خطبة عن (إياك والكسل)
فبراير 12, 2020خطبة عن الصلح والاصلاح بين المسلمين وحديث (الصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ)
فبراير 15, 2020الخطبة الأولى ( فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته :(فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (94) إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ) (94)،(95) الحجر
إخوة الإسلام
لقد دعا الله عز وجل عباده إلى تدبر القرآن ، فقال الله تعالى : {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص: 29]، وفي نفس الوقت ،فقد أنكر الله على من أعرض عن تدبر القرآن ، فقال الله تعالى : {أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آَبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ} [المؤمنون: 68]، واليوم إن شاء الله موعدنا مع آيات من كتاب الله ، نتدبرها ، ونسبح في بحار معانيها ، ونرتشف من رحيقها المختوم ، مع قوله تعالى : (فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (94) إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ) (94)،(95) الحجر، قال ابن كثير في تفسيرها : يأمر الله تعالى رسوله – صلوات الله وسلامه عليه – بإبلاغ ما بعثه به ،وبإنفاذه والصدع به ، وهو مواجهة المشركين به ، كما قال ابن عباس : ( فاصدع بما تؤمر ) أي : أمضه ، وافعل ما تؤمر، وافْرُقْ بِالْقُرْآنِ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ ، وقال مجاهد : هو الجهر بالقرآن في الصلاة .وقال أبو عبيدة ، عن عبد الله بن مسعود : ما زال النبي – صلى الله عليه وسلم – مستخفيا ، حتى نزلت : (فاصدع بما تؤمر) فخرج هو وأصحابه ، وفي تفسير الإمام القرطبي : أي : بلغ رسالة الله جميع الخلق ،لتقوم الحجة عليهم ، فقد أمرك الله بذلك ، وأظهر دينك ، وفرق جمع الكفار وكلمتهم ،بأن تدعوهم إلى التوحيد ،فإنهم يتفرقون ، بأن يجيب البعض ، ويأبى البعض . وقال السعدي في تفسيره : أمر الله رسوله ان لا يبالي بهم ،ولا بغيرهم ،وأن يصدع بما أمر الله ،ويعلن بذلك لكل أحد ،ولا يعوقنه عن أمره عائق ،ولا تصده أقوال المتهوكين . ويقول ابن عاشور : نزلت هذه الآية في السنة الرابعة أو الخامسة من البعثة ،ورسول الله (عليه الصلاة والسلام) مختف في دار الأرقم بن أبي الأرقم . رُوي عن عبد الله بن مسعود قال : ما زال النبي مستخفياً حتى نزلتْ : { فاصدع بما تؤمر } فخرج هو وأصحابه . فرسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزلت سورة المدثّر كان يدعو النّاس خفية ، وكان من أسلم من النّاس إذا أراد الصّلاة يذهب إلى بعْض الشّعاب، يستخفي بصلاته من المشركين ، فلحقهم المشركون يستهزئون بهم ،ويعِيبون صلاتهم ، فحدث تضارب بينهم وبين سعد بن أبي وقاص ، أدمَى فيه سعد رجلاً من المشركين . فبعد تلك الوقعة دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه دار الأرقم عند الصّفا ،فكانوا يقيمون الصّلاة بها ، واستمروا كذلك ثلاث سنين أو تزيد ، فنزل قوله تعالى : { فاصدع بما تؤمر } الآية . وبنزولها ترك الرسول صلى الله عليه وسلم الاختفاء بدار الأرقم ، وأعلن بالدّعوة للإسلام جهراً . وأما قوله تعالى : { إنّا كفيناكَ المستهزئينَ } ، قيل : وهم خمسة : الوليد بن المغيرة ، والعاص بن وائل ، وأبو زمعة ، والأسود بن عبد يغوث ، والحراث بن الطلاطلة . أهلكهم الله جميعاً قبل بدر لاستهزائهم برسول الله صلى الله عليه وسلم ، وسبب هلاكهم ما حكاه مقسم وقتادة ، أن الوليد بن المغيرة ارتدى فعلق سهم بردائه ، فذهب فجلس فقطع أكحله فنزف فمات . وأما العاص بن وائل فوطئ على شوكة ، فتساقط لحمه عن عظامه ، فمات ، وأما أبو زمعة فعمى . وأما الأسود بن عبد يغوث فإنه أتى بغصن شوك فأصاب عينيه ، فسالت حدقتاه على وجهه ، فكان يقول : [ دعا ] عليّ محمد فاستجيب له ، ودعوت عليه فاستجيب لي ، دعا عليّ أن أعمى فعميت ، ودعوت عليه أن يكون طريداً بيثرب ، فكان كذلك ، وأما الحارث بن الطلاطلة فإنه استسقى بطنه .
