خطبة عن(الْمُؤْمِنُ الَّذِى يُخَالِطُ النَّاسَ وَيَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ أَعْظَمُ أَجْراً)
ديسمبر 25, 2021خطبة عن اسلام الوجه لله ( بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ )
يناير 1, 2022الخطبة الأولى : إصلاحُ ذاتِ البَينِ ، وحديث ( إِيَّاكُمْ وَسُوءَ ذَاتِ الْبَيْنِ فَإِنَّهَا الْحَالِقَةُ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى الإمام الترمذي في سننه بسند صحيح ، وحسنه الألباني : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ : « إِيَّاكُمْ وَسُوءَ ذَاتِ الْبَيْنِ فَإِنَّهَا الْحَالِقَةُ »
إخوة الإسلام
إن مِن مقاصِدِ الشريعةِ الإسلامِية السَّمحةِ: إصلاحُ ذاتِ البَينِ، وقد حَثَّ الشَّرعُ الحنيفُ على الإصلاحِ بينَ النَّاسِ ،ورغَّب فيه ،ومدَح فاعِلَه، وكذلك حذَّر مِن الإفسادِ بينَ النَّاسِ ، وضاعَف العُقوبةَ لِمَن يَفعَلُ ذلك. وموعدنا اليوم -إن شاء الله- مع هذا الأدب النبوي ،والذي يقول فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم : “إيَّاكم وسُوءَ ذاتِ البِينِ”، أي: احْذَروا واتَّقوا، ولا تفعَلوا الإفسادَ بينَ النَّاسِ، ونشْرَ العداوةِ والبغضاءِ بينَهم، وإشاعةَ الخُصوماتِ والمُشاحَناتِ فيهم، كما قال اللهُ تعالَى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ} [الأنفال: 1] ، (فَإِنَّهَا الْحَالِقَةُ)، أي: إنَّها تَحلِقُ الدِّينَ وتُزيلُه ، وتَمْحو الحسَناتِ ، وتُهلِكُ صاحِبَها، أو هي الحالقةُ لكم؛ لأنَّه ينتجُ عنها الفسادُ ، الذي لا يَتناهى ، من الفِتنِ وسَفكِ الدِّماءِ المؤديةِ لذَهابِكم نفْسًا ومالًا وعِرضًا ودِينًا؛ بحيثُ لا يبقى شيءٌ ، فتكون مزيلةً لكم ، كما يُزال الشعرُ بالحَلْقِ، بعكسِ الائتلافِ بين الناسِ ، واستمرارِه على الحالةِ المحمودةِ؛ فإنَّ فيه صلاحًا ، ونماءً ، وبركةً. وقد جاءت أحاديث متعددة تحمل نفس هذا المعنى : ففي مسند أحمد : (عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « دَبَّ إِلَيْكُمْ دَاءُ الأُمَمِ قَبْلَكُمُ الْحَسَدُ وَالْبَغْضَاءُ وَالْبَغْضَاءُ هِيَ الْحَالِقَةُ حَالِقَةُ الدِّينِ لاَ حَالِقَةُ الشَّعْرِ وَالَّذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لاَ تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا أَفَلاَ أُنَبِّئُكُمْ بِشَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ أَفْشُوا السَّلاَمَ بَيْنَكُمْ ». وفي سنن الترمذي : (عَنْ أَبِى الدَّرْدَاءِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصِّيَامِ وَالصَّلاَةِ وَالصَّدَقَةِ ». قَالُوا بَلَى. قَالَ « صَلاَحُ ذَاتِ الْبَيْنِ فَإِنَّ فَسَادَ ذَاتِ الْبَيْنِ هِيَ الْحَالِقَةُ ». ففي هذه الأحاديث حث وترغيب في إصلاح ذات البين ، واجتناب الإفساد فيها؛ لأن الإصلاح سبب للاعتصام بحبل الله، وعدم التفرق بين المسلمين، وفساد ذات