خطبة عن حماية المريض والناقه وحديث ( يَا عَلِىُّ مِنْ هَذَا فَأَصِبْ فَإِنَّهُ أَوْفَقُ لَكَ)
يناير 11, 2020خطبة عن (أَهْلِ الْجَنَّةِ وأَدْنَاهم مَنْزلَة)
يناير 15, 2020الخطبة الأولى: أحكام القضاء ،وحديث(إِذَا تَقَاضَى إِلَيْكَ رَجُلاَنِ فَلاَ تَقْضِ لِلأَوَّلِ حَتَّى تَسْمَعَ كَلاَمَ الآخَر)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى الترمذي في سننه بسند حسن : (عَنْ عَلِىٍّ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : «إِذَا تَقَاضَى إِلَيْكَ رَجُلاَنِ فَلاَ تَقْضِ لِلأَوَّلِ حَتَّى تَسْمَعَ كَلاَمَ الآخَرِ فَسَوْفَ تَدْرِى كَيْفَ تَقْضِى» قَالَ عَلِىٌّ : فَمَا زِلْتُ قَاضِيًا بَعْدُ)
إخوة الإسلام
موعدنا اليوم إن شاء الله مع هذا الأدب النبوي الكريم ، والذي يرشدنا فيه صلى الله عليه وسلم إلى الطريقة المثلى في القضاء ،والحكم بين المتخاصمين ، فقد كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم قد بعَث عليًّا (رَضِي اللهُ عَنه) قاضيًا إلى اليمَنِ، وأوصاه ببَعضِ الوصايا ،الَّتي تُعينُه على إقامةِ العدلِ بينَ الخصومِ، وكيف يتَحرَّى الصَّوابَ، وفي هذا الحديثِ يَحكي عليٌّ رَضِي اللهُ عَنه بعضَ هذِه الوصايا، فيقولُ: قال لي رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: “إذا تَقاضَى إليك رَجُلان”، أي: إذا جاء إليك اثْنان في خُصومةٍ لِتَقضِيَ وتَفصِلَ بينَهما؛ “فلا تَقْضِ للأوَّلِ”، أي: فلا تَحكُمْ للأوَّلِ مِن الخَصْمَينِ، “حتَّى تسمَعَ كلامَ الآخَرِ”، أي: تَمهَّلْ في حُكمِك للأوَّلِ حتَّى تَسمَعَ مِن الخَصمِ الآخَرِ كلامَه؛ فرُبَّما يَكونُ في كَلامِه قدحٌ وردٌّ لكلامِ الخَصمِ الأوَّلِ، وحتَّى تكونَ على بيِّنةٍ وتمييزٍ لِمَا هو الحقُّ وما هو باطلٌ عن طريقِ سَماعِ الخَصْمَين؛ “فسوف تَدْري كيف تَقْضي”، أي: فإنَّ في سَماعِك الخَصْمين عونًا على أن تَقضِيَ بينَهم، وتكونَ مُتحرِّيًا للصَّوابِ في حُكمِك، فقال عليٌّ رَضِي اللهُ عَنه: “فما زِلتُ قاضِيًا بَعدُ”، أي: فأصبَحتُ بتِلك الوصيَّةِ ونُصحِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم واتِّباعي لها بعدَ ذلك قاضيًا بينَ النَّاسِ حقَّ القَضاءِ. ومن المعلوم أن القضاء بين الناس مسئولية كبرى ، وأمانة عظمى ، لذا فقد قال العلماء: لا يجوز لغير المجتهد أن يتقلد القضاء، ولا يجوز للإمام توليته. والولاية لها ركنان: القوة ، والأمانة، فالقوة في الحكم ترجع إلى العلم بالعدل وتنفيذ الحكم، والأمانة ترجع إلى خشية الله، ويشترط في القاضي أن يكون ورعاً فيه صفات ثلاثة: فمن جهة الإثبات هو شاهد، ومن جهة الأمر والنهي هو مفت، ومن جهة الإلزام بذلك هو ذو سلطان، وأقلُّ ما يشترط فيه صفات الشاهد لأنه لا بد أن يحكم بالعدل، ولا يجوز استفتاء إلا من يفتي بعلم وعدل، وعن أَبي هُريرة – رضي الله عنه – قالَ: قالَ رسولُ اللهِ – صلى الله عليه وسلم -: «من وُلِّيَ القضاءَ فقد ذُبحَ بغير سكينٍ» رواهُ أحْمَدُ ، ففي ذلك التحذير من ولاية القضاء ، والدخول فيه وعظم خطره، قال الشوكاني: إنما يصح قضاء من كان مجتهداً ، متورّعاً عن أموال الناس، عادلاً في القضية، حاكماً بالسوية، ويحرم عليه الحرص على القضاء وطلبه، ولا يحل للإمام تولية من كان كذلك، ومن كان متأهلاً للقضاء فهو على خطر عظيم ،وله مع الإصابة أجران، ومع الخطأ أجر إن لم يأل جهداً في البحث، وروى البخاري في صحيحه : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « إِنَّكُمْ سَتَحْرِصُونَ عَلَى الإِمَارَةِ ، وَسَتَكُونُ نَدَامَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، فَنِعْمَ الْمُرْضِعَةُ وَبِئْسَتِ الْفَاطِمَةُ » ، وعند الطبراني في حديث عوف بن مالك : «أولها ملامة، وثانيها ندامة، وثالثها عذاب يوم القيامة إلا من عدل». و(عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ : « مَنِ ابْتَغَى الْقَضَاءَ وَسَأَلَ فِيهِ شُفَعَاءَ وُكِلَ إِلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أُكْرِهَ عَلَيْهِ أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ مَلَكًا يُسَدِّدُهُ ». رواه الترمذي.
