خطبة عن ( الحالف بالله كاذبا : حكمه ، وكفارته ،وعقوبته)
مارس 21, 2021خطبة حول ( النَّجْوَى : معناها، وأقسامها، وآدَابُهَا )
مارس 27, 2021الخطبة الأولى ( كن ذا همة وطموح ، فلَنْ تَبْلُغَ الْمَجْدَ حَتَّى تَلْعَقَ الصَّبِرَا )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ) (31) محمد وروى الإمام مسلم في صحيحه : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : « الْمُؤْمِنُ الْقَوِىُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ وَفِى كُلٍّ خَيْرٌ احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ ، وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ ، وَلاَ تَعْجِزْ )
إخوة الإسلام
لا شك أن بناء الأمم ،هو نتيجة بناء الرجال ،وبناء الرجال مهمة صعبة للغاية ،تحتاج إلى مجاهدة وصبر كبير، ولذلك ، كان أول ما بدأ به النبي صلى الله عليه وسلم في بناء أمته ، هو بناء الرجال الذين سيعدهم لأمر عظيم ، ألا وهي رسالة الاسلام ، فقام صلى الله عليه وسلم بتحفيزهم ، وتربيتهم على ركوب المعالي، واستصغار المصاعب ، ورباهم على البذل والعطاء ، وعلى الشجاعة والإقدام . وهكذا استمر حاله صلى الله عليه وسلم ، يحيي الهمم ، ويوجهها في سبيل البناء لا الهدم ، وكما قيل قديما ” رب همة أحيت أمة ” . فالأٌمَمَ لا بد لها من أصحاب الهِمَم والطموح ، فهم صناع الحياة ، وهم قيادات المستقبل ، وبهم تسموا الأمم ، وبهم يُرفع قدرها ، ويعلو شأنها ، فلولا أهل الهِمم ، لما قامت لأمة الإسلام قائمة ، وعندما نبحث في تاريخ الإسلام ، نجده حافلا بأهل الهمم والمعالي ، الذين تربوا على القرآن والسنة ، فهانت عليهم المصاعب ، وباعوا الغالي والنفيس ، من أجل أمتهم ، فمنهم من ضحى بحياته وماله ، في سبيل رفع راية الإسلام ، وهو يفتخر بذلك ، ومنهم من وهب حياته ، للدفاع عن الإسلام بالسيف ، ومنهم من دافع عنه باللسان ، وهكذا، كل في موقعه ، وحسب طاقته . وقد فضل الله سبحانه وتعالى أهل الهمم العالية ، والطموح والمثابرة في الدنيا والآخرة ، إذ قال الله تعالى : (لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (95) دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) (95) ،(96) النساء.
أيها المسلمون
فالمنازل العالية ، والأماني الغالية ، تحتاج إلى همم موارة ، وفتاكة وجبارة ، لينال المجد بجدارة ، فقل للكسول النائم .. والثقيل الهائم : امسح النوم من عينيك ، واطرد الكرى من جفنيك ، فلن تنال من ماء العزة قطرة ، ولن ترى من نور العلى خطرة ، حتى تثب مع من وثب ، وتفعل ما يجب ، وتأتي بالسبب . وما جمل قول من قال :
دَبَبْتَ لِلْمَجْدِ وَالسَّاعُونَ قَدْ بَلَغُوا *** جَهْدَ النُّفُوسِ وَأَلْقَوْا دُونَه الأُزُرَا
فَكَابَدُوا الْمَجْدَ حَتَّى مَلَّ أَكْثَرُهُمْ *** وَعَانَقَ الْمَجْدَ مَنْ أَوْفَى وَمَنْ صَبَرَا
لا تَحْسَبِ الْمَجْدَ تَمْرًا أَنْتَ آكِلُهُ *** لَنْ تَبْلُغَ الْمَجْدَ حَتَّى تَلْعَقَ الصَّبِرَا
وها هو رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يحث أمته على المجاهدة والمثابرة ، لنيل المعالي في الدنيا والآخرة ، ففي سنن الترمذي : (عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : « مَنْ ثَابَرَ عَلَى ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً مِنَ السُّنَّةِ بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الظُّهْرِ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْفَجْرِ ». وقال الإمام الْجُنَيْدُ البَغْدادي رحمه الله تعالى : “ما طلبَ أحدٌ شيئاً بِجِدٍّ وصِدْقٍ إلا نالهَ، فإن لم يَنَلْه كلَّه نال بعضَه”. و” بابُ كلِّ علمٍ نفيسٍ جليلٍ: مفتاحُه بَذْلُ المجهود “ وقيل : أنه كان رجل يطلب العلم، فلا يَقْدِر عليه، فعزم على تركه، فمرّ بماءٍ ينحدر من رأس جبلٍ على صَخْرةٍ قد أَثّر الماءُ فيها، فقال: الماءُ على لَطَافته قد أثَّر في صخرةٍ على كَثَافتها، والله لأطْلُبَنَّ العلم. فطلبَ فأدركَ
