خطبة عن كلمة الحق، وحديث ( أَلاَ لاَ يَمْنَعَنَّ رَجُلاً هَيْبَةُ النَّاسِ أَنْ يَقُولَ بِحَقٍّ إِذَا عَلِمَهُ )
سبتمبر 3, 2021خطبة عن اختلاف الناس في أعمالهم ( قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلًا )
سبتمبر 4, 2021الخطبة الأولى ( تِلْكَ حُدُودُ اللهِ : فَلَا تَقْرَبُوهَا ، وَلَا تَعْتَدُوهَا )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : {تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} البقرة 187، ويقوا الله تعالى :{تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} البقرة 229، وقال الله تعالى :{وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} الطلاق 1.
إخوة الإسلام
لقد تكرّر في القرآن العظيم الكلام على حدود الله ، وتعظيم أمرها، وقد سمّيت الحدود بهذا لأنّها تمنع أن يدخل فيها ما ليس منها، وأن يخرج منها هو منها، ومنها سمّيت الحدود في المعاصي؛ لأنّها تمنع أصحابهما من العود إلى أمثالها. أمّا معنى حدود الله في الآيات البينات ؛ فقيل هي: شروطه، أيّ شرط الله سبحانه أنّه من يتجاوز حدوده الّتي حدّها لعباده، بأن أخلّ بشيء منها، فقد حمّل نفسه وِزرًا، وأكسبها إثمًا، وعرّضها للعقوبة والعذاب. وقيل: أحكامه. وقيل: حقيقة معانيه. وقيل: معاصيه. وقال أبو جعفر (الطبري) في تفسيره : تلك معالم فصوله ، بين ما أحل لكم ، وما حرم عليكم أيها الناس ، فلا تعتدوا ما أحل لكم من الأمور التي بينها وفصلها لكم من الحلال ، إلى ما حرم عليكم ، فتجاوزوا طاعته إلى معصيته ، ولا تتجاوزوا ما أحللته لكم إلى ما حرمته عليكم ، وما أمرتكم به إلى ما نهيتكم عنه ، ولا طاعتي إلى معصيتي ، فإن من تعدى ذلك – يعني : من تخطاه وتجاوزه إلى ما حرمت عليه أو نهيته – فإنه هو الظالم وهو الذي فعل ما ليس له فعله ، ووضع الشيء في غير موضعه ،وقال العلامة ابن عاشور رحمه الله في تفسيره: “أخبر تعالى عن متعدّيها بأنّه ظلم نفسه؛ للتّخويف؛ تحذيرًا من تعدّي هذه الحدود، فإنّ ظلم النّفس هو الجريرة عليها بما يعود بالإضرار؛ وذلك منه ظُلمٌ لها في الدّنيا بتعريض النّفس لعواقب سيّئة، تنجرّ من مخالفة أحكام الدّين؛ لأنّ أحكامه صلاح للنّاس، فمَن فرّط فيها فاتته المصالح المنطوية هي عليها ، ومنه ظُلمٌ للنّفس في الآخرة بتعريضها للعقاب المتوعّد به على الإخلال بأحكام الدّين.. فالحارس لأحكام الشّرع هو الله القدير العليم، فأيّ مؤمن إذن يتعرّض لحدّ يحرسه الله؟! ، إنّه الهلاك والبوار، قال الله تعالى : {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} الطلاق 1، نعم ظلم نفسه لتعريضها لبأس الله القائم على حدوده يحرسها ويرعاها، وهذا ظلم أيّ ظلم!!، وفي الصحيحين واللفظ لمسلم : (عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ :سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: وَأَهْوَى النُّعْمَانُ بِإِصْبَعَيْهِ إِلَى أُذُنَيْهِ :« إِنَّ الْحَلاَلَ بَيِّنٌ وَإِنَّ الْحَرَامَ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ لاَ يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ أَلاَ وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى أَلاَ وَإِنَّ حِمَى اللَّهِ مَحَارِمُهُ أَلاَ وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلاَ وَهِىَ الْقَلْبُ ».
