خطبة عن التقوى (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا)
يناير 18, 2020خطبة عن (الله تعالى أَهْلٌ أَنْ يُتَّقَى وَهو أَهْلٌ أَنْ يغْفِرَ)
يناير 22, 2020الخطبة الأولى ( اعْقِلْهَا وَتَوَكَّلْ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى التِّرْمِذِيُّ فِي الزُّهْدِ ، وَفِي الْعِلَلِ ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ ، وَأَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ ، وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا فِي التَّوَكُّلِ ، مِنْ حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ بْنِ أَبِي قُرَّةَ السَّدُوسِيِّ سَمِعْتُ أَنَسًا يَقُولُ : قَالَ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَعْقِلُهَا وَأَتَوَكَّلُ ، أَوْ أُطْلِقُهَا وَأَتَوَكَّلُ ؟ قَالَ : ” اعْقِلْهَا وَتَوَكَّلْ ” ، يعني الناقة
إخوة الاسلام
إن التوكل على الله من أصل الإيمان والتوحيد ، قال الله تعالى : ( وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ) الطلاق:3، والتوكل هو صدق الاعتماد على الله تعالى في جلب المنافع، ودفع المضار، والتفويض الكامل له ، والاعتماد عليه ، مع الأخذ بالأسباب المباحة، فالتوكل على الله من صحته الأخذ بالأسباب، فلا يصح توكل مع إهمال الأسباب، وتعمد تركها، والتوكل من أعظم واجبات الإيمان، وهو نصف الدين، والنصف الثاني هو الإنابة، وقد جمع الله بينهما في قوله تعالى : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ) الفاتحة:5، وفي قوله تعالى : ( فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ) هود:123. وفي قوله صلى الله عليه وسلم : ( اعْقِلْهَا وَتَوَكَّلْ ) ، فعقل الناقة يعني : شد ركبة الناقة مع ذراعها بحبل، لمنعها من الحركة والضياع أثناء غياب صاحبها ، وقد سمي العقل عقلاً : لأنه يمنع صاحبه عن التورط في المهالك , كما سمي العاقل عاقلا : لأنه يحبس نفسه ويردها عن هواها . والحديث يحث المسلم على أن يجمع بين التوكل على الله ،والأخذ بالأسباب ، فتحقيق التوكل بمعناه الواسع ،الذي يشمل الإيمان بالغيب ،والرضا بقضاء الله وقدره ، لا يتنافى أبداً مع الأخذ بالأسباب وإعمال العقل، وقد قال الله عز وجل في كتابه العزيز : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا) (71) النساء ، لقد أمر الله تعالى المؤمنين في الآية الكريمة أن يأخذوا حذرهم، فهل كان الأمر شاقا على الله أن يحمي المؤمنين، حاشا لله، ولكن هذا أمر الله للمؤمنين بأخذ الأسباب وتوخي الحذر. وكذلك المتأمل في الهجرة النبوية ، يتبين له أن الله تعالى أراد أن يجعل من الهجرة النبوية هجرة بشرية ، من خلال الأخذ بالأسباب ، وفق السنن الكونية , لتعلم الأمة أنه لابد من الأخذ بالأسباب ، مع التوكل على الله , وكان الله قادراً سبحانه وتعالى على جعلها معجزة خالصة ، لا دخل للبشر فيها ، كما في حادثة الإسراء والمعراج . وقد قدم الرسول صلى الله عليه وسلم للأمة أنموذجا تطبيقيا لمنهج التوكل على الله مع الأخذ بالأسباب ، بداية من اختيار الرفيق , وتجهيز الراحلة والزاد , وتحديد مجموعة الدعم والإمداد , واستئجار الدليل , ومخالفة الطريق المعتاد , إلى غير ذلك من الأسباب التي يعرفها الجميع.، فلا يتحقق التوكل إلا بالأخذ بالأسباب ،مع تعلق القلب بالمسبب لا السبب ، والرضا بكل ما يقضي الله به بعد ذلك ، لذلك فقد تداوي رسول الله صلى الله عليه وسلم ،وأمر بالتداوي ،وحث على كسب الرزق ، وكما يظهر الأخذ بالأسباب جليا في أمر الله سبحانه وتعالى لمريم بهز جذع النخلة ، ليتساقط الرطب ، وصدق القائل :