فالطموح والهمّة العالية مهمة لكل إنسان يطلب الحياة بعزّة وكرامة، وتزداد الأهمية على وجه الخصوص للشباب، الذي يقف على مشارف المسؤولية، ويؤسّس لحياة لا تخلو من آمال، وكلّما كان الشباب أكثر طموحاً ، كان الخير والنجاح والفلاح حليفه ، وتحقّق على يديه الخير لأُمته ، يقول: “أمير الشعراء” أحمد شوقي :
شبابُ قنع لا خير فيهم **** وبورك في الشباب الطامحينا
ومن المعلوم أن إنجاز المرء في حياته على قدر همته، ودرجة طموحه وعزيمته، فكلّما ارتقت الهمم، تحققت الغايات الكبرى ، والطموحات العالية، وكلّما صغرت الهمم ، وفترت العزائم ، وضعف الطموح، كلما تدنت الإنجازات، وكما يقول شاعر العربية المتنبي:
على قدر أهل العزم تأتي العزائم **** وتأتي على قدر الكرام والمكارم
وتعظم في عين الصغير صغارها **** وتصغر في عين العظيم العظائم
أيها المسلمون
وليكن معلوما لدينا : أن للطموح شروطا ومقومات ، ولا بد أن يتحلى بها أصحاب الهمم والطموحات العالية ، وأذكر لكم منها : أولا : فلابدّ للعلا والمجد والطموح من أخلاقيات عليا: فالذي يطلب المجد على حساب الأخلاق والقيم فلا خير فيه ولا في طموحه ، فلا غاية تبرر الوسيلة في الإسلام، يقول الله تعالى: (أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (التوبة 109)، وهذا أبو العلاء المعرى يعي ذلك قائلاً:
ألا في سبيل المجد ما أنا فاعل **** عفاف وإقدام وحزم ونائل
ثانيا : أن طلب العلا لابدّ له من عصامية المرء : واعتماده على نفسه ، وعلى ما كسبت يداه ، وأسست يمناه ، بجهده ، وعرقه، وليس على ما ورث عن أبيه وجده، وفي ذلك أشار المتنبي بقوله:
لا يدرك المجد إلا سيد فطن **** لما يشق على السادات فعّال
لا وارث جهلت يمناه ما وهبت **** ولا كسوب بغير السيف سال
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( كن ذا همة وطموح ، فلَنْ تَبْلُغَ الْمَجْدَ حَتَّى تَلْعَقَ الصَّبِرَا )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ونواصل الحديث عن شروط ومقومات الهمة والطموح : ثالثا : أنّه لا طموح بدون كد أو تعب واجتهاد ومثابرة : فالهمة العالية ، لابدّ معها من ركوب الصعب، ومن الكد والنصب ، والسهر والمعاناة، وفيه يقول الشاعر العربي صفي ابن الحلي: لا يمتطى المجد من لم يركب الخطرا **** ولا ينال العلا من قدم الحذرا
ومن أراد العلا عفواً بلا تعب **** قضى ولم يقض من إدراكها وطرا
لابدّ للشهد من نحل يمنعه **** لا يجتبي النفع من لم يحمل الضررا
لا يبلغ السؤل إلا بعد مؤلمة **** ولا يتم المنى إلا لمن صبرا
ولا ينال العلا إلا فتى شرفت **** خصاله فأطاع الدهر ما أمرا
وكما يقول أيضاً أمير الشعراء أحمد شوقي:
وما نيل المطالب بالتمني **** ولكن تؤخذ الدنيا غلابا
وما استعصى على قوم منال **** إذا الإقدام كان لهم ركابا
رابعا : ولابدّ للهمة من شرف النفس: فإذا شرفت النفس ، كانت للآداب طالبة، وكانت راغبة في اكتساب الفضائل والمكرمات، ومن منى بعلو الهمة، وسلب شرف النفس، فقد صار عرضة لأمر فقدته قدراته، وأفسدته جهالته، فصار كضرير يروم تعلم الكتابة، وأخرس يريد الخطبة، فلا يزيده الاجتهاد إلا عجزاً، والطلب إلا فقداً، وقيل لبعض الحكماء: من أسوأ الناس حالاً؟ قال: من بعدت همته، واتسعت أمنيته، وقصرت آلته، وقلت مقدرته. وشرف النفس مع صغر الهمة ، أولى من علو الهمة مع دناءة النفس؛ لأن من علت همته مع دناءة نفسه، كان معتدياً إلى طلب ما لا يستحقه، ومتخطياً إلى التماس ما لا يستوجبه ، ومن شرفت نفسه مع صغر همته، فهو تارك لما يستحق، مقصر عما يجب، أمّا إذا اجتمع الأمران، واقترن بشرف النفس علو الهمة، كان اجتماع الفضل، وكمال الأدب، وفي ذلك قال الشاعر:
إن المروءة ليس يدركها امرؤ **** ورث المكارم عن أب فأضاعها
أمرته نفس بالدناءة والخنا **** ونهته عن سبل العلا فأطاعها
فإذا أصاب من المكارم خله **** يبنى الكريم بها المكارم باعها
الدعاء