خطبة عن (فِتْنَة النِّسَاءِ)
أغسطس 19, 2019خطبة عن (لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ خِبٌّ وَلاَ مَنَّانٌ وَلاَ بَخِيلٌ)
أغسطس 19, 2019الخطبة الأولى ( لاَ تَدَع قَبْرًا مُشْرِفًا إِلاَّ سَوَّيْتَهُ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى مسلم في صحيحه : (عَنْ أَبِى الْهَيَّاجِ الأَسَدِيِّ قَالَ ،قَالَ لِي عَلِىُّ بْنُ أَبِى طَالِبٍ : أَلاَّ أَبْعَثُكَ عَلَى مَا بَعَثَنِي عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :(أَنْ لاَ تَدَعَ تِمْثَالاً إِلاَّ طَمَسْتَهُ وَلاَ قَبْرًا مُشْرِفًا إِلاَّ سَوَّيْتَهُ ) .
إخوة الإسلام
لقد كرَّم الدين الاسلامي الحنيف المسلمَ ميتاً ، كما كرَّمه حياً، فبعد موت المسلم أمر الاسلام بتغسيله ،وتطييبه ، وتكفينه، ثم الصلاة عليه ، ومواراته في القبر. ونهى الاسلام عن امتهان القبور، فحرَّم المشي فوقها ، أو القعود عليها، ودعا إلى زيارتها، والسلام على أهلها، والدعاء لهم .ففي صحيح مسلم : (عَنْ جَابِرٍ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنْ يُجَصَّصَ الْقَبْرُ وَأَنْ يُقْعَدَ عَلَيْهِ وَأَنْ يُبْنَى عَلَيْهِ ). كما حَرِص الدين الاسلامي على عقائد الناس وتوحيدهم، فسدَّ أبواب الفتنة ،ومنع ما يؤدي إلى الغلوِّ في القبور ، أو أصحاب القبور، فنهى عن الصلاة في المقابر، ونهى عن تشييد البناء والقباب فوق القبور، كما أمر بتسوية القبور المشرفة المرتفعة فوق الأرض ، كما هو واضح في الحديث الذي بين أيدينا اليوم ، والذي رواه مسلم في صحيحه (عَنْ أَبِى الْهَيَّاجِ الأَسَدِيِّ قَالَ ،قَالَ لِي عَلِىُّ بْنُ أَبِى طَالِبٍ :أَلاَّ أَبْعَثُكَ عَلَى مَا بَعَثَنِي عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-:(أَنْ لاَ تَدَعَ تِمْثَالاً إِلاَّ طَمَسْتَهُ وَلاَ قَبْرًا مُشْرِفًا إِلاَّ سَوَّيْتَهُ) ،قال النووي في شرح صحيح مسلم:(وَلاَ قَبْرًا مُشْرِفًا إِلاَّ سَوَّيْتَهُ ): فيه أن من السنة ألا يرفع القبر على الأرض رفعا كثيرا، ولا يجوز البناء عليه ولا تجصيصه ، ولا كتابة آيات القرآن عليه ، ولا غير ذلك مما تعظم به القبور
أيها المسلمون
والحكمة من قول النبي صلى الله عليه وسلم (وَلاَ قَبْرًا مُشْرِفًا إِلاَّ سَوَّيْتَهُ ) ،هو عدم الغلو في الصالحين ، فبناء القباب على قبورهم ، وكذا المساجد على قبورهم ، كان من أهم الأسباب التي ساعدت على انتشار دعاء غير الله عز وجل وكانت سببا في فساد عقائد الكثير من الناس فقد قال ابن جرير في تفسيره لقوله تعالى : (وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا) (23) نوح ، قال : ( كانوا قوما صالحين بين آدم ونوح ،وكان لهم أتباع يقتدون بهم ، فلما ماتوا ، قال أصحابهم الذين كانوا يقتدون بهم : لو صورناهم كان أشوق لنا إلى العبادة إذا ذكرناهم ، فصوروهم ، فلما ماتوا وجاء آخرون دب إليهم إبليس فقال :إنما كانوا يعبدونهم وبهم يسقون المطر ، فعبدوهم. وعَنْ عَائِشَةَ أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ وَأُمَّ سَلَمَةَ (رضي الله عنهما) : (ذَكَرَتَا كَنِيسَةً رَأَيْنَهَا بِالْحَبَشَةِ فِيهَا تَصَاوِيرُ، فَذَكَرَتَا لِلنَّبِيِّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فَقَالَ: إِنَّ أُولَئِكَ إِذَا كَانَ فِيهِمْ الرَّجُلُ الصَّالِحُ فَمَاتَ بَنَوْا عَلَى قَبْرِهِ مَسْجِدًا وَصَوَّرُوا فِيهِ تِلْكَ الصُّوَرَ، فَأُولَئِكَ شِرَارُ الْخَلْقِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) متفق عليه. قال ابن رجب “هذا الحديث يدل على تحريم بناء المساجد على قبور الصالحين”. وعَن عَائِشَةَ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ (رَضيَ اللهُ عنهما) قَالَا: (لَمَّا نَزَلَ بِرَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) طَفِقَ يَطْرَحُ خَمِيصَةً لَهُ عَلَى وَجْهِهِ، فَإِذَا اغْتَمَّ بِهَا كَشَفَهَا عَنْ وَجْهِهِ، فَقَالَ وَهُوَ كَذَلِكَ: (لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ، يُحَذِّرُ مَا صَنَعُوا) رواه البخاري. وقال ابن كثير (رحمه الله) في “تفسيره”: أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) لما وجد قبر (دانيال) (أحد أنبياء بني إسرائيل بالعراق)، أمر أن يُخفى عن الناس، وأن تُدفن تلك الرقعة التي وجدوها عنده”؛ وذلك حفاظاً على عقائد الناس