خطبة عن (فضائل الأنصار، وحديث (مَا رَأَيْنَا قَوْمًا أَبْذَلَ مِنْ كَثِيرٍ وَلاَ أَحْسَنَ مُوَاسَاةً مِنْ قَلِيلٍ )
نوفمبر 27, 2021خطبة حول قوله تعالى (إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ)
ديسمبر 4, 2021الخطبة الأولى ( ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ نَشَرَ اللَّهُ عَلَيْهِ كَنَفَهُ وَأَدْخَلَهُ جَنَّتَهُ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى الإمام الترمذي في سننه بسند حسنه : (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ نَشَرَ اللَّهُ عَلَيْهِ كَنَفَهُ وَأَدْخَلَهُ جَنَّتَهُ : رِفْقٌ بِالضَّعِيفِ ، وَشَفَقَةٌ عَلَى الْوَالِدَيْنِ ، وَإِحْسَانٌ إِلَى الْمَمْلُوكِ »
إخوة الإسلام
لقد جاء الإسلام بشريعة غراء سمحة، ومن أعظم أهدافها نشر الفضيلة والأخلاق، والسمو بالإنسان ، بتهذيب سلوكه وطباعه وعاداته ، للوصول به إلى أعلى مراتب الرقي الأخلاقي، حتى يكون أهلا لتكريم المولى جل وعلا له، كما قال الله تعالى :(وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً) الإسراء 70، كما أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بالرحمة والتراحم فيما بيننا، حتى لا يأكل القوي الضعيف ، ولا يحكمنا قانون الغابة الذي لا يعترف إلا بالقوة، ولا رحمة فيه ولا شفقة! وهو ما يتنافى بالكلية مع المجتمع الإسلامي ، الذي يعطف فيه الغني على الفقير، ويرحم فيه القوي الضعيف ،ويوقر فيه الصغير الكبير، فقد روي عن أنس بن مالك قال: جَاءَ شَيْخٌ يُرِيدُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَبْطَأَ الْقَوْمُ عَنْهُ أَنْ يُوَسِّعُوا لَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَيُوَقِّرْ كَبِيرَنَا) رواه الترمذي ،والحديث النبوي الذي بين أيدينا اليوم -إن شاء الله- يحثنا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم على ثلاثة أعمال ،يدخل الله تعالى بها العبد الجنة ، وينشر عليه كنفه وستره ، ويفوز بعفوه ورضوانه ، ففي قوله صلى الله عليه وسلم : (ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ نَشَرَ اللَّهُ عَلَيْهِ كَنَفَهُ وَأَدْخَلَهُ جَنَّتَهُ : (رِفْقٌ بِالضَّعِيفِ) : فالضعيف يشمل: الخادم، والمريض، ومن حلَّت به مصيبة، والعدوّ بعد الظَّفر به، والأسير ، والمرأة ، واليتيم ، والمسكين ، وغيرهم ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (اللَّهُمَّ إِنِّي أُحَرِّجُ حَقَّ الضَّعِيفَيْنِ الْيَتِيمِ وَالْمَرْأَةِ) رواه أحمد وابن ماجه ، كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بمراعاة حق الضعيف والمريض الذي لا يسعه ما يسع القوي الصحيح، حتى أنه صلى الله عليه وسلم سمى حج الضعيف جهادا. ففي سنن النسائي وغيره : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ : « جِهَادُ الْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ وَالضَّعِيفِ وَالْمَرْأَةِ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ ». وفي أداء العبادات والمناسك فقد دعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بمراعاة الضعفاء ، فقد روي عن أبي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيِّ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لا أَكَادُ أُدْرِكُ الصَّلاةَ مِمَّا يُطَوِّلُ بِنَا فُلانٌ، فَمَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَوْعِظَةٍ أَشَدَّ غَضَبًا مِنْ يَوْمِئِذٍ، فَقَالَ: (أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّكُمْ مُنَفِّرُونَ فَمَنْ صَلَّى بِالنَّاسِ فَلْيُخَفِّفْ فَإِنَّ فِيهِم الْمَرِيضَ، وَالضَّعِيفَ، وَذَا الْحَاجَةِ) متفق عليه ، وعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: (يَا عُمَرُ إِنَّكَ رَجُلٌ قَوِيٌّ لا تُزَاحِمْ عَلَى الْحَجَرِ فَتُؤْذِيَ الضَّعِيفَ، إِنْ وَجَدْتَ خَلْوَةً فَاسْتَلِمْهُ، وَإِلا فَاسْتَقْبِلْهُ فَهَلِّلْ وَكَبِّرْ) رواه أحمد ،هكذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم برعاية حق الضعيف، ونصرته، وإيصال حقه إليه، والوقوف في وجه من يحاول الاعتداء على حقه ،صيانة لحق هذا الضعيف ، الذي في نصرته إرضاء لله تعالى ولنبيه صلى الله عليه وسلم، وقد روي عن الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَبْعٍ : بِعِيَادَةِ الْمَرِيضِ، وَاتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ، وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ، وَنَصْرِ الضَّعِيفِ، وَعَوْنِ الْمَظْلُومِ، وَإِفْشَاءِ السَّلامِ، وَإِبْرَارِ الْمُقْسِمِ،.. ) رواه البخاري ، ولما ولي أبو بكر الصديق رضي الله عنه الخلافة، خطب الناس فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد؛ (فإني قد وليت أمركم ولست بخيركم.. أيها الناس: إن أكيس الكيس التقى، وأعجز العجز الفجور، وإن أقواكم عندي الضعيف حتى آخذ له بحقه، وإن أضعفكم عندي القوي حتى آخذ منه الحق ) ، كما حذر النبي صلى الله عليه وسلم أولياء الأمور من الكيل بمكيالين ، والتفرقة بين الضعيف وصاحب النفوذ عند اقتضاء الحقوق ، والوقوف أمام السلطان، أو في مجلس القضاء.. إلخ، ففي الصحيحين واللفظ لمسلم : (عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّهُمْ شَأْنُ الْمَرْأَةِ الْمَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ، فَقَالُوا: وَمَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالُوا: وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ حِبُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَلَّمَهُ أُسَامَةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ؟ ثُمَّ قَامَ فَاخْتَطَبَ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِم الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِم الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ، وَأيْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا) ، ومن صور الشفقة والرحمة بالمريض الذي اعترته حالة من الضعف، أن يُطلب ممن قام على تمريضه أو جاء لعيادته، أن يكون لطيفاً رفيقاً بحاله، ومن ذلك: التلطُّف في خدمته، والاستئذان عليه برفق، وعدم الإلحاح عليه في سؤال أو نحوه، وعدم إجهاده بكثرة الكلام، وتخفيف الجلوس عنده، وعدم الحضور إليه في وقت لا يُعاد فيه، وإظهار الرِّقَّة له، والدعاءُ له، والتوسيع له في الأمل، والإشارة عليه بالصبر .
أيها المسلمون
أما قوله صلى الله عليه وسلم : (وَشَفَقَةٌ عَلَى الْوَالِدَيْنِ ) : فبر الوالدين والاحسان إليهما ، والشفقة بهما ، من أفضل العبادات ،وأجل القربات ، وهي طريق إلى الجنة ، وسبب للمغفرة ، وزيادة في العمر ، وبركة في الرزق. فالأبوان رمز العطف ، وعنوان الشفقة ، ومهبط الرحمة، وهما زينة الحياة ،وسعادة الوجود ، واستمرار الأنس ، وامتداد الرعاية ، والشعور بالعناية. الأبوان وجودهما دعاء مستمر، وحرص مستنير، وعاطفة ملازمة، ورحمة مخيمة. قال الله تعالى : (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) [النساء: 36]، وقال – جل وعلا -: (وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ) [لقمان: 14]، وقال الله تعالى : (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) [الإسراء23 – 24]. ففي قوله تعالى : (وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ) [الإسراء: 24]، هنا يشف التعبير ويلطف ، حتى يبلغ شغاف القلب، فهي الرحمة ، حتى لكأنها الذل الذي لا يرفع عيناً ، ولا يرقب أمراً ، وكأن ما لهذا الذل جناح يخفضه إيذاناً بالسلام والاستسلام وفي قوله تعالى : (وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) [الإسراء: 24]، ، فهذا أمر بالدعاء ، ولفتة للتذكير بأيام الطفولة الضعيفة التي رعاها الوالدان، هكذا تتجلى عظمة القرآن ، وروعة أحكامه ، وسمو تعاليمه ، وقمة آدابه ، فهو من لدن حكيم عليم.
