( دروس عن قصة نبي الله سليمان عليه السلام )
سبتمبر 28, 2021خطبة عن خيانة الله ورسوله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ)
أكتوبر 2, 2021الخطبة الأولى ( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ أَسْلَمَ وَرُزِقَ كَفَافًا وَقَنَّعَهُ اللَّهُ بِمَا آتَاهُ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى الامام مسلم في صحيحه : (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ : « قَدْ أَفْلَحَ مَنْ أَسْلَمَ وَرُزِقَ كَفَافًا وَقَنَّعَهُ اللَّهُ بِمَا آتَاهُ ». وروى الإمام الترمذي بسند حسن صحيح : (عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ : « طُوبَى لِمَنْ هُدِىَ إِلَى الإِسْلاَمِ وَكَانَ عَيْشُهُ كَفَافًا وَقَنِعَ »
إخوة الإسلام
في هذا الحديث النبوي الكريم ، يبين لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقومات وأسس وأسباب الفلاح والنجاح والسعادة في الدنيا والآخرة ، فمن جمع الله له هذه الثلاث ،فقد جمع له خيري الدنيا والآخرة ، وتمت عليه النعم الباطنة والظاهرة ، وبها الحياة الطيبة في هذه الدار ، والسعادة الأبدية في دار القرار ، فالأساس الأول : جاء في قوله صلى الله عليه وسلم : (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ أَسْلَمَ ) ، أي : أن الناجح والفالح والسعيد والموفق والرابح في الدارين ، من (أَسْلَمَ ) ، فالإسلام : به العصمة والنجاة من طرق الجحيم ، ولن يقبل الله من أحد دينا غير الاستسلام للرب العظيم . فالإسلام : هو الاستسلام الباطن والظاهر لله ، وهو الانقياد الكامل لطاعة الله ، والإسلام مقصوده القيام بحق الله وحق العباد ، وروحه الإخلاص لله ،والمتابعة للرسول في الهدي والرشاد ، وفي سنن الترمذي : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ وَالْمُؤْمِنُ مَنْ أَمِنَهُ النَّاسُ عَلَى دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ » ،(فطُوبَى لِمَنْ هُدِىَ إِلَى الإِسْلاَمِ ) وهنيئا لمن هداه الله تعالى للإيمان ، فهما يحققان للعبد سعادة الدنيا والآخرة: فأما سعادة الدنيا : فهي الحياة الطيبة ، ولا يمكن لأحد أن يحقق الحياة الطيبة إلا إذا عرف حقيقة الدنيا وأنها لاتزن عند الله جناح بعوضة ، ففي سنن الترمذي : (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « لَوْ كَانَتِ الدُّنْيَا تَعْدِلُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ مَا سَقَى كَافِرًا مِنْهَا شَرْبَةَ مَاءٍ »، وأن يعرف مدة بقائه فيها ، ففي مسند أحمد وغيره : (رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « وَاللَّهِ مَا الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ مِثْلُ مَا يَجْعَلُ أَحَدُكُمْ أُصْبُعَهُ فِي الْيَمِّ فَلْيَنْظُرْ بِمَا تَرْجِعُ إِلَيْهِ ».
وأما سعادة الآخرة : فهو الفوز بالجنة ، والنجاة من النار ، ولذة النظر الى وجه الله الكريم ،والأمن من المخاوف من الموت ، حتى دخول الجنة ، فمن فقد نعمة الاسلام ، فمهما كان حالة في الدنيا فعاقبته الشقاء الأبدي إذا مات ،فالذي يقيم دين الله في الدنيا كما أمر الله، يتحصل على منافع هذا الدين في هذه الدنيا ،مع ما يدخره له الله عز وجل من النعيم المقيم في الآخرة ، فلن تطيب حياتنا إلا بنعمة الإسلام كما أخبرنا بذلك ربنا تبارك وتعالى في قوله تعالى : (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (97) النحل، فهذا وعدمن الله عز وجل ، أن من عمل صالحا ، وقلبه مطمئن بالإيمان ، بأن يحييه الله حياة طيبة في الدنيا ،وأن يجزيه في الآخرة بأحسن ما عمل في الدنيا ،وإذا جُوزي الإنسان بأحسن عمله في الآخرة طابت حياته في الجنة .
