خطبة عن الصدقة ، وحديث ( بَقِىَ كُلُّهَا غَيْرَ كَتِفِهَا )
نوفمبر 6, 2021خطبة عن (إِذَا سَرَّتْكَ حَسَنَتُكَ) مختصرة
نوفمبر 6, 2021الخطبة الأولى ( يَا أَعْرَابِيُّ : هَلْ لَكَ فِي كُلِّ دَلْوٍ بِتَمْرَةٍ؟ ، قُلْتُ : نَعَمْ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى الإمام الترمذي بسند حسنه : ( أن عَلِىَّ بْنَ أَبِى طَالِبٍ يَقُولُ : خَرَجْتُ فِي يَوْمٍ شَاتٍ مِنْ بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- ، وَقَدْ أَخَذْتُ إِهَابًا مَعْطُونًا ،فَحَوَّلْتُ وَسَطَهُ فَأَدْخَلْتُهُ عُنُقِي ، وَشَدَدْتُ وَسَطِى فَحَزَمْتُهُ بِخُوصِ النَّخْلِ ، وَإِنِّي لَشَدِيدُ الْجُوعِ ، وَلَوْ كَانَ فِي بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- طَعَامٌ لَطَعِمْتُ مِنْهُ ، فَخَرَجْتُ أَلْتَمِسُ شَيْئًا ، فَمَرَرْتُ بِيَهُودِيٍّ فِي مَالٍ لَهُ، وَهُوَ يَسْقِى بِبَكَرَةٍ لَهُ ، فَاطَّلَعْتُ عَلَيْهِ مِنْ ثُلْمَةٍ فِي الْحَائِطِ ، فَقَالَ مَا لَكَ يَا أَعْرَابِيُّ ، هَلْ لَكَ فِي كُلِّ دَلْوٍ بِتَمْرَةٍ ، قُلْتُ نَعَمْ ، فَافْتَحِ الْبَابَ حَتَّى أَدْخُلَ ، فَفَتَحَ ، فَدَخَلْتُ ، فَأَعْطَانِي دَلْوَهُ ، فَكُلَّمَا نَزَعْتُ دَلْوًا أَعْطَانِي تَمْرَةً ، حَتَّى إِذَا امْتَلأَتْ كَفِّى ، أَرْسَلْتُ دَلْوَهُ ، وَقُلْتُ حَسْبِي ، فَأَكَلْتُهَا ، ثُمَّ جَرَعْتُ مِنَ الْمَاءِ ، فَشَرِبْتُ ، ثُمَّ جِئْتُ الْمَسْجِدَ ، فَوَجَدْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِيهِ )
إخوة الإسلام
موعدنا اليوم -إن شاء الله- مع قصة هذا الحديث ، والذي يتبين لنا من خلاله شظف العيش ، وقلة المؤنة ، التي كان يعيشها الامام علي وزوجه فاطمه ( رضي الله عنهما ) ، ويعيشها الكثير من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومع ذلك ، فلم يمنعهم هذا من البذل والعطاء ، والجود والكرم ، والرضا بما قسم الله ، وشكر الله تعالى على نعمه ، وفي قول الإمام علي ( رضي الله عنه ) : (فَمَرَرْتُ بِيَهُودِيٍّ فِي مَالٍ لَهُ ،وَهُوَ يَسْقِى بِبَكَرَةٍ لَهُ ، فَاطَّلَعْتُ عَلَيْهِ مِنْ ثُلْمَةٍ فِي الْحَائِطِ ، فَقَالَ مَا لَكَ يَا أَعْرَابِيُّ ، هَلْ لَكَ فِي كُلِّ دَلْوٍ بِتَمْرَةٍ ، قُلْتُ نَعَمْ ، فَافْتَحِ الْبَابَ حَتَّى أَدْخُلَ ، فَفَتَحَ فَدَخَلْتُ ،فَأَعْطَانِي دَلْوَهُ فَكُلَّمَا نَزَعْتُ دَلْوًا أَعْطَانِي تَمْرَةً) ،ففي ذلك شاهد ودليل على أن الإمام عليا ( رضي الله عنه) لم يستنكف أن يعمل دلاء عند هذا اليهودي ، ولم يحتقر هذا العمل ، فالمؤمن لا يحتقر عملا شريفا ، ولا يستنكف أن يعمل أي عمل شريف ، يكتسب منه قوته ، ويحصن به نفسه من ذل المسألة ، فالمؤمن يطلب الحرف والصناعات والمهارات التي يعيش من وراءها ، ويستغني من مردودها، فيتعلم ما يدر عليه من الرزق ، مما أباح الله سبحانه وتعالى، يتعلم كل ما فيه نفعٌ وفيه مردود حلال