خطبة حول حديث ( سِتَّةٌ لَعَنْتُهُم وَلَعَنُهُم اللهُ وَكُلُّ نَبِيٍّ مُجَاب )
سبتمبر 8, 2021خطبة عن فتنة المال ، وحديث ( إِنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرٌ حُلْوٌ ، فَمَنْ أَخَذَهُ بِسَخَاوَةِ نَفْسٍ بُورِكَ لَهُ فِيهِ)
سبتمبر 10, 2021الخطبة الأولى ( إعجابُ المرء بنفسه )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
في الصحيحين واللفظ لمسلم : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ : « بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِى قَدْ أَعْجَبَتْهُ جُمَّتُهُ وَبُرْدَاهُ إِذْ خُسِفَ بِهِ الأَرْضُ فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ فِي الأَرْضِ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ ». وفي رواية في سنن الترمذي : (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ : « خَرَجَ رَجُلٌ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ فِي حُلَّةٍ لَهُ يَخْتَالُ فِيهَا فَأَمَرَ اللَّهُ الأَرْضَ فَأَخَذَتْهُ فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ فِيهَا أَوْ قَالَ يَتَلَجْلَجُ فِيهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ »
إخوة الإسلام
للنفس البشرية طرائق تميل بها مع الهوى، ومسارب تنفُذ من خلالها نحو الهلاك، واللبيب الموفَّق مَن زمَّ نفسه بزمام التقوى، وجاهدها بلزوم الإيمان، ومراقبة الرحمن؛ فبذلك يفوز ويُهدى، ويسلم وينجح، قال الله تعالى : { وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ } ( العنكبوت : 69 ). ومن أدواء النفس الخفية، والتي يحتاج صاحبها يقظة على الدوام؛ حتى يسلم منه : داء ( العُجب بالنفس ) ، فقد يمنُّ الله على بعض عباده بنعمة من النعم؛ من علم، أو مال، أو جاه، أو هداية وصلاح ، أو أولاد ، أو موهبة حسنة، أو .. ، فيحسب غير الموفق من أولئك أنه إنسان مميز عن غيره ، فيعلو على أقرانه ، ويزهو بنفسه ، ويعلو في عينه قدره وجاهه ، وربما صعَّر خده للناس، ونأى بجانبه عنهم، واستنكف عن قَبول الحق، وهذه مَهلكة ومَزلَّة قَدَم، وما يؤذي فيها المرء إلا نفسه، والمرء إذا لم يلحظْ نفسه، فإنها تقوده إلى العطَب والخسران المبين ، فالعجب هو الزهو بالنفس ، واستعظام الأعمال والركون إليها ، وإضافتها إلى النفس مع نسيان إضافتها إلى المُنعم سبحانه وتعالى ، قال الماوردي : ( وأما الإعجاب فيخفي المحاسن ، ويظهر المساوئ ، ويكسب المذام ، ويصد عن الفضائل، وليس إلى ما يكسبه الكبر من المقت حد ، ولا إلى ما ينتهي إليه العجب من الجهل غاية ، حتى إنه ليطفئ من المحاسن ما انتشر ، ويسلب من الفضائل ما اشتهر ، وناهيك بسيئة تحبط كل حسنة ، وبمذمة تهدم كل فضيلة ، مع ما يثيره من حنق ، ويكسبه من حقد ) ، والعجب بالنفس محرم ؛ لأنه نوع من الشرك ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : (وكثيراً ما يقرن الرياء بالعجب ، فالرياء من باب الإشراك بالخلق ، العجب من باب الإشراك بالنفس ، وهذا حال المستكبر ، فالمرائي لا يحقق قوله {إِيَّاكَ نَعْبُدُ } والمعجب لا يحقق قوله :{ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} فمن حقق قوله {إِيَّاكَ نَعْبُدُ } خرج عن الرياء ومن حقق قوله : { وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} خرج عن الإعجاب ). وقال أبو حامد الغزالي رحمه الله : ( اعلم أن العجب مذموم في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، قال الله تعالى : {كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا } [ 25: التوبة] . ذكر ذلك في معرض الإنكار . وقال عز وجل { وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا } [2 : الحشر ] ، فرد على الكفار في إعجابهم بحصونهم وشوكتهم . وقال تعالى { وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} [ 104: الكهف] ،وهذا أيضاً يرجع إلى العجب بالعمل ، وقد يعجب الإنسان بالعمل وهو مخطئ فيه ، كما يعجب بعمل هو مصيب فيه . وفي الصحيحين : (أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ قَالَ النَّبِيُّ – أَوْ قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ – – صلى الله عليه وسلم – « بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِى فِي حُلَّةٍ ، تُعْجِبُهُ نَفْسُهُ مُرَجِّلٌ جُمَّتَهُ ، إِذْ خَسَفَ اللَّهُ بِهِ ، فَهْوَ يَتَجَلَّلُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ »
