خطبة حول حديث ( إِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَشَجَرَةً)
يناير 22, 2022خطبة عن قوله تعالى (وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ)
يناير 22, 2022الخطبة الأولى ( لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى الإمام البخاري ومسلم في صحيحيهما : (عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ : « لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ »
إخوة الإسلام
لقد حرص الإسلام بتعاليمه الراقية ، وشرائعه السامية ، على تنظيم علاقة الناس بربهم ، حتى ينالوا السعادة في الدنيا والآخرة ، وفي الوقت ذاته شرع الاسلام ما ينظم علاقة الناس بعضهم ببعض ؛ حتى تسود الألفة والمحبة في المجتمع المسلم ، ولا يتحقق ذلك إلا إذا حرص كل فرد من أفراده على مصلحة غيره حرصه على مصلحته الشخصية ، وبذلك ينشأ المجتمع الإسلامي قويّ الروابط ، متين الأساس . وفي هذا الحديث النبوي الكريم الذي بين أيدينا اليوم ، يقول صلى صلى الله عليه وسلم : (لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ ) ،وهذا الحديث من الأحاديث التي عليها مدار الاسلام ، قال أبو داود السجستاني – رحمه الله -: إنه من الأحاديث التي عليها مدار الإسلام ،وقال الفشني – رحمه الله -: إن هذا الحديث قاعدة من قواعد الإسلام الموصى بها في قوله تعالى: ﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ﴾ [آل عمران: 103] وقال الجرداني – رحمه الله -: إن هذا الحديث قاعدة من قواعد الإسلام، ، وقوله صلى الله عليه وسلم : (لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ ) أي ، الإيمان الكامل، فالنفي هنا للكمال والتمام، وليس نفيًا لأصل الإيمان، قال الإمام ابن حجر العسقلاني في كتابه فتح الباري لشرح صحيح البخاري، إن النفي الذى ورد في قول النبي صلى الله عليه وسلم : « لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ»، هو نفي لكمال الإيمان ونهايته، والمراد لا يبلغ العبد حقيقة الإيمان وكماله ، حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه من الخير، وقوله: « مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ» أي : مِثلَ الذي يحب لنفسه من الخير، ففي رواية أحمد : (أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لاَ يُؤْمِنُ عَبْدٌ حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ مِنَ الْخَيْرِ »، و”الخير “ كلمة جامعة تعم الطاعات والمباحات الدنيوية والأخروية، فيأتي أخاه بما يحب أن يؤتى به ،ويمنع عنه ما يحب أن يمنع عنه من الأذى ، وينصح له ، ويجتهد في أداء حقوقه ، واحترامه وتقديره ، والنظر في مصالحه، وأعظم ذلك إن رأى نقصا في دين أخيه اجتهد في إصلاحه، ولا يقدر على هذه الخصلة ويقوى عليها إلا من رزق سلامة الصدر ، وكان قلبه خاليا من الغل والغش والحسد ، فمن كان كذلك سره ما سر أخاه ، وساءه ما ساء أخاه ،قال بعض السلف (أهل المحبة لله نظروا بنور الله ، وعطفوا على أهل معاصي الله فمقتوا أعمالهم ،وعطفوا عليهم ليزيلوهم بالمواعظ عن فعالهم ،وأشفقوا على أبدانهم من النار). ومحبة الخير للغير لا تنافي أن يكره المرء أن يفوقه أحد في الجمال ،فلا يذم ولا يأثم من كره ذلك. فقد أخرج أحمد : ( قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ كُنْتُ لاَ أُحْجَبُ عَنِ النَّجْوَى وَلاَ عَنْ كَذَا وَلاَ عَنْ كَذَا. قَالَ ابْنُ عَوْنٍ فَنَسِىَ وَاحِدَةً وَنَسِيتُ أَنَا وَاحِدَةً قَالَ فَأَتَيْتُهُ وَعِنْدَهُ مَالِكُ بْنُ مُرَارَةَ الرَّهَاوِىُّ فَأَدْرَكْتُ مِنْ آخِرِ حَدِيثِهِ وَهُوَ يَقُولُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ قُسِمَ لِي مِنَ الْجَمَالِ مَا تَرَى فَما أُحِبُّ أَنَّ أَحَداً مِنَ النَّاسِ فَضَلَنِي بِشِرَاكَيْنِ فَمَا فَوْقَهُمَا أَفَلَيْسَ ذَلِكَ هُوَ الْبَغْيَ قَالَ : « لاَ لَيْسَ ذَلِكَ بِالْبَغْيِ وَلَكِنَّ الْبَغْيَ مَنْ بَطِرَ – قَالَ أَوْ قَالَ سَفِهَ – الْحَقَّ وَغَمَطَ النَّاسَ » ،والمراد أيضًا من محبة الخير : أن يحب أن يحصل لأخيه نظير ما يحصل له، والمحبة الميل إلى ما يوافق المحب. قال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح: وهذا قد يعد من الصعب الممتنع، وليس كذلك؛ إذ معناه: لا يكمل إيمان أحدكم حتى يحب لأخيه في الإسلام ما يحب لنفسه، والقيام بذلك يحصل بأن يحب له حصول مثل ذلك من جهة لا يزاحمه فيها، بحيث لا تنقص النعمة على أخيه شيئًا من النعمة عليه، وذلك سهل على القلب السليم، وإنما يعسُرُ على القلب الدغل، ومن تحلى بخلق محبة الخير للناس كان مستحقا لدخول الجنة ، ففي صحيح مسلم : ( يقول صلى الله عليه وسلم : (فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُزَحْزَحَ عَنِ النَّارِ وَيَدْخُلَ الْجَنَّةَ فَلْتَأْتِهِ مَنِيَّتُهُ وَهُوَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَأْتِ إِلَى النَّاسِ الَّذِى يُحِبُّ أَنْ يُؤْتَى إِلَيْهِ ) ،وروي في مسند أحمد : (حَدَّثَنَا سَيَّارٌ أَنَّهُ سَمِعَ خَالِدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْقَسْرِيَّ وَهُوَ يَخْطُبُ عَلَى الْمِنْبَرِ وَهُوَ يَقُولُ حَدَّثَنِي أَبِى عَنْ جَدِّى أَنَّهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « أَتُحِبُّ الْجَنَّةَ ». قَالَ قُلْتُ َعَمْ. قَالَ « فَأَحِبَّ لأَخِيكَ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ » وذلك أنه لما كان المسلم محسنا لإخوانه في الحياة الدنيا ، مشفقا عليهم ، حريصا على نفعهم ، جازاه الله بالإحسان في الآخرة ، وأدخله دار كرامته.