ليحصل على الرزق، وهناك رواية لهذا الحديث ، فيها زيادة مرسلة ، جاءت في الأجوبة المرضية : يقول فيها الإمام علي ( رضي الله عنه ) : ( فأكلت وشربت من الماء ، ثم قلت يا لك بطنا ، لقد لقيت اليوم خيرا ، ثم نزعت مثل ذلك لابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم وضعت ، ثم انقلبت راجعا ، حتى إذا كنت ببعض الطريق ، إذا أنا بدينار ملقي ، فلما رأيته ، وقفت أنظر إليه ، أؤامر نفسي أآخذه أم أذره، فأبت نفسي إلا أخذه ، وقلت أستشير رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخذته ، فلما جئتها، أخبرتها الخبر ، قالت هذا من رزق الله ، فانطلق فاشتري لنا دقيقا ، فانطلقت ، حتى جئت السوق ، فإذا بيهودي من يهود فدك يبيع دقيقا من دقيق الشعير ، فاشتريت منه ، فلما اكتلت ، قال ما أنت من أبي القاسم ، قلت ابن عمه ،وابنته امرأتي ،فأعطاني الدينار ، فجئتها، فأخبرتها الخبر ، فقالت هذا رزق من الله عز وجل ،فاذهب به فأرهنه بثمانية قراريط ذهب في لحم ،ففعلت ، ثم جئتها به ، فقطعته لها ،ونصبت ،ثم عجنت ،وخبزت ،ثم صنعنا طعاما ، وأرسلنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجاءنا ، فلما رأى الطعام قال: ما هذا؟ ، ألم تأتي آنفا فتسألني؟ ، فقلنا بلى ، اجلس يا رسول الله نخبرك الخبر ،فإن رأيته طيبا أكلت وأكلنا ، فأخبرناه الخبر ،فقال هو طيب فكلوا بسم الله ،ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج فإذا هو بأعرابية ،تشتد كأنها نزع فؤادها ،فقالت يا رسول الله ،إني أبضع مني بدينار ،فسقط مني والله ما أدري أين سقط ، فانظر بأبي وأمي أن يذكر لك ،فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ادعي لي علي بن أبي طالب ،فجئته ،فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اذهب إلى الجزار ،فقل له إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن قراريطك علي ، فأرسل بالدينار ، فأعطاه الأعرابية فذهبت )، فتوضح هذه الرواية حرص النبي صلى الله عليه وسلم لأداء الأمانة ، وأن من وجد ( لقطة ) وعرف صاحبها فعليه أن يردها إليه ، وبدون مقابل ، ولا يحل له أن يأخذها بعدما عرف صاحبها ، وإن كانت اللقطة طعاما ، وأكله ، أو شيئا باعه ، فعليه أن يدفع لصاحبها ثمنه ، أو يعفو عنه ، ففي الصحيحين واللفظ للبخاري : (عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – سَأَلَهُ رَجُلٌ عَنِ اللُّقَطَةِ فَقَالَ « اعْرِفْ وِكَاءَهَا – أَوْ قَالَ وِعَاءَهَا – وَعِفَاصَهَا ، ثُمَّ عَرِّفْهَا سَنَةً ، ثُمَّ اسْتَمْتِعْ بِهَا ، فَإِنْ جَاءَ رَبُّهَا فَأَدِّهَا إِلَيْهِ »، وفي صحيح مسلم : (سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَنِ اللُّقَطَةِ الذَّهَبِ أَوِ الْوَرِقِ فَقَالَ : « اعْرِفْ وِكَاءَهَا وَعِفَاصَهَا ثُمَّ عَرِّفْهَا سَنَةً فَإِنْ لَمْ تَعْرِفْ فَاسْتَنْفِقْهَا وَلْتَكُنْ وَدِيعَةً عِنْدَكَ فَإِنْ جَاءَ طَالِبُهَا يَوْمًا مِنَ الدَّهْرِ فَأَدِّهَا إِلَيْهِ »