توكل على الله في كل حاجة ولا تؤثرن العجز يوماً على الطلب
ألم تر أن الله قال لمريم إليك فهزي الجذع يساقط الرطب
ولو شاء أن تجنيه من غير هزها جنته ،ولكن كل شيء له سبب
فإذا كان التوكل هو الثقة التامة بالله عز وجل ، والاستسلام لقضائه وقدره ، ولكن دون إهمال الأسباب وإعمال العقل، فحاشاه أن يأمرنا بما يتنافى مع مبادئ العقل والتفكير. فهل معنى التوكل أن أذهب للحرب دون ارتداء الدرع ،وأقول لقد توكلت على الله؟ ، وهل معنى التوكل أن أترك المفتاح بسيارتي في الشارع ،وأقول توكلت على الله ولن يصيبها مكروه ؟. كلا، إن ذلك إن صح أن نسميه ، فهو كسل وضعف وخور.فعلى الإنسان أن يسير وفقاً للأسباب الّتي وضعها الله سبحانه، ولكن مع هذا فعليه أن يستشعر في نفسه أنّه ضعيف ،ولا استقلال له في إرادة أموره من دون الله، وأنّ الأسباب العاديّة باستقلالها لا تقوى على إيصاله إلى ما يبتغيه من المقاصد، بل عليه أن يلتجئ في أموره إلى الله تعالى، فهو العالِم بكلّ تفاصيل الكون، المطّلع على عباده، مسبّب الأسباب، ومقلّب القلوب.
أخي المسلم ، وأختي المسلمة : إذا أردت أن تتخذ قرارا في أمر ما ، فمن الطبيعي أن تتريث ، وأن تتمهل ، وأن تقف طويلاً قبل اتخاذ قرارك في أي أمر من أمور حياتك ، ولكن إياك والتردد ، والتخوف من المستقبل ، فعليك أن تأخذ بالأسباب ، وأن تتوكل على الله ( فاعْقِلْهَا وَتَوَكَّلْ ) ، ولا تتردد، فالمقصود من التردد : هو عدم الإقدام على الخطوة الأخيرة، من بعد اتخاذ كافة الإجراءات والتخطيط اللازم والتفكير المناسب، والأخذ بكل الأسباب المتاحة . ، فيعتبر انهاء الموضوع ، والتوقف عند الخطوة الأخيرة ، أو السلمة الأخيرة من سلم صناعة القرار، إنما هو الخسارة الأكيدة. لماذا؟ ، لأنك أهدرت وقتاً وجهداً وأنت في مراحل التهيئة والترتيب اللازمين لاتخاذ القرار، وبدلاً من أن تكلل كل تلك المراحل بالإقدام على الخطوة الأخيرة، لكي ترى النتائج، بغض النظر عن ماهيتها، تكون قد أضعت على نفسك فرصاً، ربما ثمينة وغالية، وقد لا تتكرر مستقبلاً. ، فضع في ذهنك حديث الصادق المصدوق ( صلى الله عليه وسلم ): ” اعْقِلْهَا وَتَوَكَّلْ ” : أي : خذ بكل الأسباب الميسرة ،والمشروعة ، ثم توكل على الله ،واتخذ قرارك ،ونفذ الأمر، بلا تردد ، وستجد التوفيق والنجاح أمامك ، وحليفك بإذن الله .
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( اعْقِلْهَا وَتَوَكَّلْ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومن الفوائد التي يمكن استنباطها من هذا الحديث النبوي الكريم : أولا : مشروعية الأخذ بالأسباب، مع الاعتماد على الله تعالى، وأن الجمع بينهما هو تمام التوكل. ، ثانيا : أن التوكل على الله تعالى من الأسباب المعنوية القوية لتحقيق المطلوب ،وقضاء المصالح، ولكن على المؤمن أن يضم إليه ما تيسر له من الأسباب الأخرى، سواء كانت من العبادات كالدعاء والصلاة والصدقة وصلة الأرحام، أم كانت من الماديات التي جرت سنة الله بترتيب مسبباتها عليها ، كالأكل والشرب، والتداوي بالأدوية المباحة، وتوقي الحر والبرد ونحوها؛ اقتداءً برسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه خير المتوكلين، وكان يأخذ بالأسباب الأخرى المناسبة مع كمال توكله على الله تعالى، فمن ترك الأسباب الأخرى مع تيسرها واكتفى بالتوكل ،فهو مخالف لهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ويسمى توكله: عجزًا لا توكلًا شرعيًا .
الدعاء