خطبة عن حفظ الجميل ومكافأة المحسنين(مَنْ أُعْطِىَ عَطَاءً فَوَجَدَ فَلْيَجْزِ بِهِ وَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَلْيُثْنِ
فبراير 8, 2020خطبة عن الإعتصام بالله (وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)
فبراير 8, 2020الخطبة الأولى ( لا تقلق، ولا تخف ( قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) (51) التوبة
إخوة الإسلام
قال أبو جعفر( الطبري) في تفسيرها : يقول تعالى ذكره مؤدِّبًا نبيّه محمدًا صلى الله عليه وسلم: (قل)، يا محمد، لهؤلاء المنافقين الذين تخلفوا عنك: (لن يصيبنا)، أيها المرتابون في دينهم (إلا ما كتب الله لنا)، في اللوح المحفوظ، وقضاه علينا (هو مولانا)، ناصرنا على أعدائه ،(وعلى الله فليتوكل المؤمنون), فإنهم إن يتوكلوا عليه، ولم يرجُوا النصر من عند غيره، ولم يخافوا شيئًا غيره, يكفهم أمورهم، وينصرهم على من بغاهم وكادهم. ففي الآية تعليمٌ للمُسلِمينَ التخَلُّقَ بألَّا يَحزَنوا لِما يُصيبُهم؛ لِئلَّا يَهنوا وتذهَبَ قُوَّتُهم، وأن يَرضَوْا بما قَدَّرَ اللهُ لهم، ويَرجُوا رِضا رَبِّهم؛ لأنَّهم واثِقونَ بأنَّ اللهَ يُريدُ نَصرَ دِينِه ، وهو سُبحانه وليُّ المؤمنينَ، فلا يقضي قضاءً لهم إلَّا كان خيرًا لهم، ومَن تولَّاه اللهُ لم يَخذُلْه، وإنَّما يتولَّى مَصالِحَه ، وكل ما يقع من المصائب والفتن في الأرض , أو في النفس , أو في المال, أو في الأهل , أو في غير ذلك ، فالله سبحانه قد علمه قبل وقوعه ، وكتبه في اللوح المحفوظ كما قال سبحانه : (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) (22) الحديد ، وما يصيب الإنسان من المصائب فهي خير له , علم ذلك أو لم يعلم ،لأن الله لا يقضي قضاءً إلا هو خير لنا ، لقد قال الله تعالى في الآية (إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا ) ولم يقل (علينا) وهذا أكبر دليل على أن كل شيء يحدث (لنا) فهو خير لنا . وكل مصيبة تقع فهي بإذن الله ، ولو شاء ما وقعت ،ولكن الله أذن بها ،وقدرها فوقعت ،كما قال الله سبحانه : (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (11) التغابن ، فإذا علم العبد أن المصائب كلها إنما بقضاء الله وقدره ، فيجب عليه الإيمان والتسليم والصبر، وهذا جزاؤه الجنة ، كما قال الله سبحانه : (وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا) (12) الإنسان ، وقال الله تعالى : ( إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) (10) الزمر ، وقد أرشد الله المؤمنين ، أنه إذا حزبهم أمر ، أو وقعت لهم مصيبة، أن يستعينوا على ذلك بالصبر , والصلاة , ليكشف الله همهم ، ويُعجل بفرجهم ، فقال الله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) (153) البقرة
والمؤمن خاصة مأجور في حال السراء والضراء ، ففي صحيح مسلم : (عَنْ صُهَيْبٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلاَّ لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ ». فإذا علمت أخي المؤمن أنه لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا ، ووكنت موقنا أن أمرك كله خير ، وأن ما أصابك لم يكن ليخطئك ، وأنك تنال الخير والأجر على كل حال ، إذن ، فمم تخاف ؟ ، ولم تحزن ؟ ، ولم هذا القلق ؟ ،هل تخاف من قطع الرزق ؟ ، لا يصح لك ذلك , فأنت موقن تماما أن الرزق بيد ربك الرزاق الكريم , وأن رزقك آتيك على أية حال , وأنك مستوفيه لا محالة ، قال الله تعالى : (وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ (22) فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ) (22) ،(23) الذاريات ،وقال الله تعالى : (إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) (37) آل عمران ، إذن فقط عليك الأخذ بأسبابه ، من السعي والجد والإيجابية ،والعمل بقدر استطاعتك , وأما الكفاية والكفالة فمن الله سبحانه , فلا صاحب عمل يملك رزقك , ولا مدير لك هو من يدبر لك , بل هو الله سبحانه القائل في محكم آياته ، قال الله تعالى : (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) (6) هود ، إذن مم تخاف ؟! هل تخاف من الموت أو المرض ؟! ، كيف وأنت تعلم يقينا أن الآجال بيد الله سبحانه , ففي سنن ابن ماجة: (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : « أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا اللَّهَ وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ فَإِنَّ نَفْسًا لَنْ تَمُوتَ حَتَّى تَسْتَوْفِىَ رِزْقَهَا وَإِنْ أَبْطَأَ عَنْهَا فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ خُذُوا مَا حَلَّ وَدَعُوا مَا حَرُمَ ». قال الإمام المناوي في شرح الحديث: إن نفساً لن تموت حتى تستكمل أجلها الذي كتبه لها الملك وهي في بطن أمها ،فلا وجه للوله والتعب والحرص والنصب إلا عن شك في الوعد. ، وانظر الى ابراهيم عليه السلام ،وهو يفوض أمره لله سبحانه ، كما في كتاب الله تعالى : (الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79) وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80) وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (81) وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ) (78) :(82) الشعراء ، فكيف تخاف من مرض إذن وهو سبحانه الشافي , فلا شفاء إلا شفاؤه , فليس طريق الهروب من المرض هو الخوف , بل أن تدعو ربك أن يجنبك المرض ، ويرزقك العافية , وإن أصابك مكروه أن تتعلق به سبحانه ، وتتوكل عليه ،وتأخذ بأسباب العلاج , ففي البخاري عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ : « مَا أَنْزَلَ اللَّهُ دَاءً إِلاَّ أَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً » ، وفي سنن الترمذي : (عَنْ أُسَامَةَ بْنِ شَرِيكٍ قَالَ قَالَتِ الأَعْرَابُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلاَ نَتَدَاوَى قَالَ « نَعَمْ يَا عِبَادَ اللَّهِ تَدَاوَوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلاَّ وَضَعَ لَهُ شِفَاءً أَوْ قَالَ دَوَاءً إِلاَّ دَاءً وَاحِدًا ». قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا هُوَ قَالَ « الْهَرَمُ ». ، إذن مم تخاف ؟ هل تخاف من مخلوق ؟، كيف وأنت تعلم أن الخلق جميعا نواصيهم بيد الله سبحانه , فلئن اتقيت الله سبحانه ،حفظك من شر كل مخلوق , ففي سنن الترمذي : (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَوْمًا فَقَالَ : « يَا غُلاَمُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ رُفِعَتِ الأَقْلاَمُ وَجَفَّتِ الصُّحُفُ ». ، وروى أحمد في مسنده : (عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : « أَلاَ لاَ يَمْنَعَنَّ أَحَدَكُمْ رَهْبَةُ النَّاسِ أَنْ يَقُولَ بِحَقٍّ إِذَا رَآهُ أَوْ شَهِدَهُ فَإِنَّهُ لاَ يُقَرِّبُ مِنْ أَجَلٍ وَلاَ يُبَاعِدُ مِنْ رِزْقٍ أَنْ يَقُولَ بِحَقٍّ أَوْ يُذَكِّرَ بِعَظِيمٍ » ، هل تخاف من مصائب الحياة ؟! ، كيف وأنت تعلم أن كل شيء بقدر ؟! وأنه سبحانه هو القائل : (قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) (51) التوبة
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( لا تقلق، ولا تخف ( قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
إذن فإن مخاوفك أخي المؤمن كلها لا أصل لها , فتعال إذن نعالجها في خطوات واضحة حازمة : فعليك أن ترسخ في قلبك عظمة الله سبحانه , وقدرته , وقيوميته على خلقه , وأنه لاحول ولا قوة إلا بالله . وأن تكثر ذكره سبحانه فيكون معك على كل حال , قائما وقاعدا , فتسأله حسن العاقبة في الأمور كلها , وتسأله العافية في الدنيا والآخرة . وأن تدعوه وتلح في دعائه أن يعيذك من الخوف إلا منه ، فاللهم إنا نعوذ بك من الخوف إلا منك ، ومن التوكل إلا عليك . وأن تجعل استخارته سبحانه في الأمور كلها هي قائدك في عملك ورزقك وسعيك كله , فما ندم من استخار .وأن تجعل من مشورة أهل العلم والفضل الراسخين الناصحين من حولك اساسا لمشورتك في خطواتك , فاستشارتهم خير وبصيرة . وأن تكون إيجابيا فعالا , مبادرا , فتكون يدك عليا في العطاء , وطموحك بعيد في الخير والفضل . وأن تجعل الصبر صديقك , والحلم والأناة والهدوء صفتك . وأن تحذر إضرار نفسك أو غيرك , أو الإعانة على ذلك , ولو بكلمة , بل تعاهد نفسك دوما أن تكون من المحسنين ، الذين يصلحون في الأرض ولا يفسدون . وان تواجه مشكلاتك بنفسك , متوكلا على ربك , ولا تهرب منها , فإن خير طريقة لإنهاء المشكلة مواجهتها ، وأسوأ طريقة الهروب منها . وأن تجعل الحكمة والحزم جناحين لك في قراراتك وخطواتك , فالحكيم هو الفقيه الذي يفكر ويتدبر ، ويتفهم ويختبر ، ويستبصر موضع الخطى قبل القرار , والحازم من لا يتردد بعد القرار .
الدعاء