خطبة عن حديث ( كُلْ مَا شِئْتَ ، وَالْبَسْ مَا شِئْتَ ، مَا أَخْطَأَتْكَ اثْنَتَانِ: سَرَفٌ أَوْ مَخِيلَةٌ)
سبتمبر 4, 2021خطبة عن ( إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ وَإِنَّ اللَّهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا فَيَنْظُرُ كَيْفَ تَعْمَلُونَ)
سبتمبر 4, 2021الخطبة الأولى ( التغيير للأفضل والأحسن يبدأ من هنا )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) الرعد 11، وقال الله تعالى : (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (53) الانفال
إخوة الإسلام
التغيير سنة من سنن الله الكونية ، وهو ضد الثبات ، كما أنه تعبير عن الحركة الدائمة للكون ، فالكون وما فيه متحرك ومتغير وغير ثابت ، وهذه آية من آيات الله في خلقه ، يقول الله تعالى في محكم آياته : (وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ (37) وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (38) وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (39) لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) (37) :(40) يس، فالتغيير سنة إلهية عامة في الكون والمخلوقات، فكثير من الأمور تتغير في كونه عزَّ وجلَّ، حتى تولد نجوم، وتموت أخرى، ونحن البشر أحد مكونات هذا الكون الكبير ، ويطرأ علينا التغيير كغيرنا من المخلوقات ، فالتغيير في البشر كثير سواء أكان في مراحل الخلقة، فقد قال الله تعالى : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ) [المؤمنون: 12 – 14]. وكذا تغير أحوال الانسان وتبدلها، من قوة إلى ضعف ، قال الله تعالى : (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً) [الروم: 54]. والتغيير من العز إلى الذل ، قال الله تعالى : (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ) [آل عمران: 26]. والتغيير من الغنى إلى الفقر، ومن الفقر إلى الغنى ، قال الله تعالى : (اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ ) [الرعد: 26]. وهذا التغيير في الأفراد والأمم في الكون، ليس خبط عشواء، إنه يسير وفق ناموس وقاموس إلهي، وقد ذكر الله -تعالى- قانونه في التغيير، بقوله تعالى : ( إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ) [الرعد: 11]. وقال الله تعالى : (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (53) الانفال ، وهذه سنة ثابتة لا تتخلف، فالله يرفع أقواماً ويضع آخرين، ويرزق نعماً، ويحرم أخرى، ويغني قوماً، ويفقر آخرين، ويقوي أناساً، ويُضعف آخرين، وهكذا.. ولا يمكن الانتقال من وضع إلى وضع إلا بسبب، وقانون الله لا يحابي أحداً، فإذا غير الناس، وإذا غير المجتمع حاله، غير الله عليهم، ونفذت سنته فيهم، فحدوث التغيير من الله مترتب على حدوثه من البشر، إن حسناً فحسن، وإن سوءً فسوء، وقد ذكرت الآية تغيرين : التغيير الأول: يُحدثه الله : ( إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ ) [الرعد: 11]. والتغير الثاني: يحدثه الناس : (حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ) [الرعد: 11]. وهو في الحقيقة يكون إلى الأحسن ويكون إلى الأسوأ، فالله يغير ما بقوم من الهزيمة والضعف ،إلى نصر وتمكين ،إذا غيروا ما بأنفسهم من بعد عن دينه، إلى تمسك بدينه، والعكس بالعكس، فهم الذين يختارون لأنفسهم، ويتحملون النتيجة والمسؤولية. والنعم والنقم، والخيرات والويلات، لا تتأتى هكذا مصادفة عفوية دون سبب، وإنما هي منوطة بأسباب، وأحوال معنية. وهذه السنة عامة في البشر، ليست خاصة بأمة معينة، ليست خاصة بأمة الإسلام، ليست خاصة ببني إسرائيل، ليست خاصة بغرب أو شرق، يجري على الجميع. فكلمة: “قوم” نكرة: ( إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ) [الرعد: 11] ، والنكرة في سياق النفي تفيد العموم، تعم أي قوم، إنه إطلاق ، وفي سنن ابن ماجه وصححه الألباني : (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ أَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ « يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ لَمْ تَظْهَرِ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا إِلاَّ فَشَا فِيهِمُ الطَّاعُونُ وَالأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلاَفِهِمُ الَّذِينَ مَضَوْا. وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِلاَّ أُخِذُوا بِالسِّنِينَ وَشِدَّةِ الْمَؤُنَةِ وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ. وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ إِلاَّ مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنَ السَّمَاءِ وَلَوْلاَ الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا وَلَمْ يَنْقُضُوا عَهْدَ اللَّهِ وَعَهْدَ رَسُولِهِ إِلاَّ سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ فَأَخَذُوا بَعْضَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ. وَمَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ وَيَتَخَيَّرُوا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلاَّ جَعَلَ اللَّهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ ».
