خطبة عن حديث (مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ فَقَالَ خَشْيَتُكَ يَا رَبِّ)
مارس 21, 2020خطبة عن الرحمة (إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الرَّحْمَةَ يَوْمَ خَلَقَهَا مِائَةَ رَحْمَةٍ)
مارس 28, 2020الخطبة الأولى هل يثاب الكافر على عمله الصالح؟ (إِنَّ الْكَافِرَ إِذَا عَمِلَ حَسَنَةً أُطْعِمَ بِهَا طُعْمَةً مِنَ الدُّنْيَا)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ) (91) آل عمران ، وقال الله تعالى : (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) {الزمر:65}، وقال الله تعالى: (وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) {البقرة:217}، وقال تعالى: (وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) {المائدة:5} ، وقال الله تعالى : ( إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) المائدة (27) ، وروى مسلم في صحيحه : (عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ابْنُ جُدْعَانَ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَصِلُ الرَّحِمَ وَيُطْعِمُ الْمِسْكِينَ فَهَلْ ذَاكَ نَافِعُهُ قَالَ : « لاَ يَنْفَعُهُ إِنَّهُ لَمْ يَقُلْ يَوْمًا رَبِّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ ».
إخوة الإسلام
نسمع الكثير والكثير في هذا الزمان ،ممن يفتون بدخول الجنة لأولئك الكفار ،الذين يقدمون للإنسانية أعمالا خيرية ، أو تبرعون بأموالهم للفقراء واليتامى ،وغيرها من أعمال البر ، ويسأل سائل : هل يثاب الكافر على أعماله الصالحة في الدار الآخرة ؟ ، فالآيات الكريمة ، والأحاديث الصحيحة ، تقول لهؤلاء ، وغيرهم : إن الإسلام شرط لقبول العمل الصالح ، والإثابة عليه في الدار الآخرة، قال الله تعالى: (وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلاَ يَأْتُونَ الصَّلاَةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى وَلاَ يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ) {التوبة:54}، كما أن الإسلام شرط لدخول الجنة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إِنَّهُ لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلاَّ نَفْسٌ مُسْلِمَةٌ ) متفق عليه فأعمال الخير التي يقوم بها الكفار ،يجازون بها في الدنيا، فقد روى مسلم في صحيحه : (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ حَدَّثَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : « إِنَّ الْكَافِرَ إِذَا عَمِلَ حَسَنَةً أُطْعِمَ بِهَا طُعْمَةً مِنَ الدُّنْيَا وَأَمَّا الْمُؤْمِنُ فَإِنَّ اللَّهَ يَدَّخِرُ لَهُ حَسَنَاتِهِ فِي الآخِرَةِ وَيُعْقِبُهُ رِزْقًا فِي الدُّنْيَا عَلَى طَاعَتِهِ ».فما عمله الكفار من أعمال الخير ،يثابون عليها في الدنيا ،وليس لهم في الآخرة من نصيب، كما قال الله تعالى في شأنهم أيضا : (وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورًا ) {الفرقان:23}،وفي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم: (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ اللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مُؤْمِنًا حَسَنَةً يُعْطَى بِهَا فِي الدُّنْيَا وَيُجْزَى بِهَا فِي الآخِرَةِ وَأَمَّا الْكَافِرُ فَيُطْعَمُ بِحَسَنَاتِ مَا عَمِلَ بِهَا لِلَّهِ فِي الدُّنْيَا حَتَّى إِذَا أَفْضَى إِلَى الآخِرَةِ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَةٌ يُجْزَى بِهَا ». فالكافر قد يعمل أعمال البر والخير والنفع العام، ولكن لا أجر له على فعله في الدار الآخرة، فهذا البطل الكافر الشجاع ، الذي قتل وهو يدافع عن بلده ، ليس شهيدا ، لأنه ليس مسلما، فالشهادة عندنا لا تكون إلا للمسلم، لأن الله لا يختار للشهادة، إلا من كان