خطبة عن لقاء مع الجن ( وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ)
أكتوبر 23, 2021خطبة عن ( مَاذَا عَمِلْتَ فِيمَا عُلِّمْتَ؟ )
أكتوبر 23, 2021الخطبة الأولى ( وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته وهو أصدق القائلين : (وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى) (8) الأعلى ،وقال الله تعالى : (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى) (5) :(7) الليل
إخوة الإسلام
لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل أمره اليسر، فما خير صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما ، ففي الصحيحين واللفظ للبخاري : (عَنْ عَائِشَةَ – رضى الله عنها – قَالَتْ مَا خُيِّرَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِلاَّ اخْتَارَ أَيْسَرَهُمَا ، مَا لَمْ يَأْثَمْ ، فَإِذَا كَانَ الإِثْمُ كَانَ أَبْعَدَهُمَا مِنْهُ ، وَاللَّهِ مَا انْتَقَمَ لِنَفْسِهِ فِي شَيْءٍ يُؤْتَى إِلَيْهِ قَطُّ ، حَتَّى تُنْتَهَكَ حُرُمَاتُ اللَّهِ ، فَيَنْتَقِمُ لِلَّهِ )، وأحاديثه صلى الله عليه وسلم التي تحض على اليسر والسماحة والرفق في تناول الأمور كثيرة ومتعددة ، وفي أولها أمر العقيدة وتكاليفها ، ففي صحيح البخاري : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ ، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلاَّ غَلَبَهُ ، فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا ، وَاسْتَعِينُوا بِالْغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ وَشَيْءٍ مِنَ الدُّلْجَةِ »،وفي الصحيحين : (أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : « يَسِّرُوا وَلاَ تُعَسِّرُوا وَسَكِّنُوا وَلاَ تُنَفِّرُوا ». وعن اليسر في التعامل ، وفي العمل ، جاء في صحيح البخاري : (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ – رضى الله عنهما – أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ : « رَحِمَ اللَّهُ رَجُلاً سَمْحًا إِذَا بَاعَ ، وَإِذَا اشْتَرَى ، وَإِذَا اقْتَضَى »، وفي الصحيحين : قال صلى الله عليه وسلم : « اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ ، أَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ فَيُيَسَّرُ لِعَمَلِ أَهْلِ السَّعَادَةِ ، وَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الشَّقَاءِ فَيُيَسَّرُ لِعَمَلِ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ » . ثُمَّ قَرَأَ ( فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ) الآيَةَ ،ومن اللمحات العميقة الدلالة كراهيته صلى الله عليه وسلم للعسر والصعوبة حتى في الأسماء ، ففي صحيح البخاري : (عن سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ جَدَّهُ حَزْنًا قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم -.فَقَالَ « مَا اسْمُكَ » . قَالَ اسْمِى حَزْنٌ . قَالَ « بَلْ أَنْتَ سَهْلٌ » ،وعن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان ( صلى الله عليه وسلم ) إذا سمع اسما قبيحا غيره، فمر على قرية يقال لها: عَفْرَة فسماها خضِرَة) صححه الألباني. وكذلك غير صلى الله عليه وسلم اسم يثرب إلى: المدينة، وطابة، وطيبة، وهذا كله مما يوحي بحقيقة فطرته وصنع ربه بها وتيسيره لليسرى انطباعا وتكوينا . وسيرة رسول الله كلها صفحات من السماحة واليسر والهوادة واللين والتوفيق إلى اليسر في تناول الأمور جميعا .
أيها المسلمون
وجاء في تفسير قوله تعالى : (وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى) (8) الأعلى، قال ابن كثير : أي نسهل عليك أفعال الخير، ونشرع لك شرعاً سهلاً سمحاً، لا اعوجاج فيه ولا حرج ولا عسر، وقال ابن عباس : نيسرك لأن تعمل خيرا . وقال ابن مسعود : لليسرى أي للجنة . وقيل : أي نهون عليك الوحي حتى تحفظه وتعمل به . فدلت هذه الآية على أنه سبحانه وتعالى فتح على رسوله صلى الله عليه وسلم من أبواب التيسير والتسهيل ما لم يفتحه على أحد غيره ، وكيف لا وقد كان صبيا لا أب له ولا أم له نشأ في قوم جهال ، ثم إنه تعالى جعله في أفعاله وأقواله قدوة للعالمين ، وهديا للخلق أجمعين . وفي الآية أيضا تقرير لطبيعة هذا الدين ، وحقيقة هذه الدعوة ، ودورها في حياة البشر ، وموضعها في نظام الوجود ، فهذا الرسول الخاتم ييسره الله لليسرى، ليمضي في حياته كلها ميسرا ، قال صاحب الظلال : “اليسر في يده، واليسر في لسانه، واليسر في خطوه، واليسر في عمله، واليسر في تصوُّره، واليسر في تفكيره، واليسر في أَخْذه للأمور، واليسر في علاجه للأمور، اليسر مع نفسه، واليسر مع غيره، وهكذا كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في كل أمره ، يسَّره الله لليسرى؛ فكان مثالاً عمليًّا لليُسر في جميع أمره. والآية الكريمة علقت التيسير بشخص النبي: ﴿ وَنُيَسِّرُكَ ﴾، ثم وصفت الأمر بعد ذلك بـ: “اليسرى”، فهو يسر فوق يسر، ونور فوق نور، والعلة في ذلك كما أشار أبو السعود: “للإيذان بقوة تمكينه – عليه الصلاة والسلام – من اليسرى والتصرف فيها، بحيث صار ذلك ملكةً راسخةً له، كأنه – عليه الصلاة والسلام – جُبِلَ عليها؛ أي: نوفقك توفيقًا مستمرًّا للطريقة اليسرى، في كل بابٍ من أبواب الدين؛ علمًا وتعليمًا واهتداءً وهدايةً، فيندرج فيه تيسير طريق تلقي الوحي، والإحاطة بما فيه من أحكام الشريعة السمحة والنواميس الإلهية، مما يتعلق بتكميل نفسه – عليه الصلاة والسلام – وتكميل غيره”، وذلك من وافر فضله ورحمته – سبحانه – على النبي الخاتم وأمته.
