العِبَادِ، وَمُؤذِنٌ بِتَسَلُّطِ بَعضِ النَّاسِ عَلَى بَعضٍ، وَقَد قَالَ الله سُبحَانَهُ: ﴿ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ [البقرة: 229] ، فكُلَّ مَا حَولَ الإِنسَانِ يَدفَعُهُ إِلى أَن يَكُونَ مُنَظَّمًا في حَيَاتِهِ، مُرَتَّبًا في وَظِيفَتِهِ، مُتقِنًا لِعَمَلِهِ، مُحسِنًا في تَعَامُلِهِ، صَادِقًا في بَيعِهِ وَشِرَائِهِ، وَفِيًّا في أَخذِهِ وَعَطَائِهِ، لِتَزكُوَ نَفسُهُ وَتَكمُلَ ذَاتُهُ، وَيَنشَرِحَ صَدرُهُ وَيَسعَدَ في حَيَاتِهِ،
أيها المسلمون
ولَكِنَّ للأسف فهَذَا الإِنسَانَ لِسُوءِ حَظِّهِ في بَعضِ الأَزمِنَةِ أَوِ الأَمكِنَةِ، يَخرُجُ مِن نَعِيمِ النَّظَامِ وَالجِدِّ وَالإِتقَانِ وَالإِحسَانِ، فَيَتَرَدَّى في جَحِيمِ اللَّهوِ ،وَالعَبَثِ ، وَالتَّقصِيرِ ، وَالإِسَاءَةِ، فَيَستَسِيغُ حَيَاةَ البَهَائِمِ الدُّونِيَّةِ، الَّتي لا يُسأَلُ فِيهَا عَامِلٌ عَمَّا عَمِلَ، وَلا يُستَنكَرُ عَلَى مُتَصَرِّفٍ تَصَرُّفُهُ، زَاعِمًا أَو مُتَوَهِّمًا أَنَّ هَذِهِ هِيَ الحُرِّيَّةُ، غَافِلاً عَن أَنَّ الحُرِّيَّةَ إِذَا كَانَت تَركًا لِوَاجِبٍ، أَوِ انتِهَاكًا لِمَمنُوعٍ، أَو تَقصِيرًا في أَدَاءٍ، أَو ضَعفًا في إِتقَانٍ، أَوِ اختِرَاقًا لِنِظَامٍ أًو مُضَادَّةً لِسُنَّةٍ كَونِيَّةٍ، فَإِنَّمَا ذَلِكَ أَوَّلُ طَرِيقِ النِّهَايَةِ، وَبِدَايَةُ خَرَابِ عَالَمِهِ الَّذِي يَعِيشُ فِيهِ، سَوَاءٌ عَلَى مُستَوَى بَيتِهِ وَأُسرَتِهِ، أَو قَريَتِهِ وَمَدِينَتِهِ، أَو عَلَى مُستَوَى دَولَتِهِ وَحُكُومَتِهِ، بَل وَحَتى عَلَى المَستَوَى الفَردِيِّ وَالشَّخصِيِّ، فَمَتى تَرَكَ الجَمِيعُ الوَاجِبَ ، وَانتَهَكُوا المُحَرَّمَ، بِدَعوَى الحُرِّيَّةِ ،وَانقِيَادًا لِرَغَبَاتِهِمُ الشَّخصِيَّةِ، فَلَن يَترُكُوا لِغَيرِهِمُ المَجَالَ لِلتَّمَتُّعِ بِحُرِّيَّةٍ، وَسَتَضطَرِبُ الأُمُورُ وَتَختَلِطُ، وَسَيكُونُ النَّاسُ في أَمرٍ مَرِيجٍ.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( النظام ضرورة حتمية في الإسلام )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
من الملاحظ أنه في أشد حالات الخوف، وهو وقت الحرب، لم يقبل الإسلام حياة الفوضى، بل أمر بتنظيم الصفوف والتخطيط والترتيب، فقال الله تعالى : (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوصٌ) (4) الصف ، وكان النبي عليه الصلاة والسلام يعدّل صفوف المقاتلين بنفسه يوم بدر، ووضع لهم نظاماً معيناً لكيفية أداء الصلاة جماعةً، في أرض المعركة. وفي باب الحياة الاجتماعية والأُسرية ، فقد نظّم الإسلام السلوك والمعاملات ، وسنّ القوانين والتشريعات ، في البيع والشراء، والزواج والطلاق ، والعلاقة بين الأزواج، وعلاقة المسلم بأخيه المسلم، وعلاقته بغير المسلم. كما حث الإسلام على التزام الأدب ،واحترام القوانين والأعراف ،والمحافظة على الذوق العام. وقال الله تعالى : (تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) البقرة 229. ، وهكذا يسير الكون طبقاً لنظام دقيق ، لا توجد فيه فوضى ، أو تضارب واختلاف، لأن الذي وضعه وأتقنه هو الخالق – جلّ في علاه – وفي المقابل يُلفت – عزّ وجلّ – انتباهنا إلى تصور اختلال هذا النظام ووباله على الناس، فقال الله تعالى : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلَا تَسْمَعُونَ (71) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (72) وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (71) :(73) القصص
أيها المسلمون
ألا فتمسكوا بدينكم ، وكونوا من المنظمين في حياتكم ، واجعلوا النظام رائدكم في كل خطواتكم وقراراتكم ، واحذروا الفوضى والاهمال والتسيب واللامبالاة والتسويف وعدم الانضباط ، فإن عاقبته الخسران والبوار ، واعلموا أنكم بتحقيق النظام في حياتكم ترسمون صورة صحيحة عن دينكم ، وتدعون غيركم إلى اعتناق الاسلام ، وعدم النظام في حياتكم يعطي غيركم صورة خاطئة عن هذا الدين ، فتكونون سببا في صد الناس عنه ، والحكم عليه بأنه دين الفوضى ، والتواكل ، والسلبية والاهمال .
الدعاء