إخوة الإسلام
وإذا تأملنا الحديث النبوي الكريم ، لوجدنا أن تحقيق هذا الكمال الإيماني في النفس ، يتطلب منها سموا في التعامل ، ورفعة في الأخلاق مع الغير ، انطلاقا من رغبتها في أن تُعامل بالمثل ، وهذا يحتّم على صاحبها أن يصبر على أذى الناس ، ويتغاضى عن هفواتهم ، ويعفو عمن أساء إليه ، وليس ذلك فحسب ، بل إنه يشارك إخوانه في أفراحهم وأتراحهم ، ويعود المريض منهم ، ويواسي المحتاج ، ويكفل اليتيم ، ويعيل الأرملة ، ولا يألو جهدا في تقديم صنائع المعروف للآخرين ، ببشاشةِ وجه ، وسعة قلب ، وسلامة صدر .وكما يحب للناس السعادة في دنياهم ، فإنه يحب لهم أن يكونوا من السعداء يوم القيامة ، لهذا فهو يسعى دائما إلى هداية البشرية ، وإرشادهم إلى طريق الهدى ، واضعا نصب عينيه قول الله تعالى : { وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} (33) فصلت ،ويتسع معنى الحديث ، ليشمل محبة الخير لغير المسلمين ، فيحب لهم أن يمنّ الله عليهم بنعمة الإيمان ، وأن ينقذهم الله من ظلمات الشرك والعصيان ، ويدل على هذا المعنى ما جاء في رواية الترمذي لهذا الحديث ، قال صلى الله عليه وسلم : (وَأَحِبَّ لِلنَّاسِ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ تَكُنْ مُسْلِماً) رواه احمد وغيره . ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم خير أسوة في حب الخير للغير ، فهو عليه الصلاة والسلام لم يكن يدّخر جهدا في نصح الآخرين ، وإرشادهم إلى ما فيه صلاح الدنيا والآخرة ، روى الإمام مسلم : (عَنْ أَبِى ذَرٍّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « يَا أَبَا ذَرٍّ إِنِّي أَرَاكَ ضَعِيفًا وَإِنِّي أُحِبُّ لَكَ مَا أُحِبُّ لِنَفْسِي لاَ تَأَمَّرَنَّ عَلَى اثْنَيْنِ وَلاَ تَوَلَّيَنَّ مَالَ يَتِيمٍ ».
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وسلفنا الصالح -رحمهم الله- ، فقد حملوا على عواتقهم هذه الوصية النبويّة ، وكانوا أمناء في أدائها على خير وجه ، فها هو ابن عباس رضي الله عنهما يقول : ” إني لأمر على الآية من كتاب الله ، فأود أن الناس كلهم يعلمون منها ما أعلم ” ، ومن مقتضيات هذا الحديث ، أن يبغض المسلم لأخيه ما يبغضه لنفسه ، وهذا يقوده إلى ترك جملة من الصفات الذميمة ، كالحسد والحقد ، والبغض للآخرين ، والأنانية و الجشع ، وغيرها من الصفات الذميمة ، التي يكره أن يعامله الناس بها . ومن ثمرات العمل بهذا الحديث العظيم أن ينشأ في الأمة مجتمع فاضل ، ينعم أفراده فيه بأواصر المحبة ، وترتبط لبناته حتى تغدو قوية متماسكة ، كالجسد الواحد القوي ، الذي لا تقهره الحوادث ، ولا تغلبه النوائب ، فتتحقق للأمة سعادتها ، وهذا هو غاية ما نتمنى أن نراه على أرض الواقع ، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل . ومن ثمرات وفوائد هذا الحديث النبوي الكريم : أنه فيه الحث على محبة الخير للمؤمنين ، وتقوية الروابط بين المؤمنين، وفيه دلالة على أن الإيمان يزيد وينقص، يزيد بالطاعة وفعل الخيرات، وينقص بالمعصية.
الدعاء