خطبة عن حديث (مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا أَوْ يَزْرَعُ زَرْعًا)
فبراير 22, 2020خطبة عن (قواعد العناية بالصحة في نظام الطعام في الإسلام)
فبراير 22, 2020الخطبة الأولى : حرمة الدماء ( أَوَّلُ مَا يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي الدِّمَاءِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
رُوي في الصحيحين ،واللفظ لمسلم 🙁عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : « أَوَّلُ مَا يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي الدِّمَاءِ ». وفي رواية للترمذي في سننه بسند حسن صحيح 🙁 قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : « إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحْكَمُ بَيْنَ الْعِبَادِ فِي الدِّمَاءِ ».
إخوة الإسلام
إن الله تعالى حرم دماء المسلمين، وأعراضهم، وأموالهم، وحرم سبحانه وتعالى دماء المعاهدين، والذميين، والمستأمنين من الكفار ،وأعراضهم وأموالهم، وهذا التحريم جاء في كتاب الله تعالى وفي سنة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – الصحيحة الصريحة ، فقال الله تعالى في محكم آياته : ﴿ وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا﴾ (93) النساء ، فمن كان يرجو لقاء الله، ويخشاه، ويخاف عقابه، ويحذر لعنته وغضبه، وعذابه والخلود في ناره، فليبتعد عن كل سبب يوصله إلى الوقوعِ في هذه الجريمة القبيحة، والله تعالى قد حكم على من قتل نفساً بغير حق بحكم عظيم ،تقشعر منه الجلود المؤمنة وتخشع له القلوب الموقنة ، فقال الله سبحانه وتعالى: ﴿ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ﴾ [المائدة: 32]. ، وقرن سبحانه وتعالى قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق بالشرك بالله تعالى، فقال عزَّ وجلَّ: ﴿ وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ (68) :(70) الفرقان ، وبيّن النبي – صلى الله عليه وسلم أن دم المسلم لا يحل إلا بإحدى ثلاث، ففي الصحيحين : (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – : « لاَ يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنِّى رَسُولُ اللَّهِ إِلاَّ بِإِحْدَى ثَلاَثٍ النَّفْسُ بِالنَّفْسِ وَالثَّيِّبُ الزَّانِي ، وَالْمَارِقُ مِنَ الدِّينِ التَّارِكُ الْجَمَاعَةَ » ، وقد جعل النبي – صلى الله عليه وسلم – قتل الرجل المسلم أعظم من زوال الدنيا بأكملها، ففي سنن ابن ماجة : (عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ : « لَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ قَتْلِ مُؤْمِنٍ بِغَيْرِ حَقٍّ ». ، ولعظم حرمة الدماء قرن النبي – صلى الله عليه وسلم – قتل المسلم بالكفر، فعَنْ أَبِى إِدْرِيسَ قَالَ سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ يَخْطُبُ – وَكَانَ قَلِيلَ الْحَدِيثِ – عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ سَمِعْتُهُ يَخْطُبُ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ : « كُلُّ ذَنْبٍ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَغْفِرَهُ إِلاَّ الرَّجُلُ يَقْتُلُ الْمُؤْمِنَ مُتَعَمِّدًا أَوِ الرَّجُلُ يَمُوتُ كَافِرًا ». [رواه النسائي]. ، ولجرمِ وقبحِ وشناعةِ وفحشِ قتل المسلم، وعظم حرمته بيَّن النبي – صلى الله عليه وسلم -: أن أهل السماوات والأرض لو اشتركوا في قتله لعذبهم جميعاً في النار، ففي سنن الترمذي حَدَّثَنَا أَبُو الْحَكَمِ الْبَجَلِيُّ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ وَأَبَا هُرَيْرَةَ يَذْكُرَانِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « لَوْ أَنَّ أَهْلَ السَّمَاءِ وَأَهْلَ الأَرْضِ اشْتَرَكُوا فِي دَمِ مُؤْمِنٍ لأَكَبَّهُمُ اللَّهُ فِي النَّارِ » ، ومما يؤكد حرمة الدماء المعصومة وظلم من تعدَّى عليها حديث عبدالله – رضي الله عنه -، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ : « لاَ تُقْتَلُ نَفْسٌ ظُلْمًا إِلاَّ كَانَ عَلَى ابْنِ آدَمَ الأَوَّلِ كِفْلٌ مِنْ دَمِهَا وَذَلِكَ أَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ سَنَّ الْقَتْلَ » . [رواه النسائي].
