خطبة عن اليأس والقنوط وقوله تعالى (لَا يَسْأَمُ الْإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْر وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ)
ديسمبر 29, 2019خطبة عن اليمين الكاذبة وحديث (مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ وَهُوَ فِيهَا فَاجِرٌ)
ديسمبر 29, 2019الخطبة الأولى ( الْعَارِيَةُ مُؤَدَّاةٌ ، وَالزَّعِيمُ غَارِمٌ ، وَالدَّيْنُ مَقْضِىٌّ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى الترمذي في سننه بسند حسنه : (عَنْ أَبِى أُمَامَةَ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ فِي خُطْبَتِهِ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ : ( الْعَارِيَةُ مُؤَدَّاةٌ وَالزَّعِيمُ غَارِمٌ وَالدَّيْنُ مَقْضِىٌّ ) .
إخوة الإسلام
موعدنا اليوم إن شاء الله مع هذا الحديث النبوي ، والذي يأمرنا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بأداء العارية ، وقضاء الدين ، والضمان للمقترض ، فالإسلام قد حث على الإعارة ، والتعاون بين المسلمين، وجعلها من المعروف والصدقة التي يؤجر عليها الإنسان ،وفي الصحيحين : ( عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ » ، فقوله صلى الله عليه وسلم : (الْعَارِيَةُ مُؤَدَّاةٌ وَالزَّعِيمُ غَارِمٌ وَالدَّيْنُ مَقْضِىٌّ ) ، قال العلماء ، ومعنى : (الْعَارِيَةُ مُؤَدَّاةٌ) أي: إنَّ مَن استَعار شيئًا فعليه أن يُؤدِّيَه إلى صاحبِه ، (والزَّعيمُ غارمٌ)، فالزَّعيمُ هو الكفيلُ، وغارمٌ أي: مُلزَمٌ بالغَرامةِ، والمقصودُ: أنَّ مَن كان كَفيلًا أو ضامِنًا لِمَدينٍ لَزِمَه قضاءُ الدَّينِ إذا لم يَقْضِ الدَّينَ الرَّجلُ المَدينُ؛ بسبَبِ كَفالتِه وضَمانِه، (والدَّينُ مَقْضيٌّ)، أي: إنَّ مَن استَدان دَينًا فعَليه أن يَقْضيَ دَينَه، وفي قول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (العارية مؤداة) يدل على أنها أمانة ، لقول الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا } [النساء: 58]. وقد أجمع المسلمون على جواز العارية واستحبابها, ولأنه لما جازت هبة الأعيان ،جازت هبة المنافع ،ولذلك صحت الوصية بالأعيان والمنافع جميعا إذا ثبت هذا، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قد استعار عارية بضمان ، ففي مسند أحمد وغيره : (عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ عَنْ أُمَيَّةَ بْنِ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- اسْتَعَارَ مِنْهُ يَوْمَ حُنَيْنٍ أَدْرَاعاً فَقَالَ أَغَصْباً يَا مُحَمَّدُ قَالَ « بَلْ عَارِيَةٌ مَضْمُونَةٌ ». قَالَ فَضَاعَ بَعْضُهَا فَعَرَضَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنْ يُضَمِّنَهَا لَهُ قَالَ أَنَا الْيَوْمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فِى الإِسْلاَمِ أَرْغَبُ. وقد قيل أن هذا يدل على أن العارية ليست بمضمونة، ولما قال له: صفوان بن أمية أغصب يا محمد؟ فقال: بل عارية مضمونة، فدل على أنها مع الشرط يثبت الضمان فيها، ولأن المسلمين على شروطهم، إلا شرطا حرم حلالا أو أحل حراما، واشتراط الضمان لا يحل ما حرم الله ولا يحرم ما أحله، ولا خلاف بين أهل العلم أنه إذا فرط في حفظ هذه العارية أو تعدى عليها بفعله فإنه يضمن، لأن الضمان بالتعدي أو التفريط ثابت في الوديعة فمن باب أولى في العارية.
