خطبة حول معنى الحديث ( فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي عَلَى الْحَوْضِ )
سبتمبر 1, 2021خطبة عن كلمة الحق، وحديث ( أَلاَ لاَ يَمْنَعَنَّ رَجُلاً هَيْبَةُ النَّاسِ أَنْ يَقُولَ بِحَقٍّ إِذَا عَلِمَهُ )
سبتمبر 3, 2021الخطبة الأولى : مَثَل ضَرَبَهُ اللَّهُ لِعَمَلِ الْمُنَافِقِ وَالْمُرَائِي : (أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته :(أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ) (266) البقرة
إخوة الإسلام
جاء في تفسير البغوي “معالم التنزيل” في تفسير هذه الآية من كتاب الله العزيز : هَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لِعَمَلِ الْمُنَافِقِ وَالْمُرَائِي، يَقُولُ : عَمَلُهُ فِي حُسْنِهِ كَحُسْنِ الجنة وينتفع بِهِ كَمَا يَنْتَفِعُ صَاحِبُ الْجَنَّةِ بِالْجَنَّةِ، فَإِذَا كَبِرَ أَوْ ضَعُفَ وصار له أولاد ضعاف أصاب جَنَّتَهُ إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ، فَصَارَ أَحْوَجَ مَا يَكُونُ إِلَيْهَا وَضَعُفَ عَنْ إِصْلَاحِهَا لِكِبَرِهِ وَضَعْفِ أَوْلَادِهِ عَنْ إِصْلَاحِهَا لِصِغَرِهِمْ، وَلَمْ يَجِدْ هُوَ مَا يَعُودُ بِهِ عَلَى أَوْلَادِهِ وَلَا أَوْلَادُهُ مَا يَعُودُونَ بِهِ عَلَيْهِ، فَبَقُوا جَمِيعًا مُتَحَيِّرِينَ عَجَزَةً لَا حِيلَةَ بِأَيْدِيهِمْ، كَذَلِكَ يُبْطِلُ اللَّهُ عَمَلَ هَذَا الْمُنَافِقِ وَالْمُرَائِي حِينَ لَا مُغِيثَ لَهُمَا وَلَا تَوْبَةَ وَلَا إِقَالَةَ، قَالَ عُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ: قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَوْمًا لِأَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فِيمَنْ تَرَوْنَ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ: أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ؟ قَالُوا: اللَّهُ أَعْلَمُ، فَغَضِبَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَالَ: قُولُوا نَعْلَمُ أَوْ لَا نَعْلَمُ، فَقَالَ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: فِي نَفْسِي مِنْهَا شَيْءٌ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ الله عنه: يا ابْنُ أَخِي قُلْ وَلَا تُحَقِّرْ نَفْسَكَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: ضَرَبْتَ مَثَلًا لِعَمَلٍ، قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أيّ عمل؟ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما: لعمل منافق ومراء، قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لِرَجُلٍ غَنِيٍّ يَعْمَلُ بِطَاعَةِ اللَّهِ بَعَثَ اللَّهُ لَهُ الشَّيْطَانَ فَعَمِلَ بِالْمَعَاصِي حَتَّى أَغْرَقَ أَعْمَالَهُ، ﴿ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ ﴾.
أيها المسلمون
فنفقة المنافق التي ينفقها رياء الناس, لا ابتغاء مرضاة الله, فالناس – بما يظهر لهم من صدقته, وإعطائه لما يعطى وعمله الظاهر – يثنون عليه ويحمدونه بعمله ذلك أيام حياته ، فعمله في حسنه كحسن البستان وهي الجنة التي ضربها الله عز وجل لعمله مثلا من نخيل وأعناب, له فيها من كل الثمرات, لأن عمله ذلك الذي يعمله في الظاهر في الدنيا, له فيه من كل خير من عاجل الدنيا, يدفع به عن نفسه ودمه وماله وذريته, ويكتسب به المحمَدة وحسن الثناء عند الناس, ويأخذ به سهمه من المغنم مع أشياء كثيرة يكثر إحصاؤها, فله في ذلك من كل خير في الدنيا, كما وصف جل ثناؤه الجنة التي وصف مثلا لعمله, بأن فيها من كل الثمرات. ثم قال جل ثناؤه: ( وأصابه الكبر وله ذرية ضعفاء)، يعني أنّ صاحب الجنة أصابه الكبر ،( وله ذرية ضعفاء ) صغارٌ أطفال.( فأصابها ) يعني: فأصاب الجنة – ( إعصار فيه نار فاحترقت )، يعني بذلك أنّ جنته تلك أحرقتها الريح التي فيها النار، في حال حاجته إليها, وضرورته إلى ثمرتها بكبره، وضعفه عن عمارتها, وفي حال صغر ولده وعجزه عن إحيائها والقيام عليها. فبقي لا شيء له، أحوج ما كان إلى جنته وثمارها، بالآفة التي أصابتها من الإعصار الذي فيه النار. يقول: فكذلك المنفق ماله رياء الناس, أطفأ الله نوره, وأذهب بهاء عمله, وأحبط أجره حتى لقيه, وعاد إليه أحوج ما كان إلى عمله, حين لا مُسْتَعْتَبَ له، ولا إقالة من ذنوبه ولا توبة, واضمحل عمله كما احترقت الجنة التي وصف جل ثناؤه صفتها عند كبر صاحبها وطفولة ذريته أحوجَ ما كان إليها فبطلت منافعها عنه.
