خطبة عن حديث (مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلاَحَ فَلَيْسَ مِنَّا)
مارس 7, 2020خطبة عن معنى قوامة الرجال على النساء ( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ)
مارس 7, 2020الخطبة الأولى ( فَارْجِعْ فَلَنْ أَسْتَعِينَ بِمُشْرِكٍ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى مسلم في صحيحه : (عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهَا قَالَتْ : خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قِبَلَ بَدْرٍ فَلَمَّا كَانَ بِحَرَّةِ الْوَبَرَةِ أَدْرَكَهُ رَجُلٌ قَدْ كَانَ يُذْكَرُ مِنْهُ جُرْأَةٌ وَنَجْدَةٌ فَفَرِحَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- حِينَ رَأَوْهُ فَلَمَّا أَدْرَكَهُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- جِئْتُ لأَتَّبِعَكَ وَأُصِيبَ مَعَكَ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ».قَالَ لاَ قَالَ « فَارْجِعْ فَلَنْ أَسْتَعِينَ بِمُشْرِكٍ ». قَالَتْ ثُمَّ مَضَى حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالشَّجَرَةِ أَدْرَكَهُ الرَّجُلُ فَقَالَ لَهُ كَمَا قَالَ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- كَمَا قَالَ أَوَّلَ مَرَّةٍ قَالَ : « فَارْجِعْ فَلَنْ أَسْتَعِينَ بِمُشْرِكٍ ». قَالَت ثُمَّ رَجَعَ فَأَدْرَكَهُ بِالْبَيْدَاءِ فَقَالَ لَهُ كَمَا قَالَ أَوَّلَ مَرَّةٍ « تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ». قَالَ نَعَمْ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « فَانْطَلِقْ ».
إخوة الإسلام
موعدنا اليوم إن شاء الله مع هذا الأدب النبوي الكريم ، وسوف نحاول إن شاء الله الاجابة على عدة تساؤلات ، وهي : هل يجوز للمسلمين الاستعانة بالكافرين في الجهاد في سبيل الله ، وقتال المشركين ؟ ، – وهل يجوز للمسلمين الاستعانة بالكافرين في الدفاع عن بلاد المسلمين ؟ ، – وهل يجوز للمسلمين الاستعانة بالكفار والمشركين في قتال المسلمين ؟ أما الإجابة على التساؤل الأول : ففي الحديث المتقدم ينهى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الاستعانة بالمشرك في الجهاد في سبيل الله ، وذلك بقوله صلى الله عليه وسلم : « فَارْجِعْ فَلَنْ أَسْتَعِينَ بِمُشْرِكٍ ». ، وقد اختلف أهل العلم في هذه المسألة : فذهب جماعة إلى منع الاستعانة بالمشركين في قتال المشركين والجهاد في سبيل الله مطلقا ، وتمسكوا بحديث عائشة المتقدم ، وما رواه البخاري في صحيحه : (الْبَرَاءَ – رضى الله عنه – يَقُولُ أَتَى النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – رَجُلٌ مُقَنَّعٌ بِالْحَدِيدِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أُقَاتِلُ وَأُسْلِمُ . قَالَ « أَسْلِمْ ثُمَّ قَاتِلْ » . فَأَسْلَمَ ثُمَّ قَاتَلَ ، فَقُتِلَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « عَمِلَ قَلِيلاً وَأُجِرَ كَثِيرًا » . ومن الشواهد والأدلة على النهي عن الاستعانة بالمشركين أيضا : جميع الآيات المانعة من موالاة الكفار؛ كقوله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآَيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ} [آل عمران: 118]، وقال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ} [المائدة:52،51]. وذهبت طائفة أخرى من العلماء إلى أنه للإمام أن يأذن