خطبة عن (الإيمان هو الذي يهذب الأخلاق ) (إِنَّ الْحَيَاءَ مِنَ الإِيمَانِ)
نوفمبر 6, 2021خطبة حول قصة حديث: (يَا أَعْرَابِيُّ: هَلْ لَكَ فِي كُلِّ دَلْوٍ بِتَمْرَةٍ؟، قُلْتُ: نَعَمْ )
نوفمبر 6, 2021الخطبة الأولى ( بَقِىَ كُلُّهَا غَيْرَ كَتِفِهَا )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى الإمام الترمذي في سننه : ( عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهُمْ ذَبَحُوا شَاةً ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- « مَا بَقِىَ مِنْهَا ». قَالَتْ مَا بَقِىَ مِنْهَا إِلاَّ كَتِفُهَا. قَالَ « بَقِىَ كُلُّهَا غَيْرَ كَتِفِهَا ».
إخوة الإسلام
لقدْ حَثَّ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في أحاديث كثيرة ومتعددة على الإكثارِ مِن الصَّدقةِ، ورغَّب فيها، وأبانَ عِظَمَ أجرِها عِندَ اللهِ سبحانه وتعالى. وفي هذا الحَديثِ الذي بين أيدينا اليوم ، تُخبِرُ عائشةُ رضِيَ اللهُ عَنها: “أنَّهم ذبَحوا”، أي: ذبَح أهلُ بيتِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، وقيل: أصحابُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم “شاةً”، أي: ضَأنًا أو ماعِزًا، “فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: ما بَقي منها؟”، أي: ما فضَل منها، ولم يَخرُجْ صدَقةً، “قلتُ”، أي: قالت عائشةُ رضِيَ اللهُ عنها: “ما بَقي مِنها إلَّا كَتِفُها”، أي: لم يَفضُلْ إلَّا كَتِفُ هذه الشَّاةِ، “قال”، أي: النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: “بقِيَ كلُّها غيرَ كَتِفِها”، أي: إنَّ ما تَأكُلُه في الدُّنيا يَبْلى ويَفْنى، أمَّا الصَّدقةُ فهي الَّتي تَمضي إلى الآخرةِ، فيَبْقى لك ثَوابُها؛ كقولِه تعالى: {مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ} [النحل: 96]. ففي هذا الحديث النبوي الكريم تحريض على الصدقة ، والاهتمام بها، وأن لا يستكثر المرء ما أنفقه فيها، فإنه وإن فني صورة ، فهو باق حقيقة لصاحبه عند الله ، يرى ثوابه مضاعفاً عند حاجته، ومزيد فاقته، والله سبحانه وتعالى ينميه له ، ويكبره ويستكثره له ، كما في الصحيحين واللفظ لمسلم : ( أن أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَا تَصَدَّقَ أَحَدٌ بِصَدَقَةٍ مِنْ طَيِّبٍ – وَلاَ يَقْبَلُ اللَّهُ إِلاَّ الطَّيِّبَ – إِلاَّ أَخَذَهَا الرَّحْمَنُ بِيَمِينِهِ وَإِنْ كَانَتْ تَمْرَةً فَتَرْبُو فِي كَفِّ الرَّحْمَنِ حَتَّى تَكُونَ أَعْظَمَ مِنَ الْجَبَلِ كَمَا يُرَبِّى أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ أَوْ فَصِيلَهُ ». ومن المعلوم أنه في يوم القيامة يكون الناس في العرق على قدر أعمالهم؛ فمنهم من يكون العرق إلى كعبيه، ومنهم من يكون إلى ركبتيه، ومنهم من يكون إلى حِقوَيْه ومنهم من يلجمه العرق إلجاماً ، كما أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولكن هناك أقواما من ذوي الأعمال الجليلة ،والرتب الرفيعة ، لا يعانون من شيء من ذلك، ومن هؤلاء : المتصدقون ، الذين أفادت النصوص بأنهم يكونون في المحشر في ظل صدقاتهم ، تحميهم