خطبة عن ( مَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ )
أكتوبر 23, 2021خطبة عن طغيان الانسان: ( كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى )
أكتوبر 23, 2021الخطبة الأولى ( حقيقة الإنسان في القرآن )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته :{وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} [ق: 16]
إخوة الإسلام
لقاؤنا اليوم -إن شاء الله- مع حقيقة الإنسان كما جاءت في آيات القرآن الكريم ، فالله الرحمن هو الذي خلق الإنسان ، وهو الذي برأ روحه ؛ وركب أعضاءه ، ويعلم ظاهره وباطنه ، فمهما تفرعت دروب أعماق الإنسان ، فالله تعالى عليم بذات الصدور . فتعالوا بنا اليوم -إن شاء الله- نقرأ القرآن، ونستعرض بعض آياته التي تحدثت عن حقيقة الإنسان ، لنرى كيف يبينها الله لنا، وكيف يرشدنا الله تعالى للتعامل معها. فحقيقة الإنسان الأول : أنه مخلوق من الأرض.. ومن ترابها وطينها.. ومن عناصرها ومكوناتها ، قال الله تعالى : {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ} [المؤمنون: 12]، فكل نظرية مخالفة لهذه الحقيقة القرآنية فهي خاطئة ، وهي وسوسة من الشياطين؛ لأن الذي أخبر بهذه الحقيقة هو خالق الإنسان ، ولأن الأراضي تختلف فكذلك اختلف البشر، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ آدَمَ مِنْ قَبْضَةٍ قَبَضَهَا مِنْ جَمِيعِ الْأَرْضِ ، فَجَاءَ بَنُو آدَمَ عَلَى قَدْرِ الْأَرْضِ ، مِنْهُمُ الْأَحْمَرُ وَالْأَسْوَدُ وَالْأَبْيَضُ وَالْأَصْفَرُ، وَبَيْنَ ذَلِكَ (لأنها أساس الألوان وإذا خلطت أعطت ألوانا جديدة) وَالسَّهْلُ وَالْحَزْنُ ، وَالْخَبِيثُ وَالطِّيبُ) رواه الترمذي وصحّحه الألباني ،ومن حقائق الإنسان القرآنية : أن الإنسان بخيل ،يقتر على نفسه ، وقد جبل على الإمساك والتقتير ، قال الله تعالى :{قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفَاقِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ قَتُورًا } [الإسراء: 100]. وهذه الصفات ذمها الله تعالى ، وكذلك في الطرف الآخر ،ذم الله أيضا التبذير والإسراف ، فلا يصح التطرف ، وإنما حثنا الله على التوسط بين الطرفين، فلا نقتر ولا نبذر، وإنما نتصدق على المحتاجين، ونكرم الضيوف، ونعطي كل ذي حق حقه ونحو ذلك، قال الله تعالى : (وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا) (29) الاسراء ،وقال الله سبحانه:{وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا} [الإسراء: 26]، ومن حقائق الإنسان القرآنية: أن الإنسان ظلوم وجهول ، ولا يعلم ما ينفعه وما يضره ، فعلمه محدود ، ونظره قاصر ، قال الله تعالى : {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} [الأحزاب: 72]، فصفة الظلم والجهل أصل في بني الإنسان، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى : ” … وَالْإِنْسَانُ خُلِقَ ظَلُومًا جَهُولًا؛ فَالْأَصْلُ فِيهِ عَدَمُ الْعِلْمِ، وَمَيْلُهُ إلَى مَا يَهْوَاهُ مِنْ الشَّرِّ؛ فَيَحْتَاجُ دَائِمًا إلَى عِلْمٍ مُفَصَّلٍ يَزُولُ بِهِ جَهْلُهُ، وَعَدْلٍ فِي مَحَبَّتِهِ وَبُغْضِهِ وَرِضَاهُ وَغَضَبِهِ وَفِعْلِهِ وَتَرْكِهِ وَإِعْطَائِهِ وَمَنْعِهِ…” ،ومن حقائق الإنسان القرآنية: أن الإنسان عجول ، يتعجل النتائج ، ويستكثر من الخير ،قال الله سبحانه: {وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا} [الإسراء: 11]. فالعجلة صفة في بني الإنسان ، وفي صحيح مسلم : (عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: « لَمَّا صَوَّرَ اللَّهُ آدَمَ فِي الْجَنَّةِ تَرَكَهُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَتْرُكَهُ فَجَعَلَ إِبْلِيسُ يُطِيفُ بِهِ يَنْظُرُ مَا هُوَ فَلَمَّا رَآهُ أَجْوَفَ عَرَفَ أَنَّهُ خُلِقَ خَلْقًا لاَ يَتَمَالَكُ ». فالإنسان من طبعه أنه يستعجل في طلب الشيء ، بلا تفكر في صلاحه من فساده، بل يسعى إليه بمجرد ذكره ، والعجلة صفة ذمها الدين ، بل حتى على مستوى الدنيا، ولذا لا تكاد تجد فشلا محليا ، أو مصيبة عالمية ، إلا كان للعجلة دور فيها ، وقد أرشد الله البشرية إلى علاج العجلة، وذلك بالتأني والسكينة والحلم، وأمثال هذه الصفات الطيبة التي تضاد العجلة ، كما مدح الله عباده فقال الله تعالى: (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا) الفرقان 63. وفي صحيح مسلم : (وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لِلأَشَجِّ أَشَجِّ عَبْدِ الْقَيْسِ « إِنَّ فِيكَ خَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللَّهُ الْحِلْمُ وَالأَنَاةُ ». والعجلة مذمومة حتى في طلب إجابة الدعاء ، ففي صحيح البخاري يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (يُسْتَجَابُ لِأَحَدِكُمْ مَا لَمْ يَعْجَلْ يَقُولُ دَعَوْتُ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي). أما أشنع أنواع العجلة فهي التي يقدم فيها الإنسان دنياه الناقصة الفانية على آخرته الكاملة الباقية، قال الله سبحانه: {كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ (20) وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ } [القيامة: 20، 21]، وقال الله عز وجل: {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلَا تَعْقِلُونَ} [القصص: 60]، ومن حقائق الإنسان القرآنية: أن الإنسان يطغى إذا شعر بالاستغناء ، ويتجاوز الحدود إذا ما استشعر القوة ، يقول الله سبحانه:{كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى } [العلق: 6 – 7]، فعندما يرى الإنسان نفسه مستغنيا عن المخلوق والخالق يطغى على غيره؛ والعجب من هذا الإنسان إذ كيف يستغني عن الله وإليه سيرجع؟ ، قال الله تعالى : { كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى (7) إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى} [العلق: 6 – 8] .يقول ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى :”وَإِلَّا فَالْخَلْقُ كُلُّهُمْ مُحْتَاجُونَ ، لَكِنْ يَظُنُّ أَحَدُهُمْ نَوْعَ اسْتِغْنَاءٍ فَيَطْغَى .كَمَا قَالَ تَعَالَى :{ كَلَّا إنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى } { أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى } ” ،ومن حقائق الإنسان القرآنية: أن الإنسان معوج التفكير في كثير من أموره ، مخالف للطبائع السليمة ، والآراء السديدة ، ومن الأمثلة على ذلك قوله تعالى : {فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ} [الفجر: 15، 16]، فإذا أنعم الله على الإنسان ظنَ أنه كريم عند الله ،وأن له جاها ومنزلة ، ولم يدر أن الغنى ابتلاء وليس لكرامة الغني ، وإذا أفقر الله الإنسان ، ظن أن الفقر علامة على أنه مهانٌ عند الله فليست له قيمة ، ولم يدر أن الفقر ابتلاء ، ولا يدل على أن الإنسان مبغوض عند الله. فانظروا كيف عدل الله تفكير الإنسان ،بأن الفقر والغنى ابتلاء ، لا يدلان على محبة ورضى الله. وانظروا كيف يقوم القرآن تفكير الإنسان المعوج، وصدق الله سبحانه عندما قال: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [الإسراء: 9] ، ومن حقائق الإنسان القرآنية: أن الإنسان مكابد ، لا يهدأ له بال حتى يحقق ما يسعده في دنياه ، قال الله تعالى :{ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ } [البلد: 4]، فالإنسان دائما يكابد سواء في خير أو في شر، أو لعب أو جد ، قال الله تعالى : {يا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ} [الانشقاق: 6]، فإذا كان الإنسان مخلوق للكبد ، فمشاريع الكسل ،وغلو الرفاهية ، لن تناسب تكوينه، وإذا كان الإنسان سيكابد ولا بد ، فليجعل كَده في الخير لا في الشر. ومن حقائق الإنسان القرآنية: أن الإنسان مجادل بطبعه، قال الله تعالى: {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا} [الكهف: 54]، فعندما يتبين الحق للإنسان فالجدل وقتها يقود إلى ضد الحق وهو الضلال؛ ولذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَا ضَلَّ قَوْمٌ بَعْدَ هُدًى كَانُوا عَلَيْهِ إِلَّا أُوتُوا الْجَدَلَ ، ثُمَّ تَلَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الْآيَةَ :{ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ } رواه الترمذي وحسنه الألباني.وفي سنن أبي داود وغيره (عَنْ أَبِى أُمَامَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : « أَنَا زَعِيمٌ بِبَيْتٍ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا ..) ، ومن حقائق الإنسان القرآنية: أن الإنسان يكفر ويجحد نعم الله ، فلا يشكر المنعم ، ولا ينسب الفضل لأهله ،قال الله عز وجل:{وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ } [إبراهيم: 34]، وكفر الإنسان يكون واضحا في لحظات رخائه ،عندما يكون مترفا ثريا، أما في لحظات شدة الضراء ،فإن الطبع الإنساني يترك الكفر ،ويعترف بنعمة الله ، يقول الله سبحانه: {وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ} [الزمر: 8]، ويقول الله سبحانه: {وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا} [الإسراء: 67]، ويقول الله سبحانه: {وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ كَفُورٌ} [الشورى: 48]، وهذا الكفر هو الجحود وهو الكنود ، قال الله عز وجل: {إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ (6) وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ} [العاديات: 6، 7]، علما بأن صفة الكفر الموجودة في الإنسان صفة قبيحة جدا ، ذمها الله حتى قال الله سبحانه: { قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ} [عبس: 17]
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( حقيقة الإنسان في القرآن )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