أيها المسلمون
وعلاج هذا الداء (العُجب بالنفس ) يسيرٌ على من يسره الله عليه؛ ويكون ذلك بعدة أمور ، ومنها : أولاً : أن يعلم العبد أن هذه النعمة إنما هي محض توفيق الله، وأنه ليس لنفسه في ذلك الفضل شيءٌ، وأنه لا حول له ولا قوة إلا بالله، وأنه لولا الله لكان هملاً مضاعًا، ولكن الله هو الذي أنعم وتفضل، ووهب وامتن، كما قال الله تعالى : { وَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً } ( النساء : 83 )، وقال الله تعالى : { وَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ } ( النور : 21 )، وقد قال الله تعالى لنبيه محمد – صلى الله عليه وسلم – وهو أفضل الخلق :{ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُن تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا } (النساء : 113 ) ، وقال تعالى على لسان نبيه شعيب عليه السلام : { وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ } ( هود : 88 ). ولذا كان من الدعاء النبوي الذي ينبغي للمسلم أن يقوله طرَفَي النهار : “اللهم رحمتك أرجو ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين وأصلح لي شأني كله لا اله الا أنت ” حسنه الألباني ،وجاء هذا المعنى في قول الصحابي : ” فإنك إن تكلني إلى نفسي تقربني من الشر، وتباعدني من الخير، وإني لا أثق إلا برحمتك ” وقوله : ” وأشهد أنك إن تكلني إلى نفسي تكلني إلى ضيعة وعورة وذنب وخطيئة، وإني لا أثق إلا برحمتك ” وقال الرازي : ” والذي جربته من أول عمري إلى آخره؛ أن الإنسان كلما عوَّل في أمر من الأمور على غير الله صار ذلك سببًا إلى البلاء والمحنة والشدة والرزية، وإذا عوَّل العبد على الله ولم يرجع إلى أحد من الخلق حصل ذلك المطلوب على أحسن الوجوه؛ فهذه التجربة قد استمرت لي من أول عُمُري إلى هذا الوقت الذي بلغت فيه إلى السابع والخمسين؛ فعند هذا استقر قلبي على أنه لا مصلحة للإنسان في التعويل على شيء سوى فضل الله – تعالى – وإحسانه. فلا يشك مسلم لحظة في أن الله تعالى هو ولي كل نعمة، ولكن ربما تراءت له نفسه، بسبب كثرة ما يسمع من مديح وإطراء، أو لشدة انغماسه في الحياة المادية، أو لكثرة ما يرى من ترادف النعم، مع بُعده عمن يذكِّره بالله؛ فتصدأ الروح ، وتجف؛ فتحتاج إلى من يُزكِّيها ويَسقيها. ثانيًا : ومن علاج داء ( العجب بالنفس) : أن يعلم العبد أن بقاء هذه النعمة منوط بشكرها، وشكرُها يتحقق : بمسكنة العبد وفاقته إلى ربه؛ فكلما زادت النعمة على العبد ، كلما تحتَّم عليه أن يزيد افتقاره للخالق، وتواضعه للخلق؛ فمهما بلغ العبد من الصلاح والديانة، فإنه لا ينبغي له أن يدَّعي الكمال، بل يذل لربه، ويعترف بتقصيره وظُلْمه لنفسه، فإذا رأيت الرجل كلما ارتفع كلما زاد افتقاره والتجاؤه لربه، وانكساره له، فاعلم أنه قد تفيأ ظلال التوفيق، وأخذ منه بسبب متين، وآوى فيه إلى ركن شديد ، فهذا آدم وزوجه – عليهما السلام – يقولان : { رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الخَاسِرِينَ } ( الأعراف : 23 ) وقال نوح عليه السلام : { وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الخَاسِرِينَ } ( هود : 47 )، وقال إبراهيم عليه السلام : { وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ } الشعراء : 82 ،وقال موسى عليه السلام : { رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي } ( القصص : 16 )، وقال : { رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ } ( القصص : 24 ) وقال