من شدة الحر، وتدفع عنهم وهج الشمس، ففي مسند أحمد : (عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « كُلُّ امْرِئٍ فِي ظِلِّ صَدَقَتِهِ حَتَّى يُفْصَلَ بَيْنَ النَّاسِ ». أَوْ قَالَ « يُحْكَمَ بَيْنَ النَّاسِ ». قَالَ يَزِيدُ وَكَانَ أَبُو الْخَيْرِ لاَ يُخْطِئُهُ يَوْمٌ إِلاَّ تَصَدَّقَ فِيهِ بِشَيْءٍ وَلَوْ كَعْكَةً أَوْ بَصَلَةً أَوْ كَذَا)، فالصدقة من الأعمال الجليلة التي أخبر صلى الله عليه وسلم بأن العبد يدخرها لغده، ويكتنزها لنفسه، ويجدها عند ربه إذا قدم إليه ،ووقف بين يديه وافرة محفوظة، يشهد لذلك قوله تعالى : (وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (20) المزمل، وقول الله سبحانه وتعالى : (مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (96) النحل، والنصوص النبوية الدالة على أن الصدقة ذخر لصاحبها ، وكنز له كثيرة ، ومنها: ما رواه مسلم في صحيحه : (عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ أَتَيْتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- وَهُوَ يَقْرَأُ (أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ) قَالَ « يَقُولُ ابْنُ آدَمَ مَالِي مَالِي – قَالَ – وَهَلْ لَكَ يَا ابْنَ آدَمَ مِنْ مَالِكَ إِلاَّ مَا أَكَلْتَ فَأَفْنَيْتَ أَوْ لَبِسْتَ فَأَبْلَيْتَ أَوْ تَصَدَّقْتَ فَأَمْضَيْتَ ». بل إنه صلى الله عليه وسلم جعل الصدقة هي مال العبد الحقيقي ، فقد روى البخاري في صحيحه : (قَالَ عَبْدُ اللَّهِ قَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – « أَيُّكُمْ مَالُ وَارِثِهِ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ مَالِهِ » . قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا مِنَّا أَحَدٌ إِلاَّ مَالُهُ أَحَبُّ إِلَيْهِ . قَالَ « فَإِنَّ مَالَهُ مَا قَدَّمَ ، وَمَالُ وَارِثِهِ مَا أَخَّرَ » .
أيها المسلمون
وقد أدرك السلف هذا الأمر واستوعبوه، فاعتنوا بالصدقة والإنفاق في مرضاة الله ـ تعالى ـ أيما عناية؛ ومواقفهم في ذلك أكثر من أن تحصر، ومن ذلك : أن الفاروق عمر ـ رضي الله عنه ـ أرسل بأربعمائة دينار مع غلام إلى أبي عبيدة، وقال للغلام: تَلَهَّ ساعة في البيت حتى تنظر ما يصنع، فذهب بها الغلام إليه، فقال: يقول لك أمير المؤمنين: اجعل هذه في بعض حاجتك. فقال: وصله الله ورحمه. ثم قال: تعالَيْ يا جارية! اذهبي بهذه السبعة إلى فلان، وبهذه الخمسة إلى فلان. حتى أنفدها، فرجع الغلام إلى عمر فأخبره، ووجده قد أعد مثلها لمعاذ، فقال: اذهب بها إلى معاذ بن جبل ثم تَلَهَّ في البيت ساعة حتى تنظر ما يصنع. فذهب بها إليه، فقال: يقول لك أمير المؤمنين: اجعل هذه في بعض حاجتك. فقال: وصله ورحمه، تعالَيْ يا جارية! اذهبي إلى فلان بكذا، وإلى بيت فلان بكذا، وإلى بيت فلان بكذا. فاطلعت امرأة معاذ، فقالت: نحن والله مساكين فأعطنا. فلم يبق في الخرقة إلا ديناران فدفع بهما إليها، ورجع الغلام إلى عمر فأخبره فَسُرَّ بذلك، وقال: إنهم إخوةٌ بعضهم من بعض” ، وها هو عثمان ـ رضي الله عنه ـ: “يجهز جيش العسرة ،ويشتري بئر رومة ،وأرضاً