أيها المسلمون
ومن وجوه الاكتساب : الاحتراف والكد باليد ، ولهذا جاء في سنن ابن ماجه : (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- يَسْأَلُهُ فَقَالَ « لَكَ فِي بَيْتِكَ شَيْءٌ ». قَالَ بَلَى حِلْسٌ نَلْبَسُ بَعْضَهُ وَنَبْسُطُ بَعْضَهُ وَقَدَحٌ نَشْرَبُ فِيهِ الْمَاءَ. قَالَ « ائْتِنِي بِهِمَا ». قَالَ فَأَتَاهُ بِهِمَا فَأَخَذَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِيَدِهِ ثُمَّ قَالَ « مَنْ يَشْتَرِى هَذَيْنِ ». فَقَالَ رَجُلٌ أَنَا آخُذُهُمَا بِدِرْهَمٍ. قَالَ « مَنْ يَزِيدُ عَلَى دِرْهَمٍ ». مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا قَالَ رَجُلٌ أَنَا آخُذُهُمَا بِدِرْهَمَيْنِ. فَأَعْطَاهُمَا إِيَّاهُ وَأَخَذَ الدِّرْهَمَيْنِ فَأَعْطَاهُمَا الأَنْصَارِيَّ وَقَالَ « اشْتَرِ بِأَحَدِهِمَا طَعَامًا فَانْبِذْهُ إِلَى أَهْلِكَ وَاشْتَرِ بِالآخَرِ قَدُومًا فَأْتِنِي بِهِ ». فَفَعَلَ فَأَخَذَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَشَدَّ فِيهِ عُودًا بِيَدِهِ وَقَالَ « اذْهَبْ فَاحْتَطِبْ وَلاَ أَرَاكَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا ». فَجَعَلَ يَحْتَطِبُ وَيَبِيعُ فَجَاءَ وَقَدْ أَصَابَ عَشْرَةَ دَرَاهِمَ فَقَالَ « اشْتَرِ بِبَعْضِهَا طَعَامًا وَبِبَعْضِهَا ثَوْبًا ». ثُمَّ قَالَ « هَذَا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ تَجِيءَ وَالْمَسْأَلَةُ نُكْتَةٌ فِي وَجْهِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ الْمَسْأَلَةَ لاَ تَصْلُحُ إِلاَّ لِذِى فَقْرٍ مُدْقِعٍ أَوْ لِذِى غُرْمٍ مُفْظِعٍ أَوْ دَمٍ مُوجِعٍ ». فلا يجوز للإنسان أن يلجأ إلى السؤال، إلا إذا لم يجد عملاً ،أو إذا كان عاجزاً عن العمل جسدياً ،فإنه حين إذ يسأل بقدر حاجته ، ثم يكف عن السؤال، وعلى المسلم أن يطلب الرزق من أي وجه أباحه الله سبحانه وتعالى،
أيها المسلمون
وهكذا يتبين لنا أنه لم يَكُن النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وصَحابتُه الكِرامُ رِضْوانُ اللهِ عَلَيهم يَعيشونَ رَغَدَ العَيشِ، وهَناءةَ المقامِ، بَل كانوا يُقاسونَ ظُروفَ الحَياةِ، ومَع ذَلِكَ لَم يَمنَعْهم ذَلِكَ بِبَذلِ مَزيدٍ مِن العَطاءِ والبَذلِ والتَّضحيةِ مِن أجْلِ هَذا الدِّينِ، فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَنَّهَا قَالَتْ لِعُرْوَةَ: ابْنَ أُخْتِي إِنْ كُنَّا لَنَنْظُرُ إِلَى الهِلاَلِ، ثُمَّ الهِلاَلِ، ثَلاَثَةَ أَهِلَّةٍ فِي شَهْرَيْنِ، وَمَا أُوقِدَتْ فِي أَبْيَاتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَارٌ، فَقُلْتُ يَا خَالَةُ: مَا كَانَ يُعِيشُكُمْ؟ قَالَتْ: ” الأَسْوَدَانِ: التَّمْرُ وَالمَاءُ، إِلَّا أَنَّهُ قَدْ كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جِيرَانٌ مِنَ الأَنْصَارِ، كَانَتْ لَهُمْ مَنَائِحُ، وَكَانُوا يَمْنَحُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَلْبَانِهِمْ، فَيَسْقِينَا) رواه البخاري ،وعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: كَانَ يَأْتِي عَلَيْنَا الشَّهْرُ مَا نُوقِدُ فِيهِ نَارًا، إِنَّمَا هُوَ التَّمْرُ وَالمَاءُ، إِلَّا أَنْ نُؤْتَى بِاللُّحَيْمِ) رواه البخاري ،وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ – أَوْ لَيْلَةٍ – فَإِذَا هُوَ بِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَقَالَ: مَا أَخْرَجَكُمَا مِنْ بُيُوتِكُمَا هَذِهِ السَّاعَةَ؟ قَالَا: الْجُوعُ يَا رَسُولَ اللهِ،، قَالَ: وَأَنَا، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَأَخْرَجَنِي الَّذِي أَخْرَجَكُمَا، قُومُوا، فَقَامُوا مَعَهُ، فَأَتَى رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ فَإِذَا هُوَ لَيْسَ فِي بَيْتِهِ، فَلَمَّا رَأَتْهُ الْمَرْأَةُ، قَالَتْ: مَرْحَبًا وَأَهْلًا، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيْنَ فُلَانٌ؟ قَالَتْ: ذَهَبَ يَسْتَعْذِبُ لَنَا مِنَ الْمَاءِ، إِذْ جَاءَ الْأَنْصَارِيُّ، فَنَظَرَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَاحِبَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ مَا أَحَدٌ الْيَوْمَ أَكْرَمَ أَضْيَافًا مِنِّي، قَالَ: فَانْطَلَقَ، فَجَاءَهُمْ بِعِذْقٍ فِيهِ بُسْرٌ وَتَمْرٌ وَرُطَبٌ، فَقَالَ: كُلُوا مِنْ هَذِهِ، وَأَخَذَ الْمُدْيَةَ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِيَّاكَ، وَالْحَلُوبَ، فَذَبَحَ لَهُمْ، فَأَكَلُوا مِنَ الشَّاةِ وَمِنْ ذَلِكَ الْعِذْقِ وَشَرِبُوا، فَلَمَّا أَنْ شَبِعُوا وَرَوُوا، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَتُسْأَلُنَّ عَنْ هَذَا النَّعِيمِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمُ الْجُوعُ، ثُمَّ لَمْ تَرْجِعُوا حَتَّى أَصَابَكُمْ هَذَا النَّعِيمُ) رواه مسلم ، وعن جَابِر بْن عَبْدِ اللهِ، يَقُولُ: لَمَّا حُفِرَ الْخَنْدَقُ رَأَيْتُ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَمَصًا، فَانْكَفَأْتُ إِلَى امْرَأَتِي، فَقُلْتُ لَهَا: هَلْ عِنْدَكِ شَيْءٌ؟ فَإِنِّي رَأَيْتُ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَمَصًا شَدِيدًا، فَأَخْرَجَتْ لِي جِرَابًا فِيهِ صَاعٌ مِنْ شَعِيرٍ، وَلَنَا بُهَيْمَةٌ دَاجِنٌ، قَالَ: فَذَبَحْتُهَا وَطَحَنَتْ، فَفَرَغَتْ إِلَى فَرَاغِي، فَقَطَّعْتُهَا فِي بُرْمَتِهَا، ثُمَّ وَلَّيْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: لَا تَفْضَحْنِي بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ مَعَهُ، قَالَ: فَجِئْتُهُ فَسَارَرْتُهُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّا قَدْ ذَبَحْنَا بُهَيْمَةً