خطبة حول قوله تعالى (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ)
فبراير 5, 2022خطبة حول حديث (أَوَّلَ زُمْرَةٍ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ)
فبراير 5, 2022الخطبة الأولى : كتاب يهدي وسيف ينصر ( وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) (الحديد:25)
إخوة الإسلام
لقد استخلف الله سبحانه وتعالى الإنسان في هذا الكون دون سائر خلقه؛ لما حباه الله من تفضيل وتكريم عليهم، وزوده بالعقل والتفكير ، الذي يمكنه من السيادة على الكون، وتسخير ما فيه من قوى طبيعية، وثروات وإمكانيات، من أجل خدمته وراحته ومنفعته وتقدمه ورقيه، قال الله تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحديد:25]. فبين الله سبحانه وتعالى : أنه أرسل الرسل بالبينات، وهي الحجج والبراهين الساطعة ،التي يوضح الله بها الحق، ويدفع بها الباطل، وأنزل مع الرسل الكتاب ، الذي فيه البيان، والهدى والإيضاح، وأنزل معهم الميزان، وهو العدل الذي ينصف به المظلوم من الظالم، ويقام به الحق، وينشر به الهدى، ويعامل الناس على ضوئه بالحق والقسط، وأنزل الحديد فيه بأس شديد، فيه قوة وردع ، وزجر لمن خالف الحق، فالحديد لمن لم تنفع فيه الحجة ،وتؤثر فيه البينة، فهو الملزم بالحق، وهو القامع للباطل، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «فذكر تعالى أنه أنزل الكتاب والميزان، وأنه أنزل الحديد لأجل القيام بالقسط؛ وليعلم الله من ينصره ورسله، ولهذا كان قوام الدين : بكتاب يهدي ،وسيف ينصر، {وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا} [الفرقان:31] ، وقال: فكان المقصود الأكبر بذكر الحديد هو اتخاذ آلات الجهاد منه؛ كالسيف والسنان والنصل، وما أشبه ذلك الذي به ينصر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم» ، فالدين الحق لا بد فيه من الكتاب الهادي ،والسيف الناصر ، ومخطئ أشد الخطأ ،من ظن أن إقامة الإسلام ،وإحراز النصر للمسلمين قد يتحقق دون بذل وتضحية وجهاد ، والمتأمل في سلف هذه الأمة ، وتاريخها المجيد ، يتبين له أنه قد قام بالنصرة بالسيف طائفة من المؤمنين ، وهم المجاهدون الصادقون ، وقام بالهداية بالكتاب العلماء وطلاب العلم والدعاة العاملين ، وهاتان الطائفتان هم بقية الخير في الأمة ، الذين قاموا بما يجب عليهم نحو دينهم وإيمانهم ، فنجوا بصلاحهم وإصلاحهم ، قال الله سبحانه : (فَلَوْلا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ) (هود: 116-117 )، ولا يخفى على العاقل البصير أن القوة المادية لها أهمية عظيمة في نشر الدعوات والأفكار، مع القوة المعنوية والحجج والبراهين، فإن أي دعوة إذا لم يكن لديها من القوة ما يحميها، ويذود عنها ،سرعان ما تتكالب عليها قوى الشر والطغيان ،حتى تستأصل خضراءها، وتظهر هذه الأهمية من قوله تعالى: {وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا} [الإسراء:81]. قال قتادة فيها: أن نبي الله صلى الله عليه وسلم لا طاقة له بهذا الأمر إلا بسلطان، فسأل الله تعالى سلطانًا نصيرًا ، لكتاب الله ولحدود الله ولفرائض الله، ولإقامة دين الله، فإن السلطان رحمة من الله ، جعله بين أظهر عباده، ولولا ذلك لأغار بعضهم على بعض ، فأكل