خطبة عن اليمين وكفارته ،وحديث (مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلْيَأْتِ الَّذِى هُوَ خَيْرٌ وَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ)
فبراير 13, 2021خطبة عن :إياكم أن تُفتنوا بقوة الكافرين، وقوله تعالى: (ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ )
فبراير 22, 2021الخطبة الأولى ( يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته :(يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ (33) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (34) يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ فَلَا تَنْتَصِرَانِ) (33) :(35) الرحمن
إخوة الإسلام
القرآن الكريم: هو أساس رسالة التوحيد، والمصدر القويم للتشريع، ومنهل الحكمة والهداية، والرحمة المسداة للناس، والنور المبين للأمة، والمحجة البيضاء التي لا يزغ عنها إلا هالك ، واليوم إن شاء الله موعدنا مع آيات من كتاب الله ، نتدبرها ، ونسبح في بحار معانيها ، ونرتشف من رحيقها المختوم ، مع قوله تعالى : (يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ) الرحمن (33)، يقول ابن كثير في تفسيرها : أي : لا تستطيعون هربا من أمر الله وقدره ، بل هو محيط بكم ، لا تقدرون على التخلص من حكمه ، ولا النفوذ عن حكمه فيكم ، أينما ذهبتم أحيط بكم ، وهذا في مقام المحشر ، الملائكة محدقة بالخلائق ، سبع صفوف من كل جانب ، فلا يقدر أحد على الذهاب ( إلا بسلطان ) أي : إلا بأمر الله ،وجاء في المنتخب في تفسير القرآن الكريم ما نصه : “يا معشر الجن والإنس ، إن استطعتم أن تخرجوا من جوانب السماوات والأرض هاربين فاخرجوا، لا تستطيعون الخروج إلا بقوة وقهر، ولن يكون لكم ذلك، فبأي نعمة من نعم ربكما تجحدان؟! يصب عليكما لهب من نار ونحاس مذاب، فلا تقدران على رفع هذا العذاب”. وجاء في تعليق هامشي ما يلي: “ثبت حتى الآن ضخامة المجهودات والطاقات المطلوبة للنفاذ من نطاق جاذبية الأرض، وحيث اقتضى النجاح الجزئي في ريادة الفضاء -لمدة محددة جداً بالنسبة لعظم الكون- بذل الكثير من الجهود العلمية الضخمة في شتى الميادين.. فضلاً عن التكاليف المادية الخيالية التي انفقت في ذلك ومازالت تنفق، ويدل ذلك دلالة قاطعة على أن النفاذ المطلق من أقطار السماوات والأرض التي تبلغ ملايين السنين الضوئية لإنس أو جن مستحيل”. وفي تفسير القرآن التحرير والتنوير لمحمد الطاهر ابن عاشور ، يقول : وهذا إعلان لهم بأنهم في قبضة الله تعالى لا يجدون منجى منها ، وهو ترويع للضالين والمضلين من الجن والإنس بما يترقبهم من الجزاء السيء لأن مثل هذا لا يقال لجمع مختلط إلا والمقصود أهل الجناية منهم ،والمعنى : إن قدرتم على الانفلات من هذا الموقف فافلتوا ، وهذا مؤذن بالتعريض بالتخويف مما سيظهر في ذلك الموقف من العقاب لأهل التضليل . وذكر السماوات والأرض لتحقيق إحاطة الجهات كلها تحقيقا للتعجيز ، أي : فهذه السماوات والأرض أمامكم فإن استطعتم فاخرجوا من جهة منها فرارا من موقفكم هذا ، وذلك أن تعدد الأمكنة يسهل الهروب من إحدى جهاتها .