يونس عليه السلام :{ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ } (الأنبياء : 87 ) ، وفي الصحيحين : (عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ – رضى الله عنه – قَالَ لِلنَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلِّمْنِي دُعَاءً أَدْعُو بِهِ فِي صَلاَتِي . قَالَ « قُلِ اللَّهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِى ظُلْمًا كَثِيرًا ، وَلاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ ، فَاغْفِرْ لِي مِنْ عِنْدِكَ مَغْفِرَةً ، إِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ » ،وقال ابن القيم : ” فلا شيء أنفع للصادق من التحقق بالمسكنة والفاقة والذل، وأنه لا شيء، وأنه ممن لم يَصحَّ له بعدُ الإسلام حتى يدَّعي الشرف فيه، ولقد شاهدت من شيخ الإسلام ابن تيمية – قدس الله روحه – من ذلك أمرًا لم أشاهده من غيره، وكان يقول كثيرًا : ما لي شيء، ولا مني شيء، ولا فيَّ شيء، وقد ضرب الإمام أحمد في هذا المعنى بسهم وافر؛ فمن ذلك : – قال يحيى ابن معين : ” ما رأيت مثل أحمد؛ صحبناه خمسين سنة ما افتخر علينا بشيءٍ مما كان فيه من الخير ” وقال محمد بن موسى : ” رأيت أبا عبد الله؛ يعني الإمام أحمد وقد قال له خراساني : الحمد لله الذي رأيتك، قال : اقعد، أي شيء ذا ؟ من أنا ؟ وعن رجل قال : رأيت أثر الغم في وجه أبي عبد الله، وقد أثنى عليه شخص، وقيل له : جزاك الله عن الإسلام خيرًا ! قال : بل جزى الله الإسلام عني خيرًا ! من أنا وما أنا ؟ ”
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( إعجاب المرء بنفسه )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
واعلموا يقينا أنه لا يسلم إنسان من نقص ، عدا الأنبياء صلوات الله تعالى وسلامه عليهم أجمعين ، فمن خفيت عليه عيوب نفسه فقد سقط ، وصار من السخف والضعف والرذالة والخسة ، وضعف التمييز والعقل وقلة الفهم ، بحيث لا يتخلف عنه متخلف من الأراذل ، فليتدارك الانسان نفسه بالحث عن عيوبه ، والاشتغال بذلك عن الإعجاب بها ، وعن عيوب غيره التي لا تضره لا في الدنيا ولا في الآخرة ، وما أدري لسماع عيوب الناس خصلة إلا الاتعاظ بما يسمع المرء منها فيجتنبها ، ويسعى في إزالة ما فيه منها بحول الله تعالى وقوته وأما النطق بعيوب الناس فعيب كبير لا يسوغ أصلا ، والواجب اجتنابه إلا في نصيحة من يتوقع عليه الأذى بمداخلة المعيب ، ثم نقول للمعجب : ارجع إلى نفسك ،فإذا ميزت عيوبها فقد داويت عجبك .ولا تمثل بين نفسك وبين من هو أكثر عيوبا منها، فتستسهل الرذائل ، وتكون مقلدا لأهل الشر ، وقد ذم تقليد أهل الخير ؛ فكيف بتقليد أهل الشر ؟ ، لكن مثل بين نفسك وبين من هو أفضل منك. فحينئذ يتلف عجبك وتفيق من هذا الداء القبيح ، الذي يولد عليك الاستخفاف بالناس وسوء الظن بهم ، وفيهم بلا شك من هو خير منك ، فإذا استخففت بهم بغير حق استخفوا بك بحق لأن الله تعالى يقول :{ وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى :40] ، فتولد في نفسك الاستخفاف بك ، بل على الحقيقة مع مقت الله عز وجل ، وطمس ما فيك من فضيلة. فإن أعجبت بعقلك ، ففكر في حل فكرة سوء تمر بخاطرك وفي أضاليل الأماني الطائفة بك ، فإنك تعلم نقص عقلك حينئذ . وإن أعجبت بآرائك ، فتفكر في سقطاتك ولا تنسها ، وفي كل رأي قدرته صوابا فخرج بخلاف تقديرك ، وأصاب غيرك وأخطأت أنت ، فإنك إن فعلت ذلك فأقل أحوالك أن توازن سقوط رأيك بصوابه ، فتخرج لا لكَ ، ولا عليك ، والأغلب أنّ خطأك أكثر من صوابك ، وهكذا كل أحد من الناس بعد النبيين صلوات الله عليهم. وإن أعجبت بخيرك ، فتفكر في معاصيك وتقصيرك ، وفي معايبك ووجُوهه ، فوالله لتجدن من ذلك ما يغلب على خيرك، ويعفى على حسناتك ، فليطل همك حينئذ وأبدل من العجب نقصا لنفسك. وإن أعجبت بعلمك ، فاعلم أنه لا خصلة لكَ فيه ، وأنه موهبة من الله مجردة وهبك إياها ربك ، فلا تقابلها بما يسخطه ، فلعله ينسيك ذلك بعلة يمتحنك بها تولد عليك نسيان ما علمت وحف
الدعاء