خطبة عن قوله تعالى (قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ)
يوليو 6, 2019خطبة عن (الله يَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ)
يوليو 7, 2019الخطبة الأولى ( لنُكن دُعاة .. لا قُضاة )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته :(وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (129) آل عمران وروى أبو داود في سننه : (قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ : « كَانَ رَجُلاَنِ فِى بَنِى إِسْرَائِيلَ مُتَآخِيَيْنِ فَكَانَ أَحَدُهُمَا يُذْنِبُ وَالآخَرُ مُجْتَهِدٌ فِى الْعِبَادَةِ فَكَانَ لاَ يَزَالُ الْمُجْتَهِدُ يَرَى الآخَرَ عَلَى الذَّنْبِ فَيَقُولُ أَقْصِرْ. فَوَجَدَهُ يَوْمًا عَلَى ذَنْبٍ فَقَالَ لَهُ أَقْصِرْ فَقَالَ خَلِّنِي وَرَبِّى أَبُعِثْتَ عَلَىَّ رَقِيبًا فَقَالَ وَاللَّهِ لاَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ أَوْ لاَ يُدْخِلُكَ اللَّهُ الْجَنَّةَ. فَقُبِضَ أَرْوَاحُهُمَا فَاجْتَمَعَا عِنْدَ رَبِّ الْعَالَمِينَ فَقَالَ لِهَذَا الْمُجْتَهِدِ أَكُنْتَ بِي عَالِمًا أَوْ كُنْتَ عَلَى مَا فِي يَدِى قَادِرًا وَقَالَ لِلْمُذْنِبِ اذْهَبْ فَادْخُلِ الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِي ، وَقَالَ لِلآخَرِ اذْهَبُوا بِهِ إِلَى النَّارِ ». قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لَتَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ أَوْبَقَتْ دُنْيَاهُ وَآخِرَتَهُ).
إخوة الإسلام
إن الرسل وأتباعهم مأمورون بدعوة الناس إلى توحيد الله وطاعته، وإنذارهم عن الشرك به ومعصيته، وهذا مقام شريف، ومرتبة عالية ، لمن وفقه الله تعالى للقيام بها على الوجه الذي يرضي الله تعالى. ولكن هناك فرق كبير بين أن يكون المسلم داعيا إلى الله ، وبين أن يكون قاضيا وحاكما على الآخرين ، فالدعوة إلى الله من أعظم الأعمال التي يقوم بها المسلم في سبيل دينه ، وإنقاذ الناس من العذاب، ويكسب شرفاً عظيماً من اختصّه الله بهذا العمل، يقول تعالى في مُحكم تنزيله: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) [فصلت: 33]. فعن طريق الدعوة إلى الله تعالى ، يحمل هؤلاء الدعاة إلى الله تعالى رسالة الإسلام الخالدة، وتربيته العظيمة ، إلى مشارق الأرض ومغاربها ، صافيةً نقيةً ، ليُخرجوا الناس من الظُلمات إلى النور ، وليهدوهم – بإذن الله تعالى – إلى طريق الحق ، وسبيل النجاة في هذه الحياة الدنيا . أما هؤلاء الذين يجعلون من أنفسهم قضاة وحكاما على الناس ، فيصدرون بفتواهم أحكامهم عليهم ، فقد حذر منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ففي صحيح مسلم : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « إِذَا قَالَ الرَّجُلُ هَلَكَ النَّاسُ . فَهُوَ أَهْلَكُهُمْ ». قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ لاَ أَدْرِى أَهْلَكَهُمْ بِالنَّصْبِ أَوْ أَهْلَكُهُمْ بِالرَّفْعِ. فمن قال ذلك على سبيل ازدراء الناس، واحتقارهم، والتكبّر عليهم، وبأن يرى نفسه خيراً منهم، وينظر إليهم على أنّهم هالكين لا محالة، وأمّا هو فناجٍ بصواب فعله، (فَهُوَ أَهْلَكُهُمْ) ، أما من يقول ذلك على قصد التحزّن والتألم على حال المسلمين ، فلا يكون داخلاً في ذمّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فالفرق بين الاثنين : أنّ الأول قدّم نفسه على الناس، واحتقرهم لإعجابه بنفسه، أمّا الثاني فقد جعل نفسه من عامّة الناس يحزن لحاله وحالهم، فيمقت نفسه ويؤنّبها. قال معقل بن يسار في معنى الأول الذي يعجب بنفسه ويذمّ غيره: (كفى بالمرء من الشرّ أن يرى أنّه أفضل من أخيه)، أمّا في معنى الثاني الذي يحزن لحال الناس ويلوم نفسه معهم، فقد روي عن أبي الدرداء أنّه قال: (لن يفقه الرجل كلّ الفقه حتى يمقت الناس كلّهم في ذات الله، ثمّ يعود إلى نفسه فيكون لها أشدّ مقتاً)، والأصل أن يتنبه الإنسان حتى عند قوله لمثل هذا القول حُزناً على حال المسلمين إلى إحسان الظنّ فيهم، فالرسول -صلّى الله عليه وسلّم- قد أخبر أنّ في الأمّة طائفة ستبقى على الحقّ، ففي الصحيحين واللفظ لمسلم : (عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « لاَ تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِى ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ لاَ يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ ».