للمشركين أن يغزوا معه ويستعين بهم بشرطين : أحدهما : أن يكون بالمسلمين قلة بحيث تدعو الحاجة إلى ذلك . والثاني : أن يكونوا ممن يوثق بهم في أمر المسلمين ، وقال النووي رحمه الله في شرحه لصحيح مسلم : (إن كان الكافر حسن الرأي في المسلمين ، ودعت الحاجة إلى الاستعانة به ، أستعين به ، وإلا فيكره ، وإذا حضر الكافر بالإذن ، رضخ له ، ولا يسهم ) ، أمّا عن الاستعانة بالكافر بأخذ السلاح منه، فإنه يجوز سواء أكان السلاح من فرد أو من دولة، على أن يكون ذلك إعارة مضمونة، لِما رُوي أنه لما أجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم السير إلى هوازن ليلقاهم، ذُكر له أن عند صفوان بن أمية أدراعاً وسلاحاً، فأرسل إليه وهو يومئذ مشرك ، ففي مسند أحمد : (عَنْ أُمَيَّةَ بْنِ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- اسْتَعَارَ مِنْهُ يَوْمَ حُنَيْنٍ أَدْرَاعاً فَقَالَ أَغَصْباً يَا مُحَمَّدُ قَالَ « بَلْ عَارِيَةٌ مَضْمُونَةٌ ». قَالَ فَضَاعَ بَعْضُهَا فَعَرَضَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنْ يُضَمِّنَهَا لَهُ قَالَ أَنَا الْيَوْمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فِى الإِسْلاَمِ أَرْغَبُ).
أيها المسلمون
ثم نأتي إلى التساؤل الثاني وهو : هل يجوز للمسلمين الاستعانة بالكافرين في الدفاع عن بلاد المسلمين ؟ ، فقد اختلف الفقهاء في جواز الاستعانة بغير المسلمين للدفاع عن بلاد المسلمين : فأجازه (الجمهور) مطلقًا بشرط : أن يستقيموا على أوامر الحاكم المسلم ونواهيه، وأن يضمن المسلمون عدم تدخل الكفار في شؤونهم، وأن يأمنوا مكرهم وخيانتهم، وأن يكون من يستعان به من الكفار حسنَ الرأي في المسلمين، مأمونًا عليهم، سواءٌ أكان خروجهم بدعوة من ولي أمر المسلمين، أم بغير دعوة. وذهب المالكية -في المعتمد عندهم– إلى: منع الاستعانة بالمشرك ؛ لكن لا يُمْنَع إذا خرج من تلقاء نفسه ،وقال الشوكاني: “والحاصلُ: أن الظاهر من الأدلة عدمُ جواز الاستعانة بمن كان مشركًا مطلقًا؛ لما في قوله صلى الله عليه وسلم: “إنَّا لا نستعين بالمشركين” من العموم؛ ويؤيد هذا قوله تعالى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى المُؤْمِنِينَ سَبِيلاً} النساء 141 ، ولكن إن اضْطُر المسلمون للاستعانة بهم، ولم تكن لهم حيلة غيرها، وخافوا الهلكة على أنفسهم فهذا جائز؛ قال الله تعالى : {لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ} [آل عمران: 28] ، وذلك شريطةَ ألاَّ يُؤْذُوا مسلمًا في دمٍ أو مال أو حرمة مما لا يحل؛ لقوله تعالى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام: 119]، فهذا عمومٌ لكل مَن اضْطُرَّ إلى محرَّمٍ مَنَعَ منه نصٌّ أو إجماع، فيتبين لنا أن الأصل عدم جواز الاستعانة بغير المسلمين لما فيه من خوف الغدر منهم، إلا في وقت الحاجة من ضعف المسلمين أو قلة عددهم وعتادهم، وهذه الحاجة يقدّرها ولي أمر المسلمين بتقدير المصالح والمفاسد، ومن ضوابط الاستعانة بغير المسلمين في القتال : أن يكون المستعان به مأموراً حسن الرأي في المسلمين. وأن يكون المسلمون ذوي قوة ومَنَعَة بحيث لو انضم المستعان بهم إلى الكفار الحربيين لأمكن مقاومتهم. وأن يكون المستعان بهم على خلاف أكيد مع العدو. وأن لا يترتب على الاستعانة بهم التنازل عن المبدأ والعقيدة وما هو ثابت في الإسلام. وأن لا تؤدي الاستعانة بهم إلى المقاتلة تحت رايتهم.
