خطبة عن (تُعرف الإخوانُ عند الشدائد)
يونيو 12, 2019خطبة عن (كيف تبني لك بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ؟)
يونيو 12, 2019الخطبة الأولى (وَلَكِنْ يَا حَنْظَلَةُ سَاعَةً وَسَاعَةً)
الحمد لله رب العالمين .وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى الإمام مسلم في صحيحه : (عَنْ حَنْظَلَةَ الأُسَيِّدِيِّ قَالَ : لَقِيَنِي أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ : كَيْفَ أَنْتَ يَا حَنْظَلَةُ؟ ،قَالَ : قُلْتُ : نَافَقَ حَنْظَلَةُ قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ ، مَا تَقُولُ؟ ، قَالَ : قُلْتُ : نَكُونُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ حَتَّى كَأَنَّا رَأْىَ عَيْنٍ فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَافَسْنَا الأَزْوَاجَ وَالأَوْلاَدَ وَالضَّيْعَاتِ فَنَسِينَا كَثِيرًا قَالَ أَبُو بَكْرٍ : فَوَاللَّهِ إِنَّا لَنَلْقَى مِثْلَ هَذَا. فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ ، حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- ، قُلْتُ : نَافَقَ حَنْظَلَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « وَمَا ذَاكَ ». قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ : نَكُونُ عِنْدَكَ تُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ حَتَّى كَأَنَّا رَأْىَ عَيْنٍ فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِكَ عَافَسْنَا الأَزْوَاجَ وَالأَوْلاَدَ وَالضَّيْعَاتِ نَسِينَا كَثِيرًا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ إِنْ لَوْ تَدُومُونَ عَلَى مَا تَكُونُونَ عِنْدِي وَفِى الذِّكْرِ لَصَافَحَتْكُمُ الْمَلاَئِكَةُ عَلَى فُرُشِكُمْ وَفِى طُرُقِكُمْ وَلَكِنْ يَا حَنْظَلَةُ سَاعَةً وَسَاعَةً ». ثَلاَثَ مَرَّاتٍ.
إخوة الإسلام
هذا الحديث النبوي الكريم ، يبين لنا فيه الرسول صلى الله عليه وسلم أحوال القلوب ، وطبيعة النفوس ، وخوف الصحابة من النفاق ، وحرصهم على السؤال .وحنظلة هذا الذي يخاف على نفسه من النفاق ،هو أحد كتاب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا يعقل أن يكون أحد المنافقين كاتباً لرسول الله ﷺ، وهذا يدل دلالة واضحة على خطر النفاق، وأن أصحاب النبي ﷺ كانوا يتخوفونه على أنفسهم، ولهذا جاء عن بعضهم قوله : “ما خافه إلا مؤمن وما أمنه إلا منافق”. فينبغي للإنسان أن يخاف على نفسه النفاق، وأن يتحرز منه ، وأن يتجنب كل الأوصاف التي توقعه في جملة المنافقين، سواء كان ذلك :النفاق العملي ،أو النفاق الاعتقادي، ثم بين الصحابي الجليل سبب اتهامه لنفسه بالنفاق ، فقال ( رضي الله عنه ) ، لرسول الله صلى الله عليه وسلم : (قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ : نَكُونُ عِنْدَكَ تُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ حَتَّى كَأَنَّا رَأْىَ عَيْنٍ ،فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِكَ عَافَسْنَا الأَزْوَاجَ وَالأَوْلاَدَ وَالضَّيْعَاتِ نَسِينَا كَثِيرًا ). فهو يقول: إذا كنا في مجلسك يا رسول الله ﷺ ، وفي مجلس الذكر ، أصبحنا في قمة الإشراق، وفي أعلى درجات الإيمان ، وكأننا نرى الجنة والنار أمام أعيننا، وهذا من أعظم ما يكون في درجات الإيمان، ثم يقول : فإذا رجعنا إلى بيوتنا ، عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات، أي: خالطنا ولاعبنا الزوجات والأولاد ، وعملنا في المعايش من حرث ووظيفة وتجارة وغير ذلك، فهذه الأمور إذا خالطها الإنسان ، خف ذلك الاتقاد الإيماني في قلبه، وضعف، وذلك يؤثر تأثيراً بيناً على ما عهده من قلبه في مجالس الذكر، وتأمل معي أخي المسلم مقولة هذا الصحابي الجليل رضي الله عنه : ( تُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ حَتَّى كَأَنَّا رَأْىَ عَيْنٍ ) ، فالصحابي الجليل حنظلة (رضي الله عنه) يخبر أنهم حين يسمعون حديث النبي صلى الله عليه وسلم عن الجنة أو النار ،فكأنهم يرونها، ولعل هذا ما يفسر استهانتهم بأي شيء من حطام الدنيا إذا كان الثمن هو الجنة ، والنجاة من النار .لقد استشعر الصحابة (رضي الله عنهم) غلو السلعة المعروضة عليهم ،فبذلوا في سبيلها النفوس ،والأموال ،والأوقات ،والراحة، وآثروا هذه الجنة على كل شيء. ولهذا فإن من أهم أدوية القلوب وأسباب إزالة الغفلة عنها التذكير بالجنة ونعيمها ، وهذا هو المسلك الذي سلكه النبي صلى الله عليه وسلم في دعوته، فقد روى مسلم في صحيحه 🙁 قَالَ رَبِيعَةُ بْنُ كَعْبٍ الأَسْلَمِيُّ كُنْتُ أَبِيتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَأَتَيْتُهُ بِوَضُوئِهِ وَحَاجَتِهِ فَقَالَ لِي « سَلْ ». فَقُلْتُ أَسْأَلُكَ مُرَافَقَتَكَ فِي الْجَنَّةِ. قَالَ « أَوَغَيْرَ ذَلِكَ ». قُلْتُ هُوَ ذَاكَ. قَالَ « فَأَعِنِّى عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ ». فهل يشتاق قلبك إلى الجنة؟ وهل يحن إليها؟ ،وهل تؤثر أمر الله على هوى نفسك طلبا للجنة؟ ، وهل تقيم الفرائض وتجنب النواهي والمحرمات طمعا في الجنة؟ أخي وأختي: كيف هو تعلقك بالجنة وماذا تعلم عن نعيمها
