خطبة عن الابتلاء ، ( يُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ فَإِنْ كَانَ دِينُهُ صُلْبًا اشْتَدَّ بَلاَؤُهُ)
يونيو 12, 2021خطبة عن قوله تعالى ( وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا، لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا )
يونيو 19, 2021الخطبة الأولى (لاَ تُكْثِرُوا الْكَلاَمَ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ، وَلاَ تَنْظُرُوا فِى ذُنُوبِ النَّاسِ كَأَنَّكُمْ أَرْبَابٌ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى الإمام مالك في الموطإ : (أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ كَانَ يَقُولُ : لاَ تُكْثِرُوا الْكَلاَمَ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ فَتَقْسُوَ قُلُوبُكُمْ فَإِنَّ الْقَلْبَ الْقَاسِيَ بَعِيدٌ مِنَ اللَّهِ وَلَكِنْ لاَ تَعْلَمُونَ وَلاَ تَنْظُرُوا فِي ذُنُوبِ النَّاسِ كَأَنَّكُمْ أَرْبَابٌ وَانْظُرُوا فِي ذُنُوبِكُمْ كَأَنَّكُمْ عَبِيدٌ فَإِنَّمَا النَّاسُ مُبْتَلًى وَمُعَافًى فَارْحَمُوا أَهْلَ الْبَلاَءِ وَاحْمَدُوا اللَّهَ عَلَى الْعَافِيَةِ.
إخوة الإسلام
موعدنا اليوم – إن شاء الله- مع هذه الكلمات المباركات ، والتي تخرج من مشكاة النبوة ، وتحمل بين طياتها النصح والارشاد ، والتذكية والتطهير ، والآداب الحسنة ، والفضائل السامية ، ففي قوله عليه السلام : (لاَ تُكْثِرُوا الْكَلاَمَ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ فَتَقْسُوَ قُلُوبُكُمْ فَإِنَّ الْقَلْبَ الْقَاسِيَ بَعِيدٌ مِنَ اللَّهِ وَلَكِنْ لاَ تَعْلَمُونَ) ، قال ابن القيم رحمه الله: (لا تكثروا الكلام في غير ذكر الله فتقسوا قلوبكم؛ لأن كثرة الكلام مدعاة لقسوة القلب إذا لم تكن بالذكر، أما كثرة الذكر على اللسان فإنها مدعاة للين القلب واستقامة الجوارح، وقد جاء في سنن الترمذي : (عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : « لاَ تُكْثِرُوا الْكَلاَمَ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ فَإِنَّ كَثْرَةَ الْكَلاَمِ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ قَسْوَةٌ لِلْقَلْبِ وَإِنَّ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنَ اللَّهِ الْقَلْبُ الْقَاسِي ». وفيه أيضا : (عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- : عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ : « كُلُّ كَلاَمِ ابْنِ آدَمَ عَلَيْهِ لاَ لَهُ إِلاَّ أَمْرٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ نَهْىٌ عَنْ مُنْكَرٍ أَوْ ذِكْرُ اللَّهِ ». وكثرة الكلام في غير فائدة، واستثقاله فيما فيه فائدة ، فهذه أمارة على مرض القلب؛ إذ الألسن مغارف القلوب، وحركة اللسان تدل على ما في القلب، فالقلوب كالقدور تغلي بما فيها، وألسنتها مغارفها، والمرء حين يتكلم، فإن لسانه يغترف مما في قلبه حلوًا وحامضًا، وعذبًا وأجاجًا، وغير ذلك، ويبين لك طعمَ قلبِه اغترافُ لسانِه، وما أقبح حال المرء وهو يثرثر بما لا خير فيه، وفي الحديث الذي رواه الترمذي: (وَإِنَّ أَبْغَضَكُمْ إِلَيَّ، وَأَبْعَدَكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الثَّرْثَارُونَ). أي: الذين يكثرون الكلام