وفي الوسيط لطنطاوي يقول : والمعنى : سنقصد إلى محاسبتكم ومجازاتكم على أعمالكم يوم القيامة ، وسنقول لكم على سبيل التعجيز والتحدي : يا معشر الجن والإنس ، إن استطعتم أن تنفذوا وتخرجوا من جوانب السموات والأرض ومن نواحيهما المتعددة . فانفذوا واخرجوا ، و خلصوا أنفسكم من المحاسبة والمجازاة، وفي تفسير الطبري : عن الأجلح قال : سمعت الضحاك بن مزاحم قال : إذا كان يوم القيامة أمر الله السماء الدنيا فتشققت بأهلها ونزل من فيها من الملائكة فأحاطوا بالأرض ومن عليها بالثانية ثم بالثالثة ثم بالرابعة ثم بالخامسة ثم بالسادسة ثم بالسابعة فصفوا صفاً دون صف ثم ينزل الملك الأعلى على مجنبته اليسرى جهنم فإذا رآها أهل الأرض ندوا فلا يأتون قطراً من أقطار الأرض إلا وجدوا سبعة صفوف من الملائكة فيرجعون إلى المكان الذي كانوا فيه ،وحاصل الكلام مما سبق : 1 – اختلف أهل العلم في تفسير الآية: غير أن هذه الأقوال يحتملها معنى الآية ولا تناقض بينها بل يمكن الجمع بين تلك الأقوال وذلك لأن الآية قد تدل على أكثر من معنى يصح أن يفهم منها. 2 – فمن قال إن المعنى هو تحدٍّ للثقلين بأن يخرجوا من جوانب السماوات والأرض إن استطاعوا هرباً من الموت وليسوا فاعلين لأن ذلك لا يكون إلا بحجة باهرة أو قوة قاهرة وليس للعباد ذلك فالمعنى صحيح وتحتمله الآية. 3 – من قال: إن هذا القول “إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا…” يقال لأهل النار لما يعذبوا فالمعنى يحتمله سياق الآية وليس بعيداً. 4 – ومن قال: المراد “يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإنْسِ” الآية : لو أردتم أن تخرجوا من جوانب السماوات والأرض هرباً من الله لتعجزوه فلن تفعلوا إلا بملك وليس لكم ملك وقوة لتفعلوا ذلك فالمعنى صحيح ويحتمله السياق
أيها المسلمون
وأما عن الإعجاز العلمي للآيات السابقة : يقول الأستاذ الدكتور / زغلول النجار (أستاذ علم الجيولوجيا بالعديد من جامعات العالم) ، الدلالة العلمية لقول الحق تبارك وتعالى : {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُواْ مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ فَانفُذُواْ لاَ تَنفُذُونَ إِلاَّ بِسُلْطَانٍ . فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ . يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِّن نَّارٍ وَنُحَاسٌ فَلاَ تَنتَصِرَانِ} [الرحمن: 33ـ 35]. هذه الآيات الثلاث التي تحدى القرآن الكريم فيها كلاً من الجن والإنس تحدياً صريحاً ، بعجزهم عن النفاذ من أقطار السماوات والأرض، وهو تحد يظهر ضآلة قدراتهما مجتمعين أمام طلاقة القدرة الإلهية في إبداع الكون، لضخامة أبعاده، ولقصر عمر المخلوقات، وحتمية فنائها، والآيات بالإضافة إلى ذلك تحوي عدداً من الحقائق الكونية المبهرة التي لم يستطع الإنسان إدراكها إلا في العقود القليلة المتأخرة من القرن العشرين، والتي يمكن إيجازها في النقاط التالية: أولاً : بالنسبة للنفاذ من أقطار الأرض: إذا كان المقصود من هذه الآيات الكريمة إشعار كل من الجن والإنس بعجزهما عن النفاذ من أقطار كل من الأرض على حدة، والسماوات على حدة، فإن المعارف الحديثة تؤكد ذلك، لأن أقطار الأرض تتراوح بين (12756) كيلو متراً بالنسبة إلى متوسط قطرها الاستوائي، (12713) كيلو متراً بالنسبة إلى متوسط قطرها القطبي، وذلك لأن الأرض ليست تامة الاستدارة لانبعاجها قليلاً عند خط الاستواء، وتفلطحها قليلاً عند القطبين، ويستحيل على الإنسان اختراق الأرض من أقطارها لارتفاع كل من الضغط والحرارة باستمرار في اتجاه المركز مما لا تطيقه القدرة البشرية، ولا التقنيات المتقدمة التي حققها إنسان هذا العصر. ومن هنا كان عجز الإنسان عن الوصول إلى تلك المناطق الفائقة الحرارة والضغط، وفي ذلك يقول الحق تبارك وتعالى مخاطباً الإنسان: {وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً} [الإسراء: 37].