مؤمنا به، قال الله تعالى في محكم آياته : (إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) (140) آل عمران ، فقوله تعالى : (وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ ) في الآية : تعني المسلمين المؤمنين ، ولا تعني غيرهم في الدار الآخرة ، وقال الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ) [آل عمران: 91] ، فاذا كان ملء الارض ذهبا، وهذا من التعجيز الواضح، لن ينفع الكافر في الاخرة ، فإن ما كان دون ذلك ، فلن ينفع الكافر قطعا ، وعليه : فكل ما يقدمه الكفار من اعمال ظاهرها الصلاح والخير، بمقياس الناس ، لن تنفع أحدا في الآخرة ، ما لم يقم بها وهو مؤمن بالله، لأن العلة في الآية هي الكفر، وليس بعد الكفر ذنب! ،وقول الله تعالى: (وَمَنْ يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [المائدة: 5] فهذه الآية تنص بمنتهى الصراحة ،على إحباط عمل الكافر، وخسرانه لعمله في الآخرة، والسبب صراحة هو الكفر ، اي : عدم الايمان . وقوله تعالى: (وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) [البقرة: 217]. فهذه الآية تشبه ما قبلها، ولكنها تضيف أن مصير الكافر النار ،بغض النظر عن أعماله في الدنيا ، حتى لو كانت صالحة، لأنها عممت الكلام عن العمل ،ولم تخصص. وقوله تعالى : (وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُوراً) (الإسراء:19) ، فهذه الآية الكريمة تنص بوضوح ،على أن من شروط قبول العمل في الآخرة ،واعطاء العامل حقه ،أو اجره عليه – وسماه السعي والسعي عمل -عند الله عز وجل، أن يكون العامل مؤمنا بالله . وقال الله تعالى:(مَن كَانَ يُرِيدُ الحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ ) (هود : 15) . ومعلوم أن الكفار –واشباه المسلمين ايضا-لا يريدون بعملهم الله ،والدار الآخرة، بل يسعون للحصول على الشهرة ،ولذلك نجدهم من الحريصين على اظهار أعمالهم ،التي ظاهرها الخير ، والظهور بها في وسائل الإعلام المختلفة. وقال تعالى (وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا) (النساء: 4). وقال تعالى :(مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (النحل: 96). فالشرط الصريح للحصول على الأجر في الآخرة هو الايمان “وهو مؤمن” ، فالثواب على العمل للمؤمن، ولا ثواب في الآخرة للكافر.
أيها المسلمون
وهناك بعض الشبهات التي قد تطرح حول هذه المسالة، ومنها : قد يزعم البعض أن قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (البقرة: 62)، وقد يظن البعض أن هذا يتعارض مع ما قلناه أعلاه، ولمثل هذا الرأي نقول : إن المراد بهذه الآية : هم المؤمنون من النصارى ، واليهود ،والصابئين ، الذين كانوا قبل أن يبعث الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، فهؤلاء آمنوا بأديان انبيائهم ، ولهذا ينتفعون بأعمالهم الصالحة . أما بعد البعثة النبي محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ، ومجيء رسالة الإسلام ،فلا يقبل من أحد أي عمل ، ما لم يكن مؤمنا برسول الله محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ،وبرسالة الإسلام التي جاء بها ،ولو كان يهوديا على دين موسى، أو نصراني على دين عيسى (عليهما الصلاة والسلام) فلا يقبل منهم العمل ،ما لم يؤمنوا بالرسالة المحمدية، وهذا جمعاً للأدلة والنصوص الشرعية. وفي صحيح مسلم : ( عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ :(وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَهُودِيٌّ وَلَا نَصْرَانِيٌّ ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ) ، وأما قوله تعالى: (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِن ْذَكَرٍأَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ) آل عمران 195، فالمراد بها صدور العمل من مؤمن كما في الآيات الأخرى وهي: قوله تعالى :(وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا) (النساء: 4). وقوله تعالى : (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (النحل: 96). وغيرها من الآيات. واكمال قراءة الآية يؤكد ان الشرط هو الايمان ، قال الله تعالى : (فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جنات تجري من تحتها الانهار ثوابا من عند الله والله عنده حسن الثواب) آل عمران 195 ، فالشرط هو القتال وتحمل الاذى في سبيل الله ،وهذا لا يكون من كافر ابدا.