تكلفًا وتشدقًا، والثرثرة كثرة الكلام وترديده، وقال الإمام النووي ـ رحمه الله تعالى ـ في رياض الصالحين : (اعْلَمْ أنَّهُ يَنْبَغِي لِكُلِّ مُكَلَّفٍ أَنْ يَحْفَظَ لِسَانَهُ عَنْ جَميعِ الكَلامِ إِلاَّ كَلاَمًا ظَهَرَتْ فِيهِ المَصْلَحَةُ، ومَتَى اسْتَوَى الكَلاَمُ وَتَرْكُهُ فِي المَصْلَحَةِ، فالسُّنَّةُ الإمْسَاكُ عَنْهُ؛ لأَنَّهُ قَدْ يَنْجَرُّ الكَلاَمُ المُبَاحُ إِلَى حَرَامٍ أَوْ مَكْرُوهٍ، وذَلِكَ كَثِيرٌ في العَادَةِ، والسَّلاَمَةُ لا يَعْدِلُهَا شَيْءٌ ) . ولما أدرك سلفنا الصالح خطورة اللسان، وما يصدر عنه من كلام ، احترزوا منه أشد الاحتراز، حتى كان الواحد منهم يحاسب نفسه في قوله: يوم حار، ويوم بارد ـ ولقد رُؤيَ بعض الأكابر من أهل العلم في النوم، فسئل عن حاله، فقال: أنا موقوف على كلمةٍ قلتها، قلت: ما أحوج الناس إلى غيث، فقيل لي: وما يدريك! أأنت أعلم بحاجة عبادي مني؟. وروى الحاكم في المستدرك أن شداد بن أوس ـ رضي الله عنه ـ قال مرة لأصحابه: هاتوا السفرة نعبث بها، ثم قال: أستغفر الله، ما أتكلم بكلمة إلا وأنا أخطمها وأزمها إلا هذه الكلمة، خرجت مني بغير خطام ولا زمام. وقال ابن بريدة: رأيت ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ آخذ بلسانه، وهو يقول: ويحك قل خيرًا تغنم، أو اسكت عن سوءٍ تسلم، وإلا فاعلم أنك ستندم، فقيل له: يا ابن عباس، لِمَ تقول هذا؟ قال: إنه بلغني أن الإنسان أراه قال: ليس على شيءٍ من جسده أشد حنقاً وغيظاً يوم القيامة منه على لسانه إلا من قال خيرًا أو أملى به خيرًا. وقال يونس بن عبيد: ما رأيت أحداً لسانه منه على بال إلا رأيت ذلك في سائر عمله، ولا فسد منطق رجل قط إلا عرفت ذلك في سائر عمله, وَفِي الْمُوَطَّأِ عَنْ أَسْلَمَ أَنَّ عُمَرَ دَخَلَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَهُوَ يَجْبِذُ لِسَانَهُ، فَقَالَ عُمَرُ: مَهْ، غَفَرَ اللَّهُ لَكَ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إنَّ هَذَا أَوْرَدَنِي الْمَوَارِدَ.. وعن عمر -رضي الله عنه- قال: من كثر كلامه كثر سقطه. وعن ابن مسعود قال: أنذركم فضول الكلام، بحسب أحدكم ما بلغ حاجته. وعن علي -رضي الله عنه- قال: اللسان قوام البدن، فإذا استقام اللسان استقامت الجوارح, وإذا اضطرب اللسان لم تقم له جارحة
أيها المسلمون
وأما قوله عليه السلام : (فَإِنَّ الْقَلْبَ الْقَاسِيَ بَعِيدٌ مِنَ اللَّهِ وَلَكِنْ لاَ تَعْلَمُونَ) ، فالقلب القاسي هو قلب مريض ، قد أظلمته المعاصي والذنوب ، وحجبت عنه نور الهداية والتوفيق ،ولذا فهو قلب بعيد من الله ، ولذا فقد ذكر بعض العلماء الوسائل المعينة على علاج القلوب القاسية ، فمن الوسائل المعينة على التخلص من قسوة القلب والغلظة والفظاظة : أولا : الدعاء : قال الله تعالى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) [البقرة: 186]. فعلى قدر نية العبد وهمته ومراده ورغبته في ذلك، يكون توفيقه سبحانه، وإعانته، فالمعونة من الله تنزل على العباد على قدر هممهم، وثباتهم، ورغبتهم، ورهبتهم، والخذلان ينزل عليهم على حسب ذلك، وكان من دعاء النَّبي صلى الله عليه وسلم التعوذ من جمود العين، وعدم خشوع القلب، كما في صحيح مسلم : (اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لاَ يَنْفَعُ وَمِنْ قَلْبٍ لاَ يَخْشَعُ وَمِنْ نَفْسٍ لاَ تَشْبَعُ وَمِنْ دَعْوَةٍ لاَ يُسْتَجَابُ لَهَا ». ثانيا : ومن الأسباب المعينة على علاج قسوة القلب : قراءة القرآن وتدبر آياته: قال الله تعالى: (وَإِذَا قُرِىءَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) [الأعراف: 204]. فالذي يتلو القرآن ، ويتدبره ، وهو يلقي سمعه، ويحضر قلبه، ويتدبر ما يستمع، فإنه ينال خيرًا كثيرًا، وعلمًا غزيرًا، وإيمانًا مستمرًا متجددًا، وهدى متزايدًا، وبصيرة في دينه، قال الله تعالى: (لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) [الحشر: 21]. فلا أنفع للعبد من التفكر في القرآن والتدبر لمعانيه، فإن التفكر فيها يفتح للعبد خزائن العلم، ويبين له طرق الخير والشر، ويحثه على مكارم الأخلاق، ومحاسن الشيم، ويزجره عن مساوئ الأخلاق ثالثا : ومن الأسباب المعينة على علاج قسوة القلب : الإكثار من ذكر الله: قال الله تعالى: (الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) [الرعد: 28]. وقال رجل للحسن: (يا أبا سعيد، أشكو إليك قسوة قلبي، قال: أدنه من الذكر) رابعا : ومن الأسباب المعينة على علاج قسوة القلب : الإكثار من الاستغفار والتوبة: قال الله تعالى: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) [الزمر: 53]. وروى مسلم في صحيحه : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فِيمَا يَحْكِى عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ « أَذْنَبَ عَبْدٌ ذَنْبًا فَقَالَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي. فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَذْنَبَ عَبْدِى ذَنْبًا فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ. ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ فَقَالَ أَيْ رَبِّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي. فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَبْدِى أَذْنَبَ ذَنْبًا فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ. ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ فَقَالَ أَيْ رَبِّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي. فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَذْنَبَ عَبْدِى ذَنْبًا فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ وَاعْمَلْ مَا شِئْتَ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكَ ». قَالَ عَبْدُ الأَعْلَى لاَ أَدْرِى أَقَالَ فِي الثَّالِثَةِ أَوِ الرَّابِعَةِ « اعْمَلْ مَا شِئْتَ ». قال ابن رجب الحنبلي: (والمعنى: ما دام على هذا الحال كلَّما أذنب استغفر. والظاهر أنَّ مرادهُ الاستغفارُ المقرون بعدم الإصرار) خامسا : ومن الأسباب المعينة على علاج قسوة القلب : تذكر الموت وزيارة القبور: قال المناوي: (من أعظم أدوية قسوة القلوب، زيارة القبور، وتأمل حال المقبور، وما بعده من البعث والنشور، الباعث على ذكر هاذم اللذات، ومفرق الجماعات، وكذا مشاهدة المحتضرين، وتغسيل الموتى والصلاة على الجنائز، فإن في ذلك موعظة بليغة) سادسا: ومن الأسباب المعينة على علاج قسوة القلب : مصاحبة الصالحين، ومجالستهم، وقراءة سير السلف الصالح: قال الله تعالى: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ) [الكهف: 25]. فمصاحبة الصالحين كلها خير، يذكِّرون بالله، ويأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، ويعلِّمون الجاهل، قال ابن الجوزي: (ينبغي للمنفرد لطاعة الله تعالى عن الخلق أن يجعل خلوته أنيسه، والنظر في سير السلف جليسه)