أيها المسلمون
ومن المعلوم أن التغيير في حياة البشر على قسمين: تغيير من الحسن إلى السيء، ومن السيء إلى الأسوأ أيضاً، ويوجد التغيير المقابل من السيئ للحسن وللأحسن ، فالله تعالى حكم عدل، فالبشر إذا غيروا وبدلوا ،غير الله عليهم وبدل، فقد تغيير آل فرعون ، فكانوا قبل موسى كفاراً، وبعد موسى صاروا أكفر؛ لأنهم كذبوا رسول الله وعاندوه، واضطهدوه، وأتباعه، فصاروا أسوأ، ولذلك ابتلى الله قوم فرعون بعقوبات لم تكن قبل بعثة موسى؛ لأنهم زادوا على ما كانوا عليه، قتّلوا أبناءهم، واستحيوا نساءهم، زادوا عليها، تكذيب رسول الله موسى، ومعاندة موسى، والاستعانة بالسحرة، وإضلال الناس، وبدأت تطلع عند فرعون نزعات جديدة، وكفر متطور: (مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي) [القصص: 38]. (أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى) [النازعات: 24] ، ففرعون صار وضعه يسوء أكثر فأكثر، ينتقل من كفر إلى أكفر، ومن عصيان إلى معاصي أخرى إضافية، وهكذا قومه وجنوده، وهامان ووزراؤه، وقارون والأغنياء والملأ، وضعهم يسوء أكثر. ولذلك جاء قوم فرعون الجراد والقمل والضفادع والدم وآيات مفصلات. وقريش بعد تكذيب النبي -عليه الصلاة والسلام- أصبحوا أسوء ممن كانوا من قبل، كانوا مشركين ، والآن ازدادوا عتواً، صاروا في صد ومعاندة، وضربوا نبي الله -صلى الله عليه وسلم-، وأوشكوا أن يقتلوه، خنقوه، وسبوه، وشتموه، وهكذا فعلوا .. وفعلوا بأصحابه ، فجاءهم دخان عظيم، مجاعة، قحط شديد، ففي الصحيحين واللفظ للبخاري : (عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ كُنَّا عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ إِنَّ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – لَمَّا رَأَى مِنَ النَّاسِ إِدْبَارًا قَالَ « اللَّهُمَّ سَبْعٌ كَسَبْعِ يُوسُفَ » . فَأَخَذَتْهُمْ سَنَةٌ حَصَّتْ كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى أَكَلُوا الْجُلُودَ وَالْمَيْتَةَ وَالْجِيَفَ ، وَيَنْظُرَ أَحَدُهُمْ إِلَى السَّمَاءِ فَيَرَى الدُّخَانَ مِنَ الْجُوعِ ، فَأَتَاهُ أَبُو سُفْيَانَ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ إِنَّكَ تَأْمُرُ بِطَاعَةِ اللَّهِ وَبِصِلَةِ الرَّحِمِ وَإِنَّ قَوْمَكَ قَدْ هَلَكُوا ، فَادْعُ اللَّهَ لَهُمْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ( فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِى السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ ) إِلَى قَوْلِهِ ( عَائِدُونَ * يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى ) فَالْبَطْشَةُ يَوْمَ بَدْرٍ ، وَقَدْ مَضَتِ الدُّخَانُ وَالْبَطْشَةُ وَاللِّزَامُ وَآيَةُ الرُّومِ . ومن أمثلة التغيير للأحسن والأفضل ، ما كان عليه أهل المدينة من الأوس والخزرج قبل الاسلام ، وما أصبحوا عليه بعده ، قال الله تعالى في شأنهم : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102) وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) (102) ،(103) آل عمران
أيها المسلمون
وبعد أن تبين لنا جليا أن التغيير سنة من سنن الله في خلقه ، وقد يكون تغييرا للأسوأ ، وقد يكون تغييرا للأحسن ، فالسؤال الذي أود أن أطرحه عليكم ، ومحاولة الاجابة عليه ، كيف نتغير -نحن المسلمين- للأحسن والأفضل ؟ فأقول مستعينا بالله : للتغيير خطوات : وأوّل هذه الخطوات : الإيمان الصادق بالله تعالى ، وما يقتضيه من حقائق إيجابيّة ، كالتوكّل على الله ، وتعلّق القلب بالله ، وتَفويض الأمر إليه ، والاعتقاد الصادق أنّه سبحانه مالك الملك ، وأنّه النافع الضارّ وحده ، ولا مانع لما أعطى ، ولا معطي لما منع .. وهي حقائق تشمل حياة الإنسان من أوّلها إلى آخرها ، وكلّ ما نذكره بعدها داخلٌ فيها بوجه أو بآخر . ثانيا : فقه سنن الله : ففقه سنن الله تعالى ، والعمل وفقها ، والأخذ بالأسباب التي أقامها لابدّ له من ثمرة بإذن الله ، فكيف يتسرّب اليأس والقنوط إلى نفس من يحمل هذه العقيدة ، ويُقعِدُ همّتَه ، ويقتل طموحه .؟! ، ثالثا : الأسوة والقدوة الحسنة : وليس من أحدٍ كذلك إلاّ النبيّ المصطفى صلوات الله وسلامه عليه ، فقد أمر الله العباد بذلك ، فقال الله تعالى : (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) (21) الأحزاب . وهذا الأمر يقتضي أن يدرس المؤمن سيرة النبيّ صلى الله عليه وسلم دراسة المحبّ الصادق ، الحريص على التأسّي والاتّباع ، وأن يعرف سننه الكريمة ، وشمائله العظيمة في كلّ شأن من شئون الحياة .