البين ثلمة في الدين، تعاطى إصلاحها ورفع فسادها ،نال درجة فوق ما يناله المشتغل بخويصة نفسه وإصلاح ذات البين هو بذل الجهد لتحسين العلاقات بين المؤمنين، وتقوية الروابط فيما بينهم؛ وإزالة المشاحنة والخلاف، ومنع القطيعة وإقامة الألفة، وإشاعة روح الحب والتعاون والتضامن والإخاء بين المؤمنين وبعضهم حتى يكونوا كالبنيان المرصوص؛ قال الله تعالى ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًا كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ ﴾ الصف 4، وإن ترك إصلاح ذات البين يعني الفرقة والضعف وإيجاد الثغرات التي يدخل من خلالها الشيطان ويتسلل منها العدو فتحدث الهزيمة والانهيار: لهذا كان الأمر بإصلاح ذات البين أول الأوامر بعد تقوى الله عز وجل لتحقيق النصر والغلبة على الأعداء. وقد ورد الأمر بإصلاح ذات البين في مستهل (سورة الأنفال) وذلك له شأن خاص في هذا الظرف وتلك المناسبة؛ فصلاح ذات البين هو صمام الأمان من التنازع والمشاحة بسبب توزيع الغنائم، لأن من شأنه إحداث جو من الرضا والتسامح بين من أخذ ،ومن لم يأخذ ، أو بين من أخذ أكثر ومن أخذ أقل من أخيه.. وهو أيضًا الصخرة التي تتحطم عليها آمال المشركين في هزيمة المسلمين واختراق صفوفهم.. ومن هنا كان على الدعاة والمصلحين أن يعملوا على إزالة أسباب الخلاف بين المسلمين كي يكونوا صفًا واحدًا وقلبًا واحدًا، وأن يصلحوا بين المتشاحنين، كذلك فإن منهج الدعوة لابد أن يهدف إلى تحقيق صلاح ذات البين من أجل تماسك الجبهة الداخلية في السلم والحرب ، وإشاعة أجواء الألفة والوئام بين المسلمين. ولأهمية إصلاح ذات البين نزلت أوامر الله عز وجل تؤكد أهميته، كما في قوله تعالى: ﴿ لاَ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾ النساء 114، ذلك لأن قوة المسلمين في تماسكهم واتحادهم وفيما بينهم من حب وائتلاف، ولهذا- أيضًا- أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته بصلاح ذات البين فهو من أفضل الأعمال وأعظم القربات التي يتقرب بها العبد إلى مولاه؛ فهو- أي إصلاح ذات البين- أفضل من درجة الصيام والصلاة تطوعا ؛ لأن إصلاح ذات البين تتعدى فائدته وثمرته إلى المجتمع المسلم فيسود بين أرجائه المودة والإخاء والتعاون،
أيها المسلمون
ومما سبق يتبين أهمية صلاح ذات البين وعلاقته بالدين؛ فإن فساد ذات البين يؤدي إلى ضياع الدين، وإن إصلاح ذات البين فيه قوام الدين، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين لنا الطريق إلى صلاح ذات البين : أولا : اجتناب الحسد والبغضاء ،والتحذير من أضرارهما ،وهي من الأمراض القلبية التي لابد من علاجها ومقاومتها واجتثاث جذورها. ثانيا : إشاعة الحب والتحابب بين المسلمين، وتقويه الرابطة الإيمانية ،والسعي إلى ذلك، بإفشاء السلام بين المسلمين، وحسن الظن فيما بينهم. ثالثا : إزالة العداوات بين المسلمين أولًا بأول ،والعمل على إخماد نار الفتن والخلافات بأنواعها بين المسلمين. رابعا : أباح الإسلام الكذب لمن سعى إلى الإصلاح بين المتخاصمين ،بغية التوفيق بينهما، وإزالة الضغينة ومحو أسباب الخلاف؛ ففي سنن أبي داود : (أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ : « لَمْ يَكْذِبْ مَنْ نَمَى بَيْنَ اثْنَيْنِ لِيُصْلِحَ ». وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَمُسَدَّدٌ « لَيْسَ بِالْكَاذِبِ مَنْ أَصْلَحَ بَيْنَ النَّاسِ فَقَالَ خَيْرًا أَوْ نَمَى خَيْرًا ». فمن تكاليف الإيمان صيانة روابط الإخوة بين المؤمنين؛ فالإيمان وشيجة أقوى وأثبت من وشيحة الدم، وقد يعترى تلك الوشيجة ما يعكر صفوها لاختلاف التصورات والآراء، وقد يؤدي ذلك إلى مشاحنة أو اقتتال لهذا وجب على جميع المؤمنين أن يصلحوا ويزيلوا أسباب الخلاف وأن يوقفوا الاقتتال، قال الله تعالى: (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (9) ،(10) الحجرات ، ومن المعلوم أن الشيطان لا يستريح إذا وجد الألفة والمحبة تشيع بين المسلمين حتى يأتيهم من كل طريق ويخطو خطواته للوقيعة بينهم وإشعال نار الفتنة؛ فعلى المسمين أن يحذروا ذلك ويجتنبوا أسباب الخلاف؛
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية : إصلاحُ ذاتِ البَينِ ، وحديث ( إِيَّاكُمْ وَسُوءَ ذَاتِ الْبَيْنِ فَإِنَّهَا الْحَالِقَةُ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الشيخ محمد الغزالي : (والمعروف أن الشيطان يرقب ابن آدم ،ويستمع إلى حديثهم ، يحاول أن ينزغ بينهم، فإذا وجد خطأ صغيرًا ،حاول تنميته ليكون خطيئة ضخمة، وليجعل من الشرر التافه نارًا مستعرة، وأكثر القتال الذي يدور بين الناس ، يتولد من هذا البلاء. وعلى جماعة المسلمين أن تسارع إلى تدارك الموقف ،وإصلاح ذات البين. فإذا اعتز أحد بالإثم ، وحاول البغي ، تظاهر عليه الجميع ، وأوقفوه عند حده. وقد رأيت معارك نزفت فيها دماء غزيرة ،وأعقبها خسار واسع، لأن المسلمين ضعفوا عن قول الحق للمعتدي ،وعجزوا عن رد بغيه ، فكانت النتيجة أن هانت الأمة كلها ،وطمع فيها أعداؤها.. إن ضعف رباط الأخوة الإسلامية نذير شر، وهو ذريعة إلى تدخل غير المسلمين كي يستغلوا الأوضاع المائلة لمصالحهم الخاصة، والإسلام هو الخاسر أولًا وآخرًا) قلت: بل والمسلمين
أيها المسلمون
هكذا تبين لنا أن إصلاح ذات البين من أخطر الأمور في حياة الأمة ،وصيانة كيانها ،وحفظ قوتها ،وأن ترك إصلاح ذات البين يؤدي إلى فساد كبير وشر مستطير؛ وهو ضعف الأمة وذهاب ريحها ،وانكسار شوكتها ،فتكون فريسة سهلة لأعدائها المتربصين بها من كل ناحية ؛ ولهذا كان في مقدمة أهداف الدعوة ومناهجها هو إصلاح ذات البين ، والمحافظة على صلاح ذات البين، فقد تم علاج الأمر معالجة حكيمة، وكان التصرف الحكيم العادل وذلك لمنع الفتنة وإزالة أسباب فساد ذات البين قبل حدوثها؛ وهذه هي طريقة الإسلام في معالجة الأمور؛ وهي وضع تدابير من شأنها عدم وقوع الشر والاحتياط كي لا تقع فتنة أو مشاحنة بين المسلمين.
الدعاء