خطبة عن اليسر والتيسير، وقوله تعالى ( وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى )
أكتوبر 23, 2021خطبة عن ( مَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ )
أكتوبر 23, 2021الخطبة الأولى ( مَاذَا عَمِلْتَ فِيمَا عُلِّمْتَ؟ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
قال الله تعالى في محكم آياته : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ) (2) ،(3) الصف، وروى الترمذي في سننه : (أن أبا هريرة قَالَ : حَدَّثَنِي رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ يَنْزِلُ إِلَى الْعِبَادِ لِيَقْضِىَ بَيْنَهُمْ وَكُلُّ أُمَّةٍ جَاثِيَةٌ فَأَوَّلُ مَنْ يَدْعُو بِهِ رَجُلٌ جَمَعَ الْقُرْآنَ وَرَجُلٌ قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَرَجُلٌ كَثِيرُ الْمَالِ ، فَيَقُولُ اللَّهُ لِلْقَارِئِ : أَلَمْ أُعَلِّمْكَ مَا أَنْزَلْتُ عَلَى رَسُولِي؟ قَالَ بَلَى يَا رَبِّ. قَالَ فَمَاذَا عَمِلْتَ فِيمَا عُلِّمْتَ؟ …) ،وفي سنن الترمذي : (عَنْ أَبِى بَرْزَةَ الأَسْلَمِيِّ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :« لاَ تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمْرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَا فَعَلَ وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَا أَنْفَقَهُ وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَا أَبْلاَهُ ».
إخوة الإسلام
كم هي أسئلة عديدة ، سوف توجه يوم القيامة إلى العبد المسلم ، ومن بين هذه الأسئلة كما بينتها الآيات والأحاديث السابقة : (مَاذَا عَمِلْتَ فِيمَا عُلِّمْتَ؟) ، (وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَا فَعَلَ ) ، (لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ) ، وكما هو واضح ،فإن الأسئلة كلها تدور حول عمل العبد بما علم ،واستجابته لما فقه وفهم، فهل أعددت أخي للسؤال جوابا ؟ ،هل عملت بما علمت ؟ ،هل استجبت لله ورسوله إذ دعاك لما يحييك ؟ ،هل كنت ممن قالوا سمعنا وأطعنا ؟ ،أم كنت ممن يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم ؟ ،كما قال الله تعالى :(يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ) (167) آل عمران ،قالت أم الدرداء لرجل: هل عملت بما علمت ؟ قال: لا. قالت: فلم تستكثر من حجة الله عليك؟ وقال أبو الدرداء: ويل لمن لم يعلم ولم يعمل مرة، وويل لمن علم ولم يعمل سبعين مرة. وقال الفضيل: يُغفر للجاهل سبعون ذنباً. قبل أن يُغفر للعالم ذنب واحد. فما يبلغ من الكل قوله تعالى: ” هَلْ يَسْتَوِي الَّذِيْنَ يَعْلَمُون والَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ ” الزمر 9، واعلم أُخي : أن ما نقرؤه من العلم نوعان: فهناك من العلم ما لا يَسَع المسلم جهله، فيجب أن يسعى لتعلُّمِه، وإذا تعلَّمَه وجب عليه تطبيقه فورًا، وهناك ما هو فَضْل، إن عملنا به فهو خيرٌ وأجْر وفلاحٌ، وإن تركنا تطبيقَه لم يضُرَّنا. فقد جاء في الموسوعة الفقهية : “تعلُّم العلم تعتريه الأحكام الآتية: قد يكون التعلُّم فَرْضَ عَيْنٍ، وهو تعلُّم ما لا بُدَّ منه للمسلم؛ لإقامة دينه وإخلاص عمله لله تعالى، أو معاشرة عباده، فقد فُرِضَ على كل مُكَلَّفٍ ومُكلَّفة – بعد تعلُّمِه ما تصِحُّ به عقيدتُه من أصول الدين – تعَلُّمُ ما تصِحُّ به العبادات والمعاملات، من الوضوء والغُسْل والصلاة والصوم، وأحكام الزكاة، والحج لمن وجب عليه، وإخلاص النية في العبادات لله. ويجب تعلُّم أحكام البيوع على التجار؛ ليَحترزوا عن