بجوار المسجد ليوسع به من صلب ماله” ،وها هـو طلحة بـن عبيـد الله ـ رضي الله عنه ـ: “يتصدق يوماً بمائة ألف درهم، وأخرى بأربعمائة ألف، وباع أرضاً له بسبعمائة ألف، فبات أرِقاً من مخافة المال حتى أصبـح ففرقه”، وها هو عبد الرحمن بن عوف ـ رضي الله عنه ـ يسمـع رسول الله صلى الله عليه وسلم يحـث على الصـدقة، فيقول: “يا رسول الله! عندي أربعة آلاف: ألفان أقرضهما ربي، وألفان لعيالي” ثم تصدق بعد ذلك بأربعين ألف، ثم تصدق بأربعين ألف دينار، ثم حمل على خمسمائة فرس في سبيل الله، ثم على ألف وخمسمائة راحلة في سبيل الله”
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( بَقِىَ كُلُّهَا غَيْرَ كَتِفِهَا )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومازال حديثنا موصولا عن الصدقة ، وعن حال السلف الصالح في الصدقات : فها هو سعيد بن عامر الجمحي ـ رضي الله عنه ـ “بعث إليه عمر بألف دينار، وقال: استعن بها على أمرك. فقالت امرأته: الحمد الله الذي أغنانا عن خدمتك. فقال لها: فهل لك في خير من ذلك؟! ندفعها إلى من يأتينا بها أحوج ما نكون إليها. قالت: نعم. فدعا رجلاً من أهل بيته يثق به فصررها صرراً ثم قال: انطلق بهذه إلى أرملة آل فلان، وإلى يتيم آل فلان، وإلى مسكين آل فلان، وإلى مبتلى آل فلان. فبقيت منه ذهيبة فقال: أنفقي هذه. ثم عاد إلى عمله، فقالت: ألا تشتري لنا خادماً؟! وما فعل ذلك المال؟ قال: سيأتيك أحوج ما تكونين” ، وهذا مـرثد المزني : كان لا يخطئه يـوم لا يتصدق فيه بشيء، ولا يخرج إلى المسجد إلا وفي كُمِّه صدقة: إما نقود، وإما خبز، وإما قمح ،حتى ربما شوهد ومعه في كُمِّه بصل، فيقال له: إن هذا ينتن ثيابك. فيقول: إني لم أجد في البيت شيئاً أتصدق به غيره، إنه حدثني رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “ظل المؤمن يوم القيامة صدقته” ، وهذا شبيب بن شيبة يقول: “كنا بطريق مكة وبين أيدينا سفرة لنا نتغدى في يوم قائظ، فوقف علينا أعرابي ومعه جارية له زنجية، فقال: يا قوم! أفيكم أحد يقرأ كلام الله حتى يكتب لي كتاباً؟ قال: قلنا: أَصِبْ من غدائنا حتى نكتب لك ما تريد. قال: إني صائم. فعجبنا من صومه في تلك البرية، فلما فرغنا من غدائنا دعونا به، فقلنا: ما تريد؟ فقال: أيها الرجل! إن الدنيا قد كانت ولم أكن فيها، وستكون ولا أكون فيها، فإني أردت أن أعتق جاريتي هذه لوجه الله ،وليوم العقبة، أتدري ما يوم العقبة، قوله ـ عز وجل ـ: (فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (12) فَكُّ رَقَبَةٍ (13) أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14) يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ (15) أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ (16) ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ (17) أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ) (11): (18) البلد، فاكتب ما أقول لك ، ولا تزيدن حرفاً: هذه فلانة خادم فلان ،قد أعتقها لوجه الله ،وليوم العقبة. قال شبيب: فأتيت بغداد فحدثت بهذا الحديث المهدي، فقال: مائة نسمة تُعتق على عُهدة الأعرابي”
الدعاء