وفي قوله صلى الله عليه وسلم : (وَالزَّعِيمُ غَارِمٌ )، فمن كان ضامنا لمدين لزمه قضاء الدين ، وبرئت ذمة المدين ، والشاهد على ذلك ما رواه البخاري في صحيحه : (عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ – رضى الله عنه – أَنَّ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – أُتِىَ بِجَنَازَةٍ ، لِيُصَلِّىَ عَلَيْهَا ، فَقَالَ « هَلْ عَلَيْهِ مِنْ دَيْنٍ » . قَالُوا لاَ . فَصَلَّى عَلَيْهِ ، ثُمَّ أُتِىَ بِجَنَازَةٍ أُخْرَى ، فَقَالَ « هَلْ عَلَيْهِ مَنْ دَيْنٍ » . قَالُوا نَعَمْ . قَالَ « صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ » . قَالَ أَبُو قَتَادَةَ عَلَىَّ دَيْنُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ . فَصَلَّى عَلَيْهِ . وفي سنن البيهقي وغيره : (عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ : أُتِىَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِجَنَازَةٍ لَيُصَلِّى عَلَيْهَا فَتَقَدَّمَ لَيُصَلِّى فَالْتَفَتَ إِلَيْنَا فَقَالَ :« هَلْ عَلَى صَاحِبِكُمْ دَيْنٌ؟ ». قَالُوا : نَعَمْ قَالَ :« هَلْ تَرَكَ لَهُ مِنْ وَفَاءٍ؟ ». قَالُوا : لاَ قَالَ :« صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ ». قَالَ عَلِىُّ بْنُ أَبِى طَالِبٍ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ : عَلَىَّ دَيْنُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَتَقَدَّمَ فَصَلَّى عَلَيْهِ وَقَالَ : « جَزَاكَ اللَّهُ يَا عَلِىُّ خَيْرًا كَمَا فَكَكْتَ رِهَانَ أَخِيكَ مَا مِنْ مُسْلِمٍ فَكَّ رِهَانَ أَخِيهِ إِلاَّ فَكَّ اللَّهُ رِهَانَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ » ، فقوله صلى الله عليه وآله للإمام (علي ) بعد أن ضمن الميت بدينه : (جَزَاكَ اللَّهُ يَا عَلِىُّ خَيْرًا كَمَا فَكَكْتَ رِهَانَ أَخِيكَ ) دليل على أن الضمان يوجب براءة ذمة المضمون عنه ، وسقوط الدين عن ذمته، وكذا صلاته صلى الله عليه وآله بعد ضمان أبي قتادة، يدل على براءة ذمة ذلك الميت،
أيها المسلمون
روى الإمام أحمد في مسنده : (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ : « أَرْبَعٌ إِذَا كُنَّ فِيكَ فَلاَ عَلَيْكَ مَا فَاتَكَ مِنَ الدُّنْيَا حِفْظُ أَمَانَةٍ وَصَدْقُ حَدِيثٍ وَحُسْنُ خَلِيقَةٍ وَعِفَّةٌ فِي طُعْمَةٍ ».فهذه هي تكاليف الجماعة المسلمة وهذا هو خُلقها، والأمانات تبدأ من الأمانة الكبرى.. الأمانة التي ناط الله بها فطرة الإنسان ، والتي أبت السماوات والأرض والجبال أن يحملنها وأشفقن منها ، وحملها الإنسان.. أمانة الهداية والمعرفة والإيمان بالله عن قصد وإرادة وجهد واتجاه، ومن هذه الأمانة الكبرى تنبثق سائر الأمانات التي يأمر الله أن تؤدى ، ومن هذه الأمانات أمانة التعامل مع الناس ورد أماناتهم إليهم: أمانة المعاملات والودائع المادية، وأمانة النصيحة للراعي والرعية، وأمانة القيام على الأطفال الناشئة، وأمانة المحافظة على حرمات الجماعة وأموالها وثغراتها … وسائر ما يجلوه المنهج الرباني من الواجبات والتكاليف في كل مجالات الحياة على وجه الإجمال”
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( الْعَارِيَةُ مُؤَدَّاةٌ ، وَالزَّعِيمُ غَارِمٌ ، وَالدَّيْنُ مَقْضِىٌّ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وقد رغبنا الله تعالى في التعاون ،والتناصح ، والبر ، فقال الله تعالى في محكم آيته : {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الِبرِ والتَقْوى} (المائدة:2) ، كما ذم الله تعالى الذين يمنعون الماعون كما في قوله تعالى: {الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ * وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} (6-7) الماعون. ولكن هناك بعضا من الناس من لا يبالي فيستعير كتاباً أو ثوباً أو سلاحاً أو متاعاً، ثم يؤخر رده لصاحبه أو ينساه عنده مدة طويلة، أو يرده وقد أتلفه وأفسده على صاحبه، وهذا والله من قلة الورع والدين، وإلا فالأصل إرجاع العارية كما هي دون تأخير، ودون إتلافٍ لها، وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان، وهذا الإهمال يؤدي إلى إحجام الناس عن الإعارة، لعلمهم أن كثيراً من المستعيرين لا يؤدون العارية إلى صاحبها، ولهذا فمن كان معروفاً بالتساهل في أغراض الناس ومتاعهم المعار فلا ينبغي إعارته، ولا يدخل صاحبه في الذم المذكور في الآية الكريمة من سورة الماعون. وهذا الفعل الجميل الذي هو مساعدة الناس بأدوات مسترجعة هو نوع من التعاون الذي أمر الله به في قوله -عز وجل-: {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} (58) النساء.
ومما قيل في ذلك: إذا استعرت كتابي وانتفعت به فاحذر وقيت الردى من أن تغيره
ورده سـالماً إنـي شغفت به لولا مخافة كتـم العلـم لم تره
فلتحرص أخي المسلم على الحفاظ على العارية، وردها كما هي، دون تأخير، فإن هذا من أخلاق المؤمنين، وفك رقبة إخوانك من المسلمين من النار وذلك بضمان ما عليهم من ديون لا يستطيعون سدادها ، ليفك الله رقبتك من النار يوم القيامة ، وإياك أن تماطل في سداد دينك ، فالدين واجب عليك سداده .
الدعاء