خطبة حول قوله تعالى ( سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ )
أكتوبر 31, 2020خطبة عن حرمة التفريق بين الوالدة وولدها ، وحديث ( مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْوَالِدَةِ وَوَلَدِهَا فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحِبَّتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)
أكتوبر 31, 2020الخطبة الأولى ( إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته :(إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ (7) أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) (7) ،(8) يونس
إخوة الإسلام
اليوم -إن شاء الله -موعدنا مع آيات من كتاب الله ، نتدبرها ، ونسبح في بحار معانيها ، ونرتشف من رحيقها المختوم ، مع قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ (7) أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) (7) ،(8) يونس، يقول القرطبي في تفسيرها : فالرجاء يكون بمعنى الخوف والطمع ; أي لا يخافون عقابا ولا يرجون ثوابا، وجعل لقاء العذاب والثواب لقاء لله تفخيما لهما ، ورضوا بالحياة الدنيا أي: رضوا بها عوضا من الآخرة فعملوا لها ، واطمأنوا بها أي : فرحوا بها وسكنوا إليها وقال أبو جعفر : يقول ، تعالى ذكره : إن الذين لا يخافون لقاءنا يوم القيامة ، فهم لذلك مكذبون بالثواب والعقاب ، متنافسون في زين الدنيا وزخارفها ، راضون بها عوضا من الآخرة ، مطمئنين إليها ساكنين ،والذين هم عن آيات الله ،وهي أدلته على وحدانيته ، وحججه على عباده في إخلاص العبادة له ،( غَافِلُونَ ) ، معرضون عنها لا هون ، لا يتأملونها تأمل ناصح لنفسه ، فيعلموا بها حقيقة ما دلتهم عليه ، ويعرفوا بها بطول ما هم عليه مقيمون (أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ) ، يقول جل ثناؤه : هؤلاء الذين هذه صفتهم ( مأواهم ) ، مصيرهم إلى النار ،نار جهنم في الآخرة (بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) ، في الدنيا من الآثام والأجرام ، ويجترحون من السيئات . وفي التفسير الميسر : إن الذين لا يطمعون في لقائنا في الآخرة للحساب، وما يتلوه من الجزاء على الأعمال لإنكارهم البعث، ورضوا بالحياة الدنيا عوضًا عن الآخرة، وركنوا إليها، والذين هم عن آياتنا الكونية والشرعية ساهون. وعن قتادة: قال: إذا شئتَ رأيتَ صاحب دُنْيا، لها يفرح، ولها يحزن، ولها يسخط، ولها يرضى. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: عَنْ آيَاتِنَا أي عَنْ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم والقرآن غافلون معرضون. وقَالَ الْحَسَن : وَاَللَّه مَا زَيَّنُوهَا وَلَا رَفَعُوهَا حَتَّى رَضُوا بِهَا وَهُمْ غَافِلُونَ عَنْ آيَات اللَّه الْكَوْنِيَّة؛ فَلَا يَتَفَكَّرُونَ فِيهَا ، وَالشَّرْعِيَّة ؛ فَلَا يَأْتَمِرُونَ بِهَا “.