أيها المسلمون
أما الأساس الثاني من أسس الفلاح والنجاح في الدنيا والآخرة : ففي قوله صلى الله عليه وسلم : (وَرُزِقَ كَفَافًا) ، فالكفاف من الرزق فهو الذي يكفي العبد ، ويكف قلبه ولسانه عن التشوف ، وسؤال الخلق ، واغتباطه برزق الله والثناء على الله بما أعطاه من ميسور الرزق ،(وَرُزِقَ كَفَافًا) أي: رُزِقَ الكِفايَةَ بلا زيادةٍ ولا نَقْصٍ، وما يَكُفُّ عن الحاجاتِ ويَدْفَعُ الضروراتِ والفَاقَاتِ، والمرادُ به: الرِّزقُ الحلالُ؛ لأنَّه لا فَلاحَ مع رزقٍ حرامٍ، وفي سنن الترمذي : (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :« مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ مُعَافًى فِي جَسَدِهِ عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا »، فأغبط الناس من عنده رزق يكفيه ، وبيت يؤويه ، وزوجة ترضيه ، وسلم من الدين الذي يثقله ويؤذيه ، فليس الغنى عن كثرة العرض إنما الغني غني القلب ، وفي مسند أحمد وغيره : قال صلى الله عليه وسلم : (وَمَنْ كَانَتِ الآخِرَةُ نِيَّتَهُ جَعَلَ اللَّهُ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ وَجَمَعَ لَهُ شَمْلَهُ وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِىَ رَاغِمَةٌ ، وَمَنْ كَانَتْ الدُّنْيَا نِيَّتَهُ فَرَّقَ اللَّهُ عَلَيْهِ شَمْلَهُ وَجَعَلَ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ ، وَلَمْ يَأْتِهِ مِنَ الدُّنْيَا إِلاَّ مَا قُدِّرَ لَهُ »
أيها المسلمون
ونأتي إلى الأساس الثالث من أسس الفلاح والنجاح في الدنيا والآخرة : وهو في قوله صلى الله عليه وسلم : (وَقَنَّعَهُ اللَّهُ بِمَا آتَاهُ ) ، أي: رزَقه الله القَناعَةَ بما عندَه مِن الكَفافِ، فلم يَطلُبِ الزِّيادَةَ ، فالقانع هو الإنسان الراضي بما أعطاه الله تعالى ، فمن قنع فهو راض عن ربه ، وعن نفسه ، وللتحلي بخلق القناعة فضائل كثيرة ، ومنها :1- أنها سبب لفلاح صاحبها: فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : « قَدْ أَفْلَحَ مَنْ أَسْلَمَ وَرُزِقَ كَفَافًا وَقَنَّعَهُ اللَّهُ بِمَا آتَاهُ » . (رواه مسلم). 2- أن القناعة تكسب صاحبها محبة الله ومحبة الناس، ففي سنن ابن ماجه : (عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ قَالَ أَتَى النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ إِذَا أَنَا عَمِلْتُهُ أَحَبَّنِيَ اللَّهُ وَأَحَبَّنِيَ النَّاسُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : « ازْهَدْ فِي الدُّنْيَا يُحِبَّكَ اللَّهُ وَازْهَدْ فِيمَا فِي أَيْدِى النَّاسِ يُحِبُّوكَ ». 3- أن القناعة سبب لنيل الثناء وطيب العيش : قال النبي صلى الله عليه وسلم : « طُوبَى لِمَنْ هُدِىَ إِلَى الإِسْلاَمِ وَكَانَ عَيْشُهُ كَفَافًا وَقَنِعَ »(رواه الترمذي وصححه الألباني). 4- أن القناعة تورث صاحبها غنى النفس واستعلائها عن الشهوات واللذائذ: ففي الصحيحين : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ : « لَيْسَ الْغِنَى عَنْ كَثْرَةِ الْعَرَضِ ، وَلَكِنَّ الْغِنَى غِنَى النَّفْسِ » ،5- أن القناعة تورث صاحبها العزة وتكف وجهه عن الذل للمخلوقين . 6- أن القناعة تمنح صاحبها رضا الله وهو غاية المقصود: ففي سنن الترمذي :(عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « إِنَّ عِظَمَ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلاَءِ وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلاَهُمْ فَمَنْ رَضِىَ فَلَهُ الرِّضَا وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ » . 7- أن القناعة بها يتحقق شكر العبد لربه: ففي سنن ابن ماجه: (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « يَا أَبَا هُرَيْرَةَ كُنْ وَرِعًا تَكُنْ أَعْبَدَ النَّاسِ وَكُنْ قَنِعًا تَكُنْ أَشْكَرَ النَّاسِ وَأَحِبَّ لِلنَّاسِ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ تَكُنْ مُؤْمِنًا وَأَحَسِنْ جِوَارَ مَنْ جَاوَرَكَ تَكُنْ مُسْلِمًا وَأَقِلَّ الضَّحِكَ فَإِنَّ كَثْرَةَ الضَّحِكِ تُمِيتُ الْقَلْبَ ». 8- أن التحلي بالقناعة سبب لنيل البركة في الرزق: ففي الصحيحين واللفظ للبخاري : (عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ قَالَ سَأَلْتُ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – فَأَعْطَانِي ، ثُمَّ سَأَلْتُهُ فَأَعْطَانِي ، ثُمَّ سَأَلْتُهُ فَأَعْطَانِي ، ثُمَّ قَالَ « هَذَا الْمَالُ – وَرُبَّمَا قَالَ سُفْيَانُ قَالَ لِي يَا حَكِيمُ – إِنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ ، فَمَنْ أَخَذَهُ بِطِيبِ نَفْسٍ بُورِكَ لَهُ فِيهِ ، وَمَنْ أَخَذَهُ بِإِشْرَافِ نَفْسٍ لَمْ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ ، وَكَانَ كَالَّذِي يَأْكُلُ وَلاَ يَشْبَعُ ، وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى »
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ أَسْلَمَ وَرُزِقَ كَفَافًا وَقَنَّعَهُ اللَّهُ بِمَا آتَاهُ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومن الوسائل المعينة على تحصيل القناعة : 1- أن ينظر المرء في أمور الدنيا لمن هو دونه؛ ليرى فضل الله عليه فيقنع به ولا يزدريه، ففي الحديث : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « انْظُرُوا إِلَى مَنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلاَ تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكُمْ فَهُوَ أَجْدَرُ أَنْ لاَ تَزْدَرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ ». (رواه مسلم)، 2- دعاء الإنسان ربه أن يرزقه القناعة ويجنبه الشح والطمع: فقد كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ كَانَ يَقُولُ « اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ وَالْجُبْنِ وَالْبُخْلِ وَالْهَرَمِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ اللَّهُمَّ آتِ نَفْسِى تَقْوَاهَا وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلاَهَا اللَّهُمَّ إِنِّى أَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لاَ يَنْفَعُ وَمِنْ قَلْبٍ لاَ يَخْشَعُ وَمِنْ نَفْسٍ لاَ تَشْبَعُ وَمِنْ دَعْوَةٍ لاَ يُسْتَجَابُ لَهَا ». (رواه مسلم). 3- أن يسعى الإنسان للتكسب بما يغنيه عن التطلع لما عند الآخرين: ففي الصحيحين : (عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ – رضى الله عنه – عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « لأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ فَيَأْتِيَ بِحُزْمَةِ الْحَطَبِ عَلَى ظَهْرِهِ فَيَبِيعَهَا فَيَكُفَّ اللَّهُ بِهَا وَجْهَهُ ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ أَعْطَوْهُ أَوْ مَنَعُوهُ » . 4- التأمل في الفضائل التي ينالها من اتصف بالقناعة، والرذائل والعواقب الوخيمة التي يقع فيها من فقد القناعة، بما يقوي في نفسه الدافع لمجاهدة نفسه للتحلي بهذا الخلق الحميد.
أيها المسلمون
ومن أهم الدروس والعبر التي نستنبطها من هذا الحديثِ النبوي الكريم : أولا : الفَوْزُ والفَلاحُ لِمَنْ أَسْلَمَ لله، ورَضِيَ بما قَسَمه الله له. ثانيا : أنَّ القَناعَةَ مِن أسبابِ الفَلَاحِ . ثالثا : أنَّ طلَبَ الزيادةِ على الكَفافِ لا يَنبغِي أن يُتعِبَ الإنسانُ نفسَه في طَلَبِه؛ لأنَّ المحمودَ مِنَ الرِّزقِ ما حَصَلَتْ به القُوَّةُ على الطاعةِ، ويكونُ الاشتِغالُ به على قَدْرِ الحاجَةِ. رابعا : قد حاز الفَلَاحَ وفاز به مَن أَسْلَمَ إسلامًا صحيحًا؛ لأنَّه خَلَص مِن الكُفرِ والشِّركِ، وهو الذَّنْبُ الذي لا يَغفِرُه الله،
الدعاء