خطبة عن النفخ في الصور ، وحديث ( كَيْفَ أَنْعَمُ وَصَاحِبُ الْقَرْنِ قَدِ الْتَقَمَ الْقَرْنَ ؟؟ )
يوليو 24, 2021خطبة عن : مَا النَّجَاةُ ؟ ، وحديث (أَمْسِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ وَلْيَسَعْكَ بَيْتُكَ وَابْكِ عَلَى خَطِيئَتِكَ)
يوليو 24, 2021الخطبة الأولى ( ابْنِ آدَمَ إِنْ أَخْطَأَتْهُ الْمَنَايَا وَقَعَ فِي الْهَرَمِ حَتَّى يَمُوتَ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى الامام الترمذي في سننه وحسنه ، وصححه الألباني : (عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ : «مَثَلُ ابْنِ آدَمَ وَإِلَى جَنْبِهِ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ مَنِيَّةً إِنْ أَخْطَأَتْهُ الْمَنَايَا وَقَعَ فِي الْهَرَمِ حَتَّى يَمُوتَ».
إخوة الإسلام
إن لله سننًا لا تتغير ولا تتبدل، يجريها على خلقه جميعًا، من سبق منهم ومن لحق ، قال الله تعالى في محكم آياته : {سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً} [الأحزاب: 62]. ومطلوب من الإنسان أن يعيها وأن يعمل بمقتضاها، فمن صادمها ولم يعمل بها ، أو حاول مغالبتها غلبته، وجنى على نفسه جناية السوء. فمن ذا الذي يقدر على تغيير سنة الله أو تبديلها؟ ، لا أحد؛ إذ إنه -جل جلاله- خالقُ الخلق ومدبِّر الأمر، والكلُّ فقيرٌ إليه ، محتاج لمنّته وتفضّله ، مهما علا شأنه وبلغ سلطانه. ومن هذه السنن أن الأسقام والآفات تتعرض للإنسان ولا تنفك عنه في الدنيا، ففي الحديث السابق يقول صلى الله عليه وسلم : «مَثَلُ ابْنِ آدَمَ وَإِلَى جَنْبِهِ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ مَنِيَّةً إِنْ أَخْطَأَتْهُ الْمَنَايَا وَقَعَ فِي الْهَرَمِ حَتَّى يَمُوتَ» ، ففي هذا الحديثِ يُبيِّن لنا النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم أنَّ نهايةَ كلِّ بني آدَمَ الموتُ، فلا يزالُ الإنسانُ يتعرَّضُ للبلاءِ والفِتَنِ حتَّى يموتَ، فإن لم يمُتْ أصابَه الكِبَرُ ثمَّ الموتُ؛ فأصل خلقة الإنسان أن من شأنه أن لا تفارقه المصائب والبلايا والأمراض والأدواء ، وكما قيل : البرايا أهداف البلايا ، و قال صاحب الحكم ابن عطاء : (ما دمت في هذه الدار لا تستغرب وقوع الأكدار) ، وهذه المنايا لا تصيب إلا من قدرها الله عليه ، فكل ما يحدث في هذا الكون إنما هي بقضاء الله وقدره ، وصدق قول من قال :
يخوضُ الشَّيْخُ في بَحْر المنايا ويرْجعُ سالماً والبَحْرُ طامِ
ويأْتي الموْتُ طِفلاً في مُهودٍ ويلقى حتفهُ قبلَ الفطام
فلا ترْضى بمنقَصَةٍ وَذُلٍّ وتقنعْ بالقليل منَ الحطام
فَعيْشُكَ تحْتَ ظلّ العزّ يوْماً ولا تحت المذلَّةِ ألفَ عام
والإنسان إن لم يقدر الله له أن تصيبه البلايا ،أدركه من الأدواء الداء الذي لا دواء له وهو الهرم ، وينبغي للمؤمن أن يكون صابرا على حكم الله ، راضيا بما قدره الله تعالى وقضاه .