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ولو أن الجن عالم غيبي بالنسبة لنا، إلا أن ما ينطبق على الإنس من عجز تام عن النفاذ من أقطار السماوات والأرض ينطبق عليهم، والآيات الكريمة قد جاءت في مقام التشبيه بأن كلاً من الجن والإنس لا يستطيع الهروب من قدر الله أو الفرار من قضائه، بالهروب إلى خارج الكون عبر أقطار السماوات والأرض، حيث لا يدري أحد ماذا بعد ذلك، إلا أن العلوم المكتسبة قد أثبتت بالفعل عجز الإنسان عجزاً كاملاً عن ذلك، والقرآن الكريم يؤكد لنا اعتراف الجن بعجزهم الكامل عن ذلك أيضاً، كما جاء في قول الحق تبارك وتعالى على لسان الجن: {وَأَنَّا ظَنَنَّآ أَن لَّن نُّعْجِزَ اللَّهَ فِي الأَرْضِ وَلَن نُّعْجِزَهُ هَرَباً} [الجن: 12]. وذلك بعد أن قالوا: {وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَآءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً} [الجن: 8]. ثانياً : بالنسبة للنفاذ من أقطار السماوات: تبلغ أبعاد الجزء المدرك من السماء الدنيا من الضخامة ما لا يمكن أن تطويها قدرات كل من الإنس والجن، مما يشعر كلاً منهما بضآلته أمام أبعاد الكون، وبعجزه التام عن مجرد التفكير في الهروب منه، أو النفاذ إلى المجهول من بعده..! ، فمجرتنا -سكة التبانة- يقدر قطرها الأكبر بمائة ألف سنة ضوئية ، ويقدر قطرها الأصغر بعشرة آلاف سنة ضوئية ، ومعنى ذلك أن الإنسان لكي يتمكن من الخروج من مجرتنا عبر قطرها الأصغر يحتاج إلى وسيلة تحركه بسرعة الضوء -وهذا مستحيل- ثالثاً : بالنسبة للنفاذ من أقطار السماوات والأرض معاً : تشير الآيات الكريمة إلى أن التحدي الذي تجابه به الجن والإنس هو النفاذ من أقطار السماوات والأرض معاً إن استطاعوا، وثبت عجزهما عن النفاذ من أقطار أي منهما، وعجزهما أشد إذا كانت المطالبة بالنفاذ من أقطارهما معاً، إذا كان هذا هو مقصود الآيات الكريمة، فإنه يمكن أن يشير إلى معنى في غاية الأهمية ألا وهو توسط الأرض للكون، وهو معنى لا تستطيع علوم الفلك إثباته لعجز الإنسان عن الإحاطة بأبعاد الكون. ولكن يدعم هذا الاستنتاج ما رواه كل من قتادة، والسدي: “أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يوماً لأصحابه: «هل تدرون ما البيت المعمور؟» قالوا: الله ورسوله أعلم. قال صلى الله عليه وسلم: «فإنه مسجد في السماء بحيال الكعبة لو خر لخر عليها، يصلي فيه كل يوم سبعون ألف ملك إذا خرجوا منه لم يعودوا آخر ما عليهم». وتوسط الأرض للكون معنى حارت فيه عقول العلماء والمفكرين عبر التاريخ، وعجزت العلوم المكتسبة والتقنيات الفائقة عن إثباته، ولكن ما جاء في هذه الآيات الكريمة، وفي هذا الحديث النبوي الشريف يشير إليه، ويجعل المنطق السوي يقبله. رابعًا : بالنسبة إلى إرسال شواظ من نار ونحاس على كل من يحاول النفاذ من أقطار السماوات والأرض بغير سلطان من الله تعالى: في الآية رقم 35 من سورة الرحمن يخاطب ربنا تبارك وتعالى كلاً من الجن والإنس بقوله عز من قائل: {يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِّن نَّارٍ وَنُحَاسٌ فَلاَ تَنتَصِرَانِ} وقد أجمع قدامى المفسرين ومحدثوهم على أن لفظة شواظ هنا تعني: اللهب الذي لا دخان له. وكلمة نحاس تعني: الدخان الذي لا لهب فيه أو تعني فلز النحاس الذي نعرفه جميعاً وهو فلز معروف بدرجة انصهاره العالية هذه الملاحظة تشير إلى أن لفظة نحاس في الآية الكريمة تعني فلز النحاس، لأن التأويل هنا لا داعي له على الإطلاق، فالنحاس وهو منصهر وتغلي قطراته في صفحة السماء يعد عقاباً رادعاً لكل محاولة إنسية أو جنية لاختراق أقطار السماوات والأرض.
فسبحان الذي أنزل هذه الآيات الكريمة من قبل 1400 من السنين وحفظها لنا في كتابه الكريم على مدى 14 قرناً أو يزيد لتظهر في زماننا، زمان رحلات الفضاء برهاناً مادياً ملموساً على أن هذا القرآن الكريم هو كلام الله الخالق، وأن النبي الخاتم الذي تلقاه صلى الله عليه وسلم كان موصولاً بالوحي ومعلماً من قبل خالق السماوات والأرض.
الدعاء