أيها المسلمون
إنَّ الشيطان يجيدُ الاحتيال والتلاعُب بالناس على كافَّة اهتماماتهم، وأفكارهم، وتوجُّهاتهم، فيدخل على كلِّ شخصٍ بحسب ما يناسبه؛ لذا فإنَّ الشخص الغيور الذي يأْسَى على ما يحدث من مُخالفة لشرع الله ، ليس معصومًا أن يَحتالَ عليه إبليس، بل إنَّه من أولى اهتمامات الشيطان؛ إذ إنَّ البارد من الناس الذي لا يهتم بأمور المسلمين هو كالبيت الخرِب؛ (وما يفعل الشيطان بالبيت الخرِب)، فالغيور يأتيه الشيطان من باب أنَّ الناس قد أكثروا العصيان، وأنَّه لن يُجدي معهم نصحٌ ولا توجيه؛ فقد عصوا الله جهارًا نهارًا، وأنَّ هذا الواقع لم تعهده الأُمَّة ولم يمرَّ بها من قَبلُ- هذا بحسب ظنه- فيلتفت هذا الغيور يَمنة ويسرة، فلا يجد إلا نفسَه أمام حشْدٍ عظيم من المنكرات، حشَدَها الشيطان أمامه، وحاصره بها؛ ليلتفتَ فلا يرى إلاَّ هي، عندها تخور قواه، ويزيِّن له الشيطان أنَّ الناس قد هلكوا؛ وهذا هو الفعل الذي حذَّر منه نبيُّنا – صلَّى الله عليه وسلَّم – إذ قال: « إِذَا قَالَ الرَّجُلُ هَلَكَ النَّاسُ . فَهُوَ أَهْلَكُهُمْ ». ورحم الله الخطابي يعلق على هذا الحديث بقوله: “معناه لا يزال الرجل يعيب الناس ويذكر مساويهم.. ويقول فسد الناس وهلكوا ونحو ذلك .. فإذا فعل فهو أهلكهم أي أسوأ حالاً منهم.. بما يلحقه من الإثم في عيبهم والوقيعة فيهم .. وربما أداه ذلك إلى العجب بنفسه ورؤيته أنه خير منهم”.