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (هل يثاب الكافر على عمل صالح؟ (إِنَّ الْكَافِرَ إِذَا عَمِلَ حَسَنَةً أُطْعِمَ بِهَا طُعْمَةً مِنَ الدُّنْيَا)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وبناء على ما سبق نقول : إن أعمال الكفار التي ظاهرها الخير والصلاح ، لا تنفع أصحابها في الآخرة ،مهما كانت عظيمة وجليلة ، لأنها بغير أساس إيماني ، وبنيت على أساس فاسد هو الكفر بالله ، وهؤلاء ينالون أجر أعمالهم في الدنيا ،ويكرمون ، ويشار إليه بالبنان ووسائل الاعلام ، ويصبحون من المشاهير ،أما في الآخرة فليس لهم نصيب أو خلاق ! ،أما إذا أسلم الكافر، وترك الكفر والشرك وآمن، فإنه ينفعه ما عمله من عمل صالح قبل الإسلام، ودليل ذلك قوله تعالى : ” إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ) الفرقان 70، . وروى البخاري في صحيحه : (أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – يَقُولُ « إِذَا أَسْلَمَ الْعَبْدُ فَحَسُنَ إِسْلاَمُهُ يُكَفِّرُ اللَّهُ عَنْهُ كُلَّ سَيِّئَةٍ كَانَ زَلَفَهَا ، وَكَانَ بَعْدَ ذَلِكَ الْقِصَاصُ ، الْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ ، وَالسَّيِّئَةُ بِمِثْلِهَا إِلاَّ أَنْ يَتَجَاوَزَ اللَّهُ عَنْهَا » ، وفي صحيح البخاري : (عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ – رضى الله عنه – قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ أَشْيَاءَ كُنْتُ أَتَحَنَّثُ بِهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ صَدَقَةٍ أَوْ عَتَاقَةٍ وَصِلَةِ رَحِمٍ فَهَلْ فِيهَا مِنْ أَجْرٍ فَقَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – « أَسْلَمْتَ عَلَى مَا سَلَفَ مِنْ خَيْرٍ »، ففي هذا الحديث بيان حكم الأعمال الصالحة التي يعملها الكافر أثناء كفره إذا أسلم ، هل تبطل بالكلية في الآخرة بناء على أن شرط قبول العمل وثبوت الثواب أن يكون خالصا لله وحده؟ ،ولذلك استشكل الصحابي حكيم (رضي الله عنه) ما عمله وقت كفره ،من الصدقة على الفقراء ،وعتق الرقيق ،وصلة الرحم ،وقد كان سيدا شريفا في قومه ،مكثرا من البر والإحسان ، فبين له النبي صلى الله عليه وسلم ، أن الله يقبل تلكم الأعمال إذا دخل في دين الإسلام ، ويكتب له ثوابها يوم القيامة ،وهذا من كمال رحمة الله ،ولطفه بالعباد ، وتجاوزه عنهم ، ولعل الحكمة في ذلك والله أعلم ،ترغيب الكافر في الدخول في دين الرحمة ، والعدل ،والذي يظهر لنا أن هذا الحكم خاص بأعمال الإحسان : من صدقة ،وصلة ،وعتق ،وصلح ونحوه ، أما العبادات المحضة ،التي يتقرب فيها الكافر لمعبوده ، من صلاة ،وذبح ،ودعاء، فهي باطلة من أصلها ،ولا يثاب عليها ، ولو أسلم بعد ذلك . وأما الأعمال التي يفعلها الكافر من أعمال الصلة، والإحسان ،والبر ،ويموت كافرا ،فإنه يجازى بها في الدنيا ، فيوسع له في ماله ،وولده وسائر أمره ، ولا تكون له حسنات يوم القيامة ، بل تذهب هباء منثورا. قال الله تعالى: (وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا) (23) الفرقان ، فالأعمال التي تعب فيها الكافر ،ورجا أن تنفعه ، وعلق آمالا عليها ،يكتشف أنها ضلال ، كذرات الغبار الذي ترى في ضوء الشمس ، لا تنفع صاحبها بشيء.
الدعاء