شديدهم ضعيفهم. وقال ابن القيم رحمه الله عند قوله تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هي أَحْسَنُ} [النحل:125] ، قال : «جعل الله سبحانه وتعالى مراتب الدعوة بحسب مراتب الخلق، فالمستجيب القابل الذكي، الذي لا يعاند الحق ولا يأباه، يدعى بطريق الحكمة، والقابل الذي عنده نوع غفلة وتأخر يدعى بالموعظة الحسنة، وهي الأمر والنهي المقرون بالترغيب والترهيب، والمعاند الجاحد يجادل بالتي هي أحسن» ، وقال القاسمي: لا يحصل كمال الشخص إلا بالعلم والعمل، ولا كمال النوع إلا بالسيف والقلم، أما الأول فظاهر، وأما الثاني فلأن الإنسان مدني بالطبع، محتاج إلى التعامل والتعاون، لا تمكن معيشته إلا بالاجتماع، والنفوس إما خيّرة أحرار بالطبع، منقادة للشرع، وإما شريرة عبيد بالطبع آبية للشرع، فالأولى يكفيها في السلوك طريق الكمال، والعمل بالعدالة واللطف وسياسة الشرع، والثانية لا بد لها من القهر وسياسة الملك. وتحمل الدعوة الإسلامية ميزانًا دقيقًا للحقوق والواجبات حسب الشريعة، فلا يجوز التفريط فيها أو التخلي عنها، فهي منحة إلهية للبشرية، وقد اقتضى تطبيق تلك التعاليم جهادًا وبذلًا منذ نزول الوحي حتى استقرت دولة الإسلام، فلولا الجهاد لما قضي على الشرك ،وطابع الحياة الجاهلية، ولما استقرت معاني العقيدة ،وقيم الإسلام الاجتماعية ،ومضامينه الخلقية في نفوس الملايين. والعدل الشامل يمتد إلى المسلم والذمي والكافر، والأغنياء والفقراء، والأقوياء والضعفاء، والرجال والنساء، حيث تتحدد حقوق الجميع وفق موازين العدل ،دون احتكار أو استغلال ، أو استئثار أو ظلم ، قال الله تعالى : {إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ} [النحل:90]
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية : كتاب يهدي وسيف ينصر ( وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ولا يخفى عليكم ولا على ذي عينين أن الكفر قد حشد جمعه ، وجمع حشده كله في ساحة الإسلام ، وتعاضد الكفر الخارجي مع النفاق الداخلي على أهل الإيمان ، والدرع الواقي ، والدواء الشافي من ذلك ، أن نعمل جميعا في إقامة دين الله ، وإقامة الدين لا تتم إلا بمجابهة أخطار الخارج ، وتقويم انحراف الداخل ، فكونوا أنصار الله ، وسارعوا في رد كيد الأعداء من الكفار والمنافقين ، فأنت (أخي المسلم وأختي المسلمة) قادر على أن تفعل للإسلام الكثير ،مهما قل علمك ،وضعف تدبيرك ،وخفي اسمك ،وجهل قدرك ،فمجالات نصرة الدين ،ووسائل وأساليب الدعوة لا حصر لها ، فستجد فيها ما يناسب تخصصك وقدراتك ،فابحث عن ذلك وشاور فيه أهل العلم والصلاح من حولك ، وقل لهم أنا سهم للإسلام ،فحيث كانت مصلحة الإسلام فارموا بي هناك ، ومن بعض الأمور التي تستطيع فعلها : محافظتك على فرائض الله ،واجتناب حرماته ، فذلك من أعظم ما تنصر به الأمة ، واحذر الوقوع في المعاصي ، فإن لم تدفع عن الأمة ، فلا توهنها بذنوبك ومعاصيك ، فتعين بذلك أعداءها عليها ، فرب جرح وقع في مقتل ، واحرص على أن لا تجلس مجلسا إلا وتنصح فيه للدين ، أو تأمر فيه بالمعروف، أو تنهى فيه عن المنكر ،أو تدعو فيه إلى الخير ،أو تحذر فيه من أساليب الكفار والمنافقين ،في الصد عن سبيل الله ، والابتعاد عن حظيرة الدين .
الدعاء