أيها المسلمون
ثم نأتي إلى قوله صلى الله عليه وسلم :« وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ إِنْ لَوْ تَدُومُونَ عَلَى مَا تَكُونُونَ عِنْدِي وَفِى الذِّكْرِ لَصَافَحَتْكُمُ الْمَلاَئِكَةُ عَلَى فُرُشِكُمْ وَفِى طُرُقِكُمْ) أي من شدة اليقين ودرجة الإيمان التي تكونون عليها عندي ، تصافحكم الملائكة إكراما لكم ، وتثبيتا لكم ، لأنه كلما زاد يقين العبد وإيمانه ، فإن الله سبحانه وتعالى يثبته ويقويه ، كما قال الله تعالى : (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ) (17) محمد ، فلو حصل استمرار على هذا المستوى الرفيع من الإيمان والتذكر ، فإن الملائكة تصافحكم مباشرة، وأنتم على فرشكم، وأنتم في طرقاتكم، ثم يبين لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أحوال القلوب ، وما يجب أن علينا أن ننتبه إليه ونعلمه ،فقال صلى الله عليه وسلم، (وَلَكِنْ يَا حَنْظَلَةُ سَاعَةً وَسَاعَةً ». ثَلاَثَ مَرَّاتٍ. ومعنى ساعة وساعة : أي فساعة تحضرون مجلس الذكر، وساعة تتعبدون فيها لله تعالى ، فتصلون ، وتذكرون الله ،وتقرءون القرآن، وساعة أخرى : تقومون فيها بحقوق الزوجات والأولاد، وتقومون بما يصلح معايشكم ، من تجارة وحرفة وصناعة وما إلى ذلك، كما في صحيح البخاري: (قال سلمان : إِنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا ، وَلِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا ، وَلأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا ، فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ . فَأَتَى النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ . فَقَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – « صَدَقَ سَلْمَانُ »
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (سَاعَةً وَسَاعَةً وَسَاعَةً)
الحمد لله رب العالمين .وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومن الخطإ أن يفهم بعض الناس أن الساعة التي هي لله ، هي : الصلاة والصيام وغير ذلك من الأعمال، وأن الساعة التي هي للقلب هي: الساعة التي يعصي فيها ربه ، فيرفث فيها، ويفسق ، وينحرف عن الصراط المستقيم، فليس هذا هو المقصود من قوله صلى الله عليه وسلم (سَاعَةً وَسَاعَةً ) ، وإنما المقصود : روحوا القلوب؛ لأن القلوب تمل، فلو أن عبداً يقرأ القرآن في كل لحظة، فإنه لا بد أن يمل، ولكنه لو انتقل من القرآن إلى السنة، أو من السنة إلى الصلاة، أو من الصلاة إلى الصيام، أو من الصيام إلى الزكاة، أو من الزكاة إلى الحج، أو من الحج إلى قضاء مصالح المسلمين، فينتقل من طاعة إلى طاعة، فإنه لا يمل، وأما من يقوم على طاعة واحدة دائماً وأبداً فإنه سوف يمل منها؛ لأن القلوب بشرية فطرت على الملل، ولذلك ينبغي على المسلم أن ينوع في طاعة الله عز وجل، فينتقل من طاعة إلى طاعة، ومن حسنة إلى ما هو أحسن منها، ومن عمل إلى عمل أعلى في مرضات الله عز وجل، فالنفس تنفر من القيام والدوام على العمل الواحد، حتى وإن كان هذا العمل هو قراءة القرآن الكريم، أو هو النظر في سنة النبي الأمين عليه الصلاة والسلام. فلا بد أن تروح على قلبك ساعة، وهذا الترويح إنما يشمل معافسة الزوجة، ومداعبة الأولاد، والانشغال بالدنيا، وطلب المعاش وغير ذلك، حتى وإن شعر أنه قد نسي ما كان آنفاً ، تذكر الآخرة، وتدبر في أحوالها وشئونها. فعمل الدنيا وطلب المعاش لا يمنع المرء أن يكون ذاكراً لله، ليس فقط بلسانه، وإنما بقلبه وبعمله وفكره وعقيدته، فالمرء إذا انطلق إلى زرعه أو حائطه، أو صناعته، أو تجارته، فإنما يراعي فيها حق الله، ويراعي فيها الحلال والحرام، وهذا الإنسان لم يخرج عن ذكر الله، وإن لم يذكره بلسانه، لكن لو رأى في تجارته شيئاً حرمه الله، أو كرهه الله، استبعده عن تجارته، وهذا نوع من ذكر الله عز وجل.
أيها المسلمون
فينبغي للمسلم أن يكون حريصًا على تقوية إيمانه ومحاسبة نفسه؛ فق كان عبدالله بن رواحة يأخذ بيد النفر من أصحابه فيقول: تعالَوْا نؤمن ساعة، تعالَوْا فلنذكرِ الله ونزدَدْ إيمانًا، تعالَوْا نذكره بطاعته؛ لعله يذكُرنا بمغفرته ،
الدعاء