أيها المسلمون
ومن أحسن ما ورد عن السلف في آداب القاضي كتاب عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – الذي كتبه إلى أبي موسى ، ففي سنن البيهقي وغيره : (فعَنْ أَبِى الْعَوَّامِ الْبَصْرِىِّ قَالَ : كَتَبَ عُمَرَ إِلَى أَبِى مُوسَى الأَشْعَرِيِّ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُمَا :أَنَّ الْقَضَاءَ فَرِيضَةٌ مُحْكَمَةٌ ،وَسُنَّةٌ مُتَّبَعَةٌ ،فَافْهَمْ إِذَا أُدْلِىَ إِلَيْكَ ،فَإِنَّهُ لاَ يَنْفَعُ تَكَلُّمٌ حَقٍّ لاَ نَفَاذَ لَهُ ،وَآسِ بَيْنَ النَّاسِ فِي وَجْهِكَ وَمَجْلِسِكَ وَقَضَائِكَ ، حَتَّى لاَ يَطْمَعَ شَرِيفٌ فِى حَيْفِكَ ، وَلاَ يَيْأَسَ ضَعِيفٌ مِنْ عَدْلِكَ الْبَيِّنَةُ عَلَى مَنِ ادَّعَى ، وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ ،وَالصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ ، إِلاَّ صُلْحًا أَحَلَّ حَرَامًا ، أَوْ حَرَّمَ حَلاَلاً ، وَمَنِ ادَّعَى حَقًّا غَائِبًا ، أَوْ بَيِّنَةً ، فَاضْرِبْ لَهُ أَمَدًا يُنْتَهَى إِلَيْهِ ، فَإِنْ جَاءَ بِبَيِّنَةٍ أَعْطَيْتَهُ بِحَقِّهِ ، فَإِنْ أَعْجَزَهُ ذَلِكَ اسْتَحْلَلْتَ عَلَيْهِ الْقَضِيَّةَ ،فَإِنَّ ذَلِكَ أَبْلَغُ فِى الْعُذْرِ ، وَأَجْلَى لِلْعَمَى وَلاَ يَمْنَعْكَ مِنْ قَضَاءٍ قَضَيْتَهُ الْيَوْمَ فَرَاجَعْتَ فِيهِ لِرَأْيِكَ ،وَهُدِيتَ فِيهِ لِرَشَدِكَ ،أَنْ تُرَاجِعَ الْحَقَّ، لأَنَّ الْحَقَّ قَدِيمٌ ،لاَ يُبْطِلُ الْحَقَّ شَىْءٌ ، وَمُرَاجَعَةُ الْحَقِّ خَيْرٌ مِنَ التَّمَادِي فِي الْبَاطِلِ ، وَالْمُسْلِمُونَ عُدُولٌ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ فِى الشَّهَادَةِ ، إِلاَّ مَجْلُودٌ فِى حَدٍّ ،أَوْ مُجَرَّبٌ عَلَيْهِ شَهَادَةُ الزُّورِ ، أَوْ ظَنِينٌ فِي وَلاَءٍ ،أَوْ قَرَابَةٍ ،فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ تَوَلَّى مِنَ الْعِبَادِ السَّرَائِرَ ، وَسَتَرَ عَلَيْهِمُ الْحُدُودَ ، إِلاَّ بِالْبَيِّنَاتِ وَالأَيْمَانِ ثُمَّ الْفَهْمَ الْفَهْمَ فِيمَا أُدْلِىَ إِلَيْكَ مِمَّا لَيْسَ فِي قُرْآنٍ وَلاَ سُنَّةٍ ،ثُمَّ قَايِسِ الأُمُورَ عِنْدَ ذَلِكَ ، وَاعْرِفِ الأَمْثَالَ ، وَالأَشْبَاهَ ، ثُمَّ اعْمِدْ إِلَى أَحَبِّهَا إِلَى اللَّهِ فِيمَا تَرَى ، وَأَشْبَهِهَا بِالْحَقِّ ، وَإِيَّاكَ وَالْغَضَبَ ،وَالْقَلَقَ ،وَالضَّجَرَ، وَالتَّأَذِيَ بِالنَّاسِ عِنْدَ الْخُصُومَةِ ،وَالتَّنَكُّرَ فَإِنَّ الْقَضَاءَ فِي مَوَاطِنِ الْحَقِّ يُوجِبُ اللَّهُ لَهُ الأَجْرَ ،وَيُحَسِّنُ بِهِ الذُّخْرَ ،فَمَنْ خَلَصَتْ نِيَّتُهُ فِي الْحَقِّ ، وَلَو كَانَ عَلَى نَفْسِهِ ،كَفَاهُ اللَّهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ ، وَمَنْ تَزَيَّنَ لَهُمْ بِمَا لَيْسَ فِي قَلْبِهِ، شَانَهُ اللَّهُ ، فَإِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لاَ يَقْبَلُ مِنَ الْعِبَادِ إِلاَّ مَا كَانَ لَهُ خَالِصًا ، وَمَا ظَنُّكَ بِثَوَابِ غَيْرِ اللَّهِ فِي عَاجِلِ رِزْقِهِ وَخَزَائِنِ رَحْمَتِهِ ) .