أيها المسلمون
وقوله تعالى : (أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَن تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاء فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ) (266) البقرة، يقول علماء اللغة هذا في علم البلاغة يسمى الإستقصاء ، فهو يتناول المعنى من جميع جوانبه ، ولا يترك فيه شيئاً يمكن أن يقال ، فالعبارة أحاطت بكل ما يخطر على البال في مثل هذا المقام. انظروا كيف استقصت القصة أتم وأكمل استقصاء : بدأت بالأسلوب الاستفهامي الرائع (أيود أحدكم) هل يتمنى أحدكم مثل هذه الأمنية بستان مثمر فيه جميع الثمرات تجري من تحته الأنهار يسقيه ماء النهر بدون تعب له في هذا البستان من جميع ما يخطر على البال من الثمار ، واللفظ يفيد العموم والتنويع كما يفيد الدوام والخلود ، ثم تصور أنواع الفواكه فما من ثمرة يشتهيها إلا موجودة ، (وأصابه الكبر) فكبر وضعف وعجز عن العمل – (وله ذرية ضعفاء) فأطفال صغار لا قدرة لهم على الكسب، فكل هذه الأسباب توحي بشدة الحاجة وفي هذه الحالة جاء المصاب والبلاء فجاءها الإعصار والنار فاحترقت. فكيف تكون حال هذا المسكين بعد أن أتلف الإعصار الشجر وأحرق الثمر؟! هل هناك أبلغ من هذا على فاجعة تصيب الإنسان في ماله؟ هذا شأن من أغناه الله تعالى ووسع عليه بالرزق ، فبدل أن يشكر الله تعالى ، بدأ يعصي فهو (غني وعاصي) ، فسلب الله عنه هذه النعمة ، ويختم له بخاتمة السوء ، ويجد ناراً ، فتخيلوا إنساناً يعيش منعماً في الدنيا ، له فيها من كل أسباب الرخاء ، ويحتاج لكل شيء يوم القيامة ، فبكفره يحترق عمله ، فأصيب هذه المصيبة ، فأي حسرة ، وأي ندم يكون عليه؟!!
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية : مَثَل ضَرَبَهُ اللَّهُ لِعَمَلِ الْمُنَافِقِ وَالْمُرَائِي : (أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
فكأن هذا المثل يقول لنا جميعا : أيود أحدكم أن تكون له حسنات ثم ينتكس فيعمل بالسيئات، فيُذهب ما سبق، أيود أحدكم أن تكون له صدقات فلا يزال يُغير على حسنات صدقاته بالرياء والمن والأذى، حتى لا يبقي منها شيئاً، فإذا جاء يوم القيامة أحوج ما يكون إليها وقد قربت الجنةُ والنار، وجُمع المؤمنون والكفار والبررة والفجار، ووضع الكتاب وجيء بالنبيين، وحاصرت الملائكة بأطواقها الثقلين من الجن والأنس، وضع الكتاب والميزان، وجاء وهو يرى ما أمامه من نار تلظى، يسمعون لها زفيرًا وشهيقًا، فالآن هو في أشد الحاجة أشد الحاجة إلى الحسنات، حسنات تنجيه، ومن النار تقيه ،وفي الجنةِ تدخلهُ، لكن لا شيء ، فعمله أصبح هباءً منثوراً، فالمثل يقول لنا : أيها العباد : أُثبتوا على الطاعة، فيا أيها المسلمون : استمروا على الدين لا تغيروا، لا تبدلوا، لا تنتكسوا، لا تنكسوا على العقبين، لا ترتدوا، وأيها المتقون : اعملوا أعمالًا خالصة لله ، حتى تجدوها عنده يوم القيامة ، فهو كريم يضاعف لمن أخلص له، ويعفو عن السيئات .
الدعاء