أيها المسلمون
ولكن من المؤسف أن تجد من الأولاد من لا يراعى حق والديه, ولا يراعى مشاعرهما؛ فتراه لا يأنف من إبكائهما, وتحزينهما, ونهرهما, والتأفّف والتضجّر من أوامرهما, والعبوس وتقطيب الجبين أمامهما؛ فمن الناس من تجده في المجالس هاشًّا باشًّا حسَن المعشر؛ فإذا دخل المنزل, وجلس إلى والديه انقلب ليثاً هصوراً لا يلوي على شيء؛ حيث تتبدّل حاله, فتذهب وداعته, وتحلّ غلظته وفظاظته. ومن الأولاد من ينظر إلى والديه شزَراً, قال معاوية بن إسحاق عن عروة بن الزبير – رحمهم الله ورضي عنهم: “ما بَرَّ والدَه مَنْ شَدَّ الطّرفَ إليه”. ومن قلّة المراعاة لمشاعر الوالدين قلّة الاعتداد برأيهما, والإشاحة بالوجه عنهما إذا تحدّثا, وإثارة المشكلات أمامهما, وذمّهما عند الناس، والقدح فيهما، والتبرّؤ منهما، والحياء من الانتساب إليهما ، كل ذلك داخل في العقوق وقلة الرعاية لمشاعر الوالدين ، ومن هنا كانت وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم لنا بالعطف والشفقة على الوالدين ، وحسن صحبتهما ، والإحسان إليهما .
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ نَشَرَ اللَّهُ عَلَيْهِ كَنَفَهُ وَأَدْخَلَهُ جَنَّتَهُ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ثم نأتي إلى قوله صلى الله عليه وسلم : (وَإِحْسَانٌ إِلَى الْمَمْلُوكِ ) : فمن الأدلّة على الرِّفق بالخادم والمملوك ومن كان في حكمه: ما رواه عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: سَمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( مَنْ لَطَمَ مملوكَه أو ضربَه فكفَّارتُه أن يُعْتِقَه ) رواه مسلم ، ونقل النووي عن العلماء قولهم: (في هذا الحديث: الرِّفقُ بالمماليك، وحُسْنُ صحبتهم، وكفُّ الأذى عنهم ) ،وروى مسلم في صحيحه : (قَالَ أَبُو مَسْعُودٍ الْبَدْرِىُّ كُنْتُ أَضْرِبُ غُلاَمًا لِي بِالسَّوْطِ فَسَمِعْتُ صَوْتًا مِنْ خَلْفِي « اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ ». فَلَمْ أَفْهَمِ الصَّوْتَ مِنَ الْغَضَبِ – قَالَ – فَلَمَّا دَنَا مِنِّى إِذَا هُوَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَإِذَا هُوَ يَقُولُ « اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ ». قَالَ فَأَلْقَيْتُ السَّوْطَ مِنْ يَدِى فَقَالَ « اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ أَنَّ اللَّهَ أَقْدَرُ عَلَيْكَ مِنْكَ عَلَى هَذَا الْغُلاَمِ ». قَالَ فَقُلْتُ لاَ أَضْرِبُ مَمْلُوكًا بَعْدَهُ أَبَدًا). وفي الصحيحين واللفظ للبخاري : (عَنِ الْمَعْرُورِ قَالَ لَقِيتُ أَبَا ذَرٍّ بِالرَّبَذَةِ ، وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ ، وَعَلَى غُلاَمِهِ حُلَّةٌ ، فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ ، فَقَالَ إِنِّي سَابَبْتُ رَجُلاً ، فَعَيَّرْتُهُ بِأُمِّهِ ، فَقَالَ لِيَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – « يَا أَبَا ذَرٍّ أَعَيَّرْتَهُ بِأُمِّهِ إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ ، إِخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ ، جَعَلَهُمُ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ ، فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ ، وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ ، وَلاَ تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ ، فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ » ، وأما الأسير: فإن الإسلام دين الرِّفق بكلِّ ما تحمله الكلمة من معنى؛ ليشمل هذا الرِّفق أسير الحرب الذي كان من قريب يحمل السلاح في وجوهنا، ويقصد الإيقاع بنا. وقد عرف المسلمون هذا الحقَّ للأسير – كما عرفوه سلوكاً عاماً يضبط تصرفاتهم وأحوالهم مطلقاً – من هدي نبيهم الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، في وقتٍ شاع فيه الظُّلم والاضطهاد والفوضى، ومن قبل أن تضطّر البشرية إلى إقامة منظّمات وهيئات تنادي بحقوق الأسرى، وما قيام تلك المنظمات والهيئات مؤخراً إلا لكثرة ما وقع ويقع من ظلم وعذاب على هؤلاء الأسرى في غياب تعاليم هذا الدين العظيم.
الدعاء