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( إِذَا تَقَاضَى إِلَيْكَ رَجُلاَنِ فَلاَ تَقْضِ لِلأَوَّلِ حَتَّى تَسْمَعَ كَلاَمَ الآخَرِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ويجب على القاضي أن يحكم بما يوافق الشرع والدين ، ففي سنن أبي داود وغيره : (عَنْ أُنَاسٍ مِنْ أَهْلِ حِمْصَ مِنْ أَصْحَابِ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لَمَّا أَرَادَ أَنْ يَبْعَثَ مُعَاذًا إِلَى الْيَمَنِ قَالَ « كَيْفَ تَقْضِى إِذَا عَرَضَ لَكَ قَضَاءٌ ». قَالَ أَقْضِى بِكِتَابِ اللَّهِ. قَالَ « فَإِنْ لَمْ تَجِدْ فِي كِتَابِ اللَّهِ ». قَالَ فَبِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-. قَالَ « فَإِنْ لَمْ تَجِدْ فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَلاَ فِي كِتَابِ اللَّهِ ». قَالَ أَجْتَهِدُ رَأْيِي وَلاَ آلُو. فَضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- صَدْرَهُ وَقَالَ : « الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى وَفَّقَ رَسُولَ رَسُولِ اللَّهِ لِمَا يُرْضِى رَسُولَ اللَّهِ ». ويكره قضاء القاضي وهو غضبان، لأن الغضب يشوش الفكر، ويشغل القلب عن استيفاء ما يجب من النظر، ومثله الجوع والعطش والمرض والهمّ والنعاس ونحوها. فعنْ أبي بَكْرَةَ – رضي الله عنه – قالَ: سمعتُ رسولَ الله – صلى الله عليه وسلم – يَقُولُ: «لا يحْكُمْ أَحَدٌ بَيْنَ اثنَيْنِ وهُو غَضْبانُ» مُتّفق عليه. ومن المعلوم أن حكم الحاكم لا يحل به للمحكوم له ما أخذه بقوة حجته إذا كان باطلاً في نفس الأمر، وقد قال الله تعالى: ﴿ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 188]. وعنْ أُمِّ سَلَمةَ – رضي الله عنها – قالت: قال رسولُ اللهِ – صلى الله عليه وسلم -: «إنكمْ تختصِمُون إليَّ فَلَعَلَّ بعضَكُمْ أنْ يكونَ أَلْحَنَ بحُجّتِهِ منْ بعض فأقضِي له على نحوٍ ما أَسْمَعُ مِنْهُ، فَمَنْ قطعتُ لهُ منْ حقِّ أَخيه شيئاً فإنما أَقطعُ لهُ قطعةً من النّار» مُتّفقٌ عليه. كما يجب على القاضي أن ينصف المظلوم ، وأن ينصر الضعيف حتى يؤخذ حقه من القوي. وعنْ جابر – رضي الله عنه – قال: سمعتُ رسولَ اللهِ – صلى الله عليه وسلم – يقولُ: «كَيْف تقدَّس أُمّةٌ لا يُؤْخَذُ منْ شديدِهِمْ لضعيفِهِم» رواهُ ابنُ حبّانَ،
الدعاء