أيها المسلمون
ثم نأتي الى الاجابة على التساؤل الثالث والأخير وهو : هل يجوز للمسلمين الاستعانة بالكفار والمشركين في قتال المسلمين ؟ ، والاجابة : أن التحالف مع الكفار أو التناصر بين مسلمين وكفار، ضد مسلمين له حالتان: الأولى : أن تكون القيادة للكافرين والراية الظاهرة لهم : مثل أن ينضم المسلم إلى الكفار، ينصـرهم ويظاهرهم ويعينهم على المسلمين، ويذب عنهم، بالمال، والسنان، والبيان. والحال الثانية : أن تكون القيادة للمسلمين والراية الظاهرة لهم : وذلك بأن يكون التحالف أو التناصر بين مسلمين وكفار، ويستعان بالكفار على قتال المسلمين تحت راية أهل الإسلام ؛ بحيث يصير الكفار تابعين لأهل الإسلام، مؤتمرين بأمرهم. فهاتان الحالتان لكل منهما حكمه الخاص به : أما الحال الأولى: التي تكون القيادة للكافرين والراية الظاهرة لهم : وهي: الانضمام تحت لواء الكفار، لحرب المسلمين، وكسـر شوكتهم؛ فهذا من أعظم صور الموالاة، وأخطرها على الإطلاق، وهو خيانة عظمى لله ولرسوله والمؤمنين، وهو كفر يخرج من الملة، والأدلة في هذا كثيرة، ومنها: قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) [المائدة: ٥١]. قال الإمام الطبري في تفسيره لهذه الآية: «إن الله تعالى ذكره نهى المؤمنين جميعًا أن يتخذوا اليهود والنصارى أنصارًا وحلفاء على أهل الإيمان بالله ورسوله، وأخبر أنه من اتخذهم نصيرًا وحليفًا ووليًا من دون الله ورسوله والمؤمنين؛ فإنه منهم في التحزب على الله ورسوله والمؤمنين، وأن الله ورسوله منه بريئان…» ، ومنها قوله تعالى: (لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ ) [آل عمران: ٢٨]. قال الإمام الطبري: «معنى ذلك: لا تتخذوا أيها المؤمنون الكفار ظهرًا وأنصارًا، توالونهم على دينهم، وتظاهرونهم على المسلمين من دون المؤمنين، وتدلونهم على عوراتهم؛ فإنه من يفعل ذلك (فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ) يعني بذلك، فقد برئ من الله، وبرئ الله منه بارتداده عن دينه، ودخوله في الكفر، (إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً)، إلا أن تكونوا في سلطانهم،فتخافونهم على أنفسكم، فتظهروا لهم الولاية بألسنتكم، وتضمروا لهم العداوة،ولا تعينوهم على مسلم بفعل»
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( فَارْجِعْ فَلَنْ أَسْتَعِينَ بِمُشْرِكٍ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