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( التغيير للأفضل والأحسن يبدأ من هنا )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومن خطوات التغيير : علوّ الهمّة ، والثقة بالنفس ، من غير عجب بها ولا غرور ، وعلوّ الهمّة من الإيمان ، وهو يدلّ على شرف النفس وسموّها ، وتطلّبها لمعالي الأمور ، ونفرتها من الدنايا ، والله تعالى يحبّ معالي الأمور ، ويكره سفسافها ، فثقة تعينه على العمل بهمّة ، وتذلّل له العقبات ، خامسا : قطع العوائق ، والتخفّف من الملهيات والعلائق ، فالعوائق تقتل الطموح ، وتصدّ عن تحقيق الأماني ، وكثرة الاشتغال بالملهيات والعلائق يُضيّع العمر في توافه الأمور ، ويجعل الإنسان يدور في فلك ضيّق ، لا يحقّق هدفاً ، ولا يبني شرفاً . سادسا : عدم اليأس : فالحذر كلّ الحذر من غلبة اليأس من النفس ، وسوء الظنّ بالآخَرين ، فما من شيء يقعد الإنسان عن العمل ، ويقتل فيه روح الجدِّ والطموح ، مثلُ اليأس من إصلاح النفس ، ومن قدرتها على تغيير واقعها .. وما اصطاد الشيطان الإنسان في شَرَك لا فكاك له منه ـ إلاّ أن يشاء الله ـ مثل ما اصطاده في شرك اليأس وَالقُنوط من رحمة الله ، سابعا : الحرص على الاستخارة والاستشارة في الأمور كلّها ، فالاستخارة من علامات قوّة الإيمان بالله تعالى ، وما خاب من استخار ، ولا ندم من استشار ، ومن استشار جمع إلى عقله عقل الناس ، وإلى علمه علم غيره وخبرته .
أيها المسلمون
ومن المعالم الدالة على إرادة التغيير: أن يكون العبدُ كثيرَ الندم، شديدَ التأسُّف على ما مضى وكان، في أيَّام الغفلة والعصيان ،وهذه هي التوبة؛ قال صلى الله عليه وسلم(الندمُ توبةٌ) رواه أحمد، وصحَّحه الألباني. وهذا الندم يفعلُ فِعلَه في حال العبد، فيَظهرُ أثرُ التغيُّر فيه، فتراه رقيقَ القلب، عظيمَ الخشية، سريعَ الدمعة، كثيرَ الاستكثار مِن فعل الحسنة، والحسنة بعدها، فكان بندمِه هذا كمَن لا ذنبَ له. ومن علامات صدق التغير نحو الأفضل: أن يكون العبد لوَّامًا لنفسه، كثيرَ المحاسبة لذَاتِه. إذا نظرتْ عينُه لحرام، عادَ لنفسه وحاسبَها على زِناها، وإذا سَلَق لسانُه الأعراض، عاتبَ نفسَه على هذه الكبيرة، وإذا قصَّر في النوافل فيما فات، عاهدَ نفسَه على اغتنامها فيما هو آتٍ، وهكذا تكون المحاسبةُ والمعاتبة للنفس قريبةً من شعورِه، لا تنفكُّ عن أحاسيسه. ومِن علامات صدق التغيير :أن يكونَ العبدُ عاليَ الهِمَّة، قويَّ العزيمة في طلب مرضاة ربِّه؛ كما قال موسى – عليه السلام -: ﴿ وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى ﴾ [طه: 84]. وهكذا هي أيَّامُه وأحوالُه، هو مِن تقدُّمٍ إلى تقدُّم، ومن حَسن إلى أحسن، يُحرِّك هِمَّتَه ويوقدها قولُ ربِّه: ﴿ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ المُتَنَافِسُونَ ﴾ [المطَّففين: 26]. ويُعلي عزمَه وعزيمتَه أيضًا آيةُ ربِّه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [الحج: 77]. تلك هي بعضُ صور التغيُّر نحو الأحسن، وبضدِّها تتبيَّن الأشياء.
الدعاء