الشُّبهات والمكروهات في سائر المعاملات، وكذا أهل الحِرَف، وكل مَن اشتغل بشيء يُفرَض عليه تعلُّم حُكْمِه؛ ليمتنع عن الحرام فيه، وقد يكون التعلُّمُ فَرْضَ كفايةٍ، وهو تعلُّم كُلِّ عِلْمٍ لا يُستغنى عنه في قيام أمور الدنيا؛ كالطب والحساب والنحو واللغة، والكلام والقراءات وأسانيد الحديث، ونحو ذلك … ” فانْفَعْ غيرَكَ بما تعلَّمتَه وانشُرْه؛ ففي صحيح ابن حبان ،يقول صلى الله عليه وسلم: (نضَّر اللهُ امرءًا سمِعَ مِنَّا شيئًا فبَلَّغه كما سمِعَهُ، فرُبَّ مبلَّغٍ أوعَى لهُ من سامِعٍ)، وفي سنن أبي داود : (عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مِنَّا حَدِيثًا فَحَفِظَهُ حَتَّى يُبَلِّغَهُ فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ لَيْسَ بِفَقِيهٍ ».
أيها المسلمون
إن مما يحزن القلب ، أن يبصر العبد الطريق الموصل لخيري الدنيا والأخرة ، فيضعف عن السير فيه ,ويعلم في نفسه ما ينبغي عليه القيام به لإصلاح ذاته قبل إصلاح غيره ، لكن يجد عندها قصورا وضعفا وخمولا في الهمة, يقول الله تعالى : {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ المُؤْمِنِينَ} [الذاريات: 55] ، فالعبد قد يعلم الداء والدواء ، ولكن يكون عنده ضعف في العمل, فتجده يرسم الطريق لغيره وهو متخلف عنه ,ويعلم المرض وتجده مصاب به, وهذا هو حال بعض من سلك طريق العلم إلا من رحمه الله وعصمه, وقد وصف ابن القيم هذا الصنف من الناس بقوله: ” يبصر الحقائق ولا يعمل بموجبها، ويرى المَتَالِف والمَخَاوف والمعاطب ولا يتوَقَّها، فهو فقيهٌ ما لم يحضر العمل، فإذا حضر العمل شارك الجهال في التَّخلف، وفارقهم في العلم، وهذا هو الغالب على أكثر النفوس المشتغلة بالعلم، والمعصوم من عصمه الله ،ولا قوة إلا بالله “. ، والله تعالى قد ذم من علم ولم يعمل ، في قوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ) (2) ،(3) الصف ،ومن الدعاء : ’’اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع’’، وأخرج الخطيب البغدادي في الإقتضاء عن ابن عيينة رحمه الله أنه قال :(العلم إن لم ينفعك ضرك) وعلق الخطيب بقوله : ( إن لم ينفعه أن يعمل به ضره بأن يكون حجة عليه ). وعن أبي مسلم الخولاني أنه قال : (العلماء ثلاثة : رجل عاش بعلمه وعاش به الناس معه ,ورجل عاش بعلمه ولم يعش به أحد غيره , ورجل عاش الناس بعلمه وأهلك نفسه )، وقال الحسن : (العلم علمان :علم في القلب وذلك العلم النافع وعلم في اللسان وذلك حجة الله على ابن آدم) ،وعن أبي الدرداء أنه قال: لا تكون عالما حتى تكون متعلما ،ولا تكون بالعلم عالما حتى تكون به عاملا ) ،وعن عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال : (تعلموا فإذا علمتم فاعملوا ). ولو تأمنا حال السلف علمنا أنهم كانوا أئمة في العلم والعمل, وكان صاحب الحديث عندهم من يستعمل الحديث ، فقد جاء في ترجمة الإمام صفوان ابن سليم المدني أنه رأس في العلم والعمل , كما قيل فيه أنه ثقب جبهته من كثرة السجود ،وقيل لو أنه قيل له أن الساعة غدا ما كان عنده مزيد عمل، وفي مسند أحمد : (عَنْ أَبِى عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ حَدَّثَنَا مَنْ كَانَ يُقْرِئُنَا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُمْ كَانُوا يَقْتَرِئُونَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَشَرَ آيَاتٍ فَلاَ يَأْخُذُونَ فِي الْعَشْرِ الأُخْرَى حَتَّى يَعْلَمُوا مَا فِي هَذِهِ مِنَ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ. قَالُوا فَعَلِمْنَا الْعِلْمَ وَالْعَمَلَ).