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (لاَ تُكْثِرُوا الْكَلاَمَ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ، وَلاَ تَنْظُرُوا فِي ذُنُوبِ النَّاسِ كَأَنَّكُمْ أَرْبَابٌ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومن الأسباب المعينة على علاج قسوة القلب : الإحسان إلى الضعفاء: ففي مسند أحمد : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلاً شَكَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَسْوَةَ قَلْبِهِ فَقَالَ لَهُ : « إِنْ أَرَدْتَ أَنْ يَلِينَ قَلْبُكَ فَأَطْعِمِ الْمِسْكِينَ وَامْسَحْ رَأْسَ الْيَتِيمِ ». ثامنا: ومن الأسباب المعينة على علاج قسوة القلب : زيارة المرضى: قال ابن عثيمين: (في ذلك تذكير للعائد بنعمة الله عليه بالصحة؛ لأنه إذا رأى هذا المريض، ورأى ما هو فيه من المرض، ثم رجع إلى نفسه، ورأى ما فيها من الصحة والعافية عرف قدر نعمة الله عليه بهذه العافية؛ لأن الشيء إنما يعرف بضده)
أيها المسلمون
ثم نأتي إلى قوله عليه السلام : (وَلاَ تَنْظُرُوا فِي ذُنُوبِ النَّاسِ كَأَنَّكُمْ أَرْبَابٌ وَانْظُرُوا فِي ذُنُوبِكُمْ كَأَنَّكُمْ عَبِيدٌ فَإِنَّمَا النَّاسُ مُبْتَلًى وَمُعَافًى فَارْحَمُوا أَهْلَ الْبَلاَءِ وَاحْمَدُوا اللَّهَ عَلَى الْعَافِيَةِ). فالعبيد يخافون اطلاع ساداتهم على ذنوبهم ،فيحذرون منها ،(فَإِنَّمَا النَّاسُ مُبْتَلًى) بالذنوب ، (وَمُعَافًى) منها ،(فَارْحَمُوا أَهْلَ الْبَلاَءِ) بنحو الدعاء برفعه عنهم ، وعدم النظر إلى ذنوبهم وهتكهم بها ، وعظوهم بلين ورفق ، (وَاحْمَدُوا اللَّهَ عَلَى الْعَافِيَةِ) ليديم الله تعالى ذلك عليكم . وهذا نبي الله موسى عليه السلام فيما حكى الله عنه في كتابه عندما أخذته الرجفة قال: { رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ * وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ } [الأعراف:155-156]، فهذا كلام العارفين بالله، كلام أنبياء الله الذين يعرفون الأدب مع الله وكيف يخاطبونه، فلم تأخذهم القسوة ولا الشدة في مثل هذا الموقف، بل تبرؤوا في الإثم من أهل الإثم وردوه عليهم، ومع ذلك لم يجعلوا أنفسهم أرباباً، وهذا ما حكاه الله عن عيسى عليه السلام أيضاً في قوله: { إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } [المائدة:118] ،وقد ثبت في حديث عائشة : ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام ليلة بهذه الآية ) يصلي ليلة كاملة لم يقرأ من القرآن بعد الفاتحة إلا هذه الآية: { إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } [المائدة:118] ، ونعم ما قال عليه السلام :(وَلاَ تَنْظُرُوا فِي ذُنُوبِ النَّاسِ كَأَنَّكُمْ أَرْبَابٌ وَانْظُرُوا فِي ذُنُوبِكُمْ كَأَنَّكُمْ عَبِيدٌ فَإِنَّمَا النَّاسُ مُبْتَلًى وَمُعَافًى فَارْحَمُوا أَهْلَ الْبَلاَءِ وَاحْمَدُوا اللَّهَ عَلَى الْعَافِيَةِ).
الدعاء