خطبة عن عاقبة الظلم (وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا)
يناير 18, 2020خطبة عن التوكل على الله والأخذ بالأسباب وحديث (اعْقِلْهَا وَتَوَكَّلْ)
يناير 18, 2020الخطبة الأولى ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا (4) ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا) (4) ،(5) الطلاق
خوة الإسلام
لقد دعا الله عز وجل عباده إلى تدبر القرآن ، فقال الله تعالى : {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص: 29]، وفي نفس الوقت ،فقد أنكر الله على من أعرض عن تدبر القرآن ، فقال الله تعالى : {أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آَبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ} [المؤمنون: 68]، واليوم إن شاء الله موعدنا مع آيات من كتاب الله ، نتدبرها ، ونسبح في بحار معانيها ، ونرتشف من رحيقها المختوم ، مع قوله تعالى : (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا (4) ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا) (4) ،(5) الطلاق ، يقول الامام الطبري في تفسيرها : ومن يخف الله فيتقه ،باجتناب معاصيه، وأداء فرائضه، يمح الله عنه ذنوبه وسيئات أعماله (وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا ) أي : يجزل له الثواب على عمله ذلك وتقواه، ومن إعظامه له الأجر عليه أن يدُخله جنته، فيخلده فيها. ومن المعلوم أن للتقوى أثرًا كبيرا في حياة المؤمن، فهي مفتاح كل خير، وهي طريق إلى سعادة العبد في الدنيا والآخرة، يقول الله عز وجل في محكم آياته : { وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ } (الأعراف:96) ، وفي صحيح مسلم : (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ :« اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالْعَفَافَ وَالْغِنَى ». ، والمتأمل والمتدبر لآيات القرآن الكريم ، يتبين له أن حصاد التقوى كبير ، وثمراتها عظيمة ، ومن أهم ثمرات التقوى وفوائدها : أولا : سعة الرزق ، قال الله تعالى : (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) الطلاق 2، 3. ، ثانيا : تحقق الطمأنينة والاستقرار ، قال الله تعالى : (فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) الاعراف (35) ، ثالثا : تيسير الأمور وانفراجها ، يقول الله تعالى : (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا) الطلاق (4) ،ويقول الله تعالى : (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا) الطلاق (2) ، رابعا : غفران الذنوب، ومضاعفة الأجر ، قال الله تعالى : (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا) الطلاق (5) . ، خامسا : تمييز الحق عن الباطل ، والتبصر في الأمور، قال الله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) الأنفال (29) ، وقال الله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (28) الحديد ، سادسا : انفتاح أبواب العلم والفهم والحفظ ، قال الله تعالى : (وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) البقرة (282)
أيها المسلمون
وأهل التقوى هم الفائزون بالنعيم ، فقد قال الله تعالى : “إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ” [ الذاريات : 15] . ، وأهل التقوى هم الآمنون من البليَّة العظمى ، والفزع الأكبر يوم القيامة ، قال الله تعالى : ” إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ ” [ الدخان : 51] . ، وأهل التقوى : لا يتقبل الله العمل إلا منهم ، قال الله تعالى : ” إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ” [المائدة : 27]. ، وأهل التقوى من أعظم بشاراتهم أنَّهم من أهل محبته سبحانه ، قال الله تعالى : . ” إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ” [التوبة : 4] ، وأهل التقوى يصطفيهم الله تعالى بالكرامة والأفضلية ،قال الله تعالى : ” إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ” [الحجرات : 13]. ، وأهل التقوى يصطفيهم الله تعالى بعز الفوقية على الخلق ، قال الله تعالى : “وَالَّذِينَ اتَّقَواْ فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ” [البقرة : 212] . ، وأهل التقوى ينجيهم الله من العذاب ، وسوء المنقلب والمآب ، قال الله تعالى : ” ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا ” [ مريم : 72 ].
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى الترمذي في سننه بسند حسن صحيح : (عَنِ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ قَالَ : وَعَظَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَوْمًا بَعْدَ صَلاَةِ الْغَدَاةِ مَوْعِظَةً بَلِيغَةً ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ فَقَالَ رَجُلٌ إِنَّ هَذِهِ مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ فَمَاذَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ : « أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَإِنْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ يَرَى اخْتِلاَفًا كَثِيرًا وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ فَإِنَّهَا ضَلاَلَةٌ فَمَنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَعَلَيْهِ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ ». ، فالإنسان لا ينفك عن حاجته لتقوى الله سبحانه في أي لحظةٍ من زمانٍ أو مكان، فعليك بتقوى الله ما استطعت، ومما يُعين الإنسان على أن يكون ملازمًا لهذه الوصية أن يَستشعر مراقبة الله تعالى، فإن المؤمن الذي استقر في قلبه إيمانه بالله تعالى وبأسمائه وصفاته، وأن الله يسمعه ويراه، وأن الله تعالى مطلعٌ على سره ونجواه، وأنه جل وعلا قادرٌ عليه؛ كما قال سبحانه : (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ) [ق: 16]. ، فإذا استشعر المرء هذه الأمور، فإن هذا يُعينه كثيرًا على أن يكون ملازمًا لطاعة الله جل وعلا، مبتعدًا عن معصيته، وإنما يُصاب أحدنا حيث يصاب بالذنب والخطيئة، حينما تناله الغفلة، ويبعد عنه استشعار المراقبة، فإن الإنسان حينئذ يَنزلق فيما يُسخط الله جل وعلا؛ ولذلك جاء في الصحيحين : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – : « لاَ يَزْنِى الزَّانِي حِينَ يَزْنِى وَهْوَ مُؤْمِنٌ ، وَلاَ يَسْرِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهْوَ مُؤْمِنٌ ، وَلاَ يَشْرَبُ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهْوَ مُؤْمِنٌ ، وَالتَّوْبَةُ مَعْرُوضَةٌ بَعْدُ » ، وما أجمل قول من قال :
عَلَيْكُم بِتَقْوَى اللهِ لاَ تَتْرُكُوْنَهَا … فإنَّ التُّقَى أَقْوَى وأَوْلَى وأَعْدَلُ
لِبَاسُ التُّقَى خَيْرُ الملابِسِ كُلِّهَا … وأَبْهَى لِبَاسًا في الوُجُودِ وأَجْمَلُ
فَمَا أَحْسَنَ التَّقْوَى وأَهْدَى سَبِيْلَهَا … بِهَا يَنْفَعُ الإِنسَانَ مَا كَانَ يَعْمَلُ
فَيَا أَيُّهَا الإِنسانُ بادِرْ إِلى التُّقَى … وَسَارِع إِلى الخَيْرَاتِ مَا دُمْتَ مُمْهلُ
وَأَكْثِرْ مِن التَّقْوَى لِتَحْمِدَ غِبَّهَا … بِدَارِ الجَزَاء دَارٍ بها سَوْفَ تَنْزِلُ
الدعاء