خطبة عن القراءة وأهميتها، قال تعالى (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ)
مايو 22, 2021خطبة عن ( النُّورُ ينبلِجُ من بطونِ الظُلماتِ )
مايو 22, 2021الخطبة الأولى ( أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي ، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا دَعَانِي )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
رُوي في الصحيحين ، واللفظ لمسلم : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : « إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ : أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي ، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا دَعَانِي ». وفي رواية : « يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي ، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي ، فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِى ، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلأٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلأٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ ، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَىَّ بِشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا ، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَىَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا ، وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً »
إخوة الإسلام
موعدنا اليوم -إن شاء الله- مع هذا الحديث القدسي الكريم ، والذي يدعونا فيه تبارك وتعالى إلى حسن الظن بالله ، وكثرة ذكره ، والتقرب إليه بالأعمال الصالحة .فهذا الحديث القدسي هو من أحاديث الرجاء العظيمة ، والتي تحث المسلم على حسن الظن بالله جل وعلا ، والإكثار من ذكره ، وبيان قرب الله من عبده إذا تقرب إليه العبد بأنواع الطاعات ، فبدأ الحديث بدعوة العبد المؤمن إلى أن يحسن ظنه بربه في جميع أحواله ، فبَيَّن جل وعلا أنه عند ظن عبده به ، وقد روى الامام أحمد وغيره : (يَقُولُ عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ « أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي فَلْيَظُنَّ بِي مَا شَاءَ »، أي أنه يعامله على حسب ظنه به ، ويفعل به ما يتوقعه منه من خير أو شر ، فكلما كان العبد حسن الظن بالله ، حسن الرجاء فيما عنده ، فإن الله لا يخيب أمله ولا يضيع عمله ، فإذا دعا الله عز وجل ظن أن الله سيجيب دعاءه ، وإذا أذنب وتاب واستغفر ، وظن أن الله سيقبل توبته ، ويقيل عثرته ، ويغفر ذنبه ، كان الله تعالى عند حسن ظنه به، وإذا عمل صالحاً ، وظن أن الله سيقبل عمله ، ويجازيه عليه أحسن الجزاء ، أعطاه الله ما سأل ، ولذلك جاء في سنن الترمذي : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « ادْعُوا اللَّهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالإِجَابَةِ.. ) ، وهكذا يظل العبد متعلقا بجميل الظن بربه ، وحسن الرجاء فيما عنده ، وحسن الظن بالله من مقتضيات التوحيد ، لأنه مبنيٌ على العلم برحمة الله ، وعزته ، وإحسانه ، وقدرته ، وحسن التوكل عليه ، فإذا تم العلم بذلك ، أثمر حسن الظن . ولذلك فقد ذم الله في كتابه طائفة من الناس ، أساءت الظن به سبحانه وتعالى ، وجعل سوء ظنهم من أبرز علامات نفاقهم ، فقال الله تعالى عن المنافقين حينما تركوا النبي – صلى الله عليه وسلم – وأصحابه في غزوة أحد ، فقال الله تعالى : { وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ } (آل عمران: 154) ، وقال الله تعالى عن المنافقين والمشركين : ( وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا) (6) الفتح
أيها المسلمون
ولا بد أن نعلم أن المراد من الحديث هو تغليب جانب الرجاء ، فإن كل عاقل يسمع بهذه الدعوة من الله تبارك وتعالى ، لا يمكن أن يختار لنفسه ظن إيقاع الوعيد ، بل سيختار الظن الحسن ، وهو ظن الثواب ، والعفو ، والمغفرة ، وإيقاع الوعد ، وهذا هو الرجاء ، وخصوصاً في حال الضعف والافتقار، كحال المحتضر ، فإنه أولى من غيره بإحسان الظن بالله جل وعلا ، ففي صحيح مسلم : (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيِّ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَبْلَ مَوْتِهِ بِثَلاَثَةِ أَيَّامٍ يَقُولُ : « لاَ يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إِلاَّ وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ». وفي سنن الترمذي : (عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- دَخَلَ عَلَى شَابٍّ وَهُوَ فِي الْمَوْتِ فَقَالَ : « كَيْفَ تَجِدُكَ ». قَالَ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَرْجُو اللَّهَ وَإِنِّي أَخَافُ ذُنُوبِي. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « لاَ يَجْتَمِعَانِ فِي قَلْبِ عَبْدٍ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَوْطِنِ إِلاَّ أَعْطَاهُ اللَّهُ مَا يَرْجُو وَآمَنَهُ مِمَّا يَخَافُ ». فينبغي للمرء أن يجتهد في القيام بما عليه ، موقنًا بأن الله يقبله ويغفر له ; لأنه وعد بذلك ، وهو لا يخلف الميعاد ، فإن ظن أن الله لا يقبله ، أو أن التوبة لا تنفعه ، فهذا هو اليأس من رحمة الله ، وهو من كبائر الذنوب , ومن مات على ذلك ، وُكِل إلى ظنه ، وقد روى الامام أحمد وغيره : (يَقُولُ عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ « أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي فَلْيَظُنَّ بِي مَا شَاءَ »،
أيها المسلمون
ولا بد أن يُعْلم أن حسن الظن بالله ، يعنى حسن العمل ، ولا يعني أبداً القعود والركون إلى الأماني ، والاغترار بعفو الله ، فعلى العبد أن يتجنب محذورين في هذه القضية : المحذور الأول : هو اليأس والقنوط من رحمة الله ، والمحذور الثاني : هو الأمن من مكر الله ، فلا يركن إلى الرجاء وحده ، وحسن الظن بالله من غير إحسان العمل ، فإن هذا من السفه ، ومن أمن مكر الله ،وفي المقابل أيضاً ، لا يغلِّب جانب الخوف ، بحيث يصل به إلى إساءة الظن بربه ، فيقع في اليأس والقنوط من رحمة الله ، وكلا الأمرين مذموم ، بل الواجب عليه أن يحسن الظن ، مع إحسان العمل ، قال بعض السلف : ” رجاؤك لرحمة من لا تطيعه من الخذلان والحمق ” .وقوله تعالى في الحديث القدسي : (وَأَنَا مَعَهُ إِذَا دَعَانِي ) أو (وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي ) ، ففي ذلك ببيان لفضل الذكر ، وجزاء الذاكرين ، فذكر الله عز وجل أنه سبحانه مع عبده حين يدعوه ، وحين يذكره ، وهذه المعية هي معية خاصة ، وهي معية الحفظ والتثبيت والتسديد ، وأفضل الذكر ما تواطأ عليه القلب واللسان ، وتدبر المؤمن الذاكر معانيه ، وأعظمه ذكر الله عند الأمر والنهي ، وذلك بامتثال الأوامر ، واجتناب النواهي .