أيها المسلمون
إن الفارغ البليد يجد لذته في تحطيم الآخرين وتحقير أعمالهم.. وربما يكون ذلك عن عجز عن مجاراتهم .. أو حسداً لهم على أعمالهم.. أو لأنه يرى نفسه خيراً منهم فيفرحه أن يهمش عطاءهم. أما المنشغل بالعمل والعطاء .. وإتقان ما يفيض به من جهد علي مجتمعه.. فليس عنده من الوقت ما ينشغل به عن ذلك .. ولا يهتم بتشريح جثث الآخرين وأكل جيفهم أو نبش قبورهم .. وإنما يشغله إدراك الثواب وتحصيل جزاء الجهد والعمل . السيف – كما يقولون – يقطع العظام وهو صامت.. أما الطبل فإنه يملأ الدنيا ضجيجا وهو أجوف, من المهم أن ندرك جميعاً أن الواجب علينا هو العمل والجهد.. هذا ما ننال عليه الثواب. أما محاسبة الناس وتقييم عطائهم والرقابة على ضمائرهم وإصدار الأحكام عليهم فليست مهمتنا .. ولا ثواب عليها .. وإنما هي واقعة تحت النهي والعقاب وإن الله تعالى هو الذي سيحاسب الجميع.. لأنه الذي يعلم ما في الضمائر من سر وعلانية. الفارق شاسع بين إنسان فارغ ،يشغل نفسه بالناس ونقدهم ،والسخرية منهم ،والهجوم عليهم ، كالذباب لا يبحث إلا عن الملوثات ليحط عليها .. وبين إنسان معطاء للخير ،يخدم كالنحلة يأخذ طيباً ويعطى طيباً وإذا وقع على العود لم يكسره. فالمتشائم الذي ينظر للناس وللدنيا بمنظار أسود يحرم نفسه وغيره من الخير .. ويرجف بما يشيع من يأس وقنوط بين إخوانه.. فيجعل من كل بلاء أو مصيبة أو تقصير كارثة وهلاكاً ونهاية.. ويتجاهل ما قد يصحبها من خير .. ولا يخلو شر من خير . ينظر إلى القشة في عيون الناس ويتجاهل الجذع في عينه .. يصف الناس بأنهم خذلوا الإسلام وفرطوا في حقه.. وينسى أن يسأل نفسه ماذا قدمت أنت. يصف الناس بالبخل والتقصير في العطاء.. وينسى أن يسأل نفسه: ماذا أعطيت أنت؟, ينذر المجتمع بالهلاك والبوار.. وينسى أن يسأل نفسه: وأنت ماذا فعلت؟ وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال : « لاَ تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِى ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ لاَ يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ ».
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( لنكن دعاة .. لا قضاة )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
فلماذا لا نبرز أمثلة الخير وندعو إلى تمثلها .. نشيع بين الناس التفاؤل وندعوهم من خلالها للفضائل. لماذا لا نبحث عن الخير في الناس – وكل الناس فيه خير قل أو كثر – ونسعى لمعاونتهم على إثرائه. لقد أدخل الله رجلاً الجنة لأنه سقى كلبا .. وغفر لرجل لا حسنة له ،غير أنه كان يتجاوز عن المدين المعسر.. وأدخل رجلاً قتل مئة نفس الجنة دون أن يعمل أي خير ،لأنه تاب وعزم على العمل الصالح. فلماذا لا نبرز الخير في الناس ونروج له ونشيعه. قال رجل للإمام أحمد: “يا إمام ظهر الباطل على الحق – يعنى فتنة المعتزلة – فقال الإمام : كلا .. بما أن قلوبنا على الحق.. فالحق ظاهر”. وقال مالك ابن أنس: “لا أعرف في أمة محمد إلا أنهم يصلون جميعاً “. نعم هذا هو الظن الحسن في الناس, ورحم الله القائل: “بدلا من لعن الظلام أوقد شمعة”, ما أضيع الوقت والجهد الذي يبذل في لعن الظلام والعصاة والظلمة بينما نحن قاعدون لا نفعل شيئاً لإزالتها, فلننشغل جميعاً بالعطاء ونستخرج الخير من الناس ونحسن الظن بهم .. فإنك تثاب بحسن الظن بالناس.. ولكنك قد تعصى إن لم تفعل.
أيها المسلمون
سأل شاب الشيخ محمد الغزالي، رحمه الله، قائلاً: ما حكم تارك الصلاة يا شيخ؟ فقال: حكمه أن تأخذه معك إلى المسجد ، كن داعياً قبل أن تكون قاضياً ، فالمغزى من هذا المثال: أن الدور الأساسي للمسلم هو الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة والنصيحة، وليس الحكم على الناس، لأننا في نهاية المطاف سنحاسب على الجهد الذي نبذله في الدعوة، أما الحكم على الناس فإنه يؤدي إلى تشتت هذه الأمة التي قال الله سبحانه وتعالى في حقها: “كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ”. فكن داعياً ولا تكن قاضياً ( فلا تحكم على الناس لا تقل هذا فاسق – هذا كافر … ) ، كن داعياً ولا تكن قاضياً ،فلست بواباً على أبواب الجنة والنار ( فلا تقل هذا في الجنة ..أو هذا في النار .. أو هذا لن يدخل الجنة … ) ، كن داعياً ولا تكن قاضياً : فلا تستكثر رحمة الله على الخلق ( مهما كانت معاصيه فترجى له الخير : ونستحضر حديث البغي التي ادخلها الله الجنة لأنها سقت كلباً فغفر لها الله ذنوبها )
الدعاء