والسؤال : لماذا يكفر الإنسان بالله واليوم الآخر؟ ، فالذي خلق الإنسان وهو العالم بخفاياه ، يقول الله سبحانه: {لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ (1) وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ (2) أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ (3) بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ (4) بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ } القيامة (1): (5)، فالملحد يصرح بالكفر ،ويصرح بأن كفره لأجل أن يعمل ما يشاء في حياته ، بدون محاسبة، قال تعالى :{ يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ (6) فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ (7) وَخَسَفَ الْقَمَرُ (8) وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ (9) يَقُولُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ (10) كَلَّا لَا وَزَرَ (11) إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ (12) يُنَبَّأُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ (13) بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (14) وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ } [القيامة: 6 – 15]، وفي خاتمة السورة يقول سبحانه: {أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى} القيامة (36).، وإذا كفرت النفس الإنسانية بنعمة الخالق ،فلا عجب أن تكفر بنعمة المخلوق؛ فكم من أناس يسيرون في قارات العالم وهم كفار بنعمة المخلوق؛ ولذا يوصي الله الإنسان بمراعاة نعمة المخلوق ،وأولهم الوالدين، {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا } [العنكبوت: 8]، وفي سنن الترمذي : (عَنْ أَبِى سَعِيدٍ قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : « مَنْ لَمْ يَشْكُرِ النَّاسَ لَمْ يَشْكُرِ اللَّهَ ». وفي سنن أبي داود وغيره : ( يقول صلى الله عليه وسلم : وَمَنْ صَنَعَ إِلَيْكُمْ مَعْرُوفًا فَكَافِئُوهُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا مَا تُكَافِئُونَهُ فَادْعُوا لَهُ حَتَّى تَرَوْا أَنَّكُمْ قَدْ كَافَأْتُمُوهُ ». ولأن كفر الإنسان كثير ،فهو دائما يحتاج للتذكير، والقرآن قام بذلك أعظم قيام ،قال الله تعالى : {فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ} [عبس: 24] ، {فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ} [الطارق: 5] ، {أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا} [مريم: 67] ، وإذا لم يتذكر الإنسان الآن ، فسيتذكر يوم القيامة؛ قال الله تعالى : {وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى} [الفجر: 23]، وقال الله تعالى : {يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ مَا سَعَى } [النازعات: 35]، وقال الله تعالى : {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا (1) وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا (2) وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا (3) يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا} [الزلزلة: 1 – 4] ، يقول ابن القيم رحمه الله: ” إن الإنسان لفي خسر، و إن الإنسان لربه لكنود، و إن الإنسان خلق هلوعا، و إن الإنسان ليطغى؛ أن رآه استغنى، و إن الإنسان لظلوم كفار، وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا؛ فهذا شأن الإنسان من حيث ذاته ونفسه ، وخروجه عن هذه الصفات بفضل ربه وتوفيقه له ومنته عليه لا من ذاته ، فليس له من ذاته إلا هذه الصفات ، وما به من نعمة فمن الله وحده ، فهو الذى حبب إلى عبده الإيمان وزينه في قلبه، وكره إليه الكفر والفسوق والعصيان، وهو الذي كتب في قلبه الإيمان، وهو الذي يثبت أنبياءه ورسله وأولياءه على دينه، وهو الذي يصرف عنهم السوء والفحشاء، وكان أحد الصحابة يرتجز بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم : (والله لولا الله ما اهتدينا … ولا تصدقنا ولا صلينا” ،ومن حقائق الانسان في القرآن : أن الانسان ضعيف؛ قال الله عز وجل: {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا (27) يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا} [النساء: 27، 28]، ولأننا ضعفاء فإرشادات الله عز وجل تخرج النفس من الظلمات إلى النور ، قال الله سبحانه:{الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسَانَ} الرحمن 1،2.
أيها المسلمون
فعليكم بالقرآن إذا أردتم معرفة حقيقة النفس ،وما يصلحها وما يفسدها؛ فالقرآن يحذرنا من الصفات السيئة والذميمة مثل التقتير والجدل والجحود والطغيان والعجلة، ويأمرنا بالصفات والأخلاق الكريمة : مثل الكرم والانفاق ، والتواضع ،والتأني ،والصبر ،ورد الجميل والشكر ،وفي الختام فانظروا كيف يبين الله لنا حقيقة النفس ويبين ما يصلحها، ففي سورة المعارج يحذر الإنسانية من الجزع والمنع، ويدل الله الإنسانية إلى ما يمنعها من المنع والهلع ، يقول الله سبحانه: {إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا (21) إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22) الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ (23) وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (25) وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (26) وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (27) إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ (28) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (29) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (30) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (31) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (32) وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ (33) وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (34) أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ } [المعارج: 19 – 35]
الدعاء