خطبة عن (النهي عن الكسب الحرام)
فبراير 10, 2019خطبة عن (عمرك هو رأس مالك)
فبراير 10, 2019الخطبة الأولى : ( الوصية وأحكامها ) مختصرة
الحمد لله رب العالمين . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : “كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ” (البقرة:180)، وروي في الصحيحين : (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ – رضى الله عنهما – أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَيْءٌ ، يُوصِى فِيهِ يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ ، إِلاَّ وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ »
إخوة الإسلام
قد يقصّر الإنسان أو يغفل في حياته عن البذل والانفاق في أعمال الخير، ولذلك فقد شرع الله تعالى له برحمته أن يوصي، فالوصية هي : أمر بالتصرف أو التبرع بالمال بعد الموت، وبذلك يمكن للإنسان أن يتدارك شيئاً مما فوّته على نفسه من الحسنات في حياته، فله أن يوصي للفقراء ببعض ماله، أو لأقاربه وأرحامه غير الوارثين، أو قد يكون قصد الميت من الوصية مكافأة من أحسن إليه أيضاً، وهكذا يزداد رصيد أعماله الصالحة بعد موته، وتنفّذ الوصايا بعد موت أصحابها، إلا أن الأفضل لهم أن يخرجوها في حال حياتهم إن كانت لجهات البر والخير، لأن الإنسان لا يأمن أن يفرّط من خلفه بوصيته فلا تنفّذ، كما أن الصدقة في حال الحياة أفضل من الوصية، حيث قال الله تعالى: (وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ ) المنافقون 10، وقد أشار الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الحكمة من عدم جواز زيادة الوصية على الثلث ، وهي أن يترك المال للورثة ، فلا يحتاجون معه لسؤال الناس ، وأن هذا خير له من أن يوصي ثم يترك ورثته فقراء . فأراد الرسول صلى الله عليه بذلك : تحقيق العدل بين الوصية وبين حق الورثة في المال ، وإذا كان الموصي يريد بالوصية الثواب ، فإن تركه المال لورثته الفقراء المحتاجين إليه أكثر ثواباً ، فإن إعطاء القريب الفقير أفضل من إعطاء من ليس قريباً . ولهذا يستحب لمن كان ورثته فقراء ، وكان ماله قليلاً بحيث لا يغني الورثة ، يستحب له أن لا يوصي ، ويترك المال لورثته .قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه لرجل أراد أن يوصي : (إنك لن تدع طائلاً إنما تركت شيئاً يسيراً ، فدعه لورثتك) ،
أيها المسلمون
ومع كون الوصية مشروعة في الأصل ، إلا أن لها أحكام: الأول : قد تكون الوصية واجبة : وذلك في كل حق واجب على الموصي ،ليس عليه بينة، كشهود يشهدون به لصاحبه، فيوصي به خشية أن يجحده الورثة، أو لا يصدقوا مدعيه، مثل أن تكون عند المرء زكاة لا يعلم بها إلا هو ،ولا يتمكن من إخراجها في الوقت الحاضر، أو يكون عليه لآخر دين بسبب اقتراض ،أو مبايعة بأجل أو شراكة بينهما في مال ،ولا بينة لما تقدم. الثاني : قد تكون الوصية مستحبة : وذلك في غير الحقوق الواجبة مما هو مشروع كالوصية بإنفاق ثلث ماله أو أقل منه في وجوه البر. الثالث : قد تكون الوصية مكروهة أو محرمة : وذلك إذا أوصى لجهة غير مباحة كالوصية لجهة لهو أو عبث، أو الوصية للأضرحة وتشييد القبور، أو الوصية بإقامة المآتم، أو إقامة الحفلات الغنائية المحرمة، أو الوصية لوارث ،أو بأكثر من الثلث.
أيها المسلمون
ويشترط لصحة الوصية ثلاثة شروط: 1 – أن يكون المال الموصى به حلالاً؛ فلا تصح الوصية بمال محرم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم :« أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لاَ يَقْبَلُ إِلاَّ طَيِّبًا) رواه مسلم ، 2 – أن تكون في ثلث ماله أو أقل ،ولا يجوز بأكثر منه ، روى البخاري في صحيحه : (عَنْ سَعْدٍ – رضى الله عنه – قَالَ كَانَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – يَعُودُنِي وَأَنَا مَرِيضٌ بِمَكَّةَ ، فَقُلْتُ لِي مَالٌ أُوصِي بِمَالِي كُلِّهِ قَالَ « لاَ » قُلْتُ فَالشَّطْرُ قَالَ « لاَ » . قُلْتُ فَالثُّلُثُ قَالَ « الثُّلُثُ ، وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ ، أَنْ تَدَعَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَدَعَهُمْ عَالَةً ، يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ فِي أَيْدِيهِمْ ، وَمَهْمَا أَنْفَقْتَ فَهُوَ لَكَ صَدَقَةٌ حَتَّى اللُّقْمَةَ تَرْفَعُهَا فِي فِي امْرَأَتِكَ ، وَلَعَلَّ اللَّهَ يَرْفَعُكَ ، يَنْتَفِعُ بِكَ نَاسٌ وَيُضَرُّ بِكَ آخَرُونَ » ، وقد أوصى أبو بكر بخمس ماله وقال : رضيت بما رضي الله به لنفسه الخمس. 3 – أن تكون الوصية لغير وارث، لقوله صلى الله عليه وسلم : ” لا وصية لوارث ”
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية : ( الوصية وأحكامها )
الحمد لله رب العالمين . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وينبغي على الموصي العناية بتوثيق وصيته وحفظ محتواها من خلال أمرين : الأول : كتابة الوصية لتوثيقها وعدم الشك في شيء منها، والثاني : حفظها عنده أو عند من يثق فيه؛ لئلا تضيع. وأن تتضمن الوصية النصيحة بتقوى الله ، والصبر على المصيبة، والتبرؤ من الأعمال التي فيها مخالفة للشرع والدين ،ومن المعلوم أنه لا وصية لوارث ، فالورثة لا يوصي لهم بشيء، لا أبناؤه ولا غيرهم، أما غير الورثة فلا بأس، كأن يوصي لأبناء أولاده (المتوفون في حياته) ، ولعمته، وخالته، أو لشخص آخر لا يرث من أقاربه ،وفي الوصية حث على صلة الأرحام ، والإحسان إلى الأقارب ، والشفقة على الفقراء والمحتاجين ، وفيها استحباب الإنفاق في وجوه الخير ، وأن الأعمال بالنيات ، وأنه إنما يثاب على عمله بنيته ، وإذا كان مال الإنسان قليلاً ، وكان ورثته فقراء ،فالأفضل أن لا يوصي بشيء، لا قليل ، ولا كثير، عملا بقوله صلى الله عليه وسلم : (أَنْ تَدَعَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَدَعَهُمْ عَالَةً ، يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ )
الدعاء