أيها المسلمون
فالله سبحانه وتعالى لم يخلقنا عبثا ، انما خلقنا لحكمة عظيمة ، وبحكمة بالغة ، وضوابط شرعية ، وبقيود هي حدود الله ، قال الله تعالى : (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ) (115) المؤمنون ، وقد بين سبحانه وتعالى أنه خلقنا لعبادته ، فقال الله تعالى : (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (56) الذاريات ، والعبادة هي الاستسلام والتذلل والطاعة لله تعالى فيما أمر ونهى ، وليست العبادة مقصورةٌ على الفرائض من صلاة وصيام وحج وصدقة فقط ، وانما العبادة اوسع واعم من هذا التفسير الضيق ، فان تبسمك في وجه أخيك صدقة ، والكلمة الطيبة صدقة ، وان تضع اللقمة في فم زوجتك صدقة ، واماطة الاذى في الطريق ، وقد احل الله لنا الطيبات بكل ما طاب لنا من مشرب ومأكلٍ ومنكحٍ ، وحرم الله علينا الخبائث ما يضرنا ولا ينفعنا ، فقال الله تعالى : (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (157) الأعراف ،فالله سبحانه وتعالى أمرنا بعبادته وطاعته، وفِعْل ما أمر به، واجتناب ما نهى عنه، وحد حدوداً لمصالح عباده، ووعد من أطاعه السعادة في الدنيا، والجنة في الآخرة ، وتوعد من عصاه بالشقاء في الدنيا، والنار في الآخرة ، فمن قارف الذنب فقد فتح الله له باب التوبة والاستغفار، فإن أصر على معصية الله، وأبى إلا أن يغشى حماه، ويتجاوز حدوده بالتعدي على أعراض الناس وأموالهم وأنفسهم، فهذا لابد من كبح جماحه بإقامة حدود الله التي تردعه وتردع غيره، وتحفظ الأمة من الشر والفساد في الأرض ، فالحدود كلها رحمة من الله، ونعمة على الجميع ، فهي للمحدود طهرة من إثم المعصية، وكفارة عن عقابها الأخروي، وهي له ولغيره رادعة عن الوقوع في المعاصي، وهي ضمان وأمان للأمة على دمائهم وأموالهم وأعراضهم، وبإقامتها يصلح الكون، ويسود الأمن والعدل، وتحصل الطمأنينة. ومن المعلوم أن حدود الله تعالى على ثلاثة أنواع : النوع الأول: حدود الله التي نهى عن تعديها : وهي كل ما أذن الله تعالى بفعله على سبيل الوجوب أو الندب أو الإباحة، والاعتداء فيها يكون بتجاوزها ومخالفتها، وهي التي أشار الله إليها بقوله سبحانه: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ } [البقرة: 229]. النوع الثاني من حدود الله : المحارم التي نهى الله عنها وهي المحرمات التي نهى الله عن فعلها كالزنا وهي التي أشار الله إليه بقوله سبحانه: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } [البقرة: 187]. النوع الثالث من حدود الله : الحدود المقدرة الرادعة عن محارم الله كعقوبة الرجم والجلد والقطع ونحوها ، فهذه يجب الوقوف عندما قدر فيها بلا زيادة ولا نقصان، ويحرم التحايل على حدود الله كما يحرم انتهاك حدود الله، والتحايل أعظم، فإن بني إسرائيل لما فعلوا الحرام لم يقع عليهم المسخ، وإنما العقوبات الحسية والمعنوية، كما قال سبحانه: {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا} [النساء: 160]. ولما وقع منهم التحايل على صيد السمك يوم السبت مسخهم الجبار جل جلاله قردة وخنازير، كما قال سبحانه في عقوبة احتيالهم على ما حرم الله: {فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ } [الأعراف: 166].
أيها المسلمون
ويقول الله تعالى في وصف عباده المؤمنين : (التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) (112) التوبة ،فمن صفات المؤمنين المحافظة على حدود الله ، فتساوى المؤمن العابد الحامد الراكع الساجد إلى آخر الصفات مع الحفاظ لحدود الله ، فالمحافظ على “حدود الله” دخل في زمرة المبشرين من المؤمنين ، وعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (مَثَلُ الْقَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالْوَاقِعِ فِيهَا؛ كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ, فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلَاهَا, وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا, فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِن الْمَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ, فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا, فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا, وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا وَنَجَوْا جَمِيعًا) رواه البخاري. فقد صنف النبي صلى الله عليه وسلم الناس في المجتمع من خلال هذا الحديث الشريف إلى ثلاثة أصناف، أولهم : المستقيم على حدود الله تعالى الذي لم