لَنَا، وَطَحَنَتْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ كَانَ عِنْدَنَا، فَتَعَالَ أَنْتَ فِي نَفَرٍ مَعَكَ، فَصَاحَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: يَا أَهْلَ الْخَنْدَقِ، إِنَّ جَابِرًا قَدْ صَنَعَ لَكُمْ سُورًا فَحَيَّ هَلًا بِكُمْ، وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تُنْزِلُنَّ بُرْمَتَكُمْ، وَلَا تَخْبِزُنَّ عَجِينَتَكُمْ حَتَّى أَجِيءَ، فَجِئْتُ وَجَاءَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْدَمُ النَّاسَ حَتَّى جِئْتُ امْرَأَتِي، فَقَالَتْ: بِكَ وَبِكَ، فَقُلْتُ: قَدْ فَعَلْتُ الَّذِي قُلْتِ لِي، فَأَخْرَجْتُ لَهُ عَجِينَتَنَا فَبَصَقَ فِيهَا وَبَارَكَ، ثُمَّ عَمَدَ إِلَى بُرْمَتِنَا فَبَصَقَ فِيهَا وَبَارَكَ، ثُمَّ قَالَ: ادْعِي خَابِزَةً فَلْتَخْبِزْ مَعَكِ، وَاقْدَحِي مِنْ بُرْمَتِكُمْ وَلَا تُنْزِلُوهَا وَهُمْ أَلْفٌ، فَأُقْسِمُ بِاللهِ لَأَكَلُوا حَتَّى تَرَكُوهُ وَانْحَرَفُوا، وَإِنَّ بُرْمَتَنَا لَتَغِطُّ كَمَا هِيَ، وَإِنَّ عَجِينَتَنَا – أَوْ كَمَا قَالَ الضَّحَّاكُ: – لَتُخْبَزُ كَمَا هُوَ) رواه مسلم ،وهَذا سَعْدُ بنُ أبي وقَّاصٍ رَضي الله عنه يُخبِر بِما كانَ مِن ذَلِكَ مِنه ويَحْكي رَضي الله عنه ما يَكونُ مِن حالِهم في الغَزْوِ مَع رَسولِ الله مِن قِلَّة المُؤْنةِ، وقِلَّة الزَّاد فيقول كما في صحيح البخاري : ( وكُنَّا نَغْزُو مع النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وما لنا طَعامٌ إلَّا ورَقُ الشَّجَرِ، حتَّى إنَّ أحَدَنا لَيَضَعُ كما يَضَعُ البَعِيرُ أوِ الشَّاةُ، ما له خِلْطٌ) “ما لَه خِلْطٌ”، أي: لا يَختَلِطُ بَعضُه بِبَعضٍ مِن شِدَّة جَفافِه وتَفَتُّتِه، وهذا مُصْعَبٌ بْنَ عُمَيْرٍ القُرَشِيَّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ، ترك حَيَاةَ التَّرَفِ، وَهَجَرَ كَنَفَ أَبَوَيْهِ الكَافِرَيْنِ، وَكَانَا غَنِيَّيْنِ يَعْتَنِيَانِ بِرَفَاهِيَتِهِ، وَقَبِلَ شَظَفَ العَيْشِ مَعَ ثُلَّةِ الشَّبَابِ المُؤْمِنِ فِي دَارِ الأَرْقَمِ بْنِ أَبِي الأَرْقَمِ، فَعَانَى مُعَانَاةً شَدِيدَةً بَعْدَ هَذَا الانْقِلابِ الكُلِّيِّ فِي حَيَاتِهِ؛ فَبَعْدَ الجِدَةِ فَقْرٌ، وَبَعْدَ التَّرَفِ وَالنُّعُومَةِ حِرْمَانٌ وَخُشُونَةٌ، وَبَعْدَ الشِّبَعِ جُوعٌ، وَبَعْدَ الأَمْنِ خَوْفٌ، وَلَكِنَّ مُصْعَبًا وَهَبَ جَسَدَهُ لِقَلْبِهِ، وَضَحَّى بِدُنْيَاهُ لِآخِرَتِهِ، وَتَحَمَّلَ فِي ذَاتِ اللهِ تَعَالَى مَا يَلْقَى، عَنْ سَعْدِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كُنَّا قَبْلَ الهِجْرَةِ يُصِيبُنَا ظَلَفُ العَيْشِ وَشِدَّتُهُ، فَلاَ نَصْبِرُ عَلَيْهِ، فَمَا هُوَ إِلاَّ أَنْ هَاجَرْنَا، فَأَصَابَنَا الجُوعُ وَالشِّدَّةُ، فَاسَتْضْلَعْنَا بِهِمَا، وَقَوَيْنَا عَلَيْهِمَا، فَأَمَّا مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ، فَإِنَّهُ كَانَ أَتْرَفَ غُلاَمٍ بِمَكَّةَ بَيْنَ أَبَوَيْهِ فِيمَا بَيْنَنَا، فَلَمَّا أَصَابَهُ مَا أَصَابَنَا لَمْ يَقْوَ عَلَى ذَلِكَ، فَلَقَدْ رَأَيْتُهُ وَإِنَّ جِلْدَهُ لَيَتَطَايَرُ عَنْهُ تَطَايُرَ جِلْدِ الحَيَّةِ، وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ يَنْقَطِعُ بِهِ، فَمَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَمْشِيَ، فَنَعْرِضُ لَهُ القِسِيَّ ثُمَّ نَحْمِلُهُ عَلَى عَوَاتِقِنَا.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( يَا أَعْرَابِيُّ : هَلْ لَكَ فِي كُلِّ دَلْوٍ بِتَمْرَةٍ؟ ، قُلْتُ : نَعَمْ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
واقتداءً بالنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم كان صحابته رضوان الله عليهم يقومون بما كان يقوم به النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم مِن الأعمال الجليلة والخُلُق الكريم مِن التَّواضُع وخفض الجناح ، فكان أبوبكر رضي الله عنه يحلب الشَّاة لجيرانه، وكان عمر رضي الله عنه يحمل قربة الماء، وكان عثمان رضي الله عنه وهو يومئذ خليفة – يقيل في المسجد ويقوم وأثر الحصباء في جنبه، وكان عليٌّ رضي الله عنه يحمل التَّمر في ملحفة ويرفض أن يحمله عنه غيره، وكان أبو الدَّرداء ينفخ النَّار تحت القِدْر حتى تسيل دموعه. فقد ساروا على نهج الرَّسول الكريم، فلم يستكبر منهم أحدٌ، أو يستنكف عن القيام بتلك الأعمال اليسيرة النَّافعة مهما عَظُمَت مكانة الواحد منهم ، لما استُخلف أبو بكر الصِّدِّيق رضي الله عنه أصبح غاديًا إلى السُّوق، وكان يحلب للحي أغنامهم قبل الخلافة، فلمَّا بُويَع قالت جارية مِن الحي: الآن لا يحلب لنا. فقال: بلى لأحلبنَّها لكم، وإنِّي لأرجو ألَّا يغيِّرني ما دخلت فيه ،وعن طارق بن شهاب، قال: (خرج عمر بن الخطَّاب إلى الشَّام ومعنا أبو عبيدة بن الجرَّاح، فأَتَوا على مخاضة وعمر على ناقة له، فنزل عنها وخلع خفَّيه فوضعهما على عاتقه، وأخذ بزمام ناقته فخاض بها المخاضة، فقال أبو عبيدة: يا أمير المؤمنين! أنت تفعل هذا، تخلع خفَّيك وتضعهما على عاتقك، وتأخذ بزمام ناقتك، وتخوض بها المخاضة؟! ما يسرُّني أنَّ أهل البلد استشرفوك. فقال عمر: أوَّه، لم يقل ذا غيرك أبا عبيدة جعلته نكالًا لأمَّة محمَّد صلى الله عليه وسلم إنَّا كنَّا أذلَّ قوم، فأعزَّنا الله بالإسلام، فمهما نطلب العزَّة بغير ما أعزَّنا الله به أذلَّنا الله) ،وقال الحسن: (رأيت عثمان بن عفان يقيل في المسجد وهو يومئذ خليفة، ويقوم وأثر الحصى بجنبه، فنقول: هذا أمير المؤمنين، هذا أمير المؤمنين) ومرَّ عبد الله بن سلام رضي الله عنه في السُّوق وعليه حزمة مِن حطب، فقيل له: أليس الله قد أعفاك عن هذا؟! قال: بلى، ولكن أردتُ أن أدفع به الكِبْر، (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ كِبْرٍ) رواه مسلم
الدعاء