ثم بين سبحانه وتعالى في الحديث القدسي سعة فضله ، وعظيم كرمه ، وقربه من عبده ، بقوله تعالى في الحديث القدسي : (فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِى ، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلأٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلأٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ ، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَىَّ بِشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا ، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَىَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا ، وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً » فالعبد كلما تقرب إلى ربه جل وعلا بالأعمال الصالحة، ازداد الله منه قرباً ، وقد أخبر سبحانه في كتابه أنه قريب من عبده ، فقال الله تعالى : ( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) البقرة (186) ،وروى مسلم في صحيحه : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ : « أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ » ، ففي قوله تعالى في الحديث القدسي : (وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَىَّ بِشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا ، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَىَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا ، وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً »، ما يدل على أن عطاء الله وثوابه أكثر من عمل العبد وكدحه ، ولذلك فإنه يعطي العبد أكثر مما فعله من أجله ، فسبحانه ما أعظم كرمه وأجَلَّ إحسانه ، وصدق الله العظيم إذ يقول في محكم آياته : (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) (58) يونس ،وفي الصحيحين : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – : « إِذَا أَحْسَنَ أَحَدُكُمْ إِسْلاَمَهُ ، فَكُلُّ حَسَنَةٍ يَعْمَلُهَا تُكْتَبُ لَهُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ)
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي ، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا دَعَانِي )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
فينبغي للمؤمن أن يحسن ظنه بالله ، وأن يجتهد في العمل الصالح؛ لأن من ساء عمله ساء ظنه ، وطريق إحسان الظن أن يحسن العمل ، وأن يجتهد في طاعة الله ورسوله حتى يكون حسن الظن بالله، فالله تعالى وعد المحسنين بالخير العظيم والعاقبة الحميدة، ومن ساءت أفعاله ساءت ظنونه، وينبغي للمؤمن الذي أحسن الظن بالله الإكثار من ذكر الله، ليكون الله معه ناصرا ومؤيدا ، وهي معية خاصة ، تقتضي التسديد والتوفيق والكلاءة والحفظ فهذه معية خاصة مع أوليائه ، وأهل طاعته ، فينبغي للمؤمن أن يكون مع الذاكرين لا مع الغافلين، فمن صفات أهل النفاق قلة ذكر الله، ومن صفات أهل الإيمان الإكثار من ذكر الله ، كما قال الله تعالى : ( إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا) [النساء:142]، أما المؤمنون فقد قال الله سبحانه وتعالى فيهم : ( وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا) [الأحزاب:35] ،فينبغي للمؤمن الإكثار من ذكر الله قائمًا وقاعدًا، وفي بيته وفي كل مكان، بقلبه وبلسانه ، حسب التيسير، وبأفعاله أيضًا، وأما ما جاء في الحديث القدسي : (وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَىَّ بِشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا ، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَىَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا ، وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً » ،فهذا التقرب شبرا وذراعًا وباعًا ، فهذه من الصفات التي يجب أن نقرها ونمررها كما جاءت ، كما قال السلف الصالح، ولا نتأولها ، ولا نكيفها ،وفي هذه العبارات أيضا دلالة على أنه سبحانه وتعالى أسبق بالخير إلينا ، فإذا سابقنا إلى الخير ، فهو به أسبق -سبحانه وتعالى-، وذلك لكمال ، جوده ، وكرمه، فمن سارع إلى الخيرات ، فالله إليه بالتوفيق والهداية والعناية أسرع، ولهذا قال: (إن تقرب إليّ شبرًا تقربت منه ذراعًا وإن تقرب مني ذراعًا تقربت منه باعًا وإذا أتاني يمشي أتيته هرولة) ، وكل هذا يشير إلى سعة جوده ، وسبقه بالخير
الدعاء