خطبة حول حديث (إِنَّ أُمَّتَكُمْ هَذِهِ.. سَيُصِيبُ آخِرَهَا بَلاَءٌ وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا)
فبراير 26, 2022خطبة حول (الاهتمام بالآخرين : مظاهره وفوائده)
مارس 5, 2022الخطبة الأولى ( الإسلام بين الدنيوية والرهبانية )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ) (27) الحديد ، وروى أبو داود في سننه : (عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قال : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ يَقُولُ « لاَ تُشَدِّدُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ فَيُشَدَّدَ عَلَيْكُمْ فَإِنَّ قَوْمًا شَدَّدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ فَشَدَّدَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ فَتِلْكَ بَقَايَاهُمْ فِي الصَّوَامِعِ وَالدِّيَارِ (رَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ) ». (27) الحديد ، وروى الإمام أحمد في مسنده : (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ : « لِكُلِّ نَبِيٍّ رَهْبَانِيَّةٌ وَرَهْبَانِيَّةُ هَذِهِ الأُمَّةِ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ »
إخوة الإسلام
من الحقائق المسلَّم بها في الشريعة الإسلامية أنها شريعة وسطية ربانية، فلا هي شريعة مادية دنيوية كالتي مال إليها اليهود، ولا هي شريعة رهبانية كالتي مال إليها النصارى، فقد سيطرت على اليهود النزعة المادية الشكلية حتى أنهم قالوا لنبيهم : ﴿ لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً ﴾ [البقرة:55] ، فقلوبهم وعقولهم لا تؤمن إلا بالمادة المحسوسة، ولا تؤمن بما وراءها من الغيبيات ، لذلك فقد جاءت الشريعة اليهودية شديدة في أحكامها، وحرمت عليهم طيبات قد أُحلت لهم من قبل، قال الله تعالى: ﴿ فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا * وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ﴾ [النساء: 159، 160]. وأيضاً لم تأت شريعة الإسلام بالرهبانية التي ابتدعها النصارى، كما قال الله تعالى : ﴿ ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ ﴾ [الحديد: 27]. فالرهبانية النصرانية جاءت انقطاعاً عن الدنيا وملذاتها للتعبد، والامتناع عن الزواج، وعن عمارة الأرض، ورفض الإسلام هذه الرهبانية رفضاً مطلقاً، ففي صحيح البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: جَاءَ ثَلاَثَةُ رَهْطٍ إِلَى بُيُوتِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَسْأَلُونَ عَنْ عِبَادَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا أُخْبِرُوا كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا، فَقَالُوا: وَأَيْنَ نَحْنُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، قَالَ أَحَدُهُمْ: أَمَّا أَنَا فَإِنِّي أُصَلِّي اللَّيْلَ أَبَدًا، وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَصُومُ الدَّهْرَ وَلاَ أُفْطِرُ، وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلاَ أَتَزَوَّجُ أَبَدًا، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ، فَقَالَ: “أَنْتُمُ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا، أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ، لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي” ، وفي مسند أحمد : (عَنْ عُرْوَةَ قَالَ دَخَلَتِ امْرَأَةُ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ – أَحْسِبُ اسْمَهَا خَوْلَةَ بِنْتَ حَكِيمٍ – عَلَى عَائِشَةَ وَهِىَ بَاذَّةُ الْهَيْئَةِ فَسَأَلَتْهَا مَا شَأْنُكِ فَقَالَتْ زَوْجِي يَقُومُ اللَّيْلَ وَيَصُومُ النَّهَارَ . فَدَخَلَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- فَذَكَرَتْ عَائِشَةُ ذَلِكَ لَهُ فَلَقِىَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عُثْمَانَ فَقَالَ : « يَا عُثْمَانُ إِنَّ الرَّهْبَانِيَّةَ لَمْ تُكْتَبْ عَلَيْنَا أَفَمَا لَكَ فِيَّ أُسْوَةٌ فَوَ اللَّهِ إِنِّي أَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَحْفَظُكُمْ لِحُدُودِهِ ». وحينما أرسل النبي صلى الله عليه وسلم عمرو بن العاص على رأس سرية ذات السلاسل – ولم يكن مضى على اسلامه سوى أشهر قليلة – قال له صلى الله عليه وسلم: ” إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَبْعَثَكَ عَلَى جَيْشٍ فَيُسَلِّمَكَ اللَّهُ وَيُغْنِمَكَ وَأَرْغَبُ لَكَ مِنْ الْمَالِ رَغْبَةً صَالِحَةً”، قال: فقلت: يا رسول الله، ما أسلمت من أجل المال، ولكني أسلمت رغبة في الإسلام، وأن أكون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال: ” يَا عَمْرُو، نِعْمًا بِالْمَالِ الصَّالِحُ لِلرَّجُلِ الصَّالِحِ” ،ولم يقل النبي صلى الله عليه وسلم لعمرو بن العاص ما قاله المسيح –عليه السلام-: “بع كل مالك واعط الفقراء فيكون لك كنز في السماء وتعال اتبعني” ومنع الرسول صلى الله عليه وسلم سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه من الوصية