فهؤلاء الذين ركنوا إلى الدنيا، وجعلوها غاية مرامهم ،ونهاية قصدهم، فسعوا لها ،وأكبوا على لذاتها وشهواتها، بأي طريق حصلت حصلوها، ومن أي وجه لاحت ابتدروها، قد صرفوا إرادتهم ،ونياتهم ،وأفكارهم ، وأعمالهم إليها ، فكأنهم خلقوا للبقاء فيها، وكأنها ليست دار ممر، يتزود منها المسافرون إلى الدار الباقية ، التي إليها يرحل الأولون والآخرون ، وإلى نعيمها ولذاتها شمر الموفقون ، فهم لا ينتفعون بالآيات القرآنية، ولم يؤدوا ما أوجب الله، ولم يجتهدوا في أداء حق الله، بل آثروا الدنيا على الآخرة، وصار همهم شهواتهم وقضاء أوطارهم من الدنيا، ونسوا الآخرة، ولم يوحدوا الله، ولم يعبدوه، ولم يؤدوا فرائضه، ولم يتركوا محارمه، فلهم النار يوم القيامة ؛ لأنهم صاروا من أهل الدنيا، وآثروها على الآخرة ، فهؤلاء (مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) ، فأنت ترى أن الله – تعالى – قد وصف هؤلاء الأشقياء بأربع صفات ذميمة ، وصفهم – أولا – بعدم الرجاء في لقاء الله – بأن صاروا لا يطمعون في ثواب ، ولا يخافون من عقاب ، لإِنكار الدار الآخرة ، ووصفهم – ثانيا – بأنهم رضوا بالحياة الدنيا ، بأن أصبح همهم محصورا فيها ، وفي لذائذها وشهواتها .قال الإِمام الرازي : ” واعلم أن الصفة الأولى إشارة إلى خلو قلبه عن اللذات الروحانية ، وفراغه عن طلب السعادات الحصالة بالمعارف الربانية ، وأما هذه الصفة الثانية فهي إشارة إلى من استغرقه الله في طلب اللذات الجسمانية واكتفائه بها ، واستغراقه في طلبها ” ووصفهم – ثالثا – بأنهم اطمأنوا بهذه الحياة ، اطمئنان الشخص إلى الشيء الذى لا ملاذ له سواه ، فإذا كان السعداء يطمئنون إلى ذكر الله ، فإن هؤلاء الأشقياء ماتت قلوبهم عن كل خير ، وصارت لا تطمئن إلا إلى زينة الحياة الدنيا ، ووصفهم – رابعا – بالغفلة عن آيات الله التي توقظ القلب ، وتهدي العقل ، وتحفز النفس إلى التفكير والتدبير .وبالجملة فهذه الصفات الأربعة تدل دلالة واضحة على أن هؤلاء الأشقياء قد آثروا دنياهم على أخراهم ، واستحبوا الضلالة على الهدى ، واستبدلوا الذى هو أدنى بالذي هو خير . وفي الآيةِ أيضا إشارةٌ إلى أنَّ البَهجةَ بالحياةِ الدُّنيا والرِّضا بها، يكونُ مِقدارُ التوغُّلِ فيهما بمِقدارِ ما يَصرِفُ عن الاستعدادِ إلى الحياةِ الآخرةِ، وليس ذلك بمُقتضٍ الإعراضَ عن الحياةِ الدُّنيا؛ فإنَّ اللهَ أنعَمَ على عبادِه بنِعَمٍ كثيرةٍ فيها، وجَبَ الاعترافُ بفَضْلِه بها، وشُكْرُه عليها، والتعَرُّفُ بها إلى مراتِبَ أعلى، هي مراتبُ حياةٍ أخرى، والتزوُّد لها
أيها المسلمون
إن الكثير من أبناء الأمة للأسف الشديد دخلوا في هذا الصنف من الناس ، فرضوا بالحياة الدنيا ، واطمأنت قلوبهم وسكنت للدنيا ، فلا تتضجر أو تتحرك إلا لو تأثرت دنياهم ، أو انتقص منها شيء ،أما الآخرة: فآخر ما يفكر به القوم ، فهم لا يطمعون بلقاء الله، الذي هو أكبر ما طمع فيه الطامعون، وأعلى ما أمله المؤملون، بل أعرضوا عن ذلك، وربما كذبوا به ،وجعلوا الدنيا غاية مرامهم ونهاية قصدهم، فسعوا لها وأكبوا على لذاتها وشهواتها، بأي طريق حصلت حصلوها، ومن أي وجه لاحت ابتدروها، قد صرفوا إرادتهم ونياتهم وأفكارهم وأعمالهم إليها. فكأنهم خلقوا للبقاء فيها، وكأنها ليست دار ممر، يتزود منها المسافرون إلى الدار الباقية التي إليها يرحل الأولون والآخرون، وإلى نعيمها ولذاتها شمر الموفقون. فاللقاء مع الله خالق