أيها المسلمون
وفي الحديث الذي تصدرت به هذه الخطبة يقول صلى الله عليه وسلم : « أَوَّلُ مَا يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي الدِّمَاءِ ».ففي الحديث تغليظ لأمر الدماء ، وأنها أول ما يقضى فيه بين الناس يوم القيامة ، وهذا لعظم أمرها وكثير خطرها ،فالدِّماء هِيَ أَعْظَمُ وأَهَمُّ ما يَكونُ مِن المَظالِمِ، لذلك فإنَّها أَوَّلُ ما يَقْضِي بِهِ مِنها في ذلكَ اليَومِ العَظيمِ ، وليس هذا الحديث مخالفا للحديث المشهور في السنن : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « أَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ صَلاَتُهُ ..) ; لأن هذا الحديث الثاني فيما بين العبد وبين الله تعالى ، وأما هذا الحديث فهو فيما بين العباد ، والمؤمن لا يزال في سعة من دينه ما لم يصب دماً حراماً؛ فإذا فعل ذلك ضاق عليه دينه، ويكون في ضيق بسبب ذنبه العظيم، فعَنِ ابْنِ عُمَرَ – رضى الله عنهما – قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « لَنْ يَزَالَ الْمُؤْمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ ، مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا » [رواه البخاري]. وسفك الدم الحرام بغير حق يوقع في الهلاك، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ : (إِنَّ مِنْ وَرْطَاتِ الأُمُورِ الَّتِي لاَ مَخْرَجَ لِمَنْ أَوْقَعَ نَفْسَهُ فِيهَا ، سَفْكَ الدَّمِ الْحَرَامِ بِغَيْرِ حِلِّهِ) [رواه البخاري]. ، فالمقتول ظلماً يجيء بقاتله يوم القيامة ناصيته ورأسُهُ في يده متعلقاً بالقاتل، وأوداجه تَشْخَبُ دماً، ففي مسند أحمد : ( أن رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ :« ثَكِلَتْهُ أُمُّهُ رَجُلٌ قَتَلَ رَجُلاً مَتَعَمِّداً يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ آخِذاً قَاتِلَهُ بِيَمِينِهِ أَوْ بِيَسَارِهِ وَآخِذاً رَأْسَهُ بِيَمِينِهِ أَوْ شِمَالِهِ تَشْخُبُ أَوْدَاجُهُ دَماً فِي قُبُلِ الْعَرْشِ يَقُولُ ياَ رَبِّ سَلْ عَبْدَكَ فِيمَ قَتَلَنِي » .، والمسلم يحرم دمه، وماله، وعرضه، وبشرته؛ لقوله عليه الصلاة والسلام في حجة الوداع « إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا ) رواه مسلم ، ألا فاحذروا الوقوع في هذه الجريمة العظيمة، وذاك الذنب الكبير، فإنها من السبع الموبقات المهلكات التي حذركم عنها رسول الله – صلى الله عليه وسلم ، ففي الصحيحين : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ » . قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَمَا هُنَّ قَالَ « الشِّرْكُ بِاللَّهِ ، وَالسِّحْرُ ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ، وَأَكْلُ الرِّبَا ، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَافِلاَتِ » ، واعلموا أنه يدخل في تحريم سفك الدم الحرام قتل النفوس المعصومة : من المعاهدين من الكفار، والذميين، والمستأمنين، وقد روى البخاري: (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو – رضى الله عنهما – عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ : « مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرَحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ ، وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا »
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( أَوَّلُ مَا يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي الدِّمَاءِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومن أهم ما يُسْتَفَادُ مِن هذا الحَديثِ النبوي الكريم : أولا : عِظَمُ شَأْنِ دَمِ الإنْسانِ، فإنَّهُ لمْ يُبْدَأْ بِهِ يَوْمَ القِيامَةِ إلَّا لِكَوْنِهِ أَهَمَّ وأَعْظَمَ مِن غَيْرِهِ مِن أنْوَاعِ مَظالِمِ العِبادِ. ، قالَ ابْنُ دَقِيقِ العِيدِ: فيهِ تَعْظيمٌ لِأَمْرِ الدِّماءِ؛ فإنَّ البَدَاءَةَ تَكُونُ بالأَهَمِّ فالأَهَمِّ، وهِيَ حَقِيقَةٌ بِذلكَ، فإنَّ الذنُوبَ تَعْظُمُ بِحَسبِ عِظَمِ المَفْسَدَةِ الواقِعَةِ بِها، أو بِحَسْبِ فَواتِ المَصالِحِ المُتعلِّقَةِ بِعَدَمِها، وهَدْمُ البِنْيَةِ الإنْسانِيَّةِ مِن أَعْظَمِ المَفاسِدِ، ولا يَنْبَغِي أنْ يكونَ بَعْدَ الكُفْرِ باللهِ تعالى أَعْظَمُ مِنهُ. ثانيا : إثْباتُ يَومِ القِيامَةِ، والحِسابِ، والَقضاءِ، والجَزاءِ فيهِ . ثالثا : يُحاسِبُ اللهُ تعالى الخَلائِقَ يَوْمَ القِيامَةِ، ثُمَّ يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِعَدْلِهِ، ويَبْدَأُ مِن المَظالِمِ بالأَهَمِّ. رابعا : أنَّهُ على القَضاءِ والمَحاكِمِ العِنايَةُ بِأَمْرِ قَضايا الدِّماءِ والقَتْلِ، وجَعْلُ الأهَمِّيَّةِ لها والأوْلَوِيَّةِ على غَيْرِها مِن القَضَايا.
الدعاء