أيها المسلمون
وإذا كان الأمر كذلك ، إن أخطأتننا البلايا ، أدركتنا المنايا ، فعلى الانسان المؤمن العاقل أن يستمع لهذه الوصايا قبل أن تدركه المنايا : أولا : ليعلم المسلم أن الدنيا مزرعة الآخرة، فمَن استعمل فراغه وصحَّتَه في طاعة الله فهو المغبوط، ومن استعملها في معصية الله فهو المغبون؛ لأن الفراغ يعقُبه الشغل، والصحة يعقُبها السَّقم، ففي صحيح البخاري : (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ – رضى الله عنهما – قَالَ :قَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – « نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ ، الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ » . ثانيا : من وصايا قبل المنايا : اتقِ الله فيما بقي من عمرك ، يُغَفرْ لك ما قد مضى : قال الفضيل بن عياض لرجل: “كم عمرك؟ فقال الرجل: ستون سنة، قال الفضيل: إذًا أنت منذ ستين سنة تسير إلى الله تُوشِك أن تَصِل، فقال الرجل: إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون، فقال الفضيل: يا أخي، هل عرفتَ معناه، قال الرجل: نعم، عرفت أني لله عبد، وأني إليه راجع، فقال الفضيل: يا أخي، مَن عرف أنه لله عبد وأنه إليه راجع، عرف أنه موقوف بين يديه، ومَن عرف أنه موقوف عرف أنه مسؤول، ومَن عرف أنه مسؤول فليُعدَّ للسؤال جوابًا، فبكى الرجل، فقال: يا فضيل، وما الحيلة؟ قال الفضيل: يسيرة، قال الرجل: وما هي يرحمك الله؟ ،قال الفضيل: أن تتقيَ الله فيما بقي، يَغفِر الله لك ما قد مضى وما قد بقي. ثالثا : حَاسِبْ نفسك قبل أن تُحاسَب : فقد أمرنا الله – عز وجل – بمحاسبة النفس؛ فقال الله تعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [الحشر: 18]، فالله تعالى يأمُر المؤمنين بالتقوى، ويَحُثهم على مداومة طاعته، ويدعو كلَّ مؤمنٍ إلى مراقبة نفسه، ومراجعة حسناته وسيئاته، عسى أن يتزوَّد المُحسِن من الطاعات، ويتدارك المسيء ما مضى وفات، ويعلم المُقصِّر أن أمامه يومًا يُحاسَب فيه، وربًّا هو ملاقيه، فيجتهد ويَجِد ويعمل ويكِد، وروى الترمذي في سننه : (عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ : « الْكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَالْعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا وَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِ ». رابعا : من وصايا قبل المنايا : بادِر بالأعمال الصالحة قبل أن يأتيَك الأجلُ : فقِصَر الأمل مع حبِّ الدنيا مُتعذِّر، وانتظار الموت مع الانكباب عليها غير متيسِّر، فالقلب إذا امتلأ بأحدهما، فإنه لا يسعُ الأخرى، كالدنيا والآخرة، والمشرق والمغرب، بقدر ما تقترب من أحدهما تبتعِد من الأخرى، فقِصَر الأمل يجعل الإنسان يُسارِع بحسن العمل، وبهذا يقترب من الآخرة، ويبتَعِد عن الدنيا. ، والنبي – صلى الله عليه وسلم – كان يَحُث على المبادرة للعمل الصالح قبل أن يُفتن الإنسان أو يُشغَل أو يموت.، ففي صحيح مسلم : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « بَادِرُوا بِالأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِى كَافِرًا أَوْ يُمْسِى مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا ».
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( ابْنِ آدَمَ إِنْ أَخْطَأَتْهُ الْمَنَايَا وَقَعَ فِي الْهَرَمِ حَتَّى يَمُوتَ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
أخرج الحاكم في “المستدرك” والبيهقي عن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لرجل وهو يَعِظه: (اغتنِم خمسًا قبل خمس؛ شبابك قبل هَرَمك، وصحتك قبل سَقَمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شُغلك، وحياتك قبل موتك)؛ خامسا : من وصايا قبل المنايا : المبادرة ثم المبادرة : قال الحسن – رحمه الله – في موعظة له : “المبادرة المبادرة؛ فإنما هي الأنفاس، لو قد حُبِست انقطعت عنكم أعمالكم التي تقرَّبون بها إلى الله – عز وجل، رحِم الله امرأ نظر لنفسه، وبكى على ذنوبه! ثم قرأ هذه الآية: ﴿ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا ﴾ [مريم: 84]،
أيها المسلمون
ومن الفوائد المستنبطة من هذا الحديث : أولا : على المسلم حسن الاستعداد للآخرة، فإن الموت مدركه مهما طال عمره. ثانيا : أن الموفق هو من اغتنم أوقات صحته وقوته وفراغه، حتى لا يدركه الموت وهو مفرط في طاعة ربه، ومقيم على معصيته. ثالثا : أن الهرم من المصائب، لما يصاحبه من الضعف وانحلال القوى، ولذا شرع للمسلم أن يستعيذ بالله تعالى منه ، رابعا : وفي الحَديثِ إشارة إلى تَسليةِ النَّفسِ وتَوطينِها على الصَّبرِ؛ لأنَّه في دَارِ الرَّزايا والبلايا.
الدعاء