وتوحيدهم، حيث أن أهل فارس كانوا يغالون فيه، فأمر(رضي الله عنه) بإخفائه خشية الغلو فيه ، فيدعى ويعبد من دون الله ، فمن الأسباب التي أدت إلى انتشار الفتنة بأصحاب القبور هو الغلو في تعظيم المقبورين ، وقد جاءت النصوص الكثيرة في التحذير من هذا الداء العضال ،فعُبَّاد القبور اليوم، يلجؤون إلى الموتى وينادونهم من مكان بعيد: يا سيدي، أنا في جاهك، أنا في حسبك، ليس لي إلا الله وأنت، لا تردني خائبًا، رد غائبنا ، اشف مريضنا ، خذ بيدنا ، فرج همنا وفك كربنا ، ويسر أمرنا ، بل وإذا حضر أحدهم أمام القبر أو من داخل الضريح، سالت دموعه ، وخشعت جوارحه ، وهذا كله شرك ، لأن ذلك لا يكون إلا لله ، قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾ [الأعراف: 194]، وقال الله تعالى : ﴿ وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ [يونس: 106]، فزيارة القبور شُرِعت للعبرة وللزهد في الدنيا – وتذكرة الآخرة، والإحسان إلى الأموات بالدعاء لهم والاستغفار، ولكن للأسف بدل الذين ظلموا قولاً غير الذي قيل لهم، فبدلاً من أن يدعوا لهم ، دعوهم من دون الله، حتى أقرُّوا بذلك عين إبليس اللعين، معرضين عن كتاب ربهم وسُنة نبيِّهم، وهدْي سلف الأمة الصالح، وهذا شأن مَن أضلَّه الله، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( لاَ تَدَعَ قَبْرًا مُشْرِفًا إِلاَّ سَوَّيْتَهُ )
الحمد لله رب العالمين .وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
رو ى الترمذي في سننه : (عَنْ أَبِى وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لَمَّا خَرَجَ إِلَى خَيْبَرَ مَرَّ بِشَجَرَةٍ لِلْمُشْرِكِينَ يُقَالُ لَهَا ذَاتُ أَنْوَاطٍ يُعَلِّقُونَ عَلَيْهَا أَسْلِحَتَهُمْ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ اجْعَلْ لَنَا ذَاتَ أَنْوَاطٍ كَمَا لَهُمْ ذَاتُ أَنْوَاطٍ. فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- « سُبْحَانَ اللَّهِ هَذَا كَمَا قَالَ قَوْمُ مُوسَى (اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ ﴾ [الأعراف: 138]، وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لَتَرْكَبُنَّ سُنَّةَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ ». فرسول الله صلى الله عليه وسلم عنَّف أصحابه رضي الله عنهم على قولهم:(اجْعَلْ لَنَا ذَاتَ أَنْوَاطٍ كَمَا لَهُمْ ذَاتُ أَنْوَاطٍ )، مع العلم أنهم رضي الله عنهم لم يريدوا عبادتها، بل أرادوا اتخاذها لتعليق أسلحتهم عليها، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي جاء بالتوحيد الخالص، وأن يعبد الله وحده لا شريك له، أبَى على أصحابه أن يجعل لهم ذات أنواط، وقال لهم: (لتَركَبُنَّ سَنن مَن كان قبلكم). نعم، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أبى على أصحابه أن يجعل لهم ذات أنواط؛ لأنه يعلم أن اتخاذ مثل هذه الشجرة يجعل للشيطان على بعض القلوب من سبيل، ومن أجل ذلك قطع أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه الشجرة التي وقعت تحتها بيعة الحديبية خوفًا من افتتان الناس بها، وهذا من فقه أمير المؤمنين ، فرسول الله صلى الله عليه وسلم كان حريصًا على حماية التوحيد بكل ما أُوتي من قوة، حتى إنه نهى عن زيارة القبور في أول الأمر سدًّا لذريعة الشرك، فلما تمكَّن الإيمان من القلوب أَذِن في زيارتها. روى الإمام أحمد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « أَلاَ إِنِّي قَدْ كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ ثَلاَثٍ ثُمَّ بَدَا لِي فِيهِنَّ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ ثُمَّ بَدَا لِي أَنَّهَا تُرِقُّ الْقَلْبَ وَتُدْمِعُ الْعَيْنَ وَتُذَكِّرُ الآخِرَةَ فَزُورُوهَا ولاَ تَقُولُوا هُجْراً ) وفي رواية لابن ماجه « كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوا الْقُبُورَ فَإِنَّهَا تُزَهِّدُ فِي الدُّنْيَا وَتُذَكِّرُ الآخِرَةَ ».وفي رواية للبيهقي : « نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا فَإِنَّ فِيهَا عِبْرَةً ) ، هذه هي الحكمة من زيارة القبور، وليس كما يفعل البعض اليوم ،فمنهم من يرتفع صوته بالبكاء ، وتجديد الأحزان ، ومنهم من يدعوا الأموات ويرجوا منهم الغوث والمدد ، وكلا الحالتين فيه معصية لله تعالى ، وعدم تحقيق الهدف الذي من أجله شرعت زيارة القبور
الدعاء