فالالتجاء إلى الكفار اختيارًا ومناصرتهم ضد المسلمين يعد ردة عن الإسلام وقد أصدرت لجنة الفتوى في الأزهر فتوى شهيرة في حكم الأحلاف العسكرية مع غير المسلمين، جاء فيها: «ولا ريب أن مظاهرة الأعداء وموالاتهم يستوي فيها إمدادهم بما يقوي جانبهم ويثبت أقدامهم بالرأي والفكرة، وبالسلاح والقوة سرًا وعلانية، مباشرة وغير مباشرة. وكل ذلك مما يحرم على المسلم مهما تخيل من أعذار ومبررات ). وأما الحال الثانية: التي تكون القيادة للمسلمين والراية الظاهرة لهم :حيث يكون التحالف أو التناصر بين مسلمين وكفار، والاستعانة بهم على قتال المسلمين تحت راية أهل الإسلام؛ بأن يصير الكفار تابعين لأهل الإسلام، مؤتمرين بأمرهم- فهذه المسألة لها عدة صور : الصورة الأولى: الاستعانة بالكفار، في قتال دولة مسلمة عادلة. ، والصورة الثانية : الاستعانة بالكفار، في قتال دولة مسلمة جائرة. والصورة الثالثة : الاستعانة بالكفار، في قتال أهل البغي. فأما الصورة الأولى : وهي الاستعانة بالكفار، في قتال دولة مسلمة عادلة : فلا خلاف بين أهل الإسلام قاطبة أنها تعتبر جريمة عظيمة وخطيئة كبيرة، فاعلها في غاية الفسوق، إلا أنه لا يكون بذلك كافرًا كفرًا يخرجه من ملة الإسلام ، لكنه على خطرٍ عظيم ، وأما الصورة الثانية : وهي: الاستعانة بالكفار، في قتال دولة مسلمة جائرة : فهذه يختلف حكمها باختلاف نية فاعلها وقصده : فإن كان فاعل ذلك يريد من ورائه غرضًا دنيويًا؛ كالسلطة وجمع الثروات؛ فهو جرم عظيم للغاية، وإن كان فاعل ذلك يريد إزالة الظلم، فالأصل أن فعله هذا خطأ محض، ومعصية توجب التوبة، وإن كانت دون سابقيها؛ لوجود الشبهة في الاستعانة بالكفار والاستنصار بهم ضد الدولة المسلمة الجائرة، تسليط للكفار على المسلمين، وهو محرم شرعًا ، وأما الصورة الثالثة : وهي: الاستعانة بالكفار، في قتال أهل البغي؛ بمعنى استعانة أهل العدل واستنصارهم بالكفار وتجنيدهم ضد أهل البغي؛ أو استعانة الدولة المسلمة العادلة بالكفار وتحالفها معهم في قتالها ضد البغاة الخارجين عليها؛ فهذه مسألة وقع فيها خلاف بين الفقهاء؛ وبيان هذه المسألة على النحو التالي : أولا : لا خلاف بين الفقهاء في عدم جواز التحالف مع الكفار والاستعانة بهم على أهل البغي؛ إذا كان حكم الشرك هو الظاهر، فالجميع متفقون- كما سبق- على أن ذلك لا يحل قال الإمام الشافعي: «لا يجوز لأهل العدل عندي أن يستعينوا على أهل البغي بأحد من المشركين؛ ذمي ولا حربي، ولو كان حكم المسلمين الظاهر؛ ولا أجعل لمن خالف دين الله، الذريعة إلى قتل أهل دين الله» ، فالواجب على المسلمين حكامًا ومحكومين هو أن يمتثلوا أمر ربهم ويقيموا شرعه، ويقيموا العدل بينهم، فإن لم يُجدِ النصح والحوار مع أهل البغي والغلو، ولم يندفع شرهم إلا بقتالهم؛ فإن من يتولى ذلك القتال هم أهل الإسلام وحدهم؛ في ضوء مقاصد السياسة الشـرعية وفقه المصالح والمفاسد، ولا يجوز الاستعانة بغير أهل الإسلام في ذلك القتال. ، أما الاستعانة بالكفار على المسلمين في مورد الاضطرار جائزة إذا كان المسلم معتد ظالم ولم يمكن دفعه الا بالاستعانة بكافر قوي وقد تخلى بقية المسلمين عن الدفاع او كانوا ضعفاء أمام الفئة المسلمة الظالمة.
الدعاء