أيها المسلمون
روى الامام أحمد في مسنده : (قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- :« إِنِّي لَمْ أُبْعَثْ بِالْيَهُودِيَّةِ وَلاَ بِالنَّصْرَانِيَّةِ وَلَكِنِّى بُعِثْتُ بِالْحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَةِ ..)، فالشّريعة الاسلامية يُسْر كلها، لا عُسر فيها بوجه من الوجوه، ولم يرد وصفها بالمشقة أو العسر، ولا بالتوسط بين اليسر والشدة، بل يسّر الله رسوله لليسرى . وفي قوله تعالى : (وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى) (الأعلى:8)، فيها إشارة إلى أن الله سبحانه وتعالى وإن كان جاء بهذه الشريعة لينقل الناس بها عن حكم الهوى والذوق والعادة إلى حكم الله سبحانه وتعالى , ولكن حكم الله فيه من السماحة والتيسير ومراعاة ظروف الناس وأحوالهم وما يشق عليهم ويعنتهم ويحرجهم الشيء الكثير، ولهذا قال الله تعالى : (هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) (الحج : 78) . فالذي ييسره الله لليسرى : فهو يمضي في حركة يسيرة لطيفة هينة مع الوجود كله , ومع الأحداث والأشياء والأشخاص , ومع القدر الذي يصرف الأحداث والأشياء والأشخاص , فتري اليسر في يده .., واليسر في لسانه .. , واليسر في خطوه .. , واليسر في عمله .. , واليسر في تصوره .., واليسر في تفكيره .., واليسر في أخذه للأمور .., واليسر في علاجه للأمور .. , واليسر مع نفسه .., واليسر مع غيره .
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومازال حديثنا موصولا عن قوله تعالى : (وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى) (8) الأعلى، فالذي يعطي من ماله , ويعطي من جهده , ويعطي من وقته , ويعطي من حياته كلها ، فيجعل حياته ومماته لله رب العالمين , ويتقي ربه في نفسه وماله ووقته وكل حياته ،ويصدق بالحسني وما وعد الله علي العطاء والتقوي من جزاء , يكون قد بذل أقصي ما في وسعه ليزكي نفسه ويهديها , وعندئذ يستحق عون الله وتوفيقه الذي أوجبه سبحانه علي نفسه بإرادته ومشيئته , والذي بدونه لا يكون شيئا , ولا يقدر الإنسان علي شيء , واستحق كذلك موعود الله تبارك وتعالي .ومن يسره الله لليسرى فتراه يفيض اليسر من نفسه علي كل من حوله , وما حوله .., اليسر في خطوه .., واليسر في طريقه .. , واليسر في تناوله للأمور كلها .. فتراه ينتظرها في صبر , ويواجهها في جرأة , ويعلو عليها في ثقة , ويفضها في سهولة ويسر وبساطة , ويذهب عنها التعقيد, لتبدو هينة لا تحتاج إلي ضجة ولا إعنات , ثم التوفيق الهادئ المطمئن في كلياتها وجزئياتها , وهي درجة تتضمن كل شيء في طياتها , حتي تسلك صاحبها مع رسول الله – صلي الله عليه وسلم – في وعد ربه له (وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى) . وهكذا يكون حال من يسره الله لليسرى , حركة دائبة ، وجهد متواصل , دون كلل أو ملل أو أدني شك فيما هو عليه من الحق المبين , يغتنم كل خير يسره الله له فيقوم به علي الوجه الذي يرضي ربه ، فتراه في المحراب خاشعاً متبتلاً يبكي ويتذلل ، وبعد قليل يكون هو بعينه واعظاً مدرساً يقرع الآذان بزواجر الوعظ ، وبعد قليل تراه نفسه رياضياً أنيقاً يرمي بالكرة , أو يدرب علي العدو أو يمارس السباحة ، وبعد فترة يكون هو بعينه في متجره أو معمله يزاول صناعته في أمانة وفي إخلاص ، فتري اليسر في يده ساعة الإنفاق , واليسر في رجله ساعة السعي وبذل الجهد , واليسر في عقله وفكره فلا يتردد ولا يجد في صدره حرجا مما يقوم به من واجبات , حتي ليفيض اليسر علي ثوبه ودابته وكل من حوله وما حوله , حتي يلين منه الجلد قال الله تعالي : (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ) (23) الزمر ،فهو يأتي بالعمل الكبير والإنتاج الوفير في وقت قصير , يتحرك كأنه فلك إنساني يدور مع الكواكب ، يعمل ويوجه ، وينظم وينتج في لحظات ما يقصر عنه غيره في شهور وسنوات .., يركض إلى الله حين يمشي العاملون .., ويثب إلى الله حين يركض المخلصون .. , ويطير إلى الله حين يثب المصلحون .., يختزل الحياة اختزالاً ، كأنما يسابق الأفلاك في دورانها ، خطواته خطوات العماليق ، وجهاده جهود أمة كاملة لا فرد محدود ،
الدعاء