أيها المسلمون
لقد مرت الدعوة الإسلامية على يد صاحبها (عليه الصلاة والسلام ) بثلاث مراحل هي : مرحلة الدعوة السرية : والتي اكتفى فيها (عليه الصلاة والسلام) بدعوة من رغب في الإسلام ،حيث كان اجتماعهم في السر في بيت الأرقم بن أبي الأرقم ،ويمكن أن يطلق على هذه المرحلة أيضا ً مرحلة الدعوة الفردية ، حيث كان كل فرد مسلم حريص على دعوة من عرف فيه الأهلية للإسلام من أقربائه ، أو ممن له عليهم سبيل . والمرحلة الثانية : هي انطلاق الدعوة إلى العلن في نطاق العشيرة : وبدأت هذه المرحلة بقول الله تعالى لنبيه عليه الصلاة والسلام : (وأنذر عشيرتك الأقربين) فجمع عندها عشيرته وبني عمومته ، وأخذ يدعوهم إلى الإسلام ، وأسلم من أسلم منهم، وباء بالخسران الباقون. والمرحلة الثالثة من الدعوة : هي التي جاء بها الأمر صراحة إلى النبي أن يجهر بالدعوة، وقد بدأت هذه المرحلة بقول الله تعالى : (فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (94) إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ) (94)،(95) الحجر ، ولما أمر الله نبيَّه صلى الله عليه وسلم بهذا الأمر الجليل الثقيل ، قام صلى الله عليه وسلم بهذا الواجب العظيم ، من واجبات الدعوة, وهو (الصدع بالحق) , والذي يختلف عن مجرد (ذِكْرِ الحق) الذي قد يكون سرًّا . فوقف النبي صلى الله عليه وسلم في قريش مُـعْلِـنًا دعوته على جبل الصَّفَا , ففي صحيح البخاري : (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ – رضى الله عنهما – قَالَ لَمَّا نَزَلَتْ ( وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ ) صَعِدَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – عَلَى الصَّفَا فَجَعَلَ يُنَادِى « يَا بَنِى فِهْرٍ ، يَا بَنِى عَدِىٍّ » . لِبُطُونِ قُرَيْشٍ حَتَّى اجْتَمَعُوا ، فَجَعَلَ الرَّجُلُ إِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَخْرُجَ أَرْسَلَ رَسُولاً لِيَنْظُرَ مَا هُوَ ، فَجَاءَ أَبُو لَهَبٍ وَقُرَيْشٌ فَقَالَ « أَرَأَيْتَكُمْ لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ خَيْلاً بِالْوَادِي تُرِيدُ أَنْ تُغِيرَ عَلَيْكُمْ ، أَكُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ » . قَالُوا نَعَمْ ، مَا جَرَّبْنَا عَلَيْكَ إِلاَّ صِدْقًا . قَالَ « فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَىْ عَذَابٍ شَدِيدٍ » . فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ تَبًّا لَكَ سَائِرَ الْيَوْمِ ، أَلِهَذَا جَمَعْتَنَا فَنَزَلَتْ ( تَبَّتْ يَدَا أَبِى لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ ) وهكذا صدع النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الموقف بالحق , والذي تُؤخذ منه دروس عدة ، ومنها : -أنه صلى الله عليه وسلم قدّمَ صَدْعَه بتذكيرهم بصفته ،التي تقتضي قبول خبره , وهي أنه صادق أمين ، فسألهم عما لو كان قد أخبرهم خبرا لا يُوجد في قرائن الأحوال ما يدل على صدقه ؛ إلا مجرد إخباره , هل كانوا سيصدقونه ؟ فقالوا : نعم ؛ لأنهم كانوا يعترفون له بالصدق والأمانة ، فهو صلى الله عليه وسلم يمهّد لهم بذلك قبولَ خبره الجديد , والذي لم يشاهدوا له شيئًا يدل على صدقه حتى الآن ؛ إلا مجرد إخباره . فكان تذكيره صلى الله عليه وسلم بصدقه لا لغرض التفاخر , ولكن بغرض التذكير بموجبات قبول خبره . – ومن النتائج المتوقعة من أي صدع بالحق : علو صوت المستهزئين , ولذلك قال تعالى: (فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (94) إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ) (94)،(95) الحجر ، فلن يصدع مصلحٌ بالحق ،إلا وتعالت عقبه مباشرة أصواتُ السخرية ، فهي سنة من سنن الإصلاح , وتاريخ المصلحين الذي يكرر نفسه ، فالسخرية هي الأسلوب الأمثل للهجوم على الصدع بالحق , من أجل إبطال مفعوله القوي في إيقاظ التفكير ؛ يقول (سيد قطب) في الظلال : «إن الصدع بحقيقة هذه العقيدة ، والجهر بكل مقوماتها وكل مقتضياتها ضرورة في الحركة بهذه الدعوة ، فالصَّدع القوي النافذ هو الذي يهز الفطرة الغافية ؛ ويوقظ المشاعر المتلبدة ، ويقيم الحجة على الناس : (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ) الانفال 42، أما التدسس الناعم بهذه العقيدة ؛ وجعلها عِضين، يعرض الداعية منها جانبا ،ويكتم جانبا، لأن هذا الجانب يثير الطواغيت ،أو يصد الجماهير ،فهذا ليس من طبيعة الحركة الصحيحة بهذه العقيدة القوية. والصدع بحقيقة هذه الحقيقة لا يعني الغلظة المنفرة، والخشونة وقلة الذوق والجلافة ، كما أن الدعوة بالحُسنى لا تعني التدسس الناعم ، وكتمان جانب من حقائق هذه العقيدة ، وإبداء جانب ، وجعل القرآن عِضين ، لا هذه ، ولا تلك ، إنما هو البيان الكامل لكل حقائق العقيدة ؛ في وضوح جلي ، وفي حكمة كذلك في الخطاب ، ولطف ومودة ولين وتيسير»
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
إن من الطبيعي أن تكون أول ردّة فعل تجاه الصدع بالحق هي عدم الفهم , ومن الطبيعي أن تكون النتيجة الأولية للصدع بالحق ظاهرُها خسارةٌ كبيرة ؛ لأن الناس لن يكونوا قادرين على استيعاب صدمته ، فإذا قدّر الله تعالى لتلك الدعوة بالنجاح , فستبدأ في استقطاب العقول الأكثر قدرة على التحرّر , تدريجيا , حتى تستوي تلك الدعوة على سوقها وتؤتي ثمارها ، وهذا هو ما وقع للنبي صلى الله عليه وسلم في صدعه بالحق : فالغالبية العظمى لم يفهموا دعوته من أول يوم , وسخروا منها , وكان عمُّه أبو لهب أوّلَـهم . فلم يكن عدمُ فهمهم دليلا على خطأ ذلك الصدع , ولا دليلا على خطإ في أسلوبه , ولا خطإ في توقيته ؛ لأن سوء الفهم إحدى السُنن المتكرّرة للصدع بالحق , ولأن سوءَ الفهم نتيجةٌ متوقَّعَةٌ له , وينبغي أن يكون ذلك واضحا عند الصادع بالحق، قبل قيامه بواجبه ؛ وإلا فسوف يُصاب بصدمة كبيرة , تُفقده الثقة بنفسه ، وبقدرته على البلاغ .
أيها المسلمون
إن واجب إبلاغ الإسلام للعالمين يقع على عواتق المسلمين الذي اعتنقوا هذا الدين حبا ً وكرامة ، وعلى هذا تكون الدعوة إلى الله تعالى واجبة في حق كل مسلم على هذه الخليقة في كل زمان من الأزمان ، كما كانت حق واجب على الرسول الأعظم عليه الصلاة والسلام ، فأنت مسلم ، إذن فأنت داعية . ولم يكتف الله تعالى بالأمر بالإعراض عن المشركين، بل أتم نعمته بأن كفى المؤمنين إياهم بقوله : ( إنا كفيناك المستهزئين ) ، إذ أن أكثر ما يؤثر على الدعاة في دعوتهم، ويكلم نفوسهم ، أولئك الذين يطلقون حداد ألسنتهم اســتهزاء ً بهم وبما يفعلون . وهذا ليس بسلاح جديد من أسلحة أعداء الدعوة، بل هو قديم بقدم الإسلام على الأرض ، فهذا نوح عليه الصلاة والسلام ، يُؤمر بأن يبني الفلك له ولقومه المؤمنين ،لينجو من الطــوفان العظيم ، فأخذ نوح يبني السفينة ، فكان يأتي إليه قومه يستهزؤون منه ، قال الله تعالى : (وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ (38) فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ) (38) ،(39) هود ، وهذا الاستهزاء مشاهد في حياتنا حتى ممن يدعون أنهم مسلمين ، فتجدهم يسخرون من الشاب المصلي لأنه يصلي ، ويسخرون منه أكثر حين يطلق لحيته ، ويسخرون من الفتاة إذا تحجبت ، ويسخرون منها أكثر إذا تنقبت، وغير ذلك الكثير ،فما على المسلمين الدعاة إلا أن يصبروا ، فالعاقبة لهم بإذن الله تعالى ، قال الله تعالى : (وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (10) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (11) قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ) (10) :(12) الأنعام
الدعاء