بأكثر من الثلث، ففي صحيح البخاري : (عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ أَبَاهُ قَالَ عَادَنِي رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ مِنْ شَكْوَى ، أَشْفَيْتُ مِنْهَا عَلَى الْمَوْتِ ، فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ بَلَغَ بِي مَا تَرَى مِنَ الْوَجَعِ ، وَأَنَا ذُو مَالٍ ، وَلاَ يَرِثُنِي إِلاَّ ابْنَةٌ لِي وَاحِدَةٌ ، أَفَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثَيْ مَالِي قَالَ « لاَ » . قُلْتُ فَبِشَطْرِهِ قَالَ « الثُّلُثُ كَثِيرٌ ، إِنَّكَ أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ ، خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ ، وَإِنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِى بِهَا وَجْهَ اللَّهِ ، إِلاَّ أُجِرْتَ ، حَتَّى مَا تَجْعَلُ فِي فِي امْرَأَتِكَ »
وعلى الطرف الآخر رفض الإسلام – أيضاً – الدنيوية الغارقة في الملذات والشهوات .. قال تعالى ﴿ اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾ [الحديد: 20]. وفي صحيح مسلم : (عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ وَإِنَّ اللَّهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا فَيَنْظُرُ كَيْفَ تَعْمَلُونَ فَاتَّقُوا الدُّنْيَا وَاتَّقُوا النِّسَاءَ فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِى إِسْرَائِيلَ كَانَتْ فِي النِّسَاءِ ». وقالوا لعلي بن أبي طالب: يا أبا حسن، صف لنا الدنيا. قال: أُطيل أم أقصر؟ قالوا: بل أقصر. قال: حلالها حساب، وحرامها النار! فجاءت الشريعة الإسلامية وسطاً – كعادتها – بين طرفي النقيض. يعبر عن هذا الأمر القاعدة القرآنية ﴿ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ﴾ [القصص: 77]. قال صاحب الظلال: “وفي هذا يتمثل اعتدال المنهج الإلهي القويم. المنهج الذي يعلق قلب واجد المال بالآخرة. ولا يحرمه أن يأخذ بقسط من المتاع في هذه الحياة. بل يحضه على هذا ويكلفه إياه تكليفاً، كي لا يتزهد الزهد الذي يهمل الحياة ويضعفها. لقد خلق الله طيبات الحياة ليستمتع بها الناس؛ وليعلموا في الأرض لتوفيرها وتحصيلها، فتنمو الحياة وتتجدد، وتتحقق خلافة الإنسان في هذه الأرض. ذلك على أن تكون وجهتهم في هذا المتاع هي الآخرة، فلا ينحرفون عن طريقها، ولا يشغلون بالمتاع عن تكاليفها. والمتاع في هذه الحالة لون من ألوان الشكر للمنعم، وتقبل لعطاياه، وانتفاع بها. فهو طاعة من الطاعات يجزي عليها الله بالحسنى” وهذا رجل ذم الدنيا عند علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – فقال: “الدُّنْيَا دَارُ صِدْقٍ لِمَنْ صَدَقَهَا، وَدَارُ نَجَاةٍ لِمَنْ فَهِمَ عَنْهَا، وَدَارُ غِنًى لِمَنْ تَزَوَّدَ مِنْهَا، مَهْبَطُ وَحْيِ اللَّهِ، وَمُصَلَّى مَلائِكَتِهِ، وَمَسْجِدُ أَنْبِيَائِهِ، وَمَتْجَرُ أَوْلِيَائِهِ، رَبِحُوا فِيهَا الرَّحْمَةَ، وَاكْتَسَبُوا فِيهَا الْجَنَّةَ، فَمَنْ ذَا يَذُمُّهَا وَقَدْ أَذِنَتْ بِبَيْنِهَا، وَنَادَتْ بِفِرَاقِهَا ..”. وكان الحسن البصْري يلبس ثوبًا بأربعمائة، وفرقد السنجي يلبس المسح، فلقي الحسن، فقال: ما ألينَ ثوبَك! قال: “يا فرقد، ليس لينُ ثيابي يبعدُني عن الله، ولا خشونة ثوبِك تقرِّبُك من الله”. وهكذا يتبين لنا جليا : أن شريعة الإسلام لا رهبانية ولا دنيوية ، ولكنها وسطية ربانية.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( الإسلام بين الدنيوية والرهبانية )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
فالوسطية إذن منهج في فهم الدين والعمل به ،يقوم على نبذ الغلو في الدين والتزيد فيه بالتشديد على النفس أو التشديد على الآخرين، كما يقوم على نبذ التفريط والتضييع لعقيدة التوحيد وأحكام الشريعة وآداب الإسلام وأخلاقه وأنظمته. فذلك كله مفض بصاحبه إلى الخسران والندامة غدا يوم لقاء الله كما ورد في قوله تعالى: { قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَاحَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ} الانعام (31) ،وفي قوله تعالى: {أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَاحَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ} الزمر (56) و يقول الإمام الطبري في نفس المعنى «وأرى أن الله تعالى ذكره إنما وصفهم بأنهمّ وسطّ لتوسطهم في الدين، فلا هم أهل غلو فيه، غلو النصارى الذين غلو بالترهب، وقيلهم في عيسى ما قالوا فيه ـ ولا هم أهل تقصير فيه تقصير اليهود الذين بدلوا كتاب الله، وقتلوا أنبياءهم، وكذبوا على ربهم، وكفروا به، ولكنهم أهل توسط واعتدال فيه. فوصفهم الله بذلك، إذ كان أحب الأمور إلى الله أوسطها ، فالأمة الإسلامية أمة وسط باعتدالها واستقامتها على الأخلاق والقيم التي بثها فيها الإسلام لتبتعد بها في كل شيء، وفي كل شأن من شؤون حياتها عن الإفراط والتفريط وما يتبع ذلك من غلو أو تقصير. وهي لا تكون وسطا حتى تحمل هذه القيم وتحافظ عليها وتعمل بها وتسعى إلى تحقيقها لتستحق بذلك أن توصف بأنها خير أمة أخرجت للناس
الدعاء