خطبة عن ( فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ، وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ)
ديسمبر 11, 2021خطبة عن ( إِنَّ الْمُؤْمِنَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَأَنَّهُ قَاعِدٌ تَحْتَ جَبَلٍ يَخَافُ أَنْ يَقَعَ عَلَيْهِ)
ديسمبر 18, 2021الخطبة الأولى ( يَا دَلِيلَ الْحَيَارَى دُلَّنِي عَلَى طَرِيقِ الصَّادِقِينَ ، وَاجْعَلْنِي مِنْ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا (174) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (175) النساء، وقال الله تعالى : (قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (15) ،(16) المائدة ،وروى الترمذي في سننه بسند حسنه : (قَالَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِىٍّ رضى الله عَنْهُمَا : عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- كَلِمَاتٍ أَقُولُهُنَّ فِي الْوِتْرِ : « اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ وَقِنِى شَرَّ مَا قَضَيْتَ فَإِنَّكَ تَقْضِى وَلاَ يُقْضَى عَلَيْكَ وَإِنَّهُ لاَ يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ »
إخوة الإسلام
يوصف الله عزَّ وجلَّ بأنه تعالى الدليل ، فهو يدُلُّ عباده ويهديهم إلى طريق الرشاد، وليس الدليل من أسمائه تعالى، وإنما هو الدليل بمعنى الهادي، قال الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ) [الصف: 10]. وروى مسلم في صحيحه : (قَالَ أُبَىُّ بْنُ كَعْبٍ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ : « إِنَّهُ بَيْنَمَا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ فِي قَوْمِهِ يُذَكِّرُهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ وَأَيَّامُ اللَّهِ نَعْمَاؤُهُ وَبَلاَؤُهُ إِذْ قَالَ مَا أَعْلَمُ فِي الأَرْضِ رَجُلاً خَيْرًا أَوْ أَعْلَمَ مِنِّى. قَالَ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ إِنِّي أَعْلَمُ بِالْخَيْرِ مِنْهُ أَوْ عِنْدَ مَنْ هُوَ إِنَّ فِي الأَرْضِ رَجُلاً هُوَ أَعْلَمُ مِنْكَ. قَالَ يَا رَبِّ فَدُلَّنِي عَلَيْهِ ..). قال شيخ الإسلام: (وهدايتُه ودلالتُه من مقتضى اسمه الهادي ، وفي الأثر المنقول عن الإمام أحمد بن حنبل ، أنه أمر رجلا أنْ يقول : (قُلْ يَا دَلِيلَ الْحَيَارَى دُلَّنِي عَلَى طَرِيقِ الصَّادِقِينَ وَاجْعَلْنِي مِنْ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ ) ، ويقول الشيخ : صالح بن عبد العزيز آل الشيخ : ( قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى : الدالّ هو الله تعالى، والدليل هو القرآن، والمبيّن هو الرسول صلى الله عليه وسلم، والمستدلّ هم أهل العلم، هذه قواعد الإسلام. هكذا قال إمام أهل السنة والجماعة، أعيدها، قال: الدال هو الله تعالى، والدليل هو القرآن، والمبيّن هو الرسول صلى الله عليه وسلم، والمستدلّ هم أهل العلم، هذه قواعد الإسلام. الدال هو الله تعالى، ولهذا حثَّنا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: قولَ الداعي يا دليل الحيارى، يا دليل الحيارى، لما؟ قال: لأن الله جل وعلا هو الدّليل وهو الدال وهو المستدل له وهو المستدل عليه. وهذا من أعظم ما يكون، فالذي استدل أو أقام الدليل هو الله جل وعلا، والذي دلّ هو الله جل وعلا، والذي يُستدل عليه هو الله جل وعلا، فكلمة الإمام أحمد هذه عظيمة دقيقة؛ الدال هو الله تعالى، والدليل هو القرآن، والمبيّن هو الرسول صلى الله عليه وسلم، والمستدل -من؟- هم أهل العلم، هذه قواعد الإسلام. )
أيها المسلمون
والأثر المنقول عن الإمام أحمد -رحمه الله- : ( يَا دَلِيلَ الْحَيَارَى دُلَّنِي عَلَى طَرِيقِ الصَّادِقِينَ وَاجْعَلْنِي مِنْ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ ) ، فنحن –المسلمين- في هذا الزمان ، زمن غربة الدين ، وحلول الفتن ، مع ضعف المسلمين ، وقلة السالكين ، وعلو المفسدين ، فنحن نسأل الله تعالى أن يدلنا ويهدينا ويثبتنا على طريق الصادقين ، وأن يلحقنا بعباده الصالحين ، فنحن ضلال إن لم يهدنا ، وجهال إن لم يعلمنا ، وأذلاء إن لم يعزنا ، وفقراء إن لم يغننا ، وحيارى إن لم ينقذنا ويهدنا، ومعذبون إن لم يرحمنا ، وضعفاء إن لم يقونا . ومن العقبات الكبيرة التي تواجه كل من يُريد التمسك بمبادئ وأخلاق دينهِ في هذا الزمان : هي الغربة ، والغربة : هي الشعور بالوحدة عند التمسك بالحق والقيم ، والغريب في هذا الزمن هو من يشعر بالوحدة ، وهو وسط أهلهِ وأصدقائه ومجتمعه ، وذلك عندما يخرج عن المألوف بينهم ، مُتمسكًا بمبادئهِ ، وأخلاقه وقيمه ، ففي مسند أحمد : (عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِى قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- ذَاتَ يَوْمٍ وَنَحْنُ عِنْدَهُ « طُوبَى لِلْغُرَبَاءِ ». فَقِيلَ مَنِ الْغُرَبَاءُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ « أُنَاسٌ صَالِحُونَ فِي أُنَاسِ سَوْءٍ كَثِيرٍ مَنْ يَعْصِيهِمْ أَكْثَرُ مِمَّنْ يُطِيعُهُمْ » وروى الإمام مسلم في صحيحه : (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ رَبِّ الْكَعْبَةِ قَالَ دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَإِذَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ جَالِسٌ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ وَالنَّاسُ مُجْتَمِعُونَ عَلَيْهِ فَأَتَيْتُهُمْ فَجَلَسْتُ إِلَيْهِ فَقَالَ كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي سَفَرٍ فَنَزَلْنَا مَنْزِلاً فَمِنَّا مَنْ يُصْلِحُ خِبَاءَهُ وَمِنَّا مَنْ يَنْتَضِلُ وَمِنَّا مَنْ هُوَ فِي جَشَرِهِ إِذْ نَادَى مُنَادِى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- الصَّلاَةَ جَامِعَةً. فَاجْتَمَعْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ « إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ قَبْلِي إِلاَّ كَانَ حَقًّا عَلَيْهِ أَنْ يَدُلَّ أُمَّتَهُ عَلَى خَيْرِ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ وَيُنْذِرَهُمْ شَرَّ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ وَإِنَّ أُمَّتَكُمْ هَذِهِ جُعِلَ عَافِيَتُهَا فِي أَوَّلِهَا وَسَيُصِيبُ آخِرَهَا بَلاَءٌ وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا وَتَجِيءُ فِتْنَةٌ فَيُرَقِّقُ بَعْضُهَا بَعْضًا وَتَجِيءُ الْفِتْنَةُ فَيَقُولُ الْمُؤْمِنُ هَذِهِ مُهْلِكَتِي. ثُمَّ تَنْكَشِفُ وَتَجِيءُ الْفِتْنَةُ فَيَقُولُ الْمُؤْمِنُ هَذِهِ هَذِهِ. فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُزَحْزَحَ عَنِ النَّارِ وَيَدْخُلَ الْجَنَّةَ فَلْتَأْتِهِ مَنِيَّتُهُ وَهُوَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَأْتِ إِلَى النَّاسِ الَّذِى يُحِبُّ أَنْ يُؤْتَى إِلَيْهِ وَمَنْ بَايَعَ إِمَامًا فَأَعْطَاهُ صَفْقَةَ يَدِهِ وَثَمَرَةَ قَلْبِهِ فَلْيُطِعْهُ إِنِ اسْتَطَاعَ فَإِنْ جَاءَ آخَرُ يُنَازِعُهُ فَاضْرِبُوا عُنُقَ الآخَرِ ». فَدَنَوْتُ مِنْهُ فَقُلْتُ لَهُ أَنْشُدُكَ اللَّهَ آنْتَ سَمِعْتَ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَأَهْوَى إِلَى أُذُنَيْهِ وَقَلْبِهِ بِيَدَيْهِ وَقَالَ سَمِعَتْهُ أُذُنَايَ وَوَعَاهُ قَلْبِي. وهذا هو حال الغرباء الذين وصفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم .
أيها المسلمون
والسؤال : كيف يتعامل السائر إلى طريق الله مع مشاعر الغربة في زمن الغربة ؟ والاجابة : عند الشعور بالغربة تذكر الآتي لكي تثبت على الحق ، وتواصل السير إلى الله : أولا : تذكر فضل الله عليك ، وأنه اصطفاك وجعلك من أصحاب القيم ، وأنك تعيش على أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم ، يقول الله تعالى : { ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّـهِ ذَٰلِكَ هُوَالْفَضْلُ الْكَبِيرُ} (فاطر: ٣٢﴾. ثانيا : تذكر فضل الله عليك أن جعلك سببًا في عدم نزول العذاب والبلاء على المجتمع ، يقول الله تعالى: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ} ﴿هود: ١١٧﴾،
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( يَا دَلِيلَ الْحَيَارَى دُلَّنِي عَلَى طَرِيقِ الصَّادِقِينَ ، وَاجْعَلْنِي مِنْ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
عند الشعور بالغربة تذكر الآتي لكي تثبت على الحق ، وتواصل السير في الطريق إلى الله : استشعر فضل الله عليك ، وهو يقول لك في كتابه الكريم : {أَلَيْسَ اللَّـهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَ يُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ وَمَن يُضْلِلِ اللَّـهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} ﴿الزمر: ٣٦﴾ ، فأنت كبير وكثير بالله. رابعا : تذكر فضل ما تفعله، فأنت تعيش مع الله ، سائر على الهدي النبوي ، وثابت على طريق الصالحين ، وخلف أُولي العزم من الرسل ، فرسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “العبادةُ في الهَرْجِ كهجرةٌ إليَّ”، رواه مسلم، ولكن لابد أن تحترس من بعض مشاعر الإغترار التي قد تصيب من يشعر بالوحدة ، فترده ،عن الطريق، ومن تلك المشاعر: أ. الشعور بأنك ضحية : لأن هذا الشعور يولد كراهية للمجتمع. ب. إياك والإستعلاء : فإذا أردت أن تكون من الصالحين ، وأن تتقرب إلى الله ، فقد يدخُل إليك الشيطان من مدخل أنك أفضل ممن حولك ، وذلك أسوأ ما يمكن أن يُصاب به من يشعر بالغربة. خامسا : لا تغتر بالكثرة: فكثرة المخالفين لا تعني أنهم على حق، فالحق حق ، ولو لم ينصره أحد، يقول الله تعالى : {وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّـهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْهُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ} ﴿الأنعام: ١١٦﴾.
الدعاء