السموات والارض ، الرحمن الرحيم ، هدف سام يرجى بلوغه لما فيه من مصالح هامة ، ولكن بعض الناس لا يرجون لقاء الله ، فهم غير مرتبطين بهدف اسمى في حياتهم ، لذلك تجدهم يهتمون بعاجل الدنيا ، يحسبون ما فيها من لذائذ ومتع هي كل شيء ، إن الإعراض عن ذكر الله ، والغفلة عن آياته ، يوجب قصر علم الإنسان في الحياة الدنيا وشئونها ، فلا يريد إلا الحياة الدنيا ، وهو الضلال عن سبيل الله، وقد عرف هذا الضلال بنسيان يوم الحساب ، قال الله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ) (26) ص
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وفي قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ) يونس (7) ،تدل على أن الانسان أرفع درجة من سائر الاحياء ، وأنه قادر على بلوغ مراتب عالية ، وقليل من التفكر في آيات الله ، يبعث الفرد الى الايمان بأن الدنيا لا تعني شيئا ، وأنها أتفه من أن تكون هدفا للبشر ، فهؤلاء الذين اطمأنوا بالدنيا ، سلمتهم الدنيا الى النار ، لأن الذي يحسب الدنيا نهاية مطافه ، يجترح السيئات ، وذلك يتحول في القيامة الى عذاب اليم ،فاكتسابهم الشر هو الذي سبب لهم النار ، ولكن هذا الكسب كان بسبب سوء عقائدهم . فالغفلة عن الآيات الإِلهية هي أساس البعد عن الله سبحانه، والابتعاد عن الله هو العلّة لعدم الإِحساس بالمسؤولية والتلوّث بالظلم والفساد والمعصية، وعاقبة ذلك لا تكون إلاّ النّار، فإِنّ هاتين الآيتين توكّدان هذه الحقيقة، وهي أنّ إِصلاح مجتمع ما ، وإِنقاذه من نار الظلم والفساد، يتطلب تقوية رُكني الإِيمان بالله والمعاد ،اللذين هما شرطان ضروريان وأساسيان، فإنّ عدم الإِيمان بالله سبحانه سيقتلع الإِحساس بالمسؤولية من وجود الإِنسان، والغفلة عن المعاد يذهب بالخوف من العقاب، وعلى هذا فإِنّ هذين الأساسين العقائديين هما أساس كل الإِصلاحات الاجتماعية.
أيها المسلمون
إن الغفلة عن الهدف من خلق الإنسان، وواجباته في حياته الدنيا، وحقيقة الموت وما بعده أورث في النفوس فساداً أهلك الحرث والنسل، فظهر التفريط والتقصير والغرور والكبر، والظلم والطغيان، وقامت بسبب ذلك الحروب والصراعات وسُفكت الدماء وساءت العلاقات بين البشر، فكل من غَفِل عن نفسه ،وتزكيتها بطاعة الله، وبالأخلاق الحسنة ،والعمل الصالح واغتر بالدنيا، سيأتي عليه يوم يندم فيه ،ويتحسر على ما مضى من عمره؛ فلابد إذاً من وقفة صادقة مع النفس ،ومحاسبة جادة، ومساءلة دقيقة، وتوبة صادقة، وعَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: ” يَا شَدَّادُ بْنَ أَوْسٍ ! إِذَا رَأَيْتَ النَّاسَ قَدِ اكْتَنَزُوا الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ، فَاكْنِزْ هَؤُلاءِ الْكَلِمَاتِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الثَّبَاتَ فِي الأَمْرِ, وَالْعَزِيمَةَ عَلَى الرُّشْدِ، وَأَسْأَلُكَ مُوجِبَاتِ رَحْمَتِكَ, وَعَزَائِمَ مَغْفِرَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ شُكْرَ نِعْمَتِكَ, وَحُسْنَ عِبَادَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ قَلْبًا سَلِيمًا, وَلِسَانًا صَادِقًا، وَأَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ مَا تَعْلَمُ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا تَعْلَمُ، وَأَسْتَغْفِرُكَ لِمَا تَعْلَمُ، إِنَّكَ أَنْتَ عَلامُ الْغُيُوبِ” (السلسلة الصحيحة)
الدعاء