يتجاوزها، وهو الآمر بالمعروف الناهي عن المنكر، وثانيهم : التارك للمعروف المرتكب للمنكر، وثالثهم : المتباطئ عن دفع المنكر والنهي عنه. وهذا الحديث الشريف يُقرر سنة من سنن الله سبحانه وتعالى في الكون، وأصلا من الأصول العظيمة، وهو تكافل أفراد الأمة وتضامنهم، وتعاونهم في سبيل تثبيت دعائم الحق والخير والفضائل، والقيام على حراسة هذه الأصول والقضاء على أهل الباطل والشرور والرذائل، وإلا فلا قيام لحق، ولا استقرار لفضيلة، ولا دوام لعزة وسلطان ، فما أدق التمثيل وأروعه!! فالمجتمع في الحقيقة عرضة للتأثر باختلاف الأهواء والأغراض، وتباين النزعات والاتجاهات، واصطراع الأفكار والآراء، وأي تفريط من أهلها يؤدي بالسفينة إلى الغرق والغوص في متاهات الأعماق، وكذلك المجتمع : فأي خطأ في الحساب والتقدير أو إفراط أو تفريط في التصرُّف؛ قد يؤدي به إلى الهلاك والانحطاط والذل والتخلف أحقابًا من الزمان.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( تِلْكَ حُدُودُ اللهِ : فَلَا تَقْرَبُوهَا ، وَلَا تَعْتَدُوهَا )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وحدود الله ليست قاصرة على حد (قطع يد السرق ، ورجم الزاني المحصن ، وجلد شارب الخمر ، وقذف المحصنات فقط )، وإنما يقيم حدود الله من اتقى الله- تعالى- في مخلوعته، فأخذ منها ما أعطاها لتفتدي به نفسها من معاشرته، قال الله- تعالى : (الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (229) البقرة، ويقيم حدود الله من راجع مطلقته بنية الإحسان إليها، لا بنية تعذيبها، قال تعالى : (فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) (230) البقرة ، ويقيم حدود الله كل وارث لم يظلم من يشاركه في الميراث ، وموروث لم يوص وصيته إضراراً بورثته، ويدلنا على ذلك قول الله تعالى في عقب بيانه في المواريث : (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (13) وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ) (13)، (14) النساء ، فكل من اتقى الله وارثاً وموروثاً في المواريث فقد أقام حدود الله، وكل من ظلم فيها بأن كتب لهذا أو لهذه بنية حرمان غيره أو غيرها من حقه في الميراث فقد تعدى حدود الله، وما أكثر هؤلاء في زماننا، الذين يتعدون حدود الله، ويعرضون أنفسهم لوعيد الله الشديد، أولئك الذين يظلمون البنات والأخوات والأمهات، سيما والد البنات الذى يخاف عليهن فيكتب لهن جميع ما يملك حتى لا يشاركهن إخوته بعد موته، ومن حدود الله- تعالى- أن تطلق المرأة على ما هو معروف عند الفقهاء بطلاق السنة، أي أن يطلقها في طهر لم يجامعها فيه، حتى لا يطيل عليها مدة عدتها، ومعروف عند جمهور الفقهاء أن من طلق امرأته وهى حائض فإن الطلاق يقع، ويكون المطلق آثماً، لأنه طلقها في الوقت غير المناسب ومن حدود الله- عز وجل- إحصاء عدة المطلقة، فالمطلقة في عدة، وقضاء العدة بالنسبة إليها، وبالسنة إلى المتوفى عنها زوجها عبادة، وهى من حدود الله فلا تتزوج المعتدة أثناء العدة، وكذلك لا تخطب، وإنما أباح ربنا- عز وجل- التلميح بها دون التصريح، حيث قال سبحانه: (وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ) (235) البقرة، ومن حدود الله عز وجل: أن تبقى المطلقة في بيتها فلا تخرج منه، والدليل على ذلك قول الله تعالى : (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا) (1) الطلاق ، ومن حدود الله ألا يأكل الناس أموالهم بينهم بالباطل ومن أكل مال أخيه برضاه فإنه ملتزم بحدود الله غير متعد، ففي سنن الدارمي : (أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « لاَ يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلاَّ عَنْ طِيبِ نَفْسٍ ». ومن حدود الله- عز وجل- أن تقام الصلاة، وأن يحرص المسلم المكلف على إقامتها في أول وقتها- إلا لعذر- لقول الله عز وجل :(فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا) (103) النساء ،ومن حدود الله- عز وجل- أن يجنح المسلمون إلى السلام إذا جنح إليه أعداؤهم لقول الله- عز وجل-: (وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (61) الانفال ،ومن حدود الله- عز وجل- أن نعبده وحده لا شريك له، وأن تتوكل عليه دون سواه، وأن نسأله وحده فهو القريب المجيب، وأن نبر بوالدينا، وأن نحسن إليهما إحساناً ، وأن نحسن إلى ذوى قرابتنا ، ونحسن إلى جيراننا ، وأن نكرم اليتيم ونكفله ، وأن نحسن إلى المساكين ، قال الله تعالى : (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا) (36) النساء
الدعاء