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( مَاذَا عَمِلْتَ فِيمَا عُلِّمْتَ؟ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وإليكم هذه الوصية, التي أرسلت من بغداد من الخطيب البغدادي الذي يقول في كتاب الإقتضاء : (ثم إني موصيك يا طالب العلم بإخلاص النية في طلبه ، وإجهاد النفس على العمل بموجبه ، فإن العلم شجرة ، والعمل ثمرة ، وليس يعد عالما من لم يكن بعلمه عاملا , فلا تأنس بالعمل ما دمت مستوحشا من العلم ، ولا تأنس بالعلم ما كنت مقصرا في العمل، ولكن اجمع بينهما وإن قل نصيبك منهما ، وما شيء أضعف من عالم ترك الناس علمه لفساد طريقته ، وجاهل أخذ الناس بجهله لنظرهم إلى عبادته ، والقليل من هذا مع القليل من هذا أنجى في العاقبة ، إذا تفضل الله بالرحمة ، وتمم على عبده النعمة ، فأما المدافعة والإهمال ، وحب الهوينى والاسترسال ، وإيثار الخفض والدعة ، والميل مع الراحة والسعة ، فإن خواتم هذه الخصال ذميمة ، وعقباها كريهة وخيمة ، والعلم يراد للعمل ، كما العمل يراد للنجاة ، فإذا كان العمل قاصرا عن العلم ، كلا على العالم ، ونعوذ بالله من علم عاد كلا ، وأورث ذلا ، وصار في رقبة صاحبه غلا .قال بعض الحكماء : العلم خادم العمل ، والعمل غاية العلم ، فلولا العمل لم يطلب علم ، ولولا العلم لم يطلب عمل ، ولأن أدع الحق جهلا به ، أحب إلي من أن أدعه زهدا فيه. وقال سهل بن مزاحم : الأمر أضيق على العالم من عقد التسعين ، مع أن الجاهل لا يعذر بجهالته ، لكن العالم أشد عذابا إذا ترك ما علم فلم يعمل به وقال : وهل أدرك من أدرك من السلف الماضين الدرجات العلى إلا بإخلاص المعتقد ، والعمل الصالح ، والزهد الغالب في كل ما راق من الدنيا ، وهل وصل الحكماء إلى السعادة العظمى إلا بالتشمير في السعي ، والرضى الميسور ، وبذل ما فضل عن الحاجة للسائل والمحروم ، وهل جامع كتب العلم إلا كجامع الفضة والذهب ، وهل المنهوم بها إلا كالحريص الجشع عليهما ، وهل المغرم بحبها إلا ككانزها ) ،وكما لا تنفع الأموال إلا بإنفاقها ، كذلك لا تنفع العلوم إلا لمن عمل بها ، وراعى واجباتها، فلينظر امرؤ لنفسه ، وليغتنم وقته ، فإن الرحيل قريب ، والطريق مخوف، والاغترار غالب ، والخطر عظيم ، والناقد بصير ، والله تعالى بالمرصاد ، وإليه المرجع والمعاد ، (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) (7) ،(8) الزلزلة، فهل يا ترى عقلنا مغزى هذه الوصية ,أم عدنا منها بلا زاد؟، فعلينا ان نعلم جميعا أنّنا مسؤولون أمام الله عما تعلمناه من علم في دار العمل التي ما أنزل العلم فيها إلا من أجل العمل.. قليلا كان أو كثيرا ، ولنعلم جميعا أنَّ ما أدرك السلف الدرجات العلى إلا بإخلاص المعتقد، والعمل الصالح،
الدعاء